الانتفاضات الثورية كشفت علة النظام العربي

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 شباط 2011 - 6:16 ص    عدد الزيارات 572    التعليقات 0

        

الانتفاضات الثورية كشفت علة النظام العربي

 


 
د· محمد المجذوب

 

ما حدث في تونس ثم في مصر شكّل زلزالاً رهيباً في الحياة السياسية العربية لم تكتمل بعد ارتداداته، وهذا الحدث الجلل ينطوي على دروس وعبر وانطباعات يمكن اجمالها في النقاط الآتية:

أولاً - للمرة الأولى في التاريخ العربي يُسقط الشعب حاكمه دون اللجوء الى إحدى الوسائل التقليدية المتداولة عربياً ودولياً، ومنها الاغتيال، أو الانقلاب العسكري، أو التدخّل الخارجي·

ثانياً - إن الانتفاضة الثورية التي عمّت كلا من تونس ومصر لم تُطلقها أو تنظمها أحزاب أو نقابات أو تحالفات، بل دعا إليها وقادها وحافظ على طهارتها شباب حر، معظم أفراده من المثقفين والعاطلين عن العمل والثائرين على أوضاعهم، العامة والخاصة، المخزية· تصوروا ان المناضل التونسي الشهيد (بوعزيزي) المتخرج من الجامعة يُحرم من فرص العمل فيضطر الى بيع الخضار وراء عربة، في حين ان أفراد الاسرة الحاكمة، ومعظمهم لم يدخل الجامعة، يملكون الشركات ويتلاعبون بمقدرات البلاد·

ثالثاً - إن تلك الانتفاضة أثبتت ان الشعب يُمهل ولا يُهمل، وأن تصرفات الطغاة البغاة تخضع، ولو بعد حين، لمحاسبة شعبية قاسية، وأن الانظمة القمعية لا بد لها، مهما يطل طغيانها، من أن تسقط يوماً بإرادة الشعوب الحرة وصمودها، وأن هذه الإرادة تسمو على كل دستور أو قانون، وخصوصاً إذا كان من مخلفات النظام القمعي·

رابعاً - إن تخلّي الدول الاستعمارية الكبرى عن أعزّ حلفائها، عند الضيق، أصبح قاعدة عامة لا تقبل الاستثناء· فالدول الداعمة للرئيس التونسي الفار رفضت تقديم أي نوع من المساعدة إليه· بل رفضت مجرد استقباله· وهذا التنكّر الفاضح للعملاء التُبع يُذكّرنا بموقف الولايات المتحدة من شاه إيران عندما طرد من بلاده ولم يجد، على الرغم من اشتداد المرض عليه، ملجأ يأويه في أرضها·

خامساً - إن ما جرى حتى الآن في بعض الدول العربية الخاضعة لاستبداد حكامها يُشكّل رسالة تحذيرية صريحة الى كثير من الحكام العرب الآخرين الذين ما زالوا يعتقدون انهم مجبولون من طينة أسمى من طينة شعوبهم· ولكن الأحداث أثبتت أنهم، رغم تعاليمهم وتجبّرهم، سرعان ما ينهارون أمام أول تحرك شعبي، ويفرّون من قصورهم حاملين ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من الثروات المنهوبة· والمستغرب أن بعضهم يعمد الى توزيع الأموال وتخفيض الأسعار والتنكّر لعزمه على التجديد والتوريث، متجاهلاً أن الكرامة أقوى من القهر وأعزّ من كل المغريات المادية· وأن تحركا شعبياً لمدة ثلاثين يوماً كفيل باقتلاع جذور أي حكم ظالم دام ثلاثين عاماً·

سادساً- إن ما حدث حتى الآن ينبئ بانبلاج عهد جماهيري جديد في الوطن العربي يتّسم بعودة الروح النضالية الى الشارع العربي، وهبوب رياح التغيير، وانتشار النقمة على كثير من الانظمة المستبدة والحاكمة منذ سنوات طويلة، والمتحالفة مع أعداء الأمة، والعاجزة عن التجاوب مع تطلعات الأجيال الصاعدة·

سابعاً - إن تاريخ المنطقة العربية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، يؤكد أن ما يجري في بلد عربي، على صعيد الحريات والتمرد على القهر والظلم، يترك صدى وأثراً في بقية البلاد العربية، وفي دول الجوار العربي· فالثورة المصرية للعام 1952 كانت زلزالاً هزّ عروشاً وغيّر أنظمة في معظم دول آسيا وأفريقيا· والثورة الكوبية كانت صرخة مدوية أيقظت شعوب أميركا اللاتينية وحثّتها على التحرر من الهيمنة الأميركية· والثورة الجزائرية للعام 1954 كانت العامل الأهم في حصول أقطار المغرب العربي على استقلالها·

لقد ترك لنا المفكّر العربي عبد الرحمن الكواكبي كتاباً رائعاً بعنوان <طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد> وفيه تصدّى للدولة الاستبدادية، وبحث معنى الاستبداد وأنواعه، ودرس سلوك المستبد وأعوانه، وبيّن تأثير الاستبداد في الدين والعلم والأخلاق والتربية والتقدّم· وقال إن الحرية هي أم الفضائل جميعاً، والاستبداد هو رأس الرذائل جميعاً، ولو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن ينتسب ويحتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، وديني وشرفي المال، ثم المال ثم المال·

ومن دراستنا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في بلادنا نلاحظ وجود تحالف أو تعاون وثيق بين أنظمة الاستبداد والفساد والطغيان وبين دول الاستعمار الجديد التي ترعى وتدعم هذه الأنظمة، اعتقاداً منها بأن الاستبداد كفيل بإنهاك الانظمة من الداخل، وإفقار شعوبها، وهدر ثرواتها وطاقاتها، وجعلها أداة طيّعة في أيدي أسيادها· فالاستبداد أو الفساد ما كان بإمكانها أن يسود ويتفاقم لولا رعاية الدول الاستعمارية له واستشراء أطماعها·

ومن دلائل التلازم بين الاختلال الداخلي والتدخل الخارجي ما نشاهده من فساد في معظم الدول التي خضعت (أو أخضعت) للهيمنة الاستعمارية· وما يجري في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها من الدول العربية والأفريقية خير دليل على ما نقول·

والخلاصة أن المعضلة الأساسية في الوطن العربي تكمن في طبيعة النظام العربي الرسمي القائم الذي يسمح للحكام باحتكار السلطة والإمعان في الطغيان· وللحفاظ على هذا النظام تُستباح الأرض والمقدسات، وتهدر كرامة الوطن والشعب، وتبذّر الأموال والثروات، وتقدّم التنازلات تلو التنازعات للأعداء، مجاناً وبلا حساب·

مداخلة ألقيت في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في 17/2/2011

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,774,716

عدد الزوار: 7,002,982

المتواجدون الآن: 68