نحو برنامج عمل سياسي فلسطيني (2)

تاريخ الإضافة الخميس 15 تموز 2010 - 7:02 ص    عدد الزيارات 535    التعليقات 0

        

نحو برنامج عمل سياسي فلسطيني (2)

 

 
 
   
   
 

 

 
سلمان ابو سته
في العام 1948 دخلت بعض الدول العربية فلسطين بعد خروج الانجليز للدفاع عن أهلها تحت ضغط المظاهرات التي عمت شوارع عواصمها احتجاجاً على مذابح دير ياسين وغيرها. ولم تكن مستعدة لتحرير فلسطين لا بالفعل ولا بالنية. وعندما دخلت القوات العربية فلسطين كان اليهود يسيطرون على مساحة 5,5% من فلسطين وخرجت منها بالهزيمة واحتلال إسرائيل لما يساوى 78% من فلسطين.
ولم تدخل أي دولة عربية حرباً بعد ذلك لتحرير فلسطين. والحروب الحدودية كانت لرد اعتداء إسرائيل على تلك الدول. وبعد هزيمة 1967 أصبحت تلك الدول تدعم حركة التحرير الفلسطينية بالمال والسياسة. وبعد معاهدتي السلام مع إسرائيل واتفاقية المبادئ في اوسلو، تخلت عن هذا أيضاً. ودعمت التيار الذي يدعو الفلسطينيين إلى القبول بما يأتي به الامر الواقع من فتات، ووقفت ضد البرنامج السياسي الذي يدعو إلى تحرير فلسطين.
ولكن الشعوب العربية، ومعها الشعوب الإسلامية، وقفت موقفاً وطنياً مشرفاً إلى جانب الحقوق الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، هناك تطابق عرضي في بعض وجهات النظر الرسمية. لبنان والأردن والفلسطينيون لديهم رغبة مشتركة في رفض مشاريع التوطين لاسباب مختلفة. ولذلك فإن من مصلحة لبنان والأردن الوقوف إلى جانب حق العودة. وهو أمر يجب الاستفادة منه إلى أقصى الحدود بتقوية حركة حق العودة في تلك البلاد، والسماح للاجئين بإنشاء مؤسساتهم الوطنية التي تمثلهم، ومنحهم الحقوق المدنية التي يتمتع بها اللاجئ الفلسطيني المقيم في بلد أوربي، وهو الذي يكوّن الآن أهم القوى الشعبية المطالبة بحق العودة.
ما العمل؟
في غياب منظمة التحرير الفلسطينية وعجز القائمين عليها عن القيام بعمل فعال للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، يجب على الشعب الفلسطيني، أفراداً وهيئات ولجانا، القيام بواجباتهم في ميادين كثيرة متاحة له، ولا تحتاج إلى إذن من أحد، ولكنها تحتاج إلى كثير من الجهد والتنظيم وقليل من المال، أقل بكثير من ثمن دبابة عربية يعلوها الصدأ في المخازن.
الميادين المتاحة كثيرة جداً. لقد تدهورت صورة إسرائيل في الغرب الذي يمدها بالسلاح والمال. وهذا بجهد الجمعيات الأهلية الأجنبية المدافعة عن حقوق الانسان في أوروبا وأميركا مع مساهمة هامة من الفلسطينيين في تلك البلاد. هذا الجهد يجب أن يضاعف ويتوسع ويشترك فيه عدد أكبر من الفلسطينيين في الشتات. ومن باب أولى يجب أن ينتشر هذا الجهد في اوساط الشعوب العربية. ومن العيب أن يأتي الايرلندي والبريطاني، ثم المسلم التركي لكسر الحصار على غزة ولا نجد مثل هذا النشاط في الاوساط العربية.
ثم هناك الميدان القانوني المفتوح على مصراعيه. بعد تقارير دوجارد وفالك وأخيراً جولد ستون، بالإضافة إلى تقارير هيومان رايتس ووتش وجمعية العفو الدولية، هناك رصيد كبير من توثيق جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، يجّرم بموجبه قادة إسرائيل في كثير من الدول. ورغم أن كثيراً من الجهات العربية الرسمية والشعبية لديها لجان جرائم حرب، إلا أن إنجازاتها ضعيفة أو معدومة ومتفرقة. وهناك حاجة إلى اختيار الصالح منها وتجميع القوى الأخرى تحت إدارتها. ومن الجدير بالذكر أن اوامر القبض على بعض قادة إسرائيل في بريطانيا قد تمت على يد مكاتب محاماة بريطانية متعاطفة مع فلسطين ومتحالفة مع جمعيات قانونية فلسطينية.
والنجاح في هذه المهمة يكفل ثلاثة أمور هامة: محاكمة مجرمي الحرب والقصاص منهم، ومنعهم من التنقل والسفر، وفضح جرائم إسرائيل أمام العالم.
وفي هذا الميدان تبرز أهمية كسر الحصار عن غزة الذي أصبح يمثل أبشع مثال على الجرائم التي ترتكب في وضح النهار وعلى شاشات التلفزيون، دون أن يتحرك أحد إلا القليل من أصحاب الضمائر.
وفي هذا الميدان، يجب إبراز قضية أكثر من عشرة آلاف فلسطيني أسير لدى إسرائيل، دون مسوغات قانونية، ولا أخلاقية. وهذه أكبر نسبة في تاريخ أي احتلال لان 40% من الشباب الذكور في الضفة وغزة اعتقلتهم إسرائيل على الاقل مرة واحدة في حياتهم منذ احتلالها عام 1967.
ومع تطور الاتصالات الإلكترونية والفضائيات، لم تعد المسافات ذات أهمية. ولذلك فإن الفلسطينيين والمتضامنين معهم في العالم يستطيعون شن حملات إعلامية بالرد على مزاعم إسرائيل وكشف جرائم إسرائيل السابقة والحالية. ولقد حدث تطور كبير في هذا الميدان عن طريق نجاح حملة المقاطعة (BDS) التي انضمت عليها عدة نقابات وجامعات في العالم، وهي لا تزال في نمو كبير.
كل هذه النشاطات، على تواضعها، أزعجت إسرائيل، وجندت لها آلافاً من أنصارها في العالم في حملة تسمى (هزبرا)، وتستثير لها الاعوان تحت شعار الحملة ضد نزع الشرعية عن إسرائيل.
وهناك ايضاً الميدان المفتوح للتواصل مع برلمانات العالم والمحافل الدولية ووكالات الأمم المتحدة بما فيها اليونسكو، وذلك عن طريق زيارات وفود شعبية من المخيمات والجاليات والأسرى المحررين وغيرهم. وهنا يبرز دور الجمعيات الأهلية (NGO) في البلاد المختلفة التي تستطيع ترتيب هذا التواصل وتفعيله.
وهناك أيضاً أهم ميدان يؤثر على إسرائيل وهو الميدان الاقتصادي. وكما سبق ذكره فإن التأثير على اقتصاد إسرائيل أوجع من حرب الدبابات الفاشلة. وعلى الرغم من عفوية حركة مقاطعة إسرائيل الشعبية (BDS) وانتشارها في أوربا وإلى حد ما في أميركا فإنها تقلق إسرائيل من ناحيتين، الإعلامية والاقتصادية.
لكن الضربة الحقيقية تأتي من مقاطعة العرب الاقتصادية للشركات التي تتعامل مع إسرائيل والتي كانت سارية إلى أن وقعت معاهدات (السلام) مع الأردن ومصر. وبحساب بسيط نجد أن الدول العربية إما شعبياً أو رسمياً تستطيع بمقاطعة البضائع من أميركا وهولندا وألمانيا وبريطانيا فقط، اعتماداً على أن إسرائيل خارجة عن القانون الدولي الذي يعاقب الاحتلال والفصل العنصري، واستناداًَ إلى القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 9 يوليو 2004 والذي أقرته الأمم المتحدة، أن تجبر هذه الدول على إعادة حساباتها حول التحيز لإسرائيل. وإذا توقفت مبيعات المرسيدس ومنتجات سيمنز مثلا فإن المانيا تفكر مرتين قبل تصنيع غواصات نووية لإسرائيل والمشاركة في تصنيع أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية التي تقوم بها الآن، لصالح إسرائيل.
والمقاطعة سلاح معروف ومعترف به. وها نحن نجد أميركا تطبقه بدون مسوغات قانونية. فكيف لو كانت المقاطعة بناء على القانون الدولي؟ الدول العربية لديها هذا المسوغ القانوني. وليست في حاجة إلى إعلان الحرب على إسرائيل أو إخراج دباباتها وطياراتها من المخازن. ولا تحتاج فقط إلا إلى «الترشيد» في الانفاق الاستهلاكي او الترفيهي في الاستيراد من الدول التي لا تساعد إسرائيل على قتل الفلسطينيين.
ثم هناك ميدان الإعلام الخارجي. وقد توسعت دائرة تأثيره فوق كل وصف باستعمال الانترنت وانتشار الفضائيات. وهو ما أدى مباشرة إلى مظاهرات في عدة دول أوروبية استنكاراً لمحرقة غزة، وأدى كذلك إلى المظاهرات الاسبوعية ضد جدار الفصل العنصري في بلعين.
وفي المجتمع الفلسطيني، لا تزال الكلمة الجامعة هي «حق العودة»، فهي تتعدى حدود الفصائل والاحزاب والمطامع الشخصية. وقد تطورت حركة حق العودة منذ كارثة أوسلو، وأصبح التنوير لها ناجحاً في كل مناطق الشتات، ولكنها لا زالت مبعثرة، لاختلافها في التوجه والأهمية والفعالية. ولذلك لا بد من مؤتمر دولي يجمع كل هؤلاء تحت مظلة واحدة إن لم يكن بالدمج فليكن بالتنسيق.
ميدان التربية الوطنية للشباب هو المعركة الحقيقية، فشبابنا يتجاوز عدده خمسة ملايين، لم يعاصر الثورة الفلسطينية، ولم ينضم للفدائيين، وولد في عصر الاحباط، ولذلك فإن اليأس وعدم المبالاة والرغبة في الهجرة تسيطر على معظم فئاته، إلا من اعتصم بالعقيدة والوطنية.
المعركة طويلة جداً ولكن لا بد من الثبات على المسيرة واستدامة الفعاليات ونقل المسؤوليات من جيل إلى جيل. الحرب طويلة. إسرائيل لن تنهزم اليوم أو غداً لكنها تراهن على أن «الكبار يموتون والصغار ينسون» ويدب الوهن في الشعب ويتنازل عن حقوقه حقاً بعد حق، وتكسب إسرائيل شرعيتها بتوقيع الضحية.
وهناك معطيات يجب أخذها في الحسبان:
المعطى الأول: إسرائيل ستستمر في عنصريتها وإجرامها، ومن رضي بها لن ترضى به. كما أنها رغم قوتها العسكرية ضد الجيوش النظامية فإنها هشة جداً جغرافياً وسكانياً. ولا بد من الاستفادة من هذه الهشاشة.
المعطى الثاني: ان العالم الذي دعم إسرائيل قد بدأ بالتحول عنها، وسيأتي وقت يراها عبئاً وليس ميزة.
المعطى الثالث: ان الشعب الفلسطيني يتطلع إلى القيام بواجبه في الدفاع عن حقوقه، تسانده في ذلك الشعوب العربية والإسلامية والقوى الشريفة في العالم. ولكنه يحتاج إلى هيكلية عمل وقيادة كفؤة تتولى تفعيل هذه القوى كلها.
والمسعى الأول المطلوب هو إعادة انتخاب مجلس وطني جديد يمثل 11 مليون فلسطيني نصفهم ولد منذ انتفاضة الحجارة. ولا شك أن المعارضة الحالية لانتخاب مجلس وطني ستنهار قريباً، لان القائمين على الوضع الحالي لا يملكون ثقة الشعب ولم ينتخبهم 70% منه ولم يقدموا أي إنجاز للشعب الفلسطيني.
وأول واجباته هو ملء الفراغ الناجم عن غياب أجهزة منظمة التحرير. ومن أهمها الدفاع عن حقوق اللاجئين الذين تبلغ نسبتهم ثلثا الشعب الفلسطيني (أو ثلاثة أرباعه لو حسبنا النازحين عام 1967). وذلك بتفعيل كل مخيمات اللاجئين في الوطن العربي، وبتفعيل قدرات الجاليات في الخارج حول الدفاع عن حق العودة.
وكخطوة عملية أولى لتفعيل الشعب الفلسطيني وتمثيله، نقترح أولاً اجتماع نخبة من الفلسطينيين، ذوي المصداقية العالية العارفين بكل هذه الميادين لوضع برنامج سياسي فلسطيني ذي طابع عملي قابل للتطبيق.
ومنه ينبثق مؤتمر موسع يشمل ممثلي الجاليات والنقابات والفعاليات. وهذا المؤتمر تمثيلي شعبي يعبر عن المجتمع المدني، ويكون رديفاً لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما يعاد بناؤها على نسق قديم. وليس في هذا أي غرابة، فالصهيونية لديها مؤسسات كثيرة منها الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والمؤتمر العالمي اليهودي وغيرها كثير بجانب دولة إسرائيل. والهدف الأول هو تجنيد كافة فئات الشعب الفلسطيني والسعي الحثيث نحو انتخاب مجلس وطني جديد وبناء منظمة التحرير الجديدة، التي تتكون من الفئات الفاعلة على الساحة الفلسطينية على أساس الميثاق الوطني لعام 1969.
خطة أم حلم
قد يقال انه في الجو العربي البائس، تبدو هذه الاقتراحات ضرباً من الاحلام. هي ليست كذلك. لقد خاض الشعب الفلسطيني أطول معركة في التاريخ ضد شعب أعزل. ولم تعُزه التضحية ولا الصمود ولا الثبات على المبدأ. وإنما افتقد القيادة الحكيمة، وافتقد ايضاً الكفاءة في العمل والتنظيم. لكن هناك جيلا جديدا يختلف عن سابقه، قادرا على العطاء وراغبا فيه.
نحن لا نحتاج إلى قيادة كاريزمية انفرادية، بل نحتاج إلى مؤسسات تتبدل فيها القيادات بحسب الاداء وبحسب المتطلبات. فالمؤسسات لا تموت وهي قابلة للإصلاح. والأكيد أن الشباب قادرون على انشاء وتطوير هذه المؤسسات، فقد ولدوا في المنافي وتسلحوا بالعلم والمعرفة والثقافة التي تخاطب العالم، وهذه كلها صفات أعوزت أبائهم وقادتهم. وفيهم يكمن أمل الشعب الفلسطيني، الذي عانى الكثير، لكنه لم ولن يستسلم أبداً.

[ المنسق العام لمؤتمر حق العودة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,665,582

عدد الزوار: 6,960,132

المتواجدون الآن: 70