بوتين يعامل المعارضة السورية معاملته لثوار الشيشان!

تاريخ الإضافة الأحد 11 آذار 2012 - 7:02 ص    عدد الزيارات 382    التعليقات 0

        

 
سليم نصار

بوتين يعامل المعارضة السورية معاملته لثوار الشيشان!

 

يجد فلاديمير بوتين أوجه شبه بينه وبين بشار الأسد. ذلك ان كليهما يريان نفسيهما ضحية مؤامرة خارجية. وعليه تعيد الانتفاضة السورية الى أذهان الروس، صور الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا. لكن هناك وجهة نظر تقول ان اللهجة الحادة التي تعاطى بها بوتين مع الغرب نابعة من حاجته الانتخابية الى تأجيج المشاعر الراكدة فقط.

عندما وقف فلاديمير بوتين على منصة الاحتفال ليعلن فوزه بأغلبية مطلقة، تهدج صوته فجأة، وسالت على خديه دمعتان أثارتا إهتمام المصورين والاعلاميين.
والسبب انه خلال فترة حكمه كرئيس جمهورية ورئيس حكومة، أعطى الانطباع بأنه رجل غليظ القلب مثل ستالين، يصعب عليه ذرف الدموع. لذلك اتفق المعلقون على تفسير هذه المخالفة بأنها اعتذار علني وفعل ندامة تجاه شعب حكمه طوال 16 سنة بالتزوير والترهيب. لهذا فاجأته النتيجة غير المتوقعة (64 في المئة)، خصوصاً عندما إدعى انصاره بأن موجة الصقيع وحدها مسؤولة عن سقوط دمعتين باردتين. كل هذا، لأن سلوكه الاجتماعي كان جزءاً لا يتجزأ من الاسطورة التي بناها حول ماضيه وحاضره.
ويستدل من طبيعة المغامرات الجريئة التي تعمد إظهارها في مختلف وسائل الاعلام، انه انسان بارع في اداء وظيفته منذ اختارته موسكو عميلاً لجهاز الاستخبارات (الكي جي بي) في برلين الشرقية. وقام بدوره المنتظم طوال فترة الحرب الباردة. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي، سارع بوتين الى خلع رداء الشيوعية والانضمام الى الرئيس السكير بوريس يلتسن. ثم اقتنص فرصة التحولات، ليفاخر بمعموديته وارثوذكسيته وصداقته لبطريرك موسكو الراحل الكسي.
في كتابها المثير للجدل، حرصت الفتاة المعارضة ماشا جيسن، على كشف الكثير من الجوانب الخفية التي ساهمت في ترسيخ حكم بوتين. وقسمت كتابها الى ثلاثة فصول تحمل عناوين مختلفة: فصل السرقات، وفصل الحقارات، وفصل السموم. وتدعي هذه الكاتبة الروسية ان بوتين عمل على تنظيف مؤسسات الدولة من سارقي ايرادات النفط، ولكنه شخصياً استولى على نصيب كبير من ثروات الدولة، وانما بوسائل قانونية. وفي الفصل الثالث تزعم انه قلد طرق ستالين وبيريا لتصفية خصومه ومعارضي حكمه. ولكنه استخدم سلاح السم بدل الرصاص. وهكذا قضى على النائب الليبرالي يوري ششكوشيكين وأناتولي سوبتشاك والكسندر ليتفنكو، الذي خلقت وفاته أزمة مع بريطانيا لأن عملية دس السم جرت في لندن.
حظي بوتين بشعبية واسعة بين الروس، في أعقاب عملية حصار مدرسة بيسلان سنة 2004 التي نفذها شيشانيون وسقط خلالها 334 قتيلاً نصفهم من الاطفال.
وكانت تلك الحادثة بمثابة اختبار لسلطته منذ اختاره يلتسن خلفاً له. وخاطب بوتين المواطنين بثقة وجرأة، مؤكداً ان فراغ الحكم لن يحصل في عهده. وحذر معارضيه مهدداً بأن محاولات الخروج على القانون ستجهض بحسم. وهذا ما فعله مع الانفصاليين الشيشان الذين قاموا بسلسلة تفجيرات استهدفت مؤسسات الدولة والابنية السكنية. وقد وصفهم في حينه بالارهابيين، متعهداً للشعب بأنه سيلقي بهم في المرحاض. وعندما شنت الصحف الغربية ضده حملة قاسية بسبب اعتقاله قطب النفط ميخائيل خودركوفسكي، تجاهل كلامها وقال في ذلك: "ان اللص مكانه السجن". ومع ان المعلقين ربطوا قرار الاعتقال باصرار المتهم على خوض المعركة السياسية ضد بوتين، إلا أن المحكمة عاقبته بسبب عمليات غسل أموال والتهرب من الضرائب.
عندما تولى بوتين منصب رئاسة الحكومة، توقع المراقبون أن تقود ازدواجية الحكم الى صدام بينه وبين صنيعته السياسي الرئيس ديمتري مدفيديف. ولكنه بخلاف هذه التوقعات، لم يحدث أن تجاوز بوتين حدود سلطاته، واكتفى بممارسة هوايات ومغامرات لم يكن بمقدور صديقه رئيس الجمهورية تطبيقها.
ويستدل من الصور التي توزعها وكالات الانباء، ان بوتين حريص على ابراز قدراته غير السياسية، بهدف التأثير على مشاعر الناس العاديين.
في مطلق الأحوال، يرى انصار بوتين أن الحكم على عهده يجب ان يكون من خلال ولايته الجديدة، كونها تمثل المعيار الصحيح الذي يجب "القيصر الاشقر" ان يختتم بها حياته السياسية، خصوصاً أنه دشن هذه الولاية بارسال وزير خارجية سيرغي لافروف الى المنطقة على أمل ايجاد حلول مقبولة للأزمة السورية، ولكنه اتبع هذه المحاولة باعلان ما سبق وذكره في مناسبة أخرى من أن الدول الغربية متهمة بالوقوف الى جانب المعارضة السورية والتخلي عن نظام بشار الاسد. ثم كرر اتهامه الغرب بتأجيج الأزمة عبر المساعدة على تسليح من وصفهم "بالمتمردين" على النظام، أي أنه أطلق على أنصار "المجلس الوطني السوري" الوصف الذي أطلقه على انفصاليي الشيشان الذين عاقبهم بقسوة، وقدم لهم "المراحيض" كحل نهائي!
وهذا معناه أو موسكو ستعارض اي قرار يقضي بتسليح المعارضة، ان كان عبر قرارات مجلس الأمن ام عبر جامعة الدول العربية. وقد أعلن لافروف اثناء محادثاته في المنطقة، ان بلاده تتمسك بموقفها المبدئي الذي يساوي في المسؤولية بين السلطة والمعارضة.
وقد فسر برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري موقف روسيا، بأنه ضوء اخضر لدعم نظام بشار الاسد وتأييد كامل لمهمة استخدام الجيش في عمليات قمع المتظاهرين. وبما ان عدد الجيش النظامي يزيد على نصف مليون جندياً مزودين بأسلحة ثقيلة استعداداً لخوض حرب مع اسرائيل، فان عمليات سحق المعارضة ستستأنف من جديد بهدف اقناع واشنطن وحليفاتها بأن دور روسيا المعطل سيبعث من جديد.
في هذا الاطار يمكن النظر الى الموقف الروسي تجاه النظام السوري كموقفه المؤيد للنظام الايراني، لهذا حذر الغرب من مغبة ضرب المفاعلات النووية الايرانية، خوفاً من تدفق النازحين الى المناطق المجاورة، بل خوفا من اشعال حرب اقليمية يصعب تقدير تبعاتها.
حدث اثناء الاعداد لانتخابات الرئاسة في روسيا، ان وزع انصار بوتين منشورات تحمل خريطة للفيديرالية الروسية مقسمة الى 25 جزءاً ثم اتهموا المعارضة الموالية للغرب بأنها تتآمر لتقسيم روسيا مثلما تتآمر المعارضة في الشيشان وسوريا لتقسيم هذين البلدين. واعتبر بوتين في احدى خطبه الانتخابية ان المتظاهرين ضده يمثلون الطابور الخامس الموكل اليه مهمة تفكيك روسيا وتعبيد الطريق امام اجتياح قوات الناتو لها.
وعندما سأله رئيس تحرير صحيفة "التايمز" البريطانية جيمس هاردينغ، عن خلافه مع ادارة اوباما، اجابه بوتين، بأن الدرع الصاروخية الاميركية تستهدف قوة الردع النووية الروسية. واعترف بأن مباحثاته مع اوباما ساعدت على انضمام موسكو الى منظمة التجارة العالمية، والى توقيع معاهدة خفض الاسلحة النووية ولكنها لم تقنع واشنطن بتقديم ضمانات خطية لموسكو، تؤكد فيها ان نظامها الصاروخي لا يستهدف بلادنا.
يختلف المعلقون على صدقية اعلان المواقف المعادية للولايات المتحدة، وما اذا كان توقيتها مرتبطاً بانتخابات الرئاسة فقط. ويرى بعضهم ان اللهجة الحادة التي تعاطى بها الرئيس بوتين مع الدول الغربية، كانت نابعة من حاجته الى تأجيج المشاعر الراكدة، وهذا ما يفسر اصراره على تقديم دوره كمدافع عن روسيا في وجه الاعتداءات الخارجية. بل هذا ما يفسر استخدامه لحق الفيتو في مجلس الأمن، لأنه "لن يخوف روسيا  مهما بلغ عدد القتلى في سوريا!".
وبناء على هذا التصور، يجد فلاديمير بوتين أوجه شبه بينه وبين بشار الاسد. ذلك ان كليهما يريان نفسيهما ضحية مؤامرة خارجية، كما يقول الكسندر شوميلين، الخبير في شؤون العالم العربي. وعليه تعيد الانتفاضة السورية الى اذهان الروسي، صور الثورات الملونة في جورجيا واوكرانيا.
ولكن الديبلوماسيين الروس المطلعين على تفاصيل الملف السوري، لا يصدقون نظرية المؤامرة، ويعتبرون توقيت إعلانها، مجرد خطاب إعلامي يراد من ورائه إستقطاب الناخبين. في حين أن الزيارة السابقة التي قام بها لدمشق وزير الخارجية سيرغي لافروف ورئيس الاستخبارات ميخائيل فرادكوف، لم تتطرق الى هذا الموضوع. وإنما تركزت على ضرورة مفاوضة المعارضة في حال تفاقمت الأوضاع الأمنية، وإضطرت روسيا الى نقل بشار الاسد وعائلته خارج البلاد.
يقول خبراء الاقتصاد العالمي، أن الولايات المتحدة تسعى حالياً الى زعزعة الثقة بالدولة الروسية، قبل أن تتفق مع الصين على إنشاء كتلة من دول آسيوية وشرق أوسطية يمكن أن تشكل عائقاً للتمدد الاقتصادي الغربي. صحيح أن ارتفاع اسعار النفط قد أفاد روسيا وايران... ولكن الصحيح أيضاً، أن حكومة بوتين إتفقت مع الشركات على تجميد أسعار مشتقات النفط بهدف تفادي الاضرابات والاضطرابات، وبما أن التوقعات الاقتصادية في روسيا مرتبطة بالوضع السياسي والأمني، فان الدلائل الاجتماعية تشير الى احتمال ازدياد عدد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية. ومثل هذه الأعمال ستعزز مخاوف المستثمرين وتضاعف حجم الاموال المهربة الى الخارج، والتي قدرت السنة الماضية بأكثر من 84 بليون دولار. وفي هذا السياق، يعترف وزير المال الروسي السابق الكسي كودرين، بأن الدولة في عهد الرئيس بوتين، ستضطر الى التعامل مع مشاكل اقتصادية معقدة تتطلب نفقات كبيرة من موازنة يصعب عليها تأمينها.
 لهذا السبب وسواه يرى المراقبون أن بوتين استخدم السياسة لتأمين فوزه في انتخابات الرئاسة... وأن أوباما قد يستخدم الاقتصاد الروسي لزعزعة الثقة بأمبراطورية وهمية سيسعى بوتين الى إنتشالها من تحت أنقاض الاتحاد السوفياتي.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,388,859

عدد الزوار: 6,989,262

المتواجدون الآن: 75