تقارير...مصادر إسرائيلية: الحل الوحيد للتسوية «ضم» الضفة الغربية إلى الأردن....تفاؤل في أسواق المال المصرية والدولار يتراجع رغم خفض التصنيف الائتماني

عزل مرسي يهدد بخلق جيل جديد من «الجهاديين» ...تقدم عسير إلى الأمام في مصر....أنطاكيا: حين يختلط نهر العاصي القومي بالمذهبي في إقليم العلويين الأتراك.... التطورات الأخيرة في مصر تسبب انتكاسة لسياسة تركيا الخارجية

تاريخ الإضافة الإثنين 8 تموز 2013 - 6:38 ص    عدد الزيارات 2025    القسم دولية

        


عزل مرسي يهدد بخلق جيل جديد من «الجهاديين»

الحياة.. القاهرة - أحمد رحيم

«سنقوم بتفجيرات ونحمل السلاح ولن يثنينا عن إعادة الرئيس محمد مرسي إلى القصر إلا الموت». بهذه العبارة تحدث رجل أربعيني ملتحٍ في اعتصام «رابعة العدوية» الذي يضم آلافاً من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي يسمعون خطباً من قيادات في التيار الإسلامي بعضهم يحض على «الجهاد» و «الاستشهاد» في سبيل «نصرة الإسلام».

شباب كثر في الاعتصام مقتنعون أن «ثورة 30 يونيو» ما هي إلا انقلاب على «الحكم الإسلامي» من جيش «عقيدته علمانية». وهم لا يواربون في التحدث بكلمات عدائية عن الجيش وضباطه، بل وفي أي مواجهة مع الضباط خلال مسيراتهم فإنهم يسبّونهم وجهاً لوجه.

وعلى مقربة من المنصة الرئيسة للاعتصام، طاف عشرات الشباب يرتدون سراويل بيضاء ويحملون أقمشة بيضاء، فوقها ورقة مطوية، في إشارة إلى «الكفن والوصية»، كأنهم مقدمون على «الاستشهاد».

صور الرئيس المعزول التي تُرفع في اعتصام «رابعة العدوية» لا يُنازعها إلا «رايات سوداء» مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا تكاد تخلو مسيرة من مسيرات «تأييد الشرعية» من أعلام يرفعها في العادة «تنظيم القاعدة» الأمر الذي يشير إلى «تيارات جهادية» محتملة وسط المتظاهرين.

هؤلاء يرون في معارضي مرسي «أعداء للإسلام»، ولا يتورعون عن قتلهم بدم بارد إذا تمكّنوا من ذلك. وأظهر شريط مصور تتحرى قوات الأمن عن أشخاصه كيف أن هؤلاء «الجهاديين» يمثلون في نظر مسؤولي الدولة خطراً بالغاً على السلم الأهلي. وفي الشريط يظهر رجل ملتحٍ يرفع راية «تنظيم القاعدة» بجواره أفراد بينهم ملتحون هم على الأرجح من أنصار مرسي، يحيطون بصبية يعتلون حجرة على سطح منزل، ويرشقونهم بالحجارة في محاولة للإمساك بهم، لكن الصبية يمنعونهم من الصعود إلى سطح الحجرة، لكن واحداً منهم تمكن من القفز أعلى السطح ليطيح الصبية واحداً تلو الآخر على أرضية سطح العقار، لينهال أنصار الرئيس المعزول عليهم بالعصي، حتى أنهم ضربوا شاباً حتى لفظ أنفاسه، في مشهد مروّع دفع مديرية أمن الإسكندرية إلى إعلان أنها شكّلت فريقاً أمنياً للقبض على القتلة.

وأعلنت جماعة إسلامية أطلقت على نفسها اسم «أنصار الشريعة» حمل السلاح ضد الدولة بعد عزل مرسي. وقالت الجماعة الجديدة في بيان نُشر على مواقع متشددة إن تدخل الجيش لعزل الرئيس محمد مرسي وغلق القنوات الدينية و «قتل الإسلاميين» في التظاهرات كل ذلك يُعتبر «إعلان حرب على الإسلام. وسنستخدم العنف لفرض أحكام الشريعة».

وأعلنت الجماعة أنها ستجمع أسلحة وتبدأ تدريباً لأعضائها من أجل هذا الغرض، معتبرة أن «العلمانيين ومؤيدي مبارك وأقباط مصر وقوات أمن الدولة وقادة الجيش سيحولون مصر إلى توجه صليبي علماني ممسوخ»، بحسب ما نُقل عن هذه الجماعة التي لا يمكن التأكد من صحة بيانها أو من وجودها.

وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور نبيل عبدالفتاح لـ «الحياة» إن «سيناريو تشكيل جماعات جهادية وخلق جيل جديد من المتشددين وارد بقوة»، لكنه أوضح أن «هذا السيناريو موجود بالفعل وكان سينمو حتى في ظل وجود مرسي».

واستغرب عبدالفتاح أن يعمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» خلال فترة حكمهم إلى الإفراج عن عناصر متشددة ارتكبت جرائم ترتب عليها قتل العديد من رجال الدولة وشخصيات عامة أو اعتداء على ممتلكات عامة ودور عبادة.

وكان مرسي أصدر عفواً عن عشرات ممن صدرت ضدهم أحكام بالإعدام والسجن المؤبد في قضايا إرهاب، ما كان مثار انتقادات لاذعة من معارضيه.

ورأى عبدالفتاح أن تلك الإفراجات تمت في إطار «صفقة سياسية» لمواجهة معارضي حكم مرسي. وأضاف: «هذه الصفقة سُمح بمقتضاها لعناصر من السلفية الجهادية والقاعدة وقطاع غزة بالتواجد في سيناء وارتكاب جرائم ضد الأمن الوطني الداخلي، من أجل استخدام تلك المعادلة كفزاعة للغرب».

ورأى أن تلك «الأخطاء الفادحة» ساعدت في إحداث «توافق إرادات» خلال الانتفاضة الثورية الثانية بين غالبية واضحة من الشعب المصري (الذي تظاهر بالملايين ضد مرسي) ومؤسسات الدولة لإحداث تغيير جذري في تركيبة السلطة بهدف الحفاظ على «الأمن القومي» لمصر.

وبعد يوم من خروج ملايين المصريين إلى الشوارع في 30 حزيران (يونيو) الماضي مطالبين بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإسقاط مرسي، سارع وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلى إمهال رئيس الجمهورية 48 ساعة لتحقيق «مطالب الشعب»، ما أوحى بأن القوات المسلحة استشعرت خطورة استمرار نظام «الإخوان المسلمين».

وقال عبداللفتاح: «قطعاً سيناريو ظهور جيل جديد من الجهاديين متوقع بعد عزل مرسي، وأي متخصص في شؤون الحركات الراديكالية يعرف ذلك، لأن تلك الجماعات موجودة بالفعل والبيئة مهيئة لظهور تنظيمات جديدة».

لكنه توقع أيضاً أن تبدأ «مراجعات ضارية» في أفكار جماعة «الإخوان» بعدما تهدأ الأمور. وقال: «وصول القطبيين لسدة اتخاذ القرار في مكتب الإرشاد، تسبب للمرة الأولى في ضرب الفكرة الإخلاقية والدينية لمشروع حسن البنا».

غير أنه لم يستبعد أن يندفع شباب من جماعة «الإخوان» نفسها «بشكل مرحلي» إلى «الانخراط في العمل الجهادي، وتشكيل جماعات عنيفة»، لكن هذا التوجه سيكون «مرحلياً» ومدفوعاً باليأس من خسارة الحكم، لكن «أسئلة الفشل» ستطرح نفسها على الجماعة في الفترة المقبلة، وحينها سيعود هؤلاء إلى «ميراث التنظيم» الذي أضاعته قيادة الجماعة من خلال قرارات اتسمت بعدم الرشد السياسي، كما يرى منتقدون للقيادة الحالية.

وكانت وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية خاطبت قبل أيام النيابة العامة «لموافاتها بما انتهت إليه التحقيقات بشأن الاشتباكات التي صاحبت إحراق مقر مكتب إرشاد جماعة الإخوان يوم الأحد الماضي لتحديد ما إذا كان المقر قد شهد تخزيناً لأسلحة أو ما تردد بشأن وجود تشكيلات أو ميليشيات عسكرية داخله»، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكان حل الجماعة إذا ما ثبت أنها خالفت قوانين إنشائها. وكانت جماعة «الإخوان» سجلت نفسها في وزارة الشؤون الاجتماعية كجمعية أهلية قبل أشهر.

 

 

تفاؤل في أسواق المال المصرية والدولار يتراجع رغم خفض التصنيف الائتماني
الحياة..القاهرة - مارسيل نصر

سادت أسواق المال المصرية حال من التفاؤل بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي‏، على ‏رغم خفض مؤسسة «فيتش» تصنيفها لمصر من «بي» إلى «بي سالب»، وتقدمت البورصة المصرية 13.8 في المئة خلال أسبوع.

وتراجعت أسعار الدولار في السوق الموازية بحوالى ‏30‏ قرشاً خلال يومين‏، كما‏ توقف المتعاملون عن شرائه خوفاً من استمرار انخفاضه في الأيام المقبلة‏.‏ وسجل الدولار في السوق الموازية 7.35 جنيه للشراء و7.38 جنيه للبيع، بينما سجلت أسعاره في السوق الرسمية 7.03 جنيه للشراء و7.06 جنيه للبيع.

وأكد رئيس شعبة شركات الصيرفة، محمد الأبيض، أن هناك تفاؤلاً في الأسواق مع التطورات التي شهدتها مصر، متوقعاً أن يشهد الدولار مزيداً من الانخفاض خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع الاستقرار الأمني وعودة حركة السياحة.

وقال «الأوضاع الاقتصادية ستعود إلى طبيعتها سريعاً وسيصاحب ذلك استقرار كبير في أسواق الصرف، خصوصاً مع بدء عمل آليات الدولة وما يمكن أن يقوم به المصرف المركزي من إجراءات لتنشيط السوق».

وأشار المسؤول في إحدى شركات الصيرفة، عماد حسين، إلى أن التعاملات شهدت تراجعاً واضحاً في الطلب على الدولار خصوصاً في السوق الموازية، نظراً إلى حال التفاؤل التي عمت الأسواق، والتوقعات بمزيد من التراجع للأسعار في السوق الموازية، مشيراً إلى أن إغلاق المصرف باكراً ساهم أيضاً في هدوء حركة التعاملات، نظراً إلى نقص السيولة من الجنيه المصري.

وأضاف «الأيام المقبلة ستشهد عودة عجلة الاقتصاد للدوران وبالتأكيد سيصاحب ذلك نشاط في حركة الاستيراد والتصدير ومن ثم نشاط حركة التعاملات من جديد واستقرار سوق الصرف وتلاشي السوق الموازية».

وتترقب مصر تغيراً في خريطة المساعدات الخارجية، لا سيما من جانب الدول الخليجية، التي شهدت علاقاتها مع القاهرة توتراً بعد وصول محمد مرسي إلى الحكم. ورحبت الإمارات والسعودية وقطر بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً موقتاً لمصر.

وتعاني مصر فجوة تمويلية مقدارها 29.4 بليون دولار، بعد أن بلغ عجز الموازنة في نهاية السنة المالية 2012 - 2013 المنتهية في حزيران (يونيو) الماضي حوالى 204 بلايين جنيه.

ويُتوقع أن تقدم السعودية لمصر نحو بليوني دولار لترفع حجم مساعداتها إلى حوالى 3.75 بليون دولار منذ ثورة كانون الثاني 2011.

وقال المساعد السابق للمدير التنفيذي لـ «البنك الدولي»، فخري الفقي «يُرجح إفراج الإمارات عن ثلاثة بلايين دولار مساعدات لمصر كانت رهنت تقديمها قبل ذلك بحصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي».

وأعرب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، حسين صبور، عن تفاؤل في أوساط مجتمع الأعمال المصري، مؤكداً أن «الوضع الجديد في مصر يفتح الأبواب لاستقبال مزيد من الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة من المستثمرين العرب خصوصاً من السعودية والإمارات».

وقالت نائب محافظ المصرف المركزي السابق، فائقة الرفاعي، إن «العلاقات المصرية مع دول الخليج، لا سيما الإمارات والسعودية تاريخية وتهنئة هذه الدول مصر بعد إقالة مرسي يعني رضاها عن الوضع الحالي، ما يؤكد عودة العلاقات الاقتصادية في شكل قوي،» مؤكدة أن هذه العلاقات الاقتصادية لا تعني تقديم منح وقروض فقط، وإنما تعزيز الاستثمارات المشتركة وتبادل الخبرات وغيرها.

وتواجه مصر أزمة اقتصادية حادة إثر تفاقم عجز الموازنة وتآكل احتياط النقد الأجنبي، وبلغ حجم الاحتياط الأجنبي لدى البنك المركزي حوالى 16 بليون دولار، في نهاية أيار (مايو) الماضي، في مقابل 36 بليون دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2010.

وفقدت مصر حوالى 21.6 بليون دولار من احتياط النقد الأجنبي، خلال فترة حكم المجلس العسكري البلاد منذ اندلاع ثورة كانون الثاني (يناير) وحتى تموز (يوليو) 2012 فيما سجل كثير من المؤشرات الاقتصادية، تراجعاً ملحوظاً بسبب حال الاضطراب السياسي والاقتصادي خلال تلك الفترة.

 رسائل سريعة

وطالب خبراء الاقتصاد بضرورة توجيه الحكومة العتيدة، رسائل سريعة إلى الدول العربية المجاورة لحضها على ضخ استثمارات في مصر، خصوصاً من دول الخليج التي تدهورت العلاقة معها أخيراً.

 

 

التطورات الأخيرة في مصر تسبب انتكاسة لسياسة تركيا الخارجية
الحركة الشعبية التي أطاحت بمرسي تضع حزب أردوغان في موضع دفاعي
أنقرة: «الشرق الأوسط»
تلقت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا لتصوير نفسها نموذجا يحتذى به في العالم المسلم انتكاسة بعد تدخل الجيش المصري لعزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي بحسب محللين.. فحزب العدالة والتنمية التركي الإسلامي الجذور الذي واجه أخيرا أوسع الاحتجاجات ضده في حكمه المستمر منذ 10 سنوات، نسج علاقات وثيقة مع مرسي وحركة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها.

وأدى تدخل الجيش المصري للإطاحة بأول رئيس منتخب في البلاد إلى إثارة الدهشة في أنقرة التي عملت بجد لتصوير نفسها محركا إقليميا وديمقراطية نموذجية في الشرق الأوسط. وصرح الباحث في مركز كارنيغي أوروبا مارك بياريني لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه «استنادا إلى عملي في الشرق الأوسط أشك في وجود (نموذج تركي) شامل في نظر المصريين في أي وقت كان». وتابع أن «النموذج الوحيد الذي يراه المصريون في تركيا هو السياسة الاقتصادية حيث أنجزت تركيا بالفعل انضباطا ونموا منذ 2001».. ففي ظل حكم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتبر أنه يزداد تسلطا، فاز «العدالة والتنمية» في ثلاث عمليات انتخابية متوالية منذ 2002، فتسلم اقتصادا واعدا وأنهى حقبة شائكة شهدت حكومات ائتلافية غير مستقرة وتخللتها الانقلابات العسكرية. وبعد أن كانت حكومة أردوغان أقرب حلفاء إسرائيل في العالم المسلم، عادت واستغلت الفراغ في العالم العربي في أعقاب الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة لتعزيز قوتها الناعمة وتشكيل صورة أكدت أنها ناجحة لنموذج يدمج الديمقراطية والإسلام.

وفي مؤتمر الحزب السنوي في سبتمبر (أيلول)، قال أردوغان للحشد الكثيف في أنقرة «أثبتنا للجميع أن الديمقراطية المتطورة يمكنها الوجود في بلد ذي أغلبية مسلمة. أصبحنا نموذجا يحتذى به للدول المسلمة».

وكان مرسي حاضرا من بين أكثر من 100 ضيف أجنبي في المؤتمر الذي كرس أردوغان رئيسا للحزب للولاية الثالثة على التوالي والأخيرة ويتوقع أن يترشح إلى الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة في العام المقبل.

وبعد يوم على عزل الجيش المصري مرسي، قطع أردوغان عطلته القصيرة ليعقد اجتماعا طارئا مع رئيس استخباراته ووزرائه. وأول من أمس ندد رئيس الوزراء التركي بتدخل الجيش المصري قائلا إن «الذين يعتمدون على السلاح في أيديهم، الذين يستندون إلى قوة الإعلام، لا يستطيعون بناء الديمقراطية.. الديمقراطية تبنى في صندوق الاقتراع وحسب».

ورأى أوزديم سانبيرك الدبلوماسي المخضرم ونائب وزير الخارجية الأسبق أن تركيا لم تفقد كل المؤهلات لتشكل نموذجا، «لكن تشخيص السياسة الخارجية في حزب العدالة والتنمية للعالم الإسلامي أثبت خطأه». وأضاف أن «في الشرق الأوسط تم تحييد تركيا. من الواضح أن تركيا باتت لا تعلم خفايا الشرق الأوسط كما تؤكد».

وأثناء حكم حزب العدالة والتنمية أنشأت تركيا مجالس شراكة مع سوريا والعراق ومصر. لكن علاقات تركيا مع سوريا باتت مقطوعة اليوم بعد قمع حليفها السابق الرئيس السوري بشار الأسد للمعارضة الشعبية لحكمه في بداية النزاع في 2011. كما أن علاقاتها بالعراق تشهد توترا مستمرا بعد رفضها تسليم نائب الرئيس العراقي الفار طارق الهاشمي الذي أدين في بلاده بالوقوف وراء مجموعات قاتلة.

وقال سانبيرك إن «العمل الدبلوماسي في الشرق الأوسط محفوف بالمخاطر». وتابع: «يعود ذلك إلى أن العلاقات لا تنسج مع الشعوب بل مع حكام متسلطين، وعندما يسحب البساط من تحت هؤلاء تبرز المشاكل».

لكن على الرغم من الانتقادات الحادة الصادرة عن المسؤولين الأتراك لتدخل الجيش المصري، فإنهم أكدوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع القيادة الجديدة التي تتشكل في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي. وأكد المحللون أن ما حدث في مصر بعد أيام من الأحداث الدامية والمظاهرات المطالبة برحيل مرسي يضع «العدالة والتنمية» وأردوغان في موقع دفاعي، ولا سيما بعد المظاهرات الواسعة النطاق ضد الحكومة التركية التي نفذتها أغلبية من الأتراك العلمانيين ضد أسلمة البلاد وأجندة الحكومة التي تزداد تسلطا.

لكن هنري باركي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي يشدد على أنه رغم كل ذلك، ما زال حزب العدالة والتنمية حزبا كبيرا و«ما زال فعالا». وأوضح: «من ناحية ما يثبت فشل مرسي نجاح العدالة والتنمية الفريد ويعززه».

وسعى «العدالة والتنمية» إلى كسر نفوذ الجيش التركي الذي طالما اعتبر نفسه حامي العلمانية التركية ونفذ أربعة انقلابات في نصف قرن، وأودع مئات الضباط في السجن بتهمة التآمر لتنفيذ انقلابات.

لكن الدرس الأول من فشل مرسي الذي ينبغي أن تلحظه جميع الحكومات والحركات، هو أن حصر الديمقراطية بالانتخابات لا ينفع بحسب المحللين. وأوضح بياريني أن «الدرس الذي يمكن استخلاصه من الأشهر 12 الماضية في مصر هو أن صندوق الاقتراع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد المعقدة من دون أن يصحبه حوار يشمل مختلف شرائح المجتمع».

 

أنطاكيا: حين يختلط نهر العاصي القومي بالمذهبي في إقليم العلويين الأتراك

الحياة...هاتاي (تركيا) - مازن عزي
لسائق سيارة الأجرة الأنطاكي المتقدم بالعمر سلطة الأسئلة، فالرجل الستيني يكتشف الغريب بلمح البصر، وأنت مجبر على الإجابة، فليس لك حق الصمت أمام الفضول القاتل. في أنطاكيا اليوم يشغل سؤال الهوية مكاناً مركزياً في وعي الناس، وتختفي خلفه كل ظلال السياسة وأزمات الحياة اليومية. الحيرة التي يوقعك بها هذا النوع من الأسئلة، تتضاعف حين تقترب من لب القضية الإشكالية: سوري في أنطاكيا!
تعد أنطاكيا كبرى مدن لواء إسكندرون (إقليم هاتاي) ومركزه الإداري، تبلغ مساحتها 36 كيلومتراً مربعاً. يمتد اللواء بدوره على مساحة 4800 كيلومتر مربع كجيب تركي داخل الساحل السوري. تتوسط أنطاكيا اللواء، وتبتعد عن البحر المتوسط 30 كيلومتراً، ويتفرع منها طريقان رئيسيان إلى حلب شرقاً واللاذقية جنوباً، ولا يستغرق الوصول إلى كل منهما أكثر من ساعتين بالسيارة. مع كل هذا القرب الجغرافي، والتداخل السكاني، واللغة المشتركة، يصعب الحصول على وجبة طعام سورية، فلن تجد هنا مطعماً يقدم الفول والحمص، ولا حتى الفلافل، على رغم الشبه الكبير إلى حد التطابق بين المدن القديمة في دمشق وحلب وأنطاكيا.
يحمل نهر العاصي مياه منبعه الأصلي من الهرمل اللبنانية، يعبر سورية بعكس كل الأنهار من الجنوب إلى الشمال، يدوِّر النواعير في حماة، ويسقي أراضيها وسكانها، ويحمل أوجاع السوريين مخترقاً جغرافيتها الطائفية المُعاد اكتشافها حول ضفتيه. يستعيد العاصي رشده حين يخترق أنطاكيا من الشمال إلى الجنوب، يحد مدينتها القديمة من الغرب، ويحصرها بالجبل الأقرع -حبيب نجار- من شرقها، ليصب بعدها أوجاعاً لبنانية وسورية وتركية في خليج السويدية في البحر المتوسط.
تُطوَّق سهول أنطاكيا بسلاسل جبلية، كالتاج من حولها، وتنخفض الأرض دون جبالها إلى ارتفاع بسيط يقارب 70 متراً عن سطح البحر. هذا التكوين الجغرافي جعلها درباً لتيارات هوائية مضطربة، يتيح للمدينة حين تسكن الريح حماماً شمسياً ساخناً.
لا تزيد نسبة العرب-الأتراك في أنطاكيا حالياً على 40 في المئة من سكانها البالغ عددهم 200 ألف نسمة، في حين يشكل السكان الأتراك الغالبية فيها، وتقطنها أقليات أرمنية وأشورية وكردية ويهودية. عرب أنطاكيا بدورهم سنة وعلويون ومسيحيون، يستطيع أحدهم ببساطة أن يُذكّرَك بأقاربٍ سوريين له يتوزعون على طرفي الحدود. العربية هنا هي اللغة الدارجة إلى جانب التركية، على رغم أن لهجات عدة يمكن تمييزها في المدينة الواحدة؛ العلويون يميلون إلى اللفظ الثقيل لحرف القاف، وهم بذلك يشبهون أهل اللاذقية، ويستخدمون الكثير من مفرداتهم، في حين تميل لهجة السنة فيها إلى لكنة إدلب وحلب. بكل الأحوال، العربية الأنطاكيا ثقيلة، فقد يغشك أحدهم حين يهز رأسه أمامك دلالة الفهم، ويخدعك حين يعيد عليك السؤال مراراً، فلغتهم العربية تعرضت للنسيان والتزاوج مع التركية، ويقل مع الوقت من يتكلم العربية من الأجيال الجديدة.
لواء إسكندرون كان حتى العام 1939 أرضاً سورية، لكن حكومة الانتداب الفرنسي قررت إهداءه إلى تركيا «الأتاتوركية» كتعويض عن نتائج «معاهدة سيفر» 1920 الجائرة على الوريث التركي للسلطنة العثمانية، وكجائزة ترضية لقاء حياده في الحرب العالمية الثانية.
بعد انتهاء الحروب الصليبية أصبحت أنطاكيا تابعة لولاية حلب، ومنفذها على البحر، وامتدت طرقها التجارية غرباً إلى الموصل العراقية، وشكلت مزاحماً اقتصادياً للعمق السوري ممثلاً بدمشق. كانت أنطاكيا عاصمة تاريخية لسورية قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. وكانت المدينة، منذ إعادة تأسيسها على يد سلوقس الأول نيكاتور خليفة الإسكندر المقدوني على سورية وبابل وفارس عام 301 قبل الميلاد، مركزاً حضارياً ودينياً، تناوب على حكمها والاستيلاء عليها السلوقيون والروم والساسانيون والمسلمون والسلاجقة. سيطر عليها الصليبون عام 1096 لتصبح أول إمارة صليبية في المشرق، وظلت قرنين تحت نفوذهم، ليتحالفوا مع المغول في نهاية عهدهم، بغرض احتلال حلب ودمشق. استعاد الظاهر بيبرس وجيوش المماليك المدينة بعد هزيمة المغول الساحقة في عين جالوت وردهم على أعقابهم، لتعود وتسقط بيد الأتراك العثمانيين عام 1516.
مرَّ زمن طويل منذ آخر أحداث عظيمة شهدتها أنطاكيا، هدأت الحروب من حولها، وانقطعت عن محيطها العربي، واستدارت إلى العمق التركي في زمن الجمهورية الأتاتوركية. تهدمت أسوارها القديمة، ودرست آثار قلاعها الحصينة، ونزل سكانها من سفح الجبل إلى ضفة العاصي الغربية، ووسعوا مدينتهم التي عاشت من الزراعة، وقليل من التجارة والسياحة، والحج الديني المسيحي إليها.
كان ذلك حتى اندلعت الثورة السورية، في منتصف آذار 2011، حينها أخذت الأحداث هناك تثير أسئلة كثيرة لم تلبث أن تسربت إلى الطمأنينة اليومية. بدأ التفاعل يظهر على السطح مع قدوم اللاجئين السوريين إليها، عبر مدينة الريحانية القريبة من معبر باب الهوى، المطل على ريف محافظة إدلب، ومن الجنوب للهاربين من اللاذقية. لكن أواصر القربى مع علويي سورية نجحت في نقل أحداث الثورة من وجهة نظر نظام الأسد، دعم ذلك التخوف من توجهات حكومة أردوغان الإسلامية، وعززه وقوف النظام التركي إلى جانب الثورة السورية.
تثير بعضَ علويي أنطاكيا مناظر اللحى والنقاب للجرحى السوريين في المشافي التركية، ويؤكد بعضهم جازماً بأن مقاتلي المعارضة السورية بمجملهم هم من الإسلاميين الأجانب وتنظيم القاعدة! كما يعتقد عدد كبير منهم بالمؤامرة على النظام السوري، ويجادلون قطعاً بأن الحياة في سورية كانت سعيدة ورخيصة قبل تفجر الأحداث! كل ذلك دفع الحكومة التركية إلى منع منح الإقامات للسوريين في إقليم هاتاي، وحصرهم ضمن المخيمات الخمسة المنتشرة فيها على الحدود، بما في ذلك مخيم للضباط المنشقين عن النظام السوري.
على صفحات «الفايسبوك» أعلن عن قيام «الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون، المقاومة السورية»، وهي مجموعة من علويي أنطاكيا يرأسهم يساري سابق يسمّى «معراج أورال»، والملقب بـ «علي الكيالي». ساهم مقاتلو المقاومة السورية في الهجوم الأخير على مدينة بانياس وقرية البيضا التي حدثت فيها مجازر دموية مطلع شهر أيار الماضي. الكيالي يحاول التشبه بزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في معاداة النظام التركي، وفي يساريته، وعلويته، وحتى في راية حزبه.
أدى التفجير الناجم عن سيارتين مفخختين في مدينة الريحانية التركية في 11 أيار 2013 إلى مقتل 51 شخصاً بين سوري وتركي، وإلى اندلاع موجة غضب أهلي ضد السوريين في المدينة الحدودية، ولم تلبث أمواجها أن وصلت إلى أنطاكيا البعيدة منها نصف ساعة بالسيارة. وعلى رغم تحريات الحكومة التركية واعتقالها بعض الفاعلين والمخططين من الأتراك، والذين أكدت -على حد قولها- ارتباطهم بالاستخبارات السورية وانتماءهم إلى منظمة يسارية متطرفة «المستعجلون» التي ينتمي الكيالي لها، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التظاهرات ضد سياسات أردوغان المؤيدة للثورة السورية، مع تنامي أبعادٍ أشدَّ مذهبيةً لها، تقوم على التعميم الشعبوي بين نظام الأسد والطائفة العلوية.
لم يهدئ احتقان أنطاكيا ضد أردوغان وسياسته السورية، سوى احتقان آخر ضد أردوغان دعماً للمعتصمين في «جيزي بارك». على الأقل، لم يعد الحديث عن السوريين سارياً بقدر المظلومية التي أخرجها قمع أردوغان للمحتجين في «ميدان تقسيم»! التظاهرات بدأت تصبح أكثر عنفاً، وتموضعاً في حي الحربية ذي الكثافة السكانية العلوية. والليل في أنطاكيا لم يعد ساكناً، فأصوات قرع الطبول وأبواق السيارات طغت على السكون الذي تقطعه أصوات ضفادع نهر العاصي في هذا الصيف الملتهب.
 

مصادر إسرائيلية: الحل الوحيد للتسوية «ضم» الضفة الغربية إلى الأردن

الرأي... القدس - من محمد أبو خضير وزكي أبو الحلاوة
ذكرت مصادر سياسية إسرائيلية، امس، إن «عودة السيطرة الأردنية على الضفة الغربية هي أفضل حل باعث للاستقرار، ولا يوجد حل غيره».
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن المصادر وصفها لـ «أحبولة المفاوضات بإقامة دولتين أو دولة ثنائية القومية وتمسك الفلسطينيين بقواعد الرفض يوصلنا لحل بإعادة سيطرة الأردن كدولة عربية قادرة على الحكم المدني في الضفة الغربية، وخصوصا أن الغالبية الساحقة من سكانها الأردن هم فلسطينيون ويصوتون للبرلمان الأردني».
وأضافت: «معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية سيسرهم الانقطاع عن السلطة التي فرضت عليهم في أوسلو والانضمام إلى مملكة كبرى، فالجنسية الأردنية تعد جنسية ممتازة في الشرق الأوسط، وإسرائيل ستحظى بالاستقرار الذي هي معنية به».
وتابعت: «هذه دولة يوجد معها سلام وستواصل التحكم أمنيا ومدنيا في الضفة باستثناء المدن الرئيسة، في تسويات تتقرر مع الأردن، وهناك اتفاق وعدت إسرائيل فيه الأردنيين ينص على معاملة ومكانة خاصة في الأماكن المقدسة في القدس».
واوضحت أنه «إذا ما أُجري استفتاء شعبي لدى الفلسطينيين في الضفة، فإن غالبيتهم سيفضلون بسعادة هذا الخيار الذي يخرجهم من خناق السلطة، فهم يريدون حياة طيبة ومستقرة وليس وهمية». وتابعت: «هذه مصلحة الأسرة الهاشمية وهناك أصوات في الأردن تتعاطى مع هذا الاقتراح بإيجابية، فإذا قامت دولة فلسطينية منفلتة العقال وسلفية فإنها ستهدد الأردن بما لا يقل عن إسرائيل، ولا سيما في هذه الأيام التي تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط توترا».
تزامن ذلك مع ما صرح به، امس، رئيس لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلي وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان بانه «كان ليصدر اوامره باحتلال قطاع غزة لو كان في منصب رئيس الوزراء». واضاف في حديث اذاعي، امس، ان «هدوءا مغشوشا يسود القطاع حيث تستغله حركة حماس لبناء قواتها والتحصن وبناء دولة اسلامية متطرفة».
ونفى ليبرمان علمه بخطة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لاستئناف المفاوضات «تشتمل على تجميد صامت للبناء الاستيطاني خارج الكتل الاستيطانية الكبرى والافراج بالتدريج عن 130 اسيرا فلسطينيا تم اعتقالهم قبل اتفاقية اوسلو».
وكان ليبرمان قام بجولة استفزازية لمشاعر المقدسيين في بلدة سلوان، وسط حراسة مشددة من قبل الشرطة وقوات كبيرة من حرس الحدود، في إطار دعمه للاستيطان والبؤر الاستيطانية في القدس.
واستمع ليبرمان الى شرح مفصل بالخرائط وعلى ارض الواقع الى مخطط مشروع «المتحف» و «بيت الضيافة» و «الضوء والصوت»، فيما قام مرشدون من «العاد» بإطلاع ليبرمان على اخر الحفريات التي تقوم بها وباشرافها مع دائرة الاثار الإسرائيلية في منطقة سلوان خاصة في منطقة العين ومنطقة المدرج القديم.
وفي ظل الحديث عن انتهاء لجنة فلسطينية - إسرائيلية مشتركة اعمالها في إطار خطة كيري لاستئناف المفاوضات للافراج عن 103 معتقلاً فلسطينياً تم اعتقالهم قبل اتفاقات أوسلو واتفاق على الافراج عنهم إلا ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضت تنفيذ هذا الاتفاق.
وقال مسؤولون فلسطينيون كبار إن الإفراج عن الاسرى سيتم كما يبدو على مراحلتين الاولى 70 اسيراً وهم المرضى والمعاقين وكبار السن و60 اسيراً تم اعتقالهم قبل اوسلو.
الى ذلك، كشف تقرير خاص بالامم المتحدة، امس، عن تشديد إسرائيلي متزايد على الحصار المفروض على قطع غزة، محذراً من خطورة ذلك على اكثر من مليون نصف المليون فلسطيني «يعيشون ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة جدا».
واكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (اوشا) في القدس ان «هناك مساعي إسرائيلية متواصلة لتشديد الحصار وتكبيد المزارعين والصناعيين في القطاع خسائر تمس بحياتهم ومستقبلهم».
ميدانيا، اقتحم الجيش الإسرائيلي، امس، مدن الخليل ونابلس وجنين، فيما اعتقل فلسطينياً واحدا في الأخيرة منها.
وقال مصدر أمني فلسطيني إن «قوات من الجيش داهمت بلدة نوبا بالخليل وجابت الشوارع والمساكن قبل أن تقيم حاجزا على مدخل بلدة الفوار قبل الإنسحاب».
وفي نابلس، قال المصدر إن «الجيش الإسرائيلي اقتحم مخيم بلاطة ومنطقة شارع القدس في الأحياء الجنوبية للمدينة وشن عمليات تفتيش وتحقيق ميداني مع عدد من الفلسطيينين قبل الانسحاب».

 

تقدم عسير إلى الأمام في مصر

القاهرة/بروكسل | مجموعة الأزمات الدولية..
مع ترنح مصر على شفير مواجهة كارثية، تصعب معرفة أيهما كان أقصر نظر من الآخر: إخوان مسلمون متغطرسون أساؤوا قراءة مكاسبهم الانتخابية وظنوا أنها تمنحهم شيكّاً على بياض، أو معارضة متهوّرة بدت مستعدة لإغراق البلد مقابل إسقاط الإسلاميين، والتي يمكن لمعاييرها في إسقاط الرئيس ـ الافتقار إلى الكفاءة بشكل العام وانعدام الشعبية على نطاق واسع ـ أن تجعل العديد من الرؤساء يحزمون أمتعتهم ويغادرون. يجب أن تكون الأولوية اليوم تجنب المزيد من إراقة الدماء، وأيضاً ضمان أن يكون الفصل التالي في المرحلة الانتقالية المضطربة في مصر، على عكس سابقه، شاملاً وإجماعياً. أما البديل فهو الاستمرار في الممارسات السياسية الصدامية والإقصائية، لكن مع درجة أكبر من العنف وتغيير يقتصر على الشخصيات التي تتربع على سدة الحكم.
لم تكن الانقسامات العميقة في مصر واضحة بهذا الشكل الصارخ في يوم من الأيام بقدر ما كانت في هذه الأيام الأخيرة. خرج الملايين إلى الشوارع في 30 حزيران/يونيو للمطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي. وخرجت أعداد كبيرة، وإن كانت أقل، أيضاً رداً على ذلك وإصراؤاً على بقائه في منصبه. وظهر كلام من كلا الطرفين حول الدم والشهادة ـ من الإخوان، ومن حركة تمرّد التي أطلقها الشباب ومن الجيش نفسه. إن إزاحة أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً بالقوة من منصبه يخاطر بإرسال رسالة إلى الإسلاميين بأن ليس لهم مكان في النظام السياسي؛ وزرع المخاوف في أوساطهم بأنهم سيتعرضون لجولة أخرى من القمع الدموي؛ مما قد يؤدي إلى العنف وحتى إلى مقاومة يائسة من قبل أتباع مرسي.
تشكّل الأزمة الحالية إلى درجة كبيرة نتاجاً لعملية انتقال سياسية تعتريها عيوب كثيرة. لم يتمكن اللاعبون السياسيون من التوصل إلى اتفاق أساسي على قواعد اللعبة أو على النظام السياسي المطلوب، وبدلاً من ذلك مضوا بعقلية "الفائز يأخذ كل شيء" والتي كان من المؤكد أنها ستهمش ـ وتخيف ـ الخاسرين. بدلاً من المشاورات وبناء الإجماع، فإن الانتخابات والاستفتاءات ـ التي تفوَّق فيها الإخوان المسلمون الأفضل تنظيماً، باتت هي الحَكَم في مواجهة سياسية كانت تزداد استقطاباً. مع انتقال مصر من منافسة انتخابية إلى أخرى، تصوّر الإسلاميون أن انتصاراتهم المتتالية، رغم أنها كانت بهامش ضيق، تشكل تفويضاً لهم لصياغة الشكل السياسي للدولة الناشئة وبالشكل الذي يرونه مناسباً، وتجاهلوا الحاجة لتقاسم السلطة. تجاهلوا المعارضة التي ينبغي الإقرار بأنها كانت غير فعالة، وركزوا بدلاً من ذلك على محاولة إما التهميش ـ في حالة الجهاز القضائي) أو استمالة (في حالة القطاع الأمني) أجهزة الدولة التي اعتبروها أكثر أهمية، وبالتالي تشكّل تهديداً أكبر لهم. وقد كان ذلك خطأ فادحاً. غير الإسلاميين عانوا من علة معاكسة، واعتبروا نتائج الانتخابات غير ذات معنى، وطالبوا في كثير من الأحيان بتمثيل يفوق حجمهم في هيئات صنع القرار؛ وتحدّوا المبدأ الأساسي المتمثل في الإرادة الشعبية؛ واستسلموا للإغراء المتنامي باستعمال الوسائل غير المؤسساتية، سواء كانت الإثارة والتحريض في الشوارع أو الدعوة إلى التدخلات القضائية أو العسكرية. كل ذلك أدى إلى ظهور أكثر المشاهد تنافراً وتناقضاً؛ فما يُزعم أنها معارضة ديمقراطية ليبرالية تدعو صراحة إلى تدخّل الجيش لإنهاء فترة حكم أول رئيس منتخب ديمقراطياً. يمكن أن يتبيّن أن هذا الخطأ سيشكّل سابقة لا تقل فداحة. ولكن الأمر الذي لا شك دفع أعداد غفيرة من المصريين للخروج إلى الشوارع هي الحالة الإقتصادية شديدة التدهور والإحساس العام بغياب الدولة.
من الصعب معرفة ما الذي أدى في المحصلة إلى دفع الجيش ـ الذي كان قد سعى لبعض الوقت لتجنّب الانخراط السياسي المباشر ـ إلى دخول الحلبة بالدرجة التي قام بها في 1 تموز/يوليو عندما أمر الرئيس بالاستسلام لمطالب منتقديه أو مواجهة التبعات. قد تكون عدم قدرة الرئيس على تحقيق الإجماع السياسي، أو معالجة الوضع الاقتصادي المزري، أو تطمين الجهاز القضائي أو فرض القانون والنظام جميعها لعبت دوراً، وكذلك إطلاقه لإشارات ـ مثل تعيين محافظ للأقصر عضو في جماعة متشددة أو دعم مرسي العلني للدعوة إلى الجهاد ضد النظام السوري ـ توحي بأن الرئيس كان يجنح نحو أجندة إسلامية صارخة. لكن بشكل جوهري، فإن الجيش والقطاع الأمني برمته لم يشعر بالارتياح لوجود قائد أعلى منتمي للتيار الإسلامي، رغم جهود الرئيس لتهدئة هذين القطاعين. كان كذلك حال الجهاز القضائي، الذي كان الرئيس وحلفاؤه قد سعوا لإعادة هيكلته، خصوصاً بتهديد القضاة بإحالتهم المبكرة إلى التقاعد على أساس أنهم كانوا من بقايا حقبة مبارك. كما كان الغضب حيال الإخوان أعمق داخل جهاز الشرطة، الذي رأى نفسه منذ البداية على أنه وقع بشكل غير منصف ضحية انتفاضة عام 2011 ولم يستطع استيعاب أن يُحكم من قبل الإسلاميين. نتيجة لذلك، فإن رئيساً يُتّهم بشكل متكرر من قبل منتقديه بأنه يعمل على الإمساك بمختلف مفاصل السلطة انتهى به الأمر بسيطرة لا تذكر على أي من مؤسسات الدولة ذات الأهمية الحاسمة.
تشير المؤشرات الأولية إلى اتجاه مقلق يتمثل في تدخل ثقيل يقوم، بالحد الأدنى، بعكس المكاسب التي تحققت من حيث حرية الصحافة وحقوق المشاركة السياسية. تعرضت مكاتب الإخوان المسلمين بشكل متكرر للإحراق والنهب دون أي جهد من قبل الشرطة للمدافعة عنها، كما تعرضت التجمعات الموالية لمرسي لهجمات مسلّحة من قبل مهاجمين مجهولين. فيما يتعلق بالعملية السياسية المستقبلية، فقد أعلن الجيش تعليقه للدستور بالتوازي مع انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وعين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً.
إذا كان الوضع الراهن لا يمكن استدامته، فإن التحوّل نحو سيطرة الجيش، حتى لو تمت ممارسته بشكل غير مباشر، سيشكل سابقةً مقلقة. إذا أريد للمرحلة الانتقالية الثانية أن تكون ناجحة ينبغي أن تستند إلى مصالحة شاملة فعلاً ـ وهو ما يعني هذه المرة، مقاربة تشمل الإسلاميين بجميع فئاتهم، بما في ذلك الإخوان المسلمين. أية محاولة لقمع الإسلاميين وحرمانهم من حقوقهم السياسية ـ تكون مصحوبة بقيود على وسائل الإعلام وما شابه ـ ستكون علاجاً أسوأ من المرض، وقد تدفع الجماعات الإسلامية إلى العمل السري ما سيؤدي إلى ظهور جيل من الإسلاميين الراديكاليين، في مصر وفي غيرها، سيكون قد فقد أي إيمان بالتغيير السلمي الديمقراطي. يبقى من غير الواضح إلى أي حد سيمضي إسلاميو مصر في تحدي ما يعتبرونه انقلاباً غير شرعي. لكن من المرجح أنهم لا يزالون أقوياء بما يكفي لإفساد نجاح خصومهم على المدى البعيد. ولن تكون المشاكل الكامنة في الأسباب الجوهرية للاستياء الشعبي ـ الأزمة الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء ـ أسهل على الحل بوجود احتكار غير إسلامي للسلطة مما كان مع وجود احتكار إسلامي لها.
لكن ينبغي أن يكون الإخوان المسلمون قد تعلموا دروساً من محاولتهم الفاشلة في الحكم: أن المرء لا يستطيع الحكم بمفرده في مرحلة من الاستقطاب والتحوّل السياسي والاجتماعي وأن الدستور هو عقد اجتماعي طويل الأمد بين المصريين من مختلف النزعات الأيديولوجية والخلفيات العرقية، والطبقية والدينية، وليس حصيلة عملية تجري مرة واحدة يهيمن عليها الفصيل السياسي الأكثر تنظيماً في حينه.
من الصعب رؤية شيء صحي يتمخض عن هذا على المدى القريب. ولكن في ضوء خارطة الطريق التي أُعلن عنها حديثاً، ينبغي اتخاذ عدد من الاجراءات الهامة من قبل اللاعبين المصريين، وبدعم دولي:
 -   إدانة الجيش، والشرطة، والمعارضة لأي شكل من أعمال العنف، خصوصاً ضد مؤسسات وأعضاء جماعة الإخوان وفي نفس الوقت رفض أي عنف يمارسه الإسلاميون؛
-    ينبغي للحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بقيادة مدنية، أن تشمل طيفاً واسعاً وأن تكون انتقالية ويترأسها شخصية مستقلة تحظى باحترام واسع؛
-    وأن يتم الشروع بحوار وطني يتعلق بالمسار السياسي المستقبلي، خصوصاً فيما يتعلق بالدستور، والذي ينبغي أن يكون شاملاً لجميع الأطراف قدر الإمكان دون إقصاء.
في النهاية، فإن المسألة لا تتعلق بمن يقود بقدر ما تتعلق بحدود الممارسة السياسية السلمية، وينبغي أن ينص على ذلك دستور يحدد القواعد الإجماعية العامة لتلك العملية. مهما حدث خلال الساعات أو الأيام القادمة، فإن على المسؤولين والسياسيين التركيز على مناقشة عملية يمكن من خلالها تعديل الدستور أو إعادة صياغتها بطريقة مقبولة للاعبين السياسيين الرئيسيين وللمكونات الرئيسية للمجتمع المصري. كما ينبغي على الحكومة المؤقتة وللجنة الدستورية، إذا أريد لهما أن تكونا فعالتين أن تشركا الإخوان المسلمين وحلفاءهم، وهو ما يعني بدوره الإحجام عن أية عمليات قمع ذات دوافع سياسية. لقد أثبت مع مضي الوقت أن الافتقار إلى بناء الإجماع الواسع كان الخطيئة الأصلية في المرحلة الانتقالية الأولى. لا ينبغي أن تكون خطيئة المرحلة الثانية أيضاً.

 


المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,796,985

عدد الزوار: 6,966,655

المتواجدون الآن: 61