تقارير...الإجماع الإيراني لا يعني بالضرورة اتفاقاً جيداً للغرب...الحاجة إلى الطعن في مصداقية رواية إيران النووية... روسيا والتقارب الأميركي - الإيراني....موقف فرنسا في محله...الطاقة النووية حق إيراني؟

لماذا يتنكر الغرب لمبادئه في السودان؟ ...مستقبل أكراد العراق وسورية ....النزعات الانفصالية مرآة أوروبا مخيَّبة

تاريخ الإضافة الخميس 21 تشرين الثاني 2013 - 7:34 ص    عدد الزيارات 1814    القسم دولية

        


 

الطاقة النووية حق إيراني؟
الحياة..سارة معصومي *
تستعد ايران لخوض الجولة الثالثة من المفاوضات النووية مع مجموعة 5+1. الفريق النووي المفاوض الجديد ومنذ تشكيل الحكومة الايرانية الجديدة ابرز دور عنصر «الوقت» في المفاوضات. وأعرب وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، عن قناعته بإمكان حل الملف النووي في مدة لا تتجاوز العام. وأعلن ان استخدام الوفود المشاركة مصطلح «التقدم» في المفاوضات لم يكن سوی محاولة للجم اصوات النواب المتشددين في الكونغرس ومجلس الشيوخ الاميركي ولافشال جهود اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الساعي الى فرض مزيد من العقوبات علی ايران. لكن السؤال هنا: ما هي البنود التي اراد الجانب الفرنسي اضافتها الى الاتفاق والتي حالت دون موافقة الجانب الايراني؟ ورفعت طهران لواء سياسة «برنامج الخطوة خطوة»، لكنها اصطدمت بشروط الجانب الآخر. وإثر ثلاثة ايام من المفاوضات الشاقة والمتعبة، وجهت اصابع الاتهام نحو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. فموقفه اتسم بالسلبية ازاء الاتفاق. وأعلن السفير الفرنسي في اسرائيل ان بلاده اضافت بنوداً جديدة رفضها الجانب الايراني تتناول منشأة آراك ومخزون اليورانيوم المخصب وحق ايران في انشطة التخصيب.
ولا شك في أن انشطة تخصيب اليورانيوم كانت القضية الأكثر تعقيداً بين ايران والمجموعة الغربية السداسية. وتصر طهران علی الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم علی اراضيها. وهذا ما أعلنه الرئيس الايراني، حسن روحاني. فالتخصيب هو خط أحمر (عتبة محظورة) امام المفاوض الايراني في جنيف -2. لكن المندوبة الاميركية ويندي شيرمان فسرت امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، البند الرابع من معاهدة حظر الانتشار النووي تفسيراً مغايراً لنص المعاهدة. ورأت ان هذا البند لا يمنح الحق في التخصيب، بل حق البحث النووي وتنمية الطاقة النووية مشيرة الی ان دول كثيرة مثل اليابان والمانيا تعتبر ان التخصيب جزء من حقوقها الدولية. ورأت شيرمان ان بلادها لا تلتزم مثل هذا التفسير بل تنظر الی هذه البنود على انها منفصلة. وقالت ان مجلس الامن الدولي لم يحظر التخصيب على ايران ولكنه طالبها بتعليق هذه الانشطة حتی تلتزم التزاماتها الدولية.
ولا شك في ان شيرمان تخالف حلفاءها الغربيين، ومنهم المانيا، والآسيويين، ومنهم اليابان، حول هذه المسألة. وأعلنت دول مجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وافريقيا الجنوبية) ودول عدم الانحياز حق جميع الدول الموقعة علی معاهدة حظر الانتشار النووي، ومنها ايران، في تخصيب اليورانيوم. ولم تصدق اميركا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل، على معاهدة الحظر النووي. وهي لا ترى ان المادة الرابعة من المعاهدة تقر بحق التخصيب للدول الموقعة علی هذه المعاهدة.
وأيدت صحيفة «واشنطن بوست» في مقالة لها في 24 تشرين الاول (اكتوبر) حق ايران في تخصيب اليورانيوم علی اراضيها، ورأت ان الدول الكبری لا يمكن لها اجبار الدول الاخری علی التزام هذه المعاهدة في وقت تتهرب هي من احترام بنودها.
ويسود اعتقاد بأن ويندي شيرمان تريد اعادة تفسير بنود معاهدة حظر الانتشار النووي تفسيراً يصادر حقوق الدول الموقعة علی هذه المعاهدة. ولا تستطيع واشنطن ان تحرم 189 دولة صادقت هذه المعاهدة من حقوقها، في وقت لا تشير الى حليفتها اسرائيل التي تملك رؤوساً نووية ولم توقع علی هذه المعاهدة.
في 1968 حين رعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك معاهدة حظر الانتشار النووي، قال ويليام فوستر، مدير الوكالة الاميركية لتحديد السلاح (النووي) ونزعه امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي، ان المعاهدة تمنح الدول التي لا تملك سلاحاً نووياً حق التخصيب وانتاج الوقود النووي. ومستهجن هو سعي شيرمان الى التزام تفسير خاص هو ثمرة رغبة بعض الدول في اضافة فقرات غير مكتوبة الى هذه المعاهدة بعد انتهاء الحرب الباردة.
وفي كتاب مثير للجدل عنوانه «تفسير معاهدة حظر الانتشار النووي»، أكد الباحث على حق الدول الموقعة علی هذه المعاهدة في تنفيذ انشطة التخصيب وانتاج الوقود النووي المستخدم للاغراض السلمية. فالقرار 1696 الصادر عن مجلس الامن والقاضي بفرض عقوبات على ايران، ينتهك القوانين الدولية. ولا يجوز أن يقف الجدل بين ايران ومجموعة 5 + 1 عند القضايا القانونية. ويرى مراقبون ان الاعتراف بحق ايران في انشطة التخصيب سيفتح اعين الدول الباقية علی هذا الامر، منها الدول الخليجية وفيتنام وكوريا الجنوبية.
وقد تفلح مجموعة 5 + 1 في فرض تفسيراتها علی ايران اليوم وتحرمها من حقوقها القانونية والدولية. ولكن من المستبعد ان يكون في مقدورها ان تفرض ذلك علی دول اخری في المستقبل.
* كاتبة، عن «ديبلوماسي ايراني» الايراني، 6/11/2013، إعداد محمد صالح صدقيان 
 
النزعات الانفصالية مرآة أوروبا مخيَّبة
الحياة...سيسيل شامبرو وساندرين موريل ** مراسلان، عن «لوموند» الفرنسية ملحق «كولتور إي إيديه»، 9/11/2013، إعداد منال نحاس
تواعد أصحاب النزعات القومية والاستقلالية المحلية في أوروبا على موعد مشترك في 2014، فدعاة استقلال كاتالونيا وإسكتلندا وبلاد الفلاندر مقبلون على استفتاءات يعولون عليها في سبيل إحصاء عدددهم وتبرير مطالبتهم بدولة مستقلة عن إسبانيا أو بريطانيا أو بلجيكا. ويتصدر الإسكتلنديون الركب، فهم سبقوا الآخرين الى الحصول على موعد استفتائهم في 18 أيلول (سبتمبر) 2014، ويريد الكاتالونيون موعداً تنكر مدريد عليهم حقهم القانوني والدستوري فيه. وينذر الخلاف بين الطرفين بمجابهة حادة، ولا يشكو فلامنديو حزب إن – في آي، في قيادة بارت فيفيد، مثل هذه المشكلة، فهم يراهنون على الانتخابات التشريعية القريبة، وعلى فوز فيها لا يترك شكاً في رغبة المقترعين الاستقلاليين.
وليست هذه المناطق في أوروبا الغربية المبادرة الى المطالبة بدولة. ولكنها، على خلاف الجيش الجمهوري بإيرلندا و «إيتا» في بلاد الباسك الإسبانية، لم تراهن على السلاح، فعمد الحزب الوطني الإسكتلندي والرابطة الفلامندية الجديدة واليسار الجمهوري بكاتالونيا الى الانخراط في مسارات سياسية ديموقراطية. وانتصارها ليس مضموناً ولا محسوماً أو وشيكاً. بيد أن السلسلة البشرية التي شبكت، في 11 أيلول (سبتمبر) أيدي الكاتالونيين مسافة 400 كلم هي قرينة قوية على حقيقة هذا التيار الذي يعصف بالدول الأوروبية وبالقارة على العموم.
والتلاقي بين مبادرات انفصالية على هذا القدر أو ذاك ليس ثمرة نضوج سيرورة خطية ومتصلة. ويلاحظ المؤرخ جوان باتيستا كولا، الأستاذ في جامعة برشلونة أن «القومية الكاتالونية انفردت طيلة قرن كامل من بين القوميات الاوروبية بإحجامها عن طرح مسألة الاستقلال، فكاتالونيا كانت المركز الاقتصادي، ولا يسعها الاستغناء عن السوق الإسبانية وتوسيط الدولة المشتركة. وحصل انعطاف كبير وبارز في الأعوام الثلاثة الأخيرة». وثمرة الانعطاف إقدام الجمهوريين الاستقلاليين في الاتحاد القومي، وهم يترأسون الهيكل السياسي الذي يتولى إدارة المقاطعة في الإطار الإسباني المعروف بـ «الخينيواليتات» (الجنرالية)، على اختبار الاستفتاء وخوض تجربته.
ويعزو مراقبون كثر بروز النزعات الاستقلالية المحلية الى استيلاء الاتحاد الأوروبي على بعض مقومات الدولة. ويقول أحد هؤلاء المراقبين، جوردي ألبيريش، المدير العام لحلقة «إيكونوميا» النافذة الكلمة ببرشلونة: «قبل 30 سنة، كنا نتشارك مع الإسبان عملة واحدة، وحدوداً مشتركة، وخدمة عسكرية. لم يبق شيء واحد منها. ومن لم يبلغوا الأربعين يدركون أن رابطتهم بإسبانيا تراخت». وفاقم التراخي أن الكاتالونيين لا يتعلمون لغة واحدة مع الإسبان، ووسائط الاتصال السمعية والبصرية تستعمل اللغة الكاتالونية. والحال في بلاد الفلاندر ببلجيكا قريبة من حال كاتالونيا، بينما يتقاسم بلاد المملكة المتحدة لغة غالبة واحدة.
ولا شك في أن القوميات المحلية استفادت من حلول الاتحاد الأوروبي محل الدولة الوطنية واحتكارها مباشرة الولاية العامة- التشريع وصك العملة. وهذه القوميات ازدهرت في أنظمة ملكية «لم تنجح في إنجاز الأمة»، على ما يلاحظ فرانك تيتار. وإنشاء الأمة في إسبانيا، في أثناء القرن التاسع عشر، انتهى إلى «إخفاق ذريع» (خوسيه مارتي، أستاذ فلسفة الحق في جامعة بومبيوفابرا ببرشلونة). وحين كان النازع الوطني «مرادف النازع التقدمي، ارتدى بناء إسبانيا الوحدوي حلة الفرانكية (نسبة إلى فرانكو، الديكتاتور العسكري والفاشي) القمعية والمتعصبة». وفي تسعينات القرن العشرين، أدى تقسيم يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي إلى نشوء دول جديدة، ونفخ في القومية المحلية.
وإذا أقر الاتحاد الأوروبي للدول الجديدة بحقها في الوجود، فبأي حق ينكر على القوميات المحلية... «الحق» في دولة؟ ويرى النائب الأوروبي السابق واختصاصي الحق الدستوري، أوليفييه دوهافيل، أن تعاظم النازع الاستقلالي هو «ثمرة شحوب المثال الأوروبي» في أعين الشباب على وجه الخصوص. فالعولمة نجمت عنها أزمات هويات، وربما كان في مستطاع أوروبا التمثيل على جواب عن هذه الازمات، إلا أن ضعفها السياسي على المسرح الدولي أبطل دورها المرتجى. وتخلى الشباب عن القول: «أوروبا هي المستقبل». ويعلل إريك ديفورث، رئيس الرابطة الحرة الأوروبية (وهي اتحاد أحزاب محلية في بلدان الاتحاد الأوروبي)، النزعات الانفصالية بنتائج العولمة وآثارها: «الناس يفتقرون إلى جذور في ديار ينتسبون إليها، والى مضمون خصوصي ينفردون به في الإطار الشامل والمعولم». وتلاحظ آن – ماري تييس، مديرة دراسات في المركز الوطني للبحوث العلمية (الفرنسي)، أن النزعات القومية المحلية لا تريد الانكفاء على نفسها، ولا الانزواء في بلدانها وثقافاتها، ولا تتهيب تبني قيم الترابط والتشابك المعاصرة، وتحتسب من غير خوف سيرورات العولمة، وتنخرط فيها من غير تردد».
وما يصرف باسك إسبانيا عنها، اليوم، هو اقتصارها على موجات سلبية مثل تقليص عجز الموازنة، ومكافحة الفساد، وتخفيض الأجور، وإفقار أجهزة الخدمات العامة، يلاحظ خوسيه لويس برادو. «كانت خطتنا تقضي ببناء دولة – رعاية، وأخفقت خطتنا. وفي الوقت نفسه لوحت كاتالونيا بتحقيق حلم: الحق في إقرار الاستقلال. وهذا الحلم هو وهم. ولكن بعض الأوهام يقود الى الانتصار». أما رئيس الحكومة الكاتالونية، أرتور ماس، فيقارن النضال في سبيل «حرية» كاتالونيا بكفاح الأفريقيين – الأميركيين تحت راية الحقوق المدنية في قيادة لوثر مارتن كينغ. وتوسلت الحكومة الكاتالونية في وجه الأزمة الاقتصادية ببرنامج لفظي وشعبوي حاد. فعزت الأزمة إلى «نهب» إسبانيا كاتالونيا، وزعمت أن الاستقلال يقلص البطالة 10 في المئة. ويفتقر الزعم إلى سند اقتصادي، كما تفتقر النزعات الاستقلالية إلى إجماع، وهي لا تتخطى بأكثر من 40-50 في المئة من سكان المقاطعات.
 
مستقبل أكراد العراق وسورية
الحياة...صوفيا بارباراني ومايكل ستيفنز ** صحافية، ومحلل، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 14/11/2013، إعداد منال نحاس
في منطقة تعمها الانتفاضات السياسية والاضطراب، يبدو إقليم كردستان واحة سلام في عين العاصفة. وعدد سكان الإقليم المزدهر نحو 4 مليون كردي. والشوارع تتكاثر في العاصمة أربيل وتتثنى حول المباني القديمة والجديدة. وأينما تلفَّتَ المرءُ ألفى مولات وأبراجاً. ولكن حكومة إقليم كردستان ترى أن المخاطر الأمنية تتهددها على وقع تفاقم الحرب في سورية. وفي مطلع الجاري، أوقفت قوات الاستخبارات انتحاريين قبل أن يفجرا مقر الاستخبارات العامة، وتبين أن أحدهما سوري والثاني عراقي عربي. ولكن الحظ لم يحالف القوات الأمنية في 29 ايلول (سبتمبر) الماضي، ودوت سلسلة انفجارات في اربيل راح ضحيتها 6 قتلى وسقط عشرات الجرحى. ووراء هجمات أيلول هذه «الدولة الاسلامية في العراق والشام». واستهدفت هذه الحركة إقليم كردستان رداً على دعم حكومته أكراد سورية، ففي آب (أغسطس) المنصرم، اشتدت المعارك بين المقاتلين الأكراد و «داعش»، وسرت معلومات عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين الأكراد. فأعلن الرئيس مسعود برزاني بأن كردستان العراق لن يتوانى عن الدفاع عن الكرديات والأطفال ومواطني غرب كردستان.
وثمة انعطاف سكاني ضخم يطاول بنية إقليم كردستان إثر تدفق 235 الف لاجئ إليه من سورية هرباً من النزاع. وارتفع عدد سكان دهوك 15 في المئة في أقل من عام، وزاد «الضغط» على المرافق العامة والمدارس والمستشفيات. وفي شوارع أربيل، يتناهى إلى المسامع اللهجة الكردية السورية، كرمنجي، وهي صارت شائعة. وتشيد مخيمات جديدة على مشارف العاصمة لاستقبال النازحين الجدد. ويقول هيمين هورامي، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب «كردستان الديموقراطي»، إن الإقليم يستقبل اللاجئين ويوفر لهم الخدمات الأساسية والتعليم، ولكنه لا يريد أن يستوطن اللاجئون كردستان العراق فتخلو المناطق الكردية في سورية من السكان ويحل محلهم آخرون. وبذلت حكومة كردستان العراق نحو 65 مليون دولار مساعدات للاجئين. ولكن المجتمع الدولي يتجاهل أزمتهم، في وقت تنفد قدرات الإقليم.
وقد يساهم تفاقم حِمل اللاجئين في بروز توتر بين السوريين والأكراد العراقيين أو قد يعزز اختلاط أكراد العراق بأكراد سورية الوحدة الكردية. وتتمسك حكومة الإقليم بوحدة العراق، وتعلن أنها لن تنفصل عن عراق فيديرالي ديموقراطي إلا إذا لم يفلح العراقيون في تذليل خلافاتهم.
ولا يبـدو أن دواعي انفصال أكراد سورية أو أكراد العراق عن الدولةالأمة الـســورية أو الـعراقيـة للالتحام في بلد واحد، يـعـتد بـها. فالمـشـاعر القـومـية الــكردية لا تشد لحمة الاكراد على نحو ما يحـسب كثـر في الغـرب. والـنـزاع الـسـوري سـلـط الضوء على الشقاق في الحركة الكردية. وخـير مثـل علـى ذلـك هو خـلافات أبـرز الأحـزاب الكردية السورية، «حزب الاتحاد الديموقراطي»، مع الأحزاب الكردية العراقية.
ويطعن الحزب هذا في نمـوذج كردسـتان العراق، ولا ينـتخـبه قـدوة لـه، علـى نـحـو ما يـدعو بارزاني. ويشـعر أكـراد سـورية أن «أشــقاءهـم» في الـعراق يفـرضـون عليـهم نموذجاً سياسياً. وينظر «حزب الاتحاد الديموقراطي» بعين الريبة الى المساعدات العسكرية والإنسانية الكردية العراقية المرسلة إلى المناطق الكردية السورية.
ومأخذ كردستان العراق على هذا الحزب هو استئثاره بالقرار الكردي. ولم تسمح إدارة الإقليم الكردي العراقي لمسؤولي الحزب بدخول أراضيها، ومنهم رئيس الحزب صالح مسلم. وفي 11 الجاري، غرد «حزب الاتحاد الديموقراطي» خارج السرب الكردي العراقي، وأعلن مشروع إنشاء حكومة انتقالية في سورية الكردية.
وتعاظم نفوذه يتزامن مع تقاقم التوتر مع حكومة كردستان العراق. وليس العجز عن تحسين العلاقات بين اكراد سورية واكراد العراق حجر العثرة الوحيد الذي يحول دون توحد الجبهة الكردية، فالقوى الخارجية تتوسل هشاشة العلاقة بين الأكراد. وعلى رغم أن العلاقات الاقتصادية بين كردستان العراق وتركيا وإيران قوية، تؤازر أنقرة مجموعات المقاتلين الإسلاميين التي تتواجه مع أكراد سورية، وتدعم طهران النظام السوري الذي يرمي إلى إحكام قبضته، عاجلاً أم آجلاً، على المناطق الكردية. ولا يخفى على المسؤولين في كردستان العراق أن آثار الحرب السورية في العراق المقطع الأوصال قد ينجم عنها فرصة لإرساء دولتهم الطرية العود وتمتين أسسها والبروز قوة إقليمية. وجولات المجابهة مع «القاعدة» في سورية والعراق سترسم وجه مستقبل الأكراد في البلدين.
 
موقف فرنسا في محله
الحياة...جان – سيلفستر مونغرُنييه ** باحث، عن «لوموند» الفرنسية، 13/11/2013، إعداد منال نحاس
على رغم إعلان وشك إبرام الاتفاق مع إيران، لم تبلغ الجولة الثانية من مفاوضات الدول الست مع طهران، مآربها. ويلقي كثر على باريس لائمة الإخفاق. ولكن تسليط الضوء على الوقائع يدحض الزعم هذا. فمنذ الكشف عن البرنامج النووي السري في 2002، ثبت أن طهران انتهكت التزاماتها إزاء معاهدة حظر الانتشار النووي. ومذّاك تناولت وكالة الطاقة الذرية الدولية في تقاريرها التجاوزات هذه. وفي 2003، أفلحت باريس ولندن وبرلين في حمل طهران على تعليق عملية تخصيب اليورانيوم. واستجابة إيران يومها للمساعي الأوروبية كانت وثيقة الصلة بالخوف من ضربة أميركية تشن من العراق. ويومها كان حسن روحاني ممثل طهران في المفاوضات، وأعلن أن تعليق التخصيب هو مناورة تكتيكية. وإثر بلوغه سدة الرئاسة، أعلن روحاني أمام مجلس الشورى الإيراني أن تخصيب اليورانيوم في إيران هو حق.
ويبدو أن الديبلوماسية أخفقت في احتواء إيران. فوفق معلومات وكالة الطاقة الذرية الدولية، يخصب 19 ألف جهاز طرد مركزي اليورانيوم في إيران. وبدأ العمل في أحدث نماذج هذه الأجهزة مطلع العام الحالي في نطنز. وفي حوزة طهران 6 آلاف كلغ من اليورانيوم المخصب 3.5 في المئة و186 كلغ مخصب 20 في المئة. وهذه الكميات قد تستخدم في مشاريع عسكرية. ومن ينفِ فداحة الملف النووي الإيراني يقر بأن الأمر لن يطول قبل بلوغ طهران عتبة التخـصيب العـسكرية. وهذا يقتضي أشهراً قليلة إذا اتخذ القرار السـياسي. ويتذرع هؤلاء بهذه الوقائع للحضّ على إبرام اتفاق جزئي ومحدود مع طهران قبل فوات الأوان.
وإلى تخصيب اليورانيوم، أخفت إيران منشآت نووية في عمق جبل فوردو، ويقال إنها أجرت اختبارات نووية في قاعدة بارشين العسكرية، وهي تسعى إلى تطوير الصواريخ الباليسيتية وتخصيب البلوتونيوم. ويتوقع أن يبدأ العمل في مفاعل آراك في صيف 2014. ومساعي طهران التكتيكية لتبديد الوقت، والتردد الأميركي في توسل القوة أفسحا المجال أمام النظام الإسلامي الشيعي لارتقاء إيران دولة عتبة نووية، أي بلداً في مقدوره مباشرة النووي العسكري.
وأتت العقوبات الدولية ثمارها والوضع الاقتصادي في إيران متدهور. لذا، تسعى طهران إلى إبرام اتفاق جزئي. فالنظام يحتاج إلى متنفس، أي إلى تخفيف العقوبات. ولا يجوز أن يصدع مفاوضوهم باتفاق متسرع بذريعة اقتناص فرصة تاريخية، ولا أن يؤخذ على الديبلوماسية الفرنسية تمسكها باقتراحات اجتماع ألما آتا في 26 شباط (فبراير) المنصرم: أي تجميد التخصيب قبل العتبة العسكرية، ونقل مخزون اليورانيوم المخصب إلى الخارج، وتحديد عدد المفاعلات النووية وتشديد نظام الرقابة على المواقع النووية كلها ورفع القيود عن عمليات التفتيش المفاجئة. والحق يقال تراجعَ عرض ألما آتا عن شروط المجتمع الدولي المبدئية. فخلصت إيران إلى أن الغرب في موقف ضعف. ولا شك في أن تردد إدارة أوباما إزاء حوادث سورية وتراجعها عن مواقفها ساهما في ترجيح كفة هذا الحسبان. ولا يستخف بخطورة الإقرار بأن إيران قوة نووية إقليمية. فالشرق الأوسط في حال غليان. وقد تؤجج بروز القوة الإيرانية النزاعات. والديبلوماسية الفرنسية لها شرف إرجاء مثل هذه الكارثة.
 
 روسيا والتقارب الأميركي - الإيراني
الحياة....فيودر لوكيانوف ** محلل سياسي، عن «روسييسكايا غازيتا» الروسيّة، 13/11/2013، إعداد علي شرف الدين
لا شكّ في ان إيران والولايات المتّحدة عازمتان على تحسين العلاقات بينهما. فالاجواء الإيجابية تحيط بالجولة الثانية من المحادثات الإيرانية - الأميركيّة. وتترك هذه الانفراجات أسئلة حول الأسباب التي أدّت إليها بعد عقد ونصف عقد من النزاع؟ وما أثر هذه التغييرات في روسيا؟
لدى طهران أسباب براغماتية (عملانية) لتليين موقفها. فالعقوبات الاقتصادية أرهقت الشعب، وهي تعوق التطور الإقتصادي والسياسي. وعلى سبيل المثل، تعوق العقوبات الاممية انضمام إيران إلى المنظمات الدوليّة مثل منظمة شنغهاي للتعاون. ويضاف إلى العقوبات الاممية عقوبات الاتحاد الاوروبي واميركا، فتحكم الطوق على ايران ولا تترك مجالاً واسعاً للمناورة. وسـاهم بلـوغ شـخصيّة محترمة مثل حسن روحاني موقع الحكم وتربعه محل محمود أحمدي نجاد المكروه، في تغيير الخطاب السائد.
ويريد الأميركيون الخروج من حلقة النزاع المزمن مع إيران. فالوضع في الشرق الأوسط في تغير مستمر. وعلى الولايات المتّحدة أن تتكيف مع الأوضاع الجديدة. ورقد تشرع العلاقة بإيران أبواب التواصل الاميركي مع العالم الإسلامي الشيعي. ومثل هذا الانفتاح يمنح واشنطن مجالاً أوسع للمناورة في منطقة تغدو أكثر اضطراباً مع مرور الوقت.
وترفع هذه المعطيات فرص التوصل إلى الاتفاق. لكن هذا لا يعني أن الطرفين مستعدان للتضحية بمواقفهما من أجل تسوية من غير خاسر. وتشارك روسيا مشاركة فعالة في المحادثات الجارية بين الطرفين. ولكن سيخسر الكرملين «الحظوة» التي يتمتع بها في إيران؟ فالأخيرة ترزح تحت العقوبات، ولا غنى لها عن روسيا كشريك لا بديل عنه. وثمة احتمال أن تتخلى الدولة المعزولة عن صداقة الدولة الكبرى (روسيا) لحظة زوال الخطر والعزلة، كما حدث في يوغوسلافيا في عهد ميلوسوفيتش وليبيا في عهد القذافي. وإذا كانت الشراكة الروسية - الايرانية قائمة حصراً على غياب البديل، فإنها عاجلاً أم آجلاً ستزول.
ويؤدي تخفيف الضغط عن إيران إلى ارتفاع مستوى المنافسة على السوق الإيرانية ما يؤثر سلباً في روسيا. ولكن لا مفر من المنافسة. وحري بموسكو اقتناص اللحظة السياسيّة ومواكبة الإنفتاح الإيراني للحفاظ على العلاقات الجيدة بإيران.
وخلطت الازمة السوريّة الاوراق في الشرق الأوسط. وأدّت صلابة الموقف الروسي إلى نتائج غير متوقعة. ووجد الكرملين نفسه في خندق واحد مع طهران لأسباب تجاوزت المصالح المشتركة. والحق أن بروز تحالف سنده ديني وجيوسياسي يمتد من موسكو الى طهران وبغداد ودمشق وصولاً إلى «حزب الله» جعل روسيا لاعباً إقليمياً قوياً. وهذا ما لم يكن في الحسبان قبل سنتين.
ولا تعني الانفراجات الاخيرة انّ إيران ستبرم حلفاً مع اميركا. وتحول دون ذلك دواعٍ سياسيّة وثقافية. والولايات المتّحدة غير مستعدة للدخول في هكذا تحالف ولا ترغب في إغضاب حلفائها الحاليين في المنطقة. لكن تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة سيساعد إيران على تحصين مواقعها الإقليمية.
وخلاصة القول إن قوة إيران في الشرق الأوسط ستكون عاملاً إيجابياً تستفيد منه روسيا التي تربطها علاقات وطيدة بالنظام الاسلامي في طهران. ولا يستهان بمكانة إيران في المشروع الروسي. فموسكو تسعى الى الاستدارة إلى الشرق، سواء على مستوى الاتحاد الجمركي أو في المجال الامني في آسيا الوسطى، وتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون من غير أن نغفل الدور الكبير الذي تلعبه إيران في الساحة السوريّة.
 
لماذا يتنكر الغرب لمبادئه في السودان؟
الحياة...مالك عقار * * رئيس «الجبهة الثورية السودانية» التي تضم تحالف قوى مـناهـضة لحكومة الخرطوم في دارفور، عن «لوموند» الفرنسية، 12/11/2013، إعداد حسام عيتاني
جلنا هذا الشهر في أوروبا وشملت زياراتنا ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهي المرة الأولى التي تحضر «الجبهة الثورية السودانية» إلى أوروبا كمجموعة. جاء قادة الحركات ككتلة موحدة: هذه هي الرسالة الأولى! أما الثانية فهي أن الحرب مستمرة في السودان: تتعرض دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق للقصف يومياً، ونزح 3.2 مليون مدني من ديارهم. وتُركوا ليوجهوا مصيرهم، وترفض الخرطوم دخول المساعدة الإنسانية على رغم قرارات الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي. والرد الدولي ليس في مستوى المأساة. ويتعين تبني مقاربة جديدة، فلا نستطيع المتابعة على هذا المنوال. ونأمل من فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن أن تفرض ضغطاً على الحكومة.
وعلى رغم استقلال جنوب السودان في 2011، تستمر الحرب في الشمال. يرجع ذلك إلى أن النظام القائم هو نظام حرب. كانت هناك الحرب في الجنوب أولاً، ثم في دارفور والآن تدور رحى الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق. وما من حلول موضعية. لقد وقع هذا النظام 42 اتفاق سلام من دون أن يحترم أي منها. ولن تضع حداً للحرب غير مقاربة دولية. وينبغي تغيير قواعد اللعبة. من أجل ذلك أسسنا الجبهة الثورية السودانية. نحن منظمة سياسية وسلمية: ولئن خضنا الحرب فذلك لأنها فُرضت علينا. أما هدفنا فهو تسوية المشكلات الكبرى التي لم تعالج منذ استقلال السودان [في 1956]. لقد صغنا «ميثاق الفجر الجديد» [في العاصمة الأوغندية كمبالا في كانون الثاني (يناير) 2013]، الذي يضم 39 حزباً وحركة شبابية ومنظمة غير حكومية ونقابة إلى جانب «الجبهة الثورية». في ذلك النص، دعوة إلى انفصال بين المؤسسات الدينية والتنفيذية، على عكس السائد لدى السلطة الحالية التي لا تكف عن الخلط بين الاثنتين. ولا يمكن أن تقوم هوية السودان على العرق والدين حتى لو كانا العروبة والإسلام. لقد سوينا مسألة مهمة أخرى: كيفية حكم السودان في المستقبل وليس مَن يحكمه. يجب أن يكون سودان الغد غير مركزي وفيديرالي. ولا يسحق المركز المناطق.
هذه ليست المرة الأولى التي تتحد المعارضة فيها. وكان النظام ينجح دائماً في تقسيمها وفي الصمود. لكن دينامية جديدة وُجدت في السودان بفضل التظاهرات التي جرت نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي احتجاجاً على ارتفاع الأسعار. وتدهور الوضع مسألة حقيقية. وعلة ذلك الحرب: يمتص الجيش والأجهزة الأمنية 70 في المئة من الموازنة. يضاف إلى ذلك أن الخرطوم فقدت 70 في المئة من عائداتها النفطية منذ استقلال جنوب السودان [في تموز (يوليو) 2011]. عائدات الدولة حالياً هي أربعة بلايين دولار سنوياً. فليس مدهشاً والأمر كذلك أن يخرج الناس إلى الشوارع. ولجأت الحكومة في مواجهة الاحتجاجات إلى قمع لا رحمة فيه أسفر عن 250 قتيلاً وأكثر من ألف جريح لم يتمكنوا من التوجه إلى المستشفيات خشية تعرضهم للاعتقال. وألقي بثلاثة آلاف شخص في السجون من بينهم عمال ونساء ومراهقون ولم يُفرج سوى عن 1200 منهم.
وبالنسبة لنا، سقط النظام. وتكمن المسألة في كيفية التخلص من بقاياه. تجوف النظام من داخله. ووقع انفصال بين الرئيس عمر البشير وبين حسن الترابي في نهاية التسعينات. وتقدم الآن مجموعة من ثلاثين شخصاً من حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسها كشخصيات إصلاحية من بينها المستشار الرئاسي غازي صلاح الدين العتباني ما يهدد بوقوع انشقاق جديد. وهذا صدع جدي في قمة السلطة. وكل شيء ممكن اليوم حتى وحصول انقلاب داخل النظام.
في ما يتعلق بدارفور، وبعد التدخل النشط للدول الغربية أواسط العقد الماضي، يبدو أنها في حالة ترقب وانتظار. الدليل على ذلك أن الأميركيين يفضلون التعامل مع عمر البشير الذي يعرفونه حق المعرفة بدلاً من المجازفة بالقفز إلى المجهول. بيد أن المحكمة الجنائية الدولية تتهمه بارتكاب إبادة جماعية. ودرّب نظامه وآوى الإرهابيين في طول القارة الأفريقية وعرضها، من مصر إلى مالي مروراً بالصومال وكينيا ونيجيريا. لقد تخرجوا جميعاً من «جامعة أفريقيا الدولية» في الخرطوم. بل إن مقاتلي «القاعدة» الفارين من مالي يعيدون اليوم تجميع صفوفهم في معسكر قريب من بلدة مدني. لا يمكن انتظار أمر طيب من هذا النظام.
و «الجبهة الثورية» هي الحركة الوحيدة في العالم العربي التي تقاتل التطرف والسلاح في يدها. ونتشارك بالقيم الغربية، قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. فلماذا يتجاهل الغرب مبادئه في السودان؟ ولماذا يجري التبادلات التجارية مع نظام مجرم وإرهابي؟ ويتصرف الغربيون كما لو أن استقلال جنوب السودان في 2011 قد سوى كل شيء. ليس الأمر كذلك على الإطلاق وهم يعلمون ذلك تمام العلم.
 
الحاجة إلى الطعن في مصداقية رواية إيران النووية
سايمون هندرسون و أولي هاينونن
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. أولي هاينونن هو زميل أقدم في مركز بيلفر في كلية كندي في جامعة هارفارد ونائب المدير العام السابق للضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
 أدى أحدث تقرير لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن برنامج إيران النووي الذي صدر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى توارد فيض من التقارير الإخبارية والمقالات الافتتاحية المتفائلة. ووفقاً لـ «الوكالة»، لم تقم طهران بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المركّبة في المنشآت المعلن عنها كما لم تقم بتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، فضلاً عن أن مخزونها من سداسي فلوريد اليورانيوم المخصب حتى 20 في المائة يظل دون الخط الأحمر الحرج. وفي غضون ذلك، يمضي العمل ببطء في مفاعل أراك، الذي سيكون قادراً على إنتاج البلوتونيوم، وهو مادة نووية انفجارية بديلة. وقبل ثلاثة أيام من نشر التقرير، أعلنت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن إيران وافقت على إطلاع «الوكالة» على معلومات حول بعض الجوانب من برنامجها النووي التي كانت محجوبة سابقاً.
والأمر الذي لم يركز عليه التقرير كثيراً ولم يلق الكثير من التغطية هو شكوك «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» المستمر بشأن دوافع إيران الحقيقية، والذي ورد تفصيله تحت عنوان "الأبعاد العسكرية المحتملة". وقد جاء في الصفحة العاشرة من التقرير البالغ عدد صفحاته ثلاث عشرة صفحة، "منذ عام 2002، أصبحت «الوكالة» أكثر قلقاً بشأن وجود منظمات مرتبطة بالأسلحة النووية غير معلن عنها في إيران، بما في ذلك الأنشطة المرتبطة بتطوير حمولة متفجرات لصاروخ". كما تلقت «الوكالة» معلومات تشير إلى أن إيران نفذت أنشطة "ذات صلة بتطوير جهاز انفجاري نووي". وقد اعتبر التقرير أن هذه المعلومات "موثوقة"، وذكر أنه منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011 حصلت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على معلومات إضافية "تعزز" تحليلها.
وبالإضافة إلى ذلك، يذكر التقرير أن إيران "رفضت مخاوف «الوكالة»" و "تراها قائمة على مزاعم لا أساس لها من الصحة". وبناءً على ذلك، تستمر طهران في عدم ردها على الأسئلة التفصيلية لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أو إتاحتها الوصول إلى موقع بارشين خارج العاصمة مباشرة، حيث يحتمل أن تكون لديها هناك منشأة قادرة على اختبار المتفجرات التقليدية لاحتمالية استخدامها في قنبلة ذرية داخلية الانفجار.
ومن الناحية النظرية، يمكن للمرء أن يقول إن عناد طهران يتماشى مع روايتها بأن البرنامج النووي الإيراني كان ولا يزال لأغراض سلمية فقط. لقد تم توضيح وجهة نظر الحكومة باستفاضة على موقع إلكتروني جديد، يبدو رسمياً، يؤكد على نية إيران في إتقان جميع جوانب الدورة النووية والحفاظ على برنامج نووي سلمي واسع النطاق لتوليد الطاقة. لكن حتى بعيداً عن الأدلة الدامغة حول "الأبعاد العسكرية المحتملة"، فإن هذا النهج لتطوير الطاقة يبدو غريباً لدولة تملك رابع أكبر احتياطي من النفط وثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم، لكنها تمتلك موارد يورانيوم محدودة جداً.
وعلى المدى الطويل، فإن الهدف الواضح للدبلوماسية الحالية هو التيقن من أن الأنشطة النووية الإيرانية خاضعة لنظام ضمانات صارم. إلا أن أي نظام من هذا القبيل يتطلب الوضوح بشأن ما فعلته إيران وربما تواصل حالياً فعله سراً، وليس فقط السماح بالتطبيق النهائي لأي اتفاق يتم التوصل إليه، وإنما الحد كذلك من مخاوف الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين يراودهم القلق بشأن تقديم تنازلات لإيران.
وفي الماضي، لم تكن طهران منفتحة بشكل كامل بشأن تلك الأنشطة. على سبيل المثال، فإن إقرارها وفقاً لاتفاق 2003 مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا أغفل ذكر برنامج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وغيرها من الأنشطة الرئيسية. كما أن هناك أدلة مقنعة كذلك بأن إيران كانت تعمل على تصميم وتجهيز محطة فوردو للتخصيب الواقعة تحت الأرض في أوائل عام 2005، بالتوازي مع المفاوضات. لذلك، لا يمكن تطبيق اتفاق مرحلي جديد ما لم تعلن طهران عن جميع مواقعها الحالية والماضية للتخصيب، وجميع أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتصنيعها وتركيبها، وجميع ما بحوزتها من المواد النووية، بما في ذلك الكعك الأصفر. كما يجب عليها تقديم معلومات بشأن تصنيع المكونات المتبقية لمفاعل المياه الثقيلة في أراك.
ومع استمرار المحادثات في جنيف هذا الأسبوع، ينبغي على المفاوضين أن يركزوا على هذه القضايا ومسائل الإفصاح الأخرى من أجل تحقيق أقصى قدر من الثقة الدولية في المسار الدبلوماسي وتجنب تقديم تنازلات سابقة لأوانها لطهران قد يصعب التراجع عنها لاحقاً. وعند النظر إلى الصورة الأكبر سنرى أن مصداقية نظام حظر الانتشار العالمي هي على المحك، وهو الأمر حول سلطة مجلس الأمن الدولي لإنفاذ قراراته.
 
 
الإجماع الإيراني لا يعني بالضرورة اتفاقاً جيداً للغرب
 پاتريك كلاوسون
واشنطن بوست
پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن
هناك إجماع واسع بين النخبة الإيرانية بأن اتفاقاً نووياً مع واشنطن سوف يصب في صالح أهداف الهيمنة الإيرانية. ومن واقع هذا الرأي، فإن العائق الوحيد أمام مثل هذا الاتفاق النووي ليس الولايات المتحدة وإنما أوروبا وإسرائيل، بدعم من السعوديين.
إن المحادثات النووية المستمرة لها تداعيات مختلفة للغاية في طهران بالنسبة لما كان عليه الحال في الاتفاقات النووية القليلة الماضية. فالتجميد قصير الأجل لأعمال التخصيب في عام 2003، بل واتفاقات باريس الأقصر أجلاً في عام 2004 لاستئناف ذلك التجميد واتفاق "مفاعل طهران البحثي" غير المثمر في عام 2009 لخفض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، حظيت جميعها بالكثير من الانتقاد. لكن هناك الآن إجماع أكبر في إيران عما كان عليه الوضع في أي وقت مضى منذ ثورة 1979. وهذا صحيح بصفة خاصة منذ الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009، فقد كان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قلقاً للغاية بشأن جهود الغرب لتقويض النظام من خلال دعم حقوق الإنسان والحركة الديمقراطية في إيران. وقد أكّد على الإجماع بين النخب والدعم الشعبي، ومن ثم جاء رضوخه الضمني لانتخاب حسن روحاني. لقد اقتنع الإصلاحيون الإيرانيون إلى حد كبير بموضوع الإجماع الداخلي، حيث إنهم يخشون من أن الضغط الزائد لإحداث التغيير سوف يفضي إلى حرب أهلية، كما هو الحال في سوريا، أو انقلاب عسكري، كما هو الحال في مصر. ويركز الإصلاحيون على تحسين الاقتصاد أولاً، مع تأجيل معالجة قضية الديمقراطية إلى وقت لاحق.
وهذا هو المناخ الذي انتُخب فيه روحاني رئيساً في حزيران/يونيو، حيث وعد باستخدام الدبلوماسية لتخفيف العقوبات على إيران دون وقف البرنامج النووي للبلاد. وأثناء جولتَيْ مفاوضات جنيف منذ انتخابه، قال فريق روحاني في مناقشاته داخل البلاد إن الأمر قد لا يصل فقط إلى قطع شوط بعيد نحو تحقيق هذه الأهداف وإنما قد يتعداه وصولاً إلى إقامة تعاون استراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران. يشار إلى أن العديد من المتشددين الإيرانيين مستعدين لقبول اتفاق نووي على أساس أن الغرب - وخاصة باراك أوباما - يولي الكثير من الأهمية للحد من تهديد أسلحة الدمار الشامل لدرجة أنه سيتجاهل انتهاك إيران لحقوق الإنسان والفجوة الديمقراطية في البلاد في مقابل الوصول على اتفاق.
من الممكن أن يُبشر إبرام اتفاق بتغيير في السياسة الإيرانية. لقد تطورت الجمهورية الإسلامية بطرق أكثر إثارة للدهشة. فعلى سبيل المثال، حذر خامنئي على مدار سنوات من مخاطر الغزو الثقافي الغربي. بيد أن هذا الغزو حدث بالفعل. ومثلما اكتشف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الأول/أكتوبر من واقع السخرية العالمية التي قوبلت بها تعليقاته البالية بشأن الإيرانيين الذين يفتقرون بناطيل الجينز الأزرق، فإن إيران عايشت ثورة ثقافية عميقة خلال الخمس عشرة سنة الماضية. إن التفسير المتفائل هو أن الجمهورية الإسلامية ربما تكون في طريقها لكي تصبح أقل ثورية - أقل نشاطاً في دعمها للإرهاب، وأقل استعداداً للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأقل التزاماً بأجندة معادية للغرب - وأن تتصرف بناء على مصالح الدولة وليس الحتميات الأيديولوجية. وعوضاً عن ذلك، يرجح أن تصبح دولة شرق أوسطية نمطية تنتشر فيها السلطوية والفساد: تتدخل بين الحين والآخر في شؤون جيرانها وترفض قبول إسرائيل لكنها ليست نشطة بقوة في إثارة الاضطرابات.
بيد أن هذا التفسير المتفائل ليس النتيجة الأكثر احتمالاً. في الخطابات المهمة كان خامنئي يضع الأساس للانسحاب من أي اتفاق محذراً من أن الغرب غير جدير بالثقة ولن يفي بوعوده - وهي ذات الأسباب التي ساقها للانسحاب من الاتفاقات النووية السابقة. لدى إسرائيل أسباب وجيهة للقلق من تخفيف العقوبات الاقتصادية وخفض الضغوط على إيران حيث تخشى من أن أي حل يقدمه الغرب كخطوة أولى مؤقتة لن تتبعه مطلقاً أية خطوة أخرى، الأمر الذي يعني أن طهران لن تقبل مطلقاً بالمزيد من القيود على برنامجها النووي. كما أن المملكة العربية السعودية لديها أسباب قوية للقلق من أن تُطلق يد إيران، في مقابل الاتفاق النووي، في متابعة أجندتها للهيمنة على المنطقة وتوطيد نفوذها في سوريا والعراق. والديمقراطيون الإيرانيون على حق في تخوفهم من أن يؤدي أي اتفاق مع الغرب إلى تجديد زخم وحيوية الجمهورية الإسلامية. وعلى اي حال، لم يفعل روحاني سوى القليل لتحسين حقوق الإنسان كما يتضح من تسارع وتيرة عمليات الإعدام منذ توليه منصبه.
ولن تتم طمأنة إسرائيل ودول الخليج والديمقراطيين الإيرانيين إلا من خلال إجراءات أمريكية حثيثة لمعالجة مخاوفهم، وتشمل هذه: جهود إقناع حلفائها بالتهديد بفرض المزيد من العقوبات لكي يثبتوا لإيران مدى السوء الذي قد تصل إليه الأمور في ظل غياب اتفاق دائم أوسع نطاقاً؛ وجهود تدعيم وكلاء إيران المقاومين أو المعارضين مثل الرئيس السوري بشار الأسد؛ وجهود دعم التواصل لمساندة الديمقراطية الإيرانية. إن التحدي الماثل أمام إدارة أوباما يكمن في اتخاذ خطوات تجعل الاتفاق النووي ينجح في تلبية المصالح الأمريكية بدلاً من تسهيل هيمنة الجمهورية الإسلامية على المستويين الداخلي والإقليمي.
 
 
 
 

 

 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,696,915

عدد الزوار: 7,000,618

المتواجدون الآن: 59