حين يصير كاتبك المفضل ناشطا سياسيا

تاريخ الإضافة الإثنين 12 كانون الأول 2011 - 5:22 ص    عدد الزيارات 870    التعليقات 0

        

حين يصير كاتبك المفضل ناشطا سياسيا
سرقتهم الساحات واستساغوا الخطابات بدل اللغة الشعرية
القاهرة: مي إبراهيم

* الروائي علاء الأسواني ناشط ومنخرط في الثورة المصرية، برهان غليون أكاديمي وباحث صار رئيسا للمجلس الوطني السوري، المخرج خالد يوسف ناضل هو الآخر بقوة في ميدان التحرير مع عشرات الشعراء والكتاب والفنانين.. الروائية اللبنانية علوية صبح تأخرت في إصدار روايتها الجديدة لأنها انشغلت بالثورات عن عملها. هل سرقت السياسة المثقفين أم أنها ستمنحهم دفعا نشهد آثاره في شهور وسنوات مقبلة؟

 

مع تصاعد وتيرة الثورات والانتفاضات الشعبية في فضاء «الربيع العربي» أصبحت السياسة محورا أساسيا في حياة الجميع، سواء بمتابعة الأحداث أو بالمشاركة الفعلية في المظاهرات والاحتجاجات التي أصبحت بمثابة خبز يومي في عدد من البلدان العربية. في غمرة هذا المشهد قفز على طاولة السياسة عدد كبير من الأدباء والشعراء والفنانين، وتحولوا إلى نشطاء سياسيين، سواء من خلال وجودهم مع الجماهير الغفيرة في ساحة المظاهرات، أو من خلال كتاباتهم الأدبية أو تعليقاتهم على الأحداث بمقالات في الصحف أو حوارات تلفزيونية يقومون فيها بدور التحليل السياسي وإبداء الرأي والمشورة في الأحداث الجارية التي تمر بها البلاد، لينعكس دورهم ونضالهم السياسي في النهاية على إبداعهم الأدبي الذي ربما تراجع قليلا إلى محطة تالية لكنه مع ذلك أصبح مشبعا بأفكار ورؤى ثورية. هذه الرؤى قد تؤتي أكلها أدبيا في مرحلة لاحقة، بعد أن تنضج وتستقر في التربة الجديدة ثمرة الثورة.

«الشرق الأوسط» سألت في هذا التحقيق عددا من الأدباء والشعراء، عن طبيعة هذا الدور الطارئ، وظاهرة تحول الأديب والشاعر إلى ناشط سياسي، وأثرها على الواقع والأدب معا.

الكاتب الروائي محمد المخزنجي يرى أن «الأديب يفترض أنه إنسان عالي الإنسانية، ومن ثم لا بد أن يستجيب لكل نداء من نداءات الألم البشري، والاستبداد والفساد والقهر والتعصب كلها نماذج صارخة لمسببات الألم البشري في بلادنا، والأدب عملية تحتاج إلى اختمار ووقت. لكن هناك نداءات عاجلة من الواقع لا تنتظر هذا الوقت وهذا الاختمار تماما مثلها مثل حالات الألم العنيفة التي تتطلب إسعافا فوريا لا يحتمل الانتظار. وهنا فإن الأديب باعتباره إنسانا يفترض أنه عالي الإنسانية عليه أن يلبي نداء الواجب، وأنا لبيت نداء الواجب وما زلت ألبيه مثلي مثل غيري من الأدباء المصريين الذين نذروا أنفسهم في هذه الفترة للكتابة في الشأن العام». ويضيف المخزنجي: «لقد عبر أحد قمم الأدب العربي الحديث وهو الدكتور يوسف إدريس عن هذه المسألة بشكل بسيط وواضح وهو يقول: (إن رأيت بيتا يحترق فهل تحضر مقعدا وتجلس لتتأمل الكارثة لتكتب عنها قصة بديعة أو قصيدة عصماء أم تسارع للمساهمة في إنقاذ الضحايا وإخماد النار وإطفاء الحريق».

يتابع المخزنجي: «بالنسبة لكون الكثير من الأدباء في المرحلة الأخيرة قد تحولوا إلى نشطاء سياسيين فهذا لا مانع منه إذا كان الأديب قادرا على ذلك، فأن تكون أديبا وناشطا سياسيا ميدانيا هي مرتبة عالية ولكنها تحتاج إلى قدرات أخرى بجانب الموهبة الأدبية فلا بد أن يكون الشخص متمكنا من الخطابة والتأثير والتفاعل مع الجماهير. لا أزعم أني قد تحولت إلى ناشط سياسي، وإن كنت أهتم بالكتابة في الشأن العام في هذه المرحلة الحرجة».

ويرى الشاعر شعبان يوسف أن ما يحدث في مصر حاليا هو انتفاضة كبرى للشعب وللشباب المصري، وبالقطع لا يوجد أديب أو شاعر يمكن أن يجلس في منزله وينفصل عن الواقع. هناك مشاركة جيدة جدا للأدباء والشعراء في الثورة المصرية، سواء عن طريق المشاركة الفعلية في الأحداث أو عن طريق الإبداعات الأدبية المختلفة. فالأديب هو مواطن مصري في النهاية ولا مانع من أن يشارك في الأحداث السياسية. ثمة بالفعل عدد من الشعراء والأدباء، انخرطوا في الأحداث منذ البداية. الشاعر والأديب هما مواطنان مصريان في النهاية، وهناك شعراء قاموا بكتابة دواوين كاملة. فالثورة المصرية ملهمة لأي كاتب أو شاعر لا يستطيع أن يقف أمامها مكتوف الأيدي. ثم إن الأديب الحقيقي مرتبط بما يحدث لأن اللحظة الراهنة التي نعيشها أعلى دراميا وفنيا من أي لحظة سابقة حتى وإن أصبحت لديه إبداعات مؤجلة يمكنها أن تنتظر لفترة حتى لا تطغى على الإبداع الناتج من تأثير اللحظة الراهنة والانفعال بها. كثير من الشعراء انفعلوا بالموقف وقدموا أعمالا شعرية على مستوى عال جدا مثل قصيدة «الميدان» لعبد الرحمن الأبنودي وقصيدة «الطغاة وإرادة الحياة» لأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهما كثير، فالأدب والشعر لهما أشكال مختلفة من التعبير ومستويات مختلفة، بعضها يمكن أن يقدم من وحي اللحظة وبعضها يمكن أن يحتاج إلى بعض الوقت.

وحول بروز الأديب كناشط سياسي، يرى يوسف أن هذا طبيعي وهو نتيجة للحظة الثورية وتصاعدها على كل المستويات. ويتساءل يوسف: «لماذا نتوقف عند هذه الظاهرة»؟، مؤكدا أن «أي إبداع لا ينفصل عن السياسة، لكن تتفاوت الطرق والمعالجات الأدبية في التعبير عن ذلك، بين الشعراء والأدباء».

الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد يرى أن «الأديب يجب ألا ينفصل عن الأحداث وعن الواقع المحيط وهذا ما قمت به. فقد شاركت في الثورة المصرية على مدار الـ18 يوما في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكانت تجربة عميقة نتج عنها كتابي (لكل أرض ميلاد: أيام التحرير). فميدان التحرير وأيام الثورة الأولى كانت عبارة عن متحف فني ومكان أدبي ومنتدى ثقافي، وكانت تجربة ملهمة للفنانين في كل أنواع الفنون سواء الكتابة أو الفنون التشكيلية والموسيقى والغناء. هناك كتابات كثيرة لكتاب متعددين متعلقة بالثورة على مستوى عال، وعلى رأسها الكتب الشبيهة بالمذكرات أو التي ترصد تجربة الكاتب». ويوضح عبد المجيد أنه كثيرا ما «يخلط الناس بين الإبداع والكتابة المتابعة لحدث ما»، مؤكدا أن الإبداع يحتاج إلى بعض الوقت، كما أن الروايات الكبيرة تحتاج إلى وقت. ولكن هذا لا يمنع الأديب من الكتابة والمشاركة والتفاعل مع الأحداث الجارية من حوله؛ فهناك أنواع متعددة من الكتابة بخلاف الرواية مثل السير والتعليقات والآراء والتوثيق، وكلها أشكال فنية من الكتابة تصلح للتفاعل مع الأحداث في وقتها مع ذروة الانفعال والتوتر بالحدث مثلها مثل الشعر، فظهرت قصائد رائعة في هذه الفترة. أما الرواية فإنها تحتاج إلى هدوء نفسي ووقت طويل.

ويقول الشاعر ياسر الزيات: «بالنسبة لي فكان لي وضع خاص. فأنا شاعر وصحافي في الوقت نفسه، ولكن المفارقة في أن هناك من يعتقد بوجود شخصين يحملان نفس الاسم أحدهما شاعر والآخر صحافي ذو آراء سياسية. وفي بداية عملي تلقيت تحذيرات من أدباء كبار مفادها أن الصحافة تقتل الشعر لذلك حرصت على أن أكون صحافيا حتى نهاية وقت عملي وشاعرا طوال الوقت. وإن كان كلا منهما أفادني بشكل ما، فالصحافة جعلتني متصلا بالواقع، فأنا لست غريبا عن السياسة، أما الشعر ففتح خيالي على آفاق المستقبل، وجعلني حالما بمستقبل أفضل».

ويتساءل الزيات: «إن لم يكن للكتاب والأدباء دور سياسي فمن سيكون له هذا الدور، ولكن بشرط ألا يكون الأديب أو الشاعر ملتزما سياسيا أو منظما حزبيا، لأن الأصل في الأديب ألا يتبع أحدا، بعكس السياسي المقيد بالتزامه تجاه حزب أو حركة معينة. فبشكل عام كل شعر له أبعاد سياسية حتى العاطفي والمرتبط بالأزمات النفسية، فالشاعر غير منفصل عن مجتمعه حتى وإن كان يبدو عليه أنه منفصل، فشعره هو تجسيد لحالة نفسية تولدت من تعايشه أو عزلته في المجتمع. وبالتالي لا يوجد انفصال بين الشعر والسياسة، أو بين الشاعر والسياسة. فكل ما نعيشه هو سياسة حتى أزماتنا العاطفية وتوتراتنا الداخلية، لكن طريقة التعبير تختلف». ويضيف الزيات «أما بالنسبة لتقييمي لإنتاج الكتاب المتعلق بالسياسة وبالثورة المصرية تحديدا في الفترة الأخيرة فأرى أنه مع احترامي للكثير مما كتب، إلا أنني أعتقد أن الثورات تحتاج إلى وقت طويل لكي تفرز أشكالا جديدة للفن. فما كتب هو انفعال لحظي صادق، وأيضا هو لا ينفصل عن تحول عدد من الشعراء والأدباء إلى ناشطين سياسيين. فلحظة الصدق هذه التي فجرتها الثورة، هي بمثابة فعل تطهير وتغيير من أدران فساد دام لعقود طويلة. ومع ذلك ستظل الثورة في الأدب والفن هي ما يغير في الأشكال الفنية ويبتكر أشكالا جديدة وهذا ربما يحتاج إلى وقت ومسافة من التأمل والهضم والتمثل. فالشعر ليس انفعالا لحظيا فقط، ولكنه يحتاج إلى سنوات من التجربة وبالتالي فما يكتب أثناء الاحتجاجات التي تشكل الثورات هو أقرب إلى تسجيل للحظة. فلكي يحدث تغيير لا بد أن تتغير ثقافة المجتمع وتتغير الأشكال الفنية التي تعبر عنها».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,402,986

عدد الزوار: 6,989,997

المتواجدون الآن: 65