بعد التفجيرات في بيئة حزب الله هل تكفي مبادرات الحريري لإحباط الفتنة؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 4 شباط 2014 - 7:02 ص    عدد الزيارات 270    التعليقات 0

        

 

بعد التفجيرات في بيئة حزب الله هل تكفي مبادرات الحريري لإحباط الفتنة؟
بقلم صلاح سلام
التفجيرات المتنقلة بين أحياء الضاحية الجنوبية والهرمل، لا تستهدف البيئة الحاضنة لحزب الله وجمهوره وحسب، بقدر ما ترمي أيضاً إلى إيقاع الفتنة بين أهل السنّة والشيعة، سعياً لتوسيع دائرة المواجهة مع حزب الله، من خطوط المواجهة في العديد من المناطق السورية، إلى الداخل اللبناني.
ولعل أخطر ما ينطوي عليه هذا المخطط الجهنمي، أنه يحمل في ثناياه ما يكفي من عناصر تحريض واستفزاز لكلا الفريقين السنّي والشيعي، بغية جرّهما إلى الفتنة الكبرى والشاملة.
عند وقوع كل تفجير، سرعان ما تتوجه أصابع الطرف الضحية إلى الطرف الآخر، واتهامه بتوفير البيئة الحاضنة، أو على الأقل بتقديم بعض التسهيلات التجهيزية أو اللوجستية للانتحاريين، ومن يقف وراءهم.
وعند وقوع كل انفجار، يُبادر أفراد موتورون، وقد يكونون مأجورين، إلى إطلاق النار ابتهاجاً بما أصاب الطرف الآخر، كذا... وكأن هدف المخططين والمحرضين لمثل هذه الممارسات المُدانة، هو صبّ الزيت على النار، والإسراع في إشعال الفتنة المذهبية المدمرة!
والأكثر خطورة في سياق هذا المخطط الفتنوي، يكمن في محاولة بعض الانفعاليين والغوغائيين تحميل منطقة بكاملها، مسؤولية خروج بعض الأفراد منها عن صراط التعقل والتبصّر، ومخالفتهم لكلمة الجماعة في رفض الفتنة، ولعن المحرّض عليها، واللاعب بنيرانها.
* * *
فور انفجار السيّارة المفخخة في أحد شوارع الهرمل مساء السبت الماضي، عمدت جماعات من الانفعاليين إلى قطع طريق اللبوة - عرسال، وإطلاق الهتافات التحريضية ضد البلدة وأهلها.
على اثر وقوع تفجير حارة حريك الثاني، أوقفت مخابرات الجيش «الشيخ» عمر الأطرش العرسالي، ووجهت له تهم دعم عناصر جبهة النصرة، في عملياتهم التفجيرية ضد بيئة حزب الله.
بعد ذلك، راحت ألسنة السوء تطال كل كبير وصغير في عرسال، المنكوبة أساساً بهذا الطوفان من النازحين السوريين، فضلاً عن حراجة موقعها الجغرافي المجاور للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. والذي تسبب ببعض الاحتكاكات على أرضها بين الجيش والعناصر التي تناصر الثورة في سوريا.
الواقع أن كشف ملابسات هذه المسألة هي مسؤولية دينية ووطنية، لكل من يدّعي الحرص على العمل على تطويق الفتنة، ووأد دوافعها في المهد، قبل أن تستفحل نيرانها، وتخرج عن السيطرة.
ومن منطلق الإيمان بضرورة التصدّي لمشاريع الفتنة المذهبية، لا بدّ من التوقف عند المعطيات التالية:
1 - أهالي عرسال لا يتحملون مسؤولية تسرّب السيّارات المفخخة من الجانب السوري، لأن الطرقات والممرات بين المنطقتين اللبنانية والسورية، في عهدة الجيش اللبناني. وقد استطاعت حواجز الجيش ضبط وتوقيف العديد من المسلحين السوريين، كما تعرّضت هذه الحواجز أكثر من مرّة لنيران معادية، لا علاقة لأهالي عرسال بها.
2 - لقد كشفت التحقيقات الأمنية أن بائع السيارتين المتفجرتين في الضاحية والهرمل (التفجير الأوّل) هو مواطن لبناني من بلدة بريتال، وكان على علم مسبق بأن السيارتين المسروقتين أصـلاً سيتوجه بهما الشارون الجدد إلى منطقة القلمون في الجانب السوري.
3 - لقد أبدت فاعليات عرسال ووجهاؤها، أكثر من مرّة، الاستعداد الكامل لتسليم المطلوبين للأجهزة الأمنية، إلى جانب مناشدة الجيش بتسيير دوريات داخل البلدة، حفاظاً على الأمن، خاصة بعد ارتفاع عدد النازحين السوريين إلى ما يقارب تعداد أهالي عرسال أنفسهم.
4 - حافظت عرسال على هدوئها، ومارس أهلها أقصى عمليات ضبط النفس عند توقيف «الشيخ» عمر الأطرش، مع تشديدهم على التحقيق الشفاف والمعاملة الإنسانية له. واقتصرت حركة الاعتراض على مشايخ ورجال دين من مختلف المناطق البقاعية، في حين غابت فاعليات البلدة المدنية عن التظاهرة أمام وزارة الدفاع.
5 - إن تورّط أفراد من عائلة محددة، أو من بلدة معينة، في عملية إرهابية ما، هل يعني تحميل البلدة كلها، وقبلها العائلة بأسرها، ومعها البيئة السياسية للبلدة والعائلة، مسؤولية هذا التورّط ؟
إن إصرار البيئة الحريرية على حصر الاتهامات بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأفراد وأشخاص معنيين، من دون الأخذ بالاعتبار انتمائهم الحزبي، أو المذهبي، أو السياسي والاجتماعي، ومن دون تحميل مرجعياتهم مسؤولية أعمالهم، يُشكّل قمّة الوعي والحرص على تطويق الفتنة، وإحباط مخططات الإيقاع بين السنّة والشيعة، من خلال تعميم وزر الجريمة النكراء على حزب بكامله، بل وعلى طائفة بأسرها!
* * *
لقد عبّر الرئيس سعد الحريري، ومن خلال موقعه كزعيم لأهل السنّة والجماعة أولاً، وكطرف معني مباشرة بتحقيق العدالة في جريمة اغتيال والده، عن أبعاد استراتيجية في حرصه على التصدّي للفتنة المذهبية، رغم خلافه السياسي المزمن مع حزب الله، وذلك من خلال ثلاثة مواقف، كانت بمستوى مبادرات وطنية كبيرة هي:
أولاً: الإعلان عند باب المحكمة الدولية، وبعد ساعات من انطلاق جلساتها، بأن النظام السوري هو من أعطى الأوامر باغتيال الشهيد الكبير.
ثانياً: القبول بالاشتراك في الحكومة العتيدة جنباً إلى جنب مع حزب الله، وإسقاط شرط انسحاب الحزب من سوريا، وذلك بهدف صون الجبهة الداخلية، وخاصة الشارع الإسلامي من نيران الفتنة المدمرة.
ثالثاً: مناشدة جمهوره وقاعدته الشعبية الواسعة من أهل السنّة والجماعة لعدم الانجرار إلى فتنة القتال بين «النصرة» و«داعش»، وحزب الله، لأن الوقوع في هاوية الفتنة فيه هلاك للبلاد والعباد.
ولكن هل تكفي مبادرات سعد الحريري وتضحياته، والبعض يعتبرها تنازلات، وحدها لإخماد الفتنة قبل أن يشتعل أوارها؟
أين مسؤولية حزب الله في التحرّك لملاقاة هذه المبادرات بما تستحق من تجاوب، والالتقاء مع صاحبها في منتصف الطريق؟
لماذا لم يصدر عن قادة الحزب من المواقف والتصريحات ما ينمّ عن حرص مماثل على التصدّي للفتنة المذهبية؟
ألا يكفي إخراج الحريري لقاعدته الشعبية من البيئة الحاضنة للنصرة وداعش، حتى يُبادر حزب الله إلى خطوات عملية تساعد على تنفيس الاحتقان في الشارع الاسلامي، وسحب التوتر المذهبي من مناطق الاحتكاك المعيشي والاجتماعي بين أبناء الدين الحنيف؟
أم ترى إننا أمام فرصة ضائعة أخرى، تغلب نهايتها الحزينة، دعاة التطرف، وهم قلة، على أهل الاعتدال، وهم الأغلبية الساحقة من أهل السنّة والجماعة؟
* * *
ثَمة جانب آخر للتصدي للفتنة، ويتعلق تحديداً بأداء الأجهزة الأمنية والقضاء العسكري والعدلي، الذي يُكمل مهامها.
وباختصار كلي، لا بدّ من التأكيد على أن المعاملة بالقسطاس، وبالعدل الكامل والواضح بين جميع الأفرقاء، يبقى هو القاعدة الأساس لنجاح الجهود المضنية بإجهاض الفتنة اللعينة.
فإذا كان توقيف «الشيخ» الأطرش إنجازاً للأجهزة الأمنية، لماذا لم يتم، حتى الآن، توقيف المتهمين بالمشاركة في الإعداد لتفجير المسجدين في طرابلس؟
لماذا تتم محاكمة عملاء إسرائيليين بسرعة، ويتم عليهم الحكم بمدة توقيفهم، في حين يبقى الموقوفون الإسلاميون بلا محاكمة رغم مضي سنوات على توقيفهم؟
كيف تصدر أحكام بالإعدام على «متهمين صغار» في عمليات أمنية، في وقت ينام فيه قرار الاتهام لـ «متهمين كبار» في أدراج المعنيين؟!
وحبل التساؤلات طويل.. ولكننا لسنا من دعاة نكء الجراح!
إحباط الفتنة ليس مسؤولية سعد الحريري شخصياً، ولا قاعدته الشعبية وحدها، ولا الطائفة السنية بأكملها، بقدر ما هو مسؤولية كل الأطراف الأخرى، وفي مقدمتها حزب الله والأجهزة الأمنية والقضائية المعنية!
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,271,515

عدد الزوار: 6,985,092

المتواجدون الآن: 64