روسيا تواجه الغرب من فوق جبل قاسيون!

تاريخ الإضافة الأحد 1 نيسان 2012 - 6:35 ص    عدد الزيارات 380    التعليقات 0

        

 
سليم نصار – لندن

روسيا تواجه الغرب من فوق جبل قاسيون!

 

لا يتردد بوتين في الإعراب عن سخطه لفقدان حليفين مهمين هما صدام حسين ومعمر القذافي. لهذا السبب لن يسمح لنفسه بارتكاب خطأ ثالث في سوريا.

في اجواء افتتاح مؤتمر القمة العربية في بغداد، ووصول رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان الى طهران، فوجىء سكان مدينة حمص بزيارة الرئيس بشار الاسد الى حي بابا عمرو.
وكان وصوله المبكر عبر الطريق البري (160 كلم)، متجاوزاً بذلك حملات المعارضة التي تصفه دائماً بأنه رهين القصر في دمشق. لذلك أراد الإيحاء للمبعوث الاممي – العربي كوفي انان، بأن الأمور طبيعية في سوريا، وبأن النظام يسيطر على الوضع الداخلي، بعكس ما تدعيه قيادة المجلس الوطني. ويرى المحللون ان الهدف الرمزي لهذه الزيارة المفاجئة، يكمن في توقيتها المتزامن مع انعقاد مؤتمر اسطنبول بحيث تقتنع المعارضة ان الاسد انتهى من حربه العسكرية، وانتقل الى شن حرب ديبلوماسية. ومعنى هذا ان خيار الموافقة على خطة انان لم يكن سوى بداية تحول تكتيكي ساهمت موسكو وبيجينغ في دعمه وتشجيعه.
ويؤكد المراسلون الذين شاهدوا حصار مدينة حمص، ان الاسد كان يعتبرها نقطة استراتيجية مهمة، تماما مثل "مصراته" الليبية... وأن الاستيلاء عليها من قبل المتمردين يشكل مدخلا لإسقاط نظامه. وهذا ما توقعه قائد "الجيش السوري الحر" رياض الأسعد، الذي اعترف بأن سيطرة الجيش النظامي على حمص يساعد على اجهاض الثورة. وتعتبر حمص، في نظر المؤرخين، مدينة مفتوحة على مختلف المجالات، الامر الذي شجع الانتداب الفرنسي على اعلانها عاصمة ثانية لسوريا. كل هذا بسبب موقعها الاستراتيجي المميز وقدرتها على لعب دور مؤثر كونها تقع وسط تقاطع طرق بين دمشق وشمال البلاد.
وقد حاولت المعارضة استغلال هذا الدور اثناء تطويق دمشق وحلب، المدينتين اللتين حافظتا على عزلتهما عن الثورة طوال ثمانية أشهر تقريباً.
ومع أن حمص تعتبر المدينة الثالثة من حيث حجمها السكاني (مليون وربع المليون نسمة)... إلا أن مركزها الصناعي المتقدم منحها أهمية خاصة لدى حزب البعث وخصومه. ذلك أن الدولة ترى فيها منطقة عبور حيوية للسلع المصدرة الى تركيا ودول الخليج. مثلما ترى فيها ايضا موقع استهداف للمعارضة التي ضربت مصافي النفط اكثر من خمس مرات. وكان من الطبيعي ان يتحدى المجلس الوطني قوات النظام في حمص باعتبارها تضم غالبية سنية تتعاون دائماً مع سنة طرابلس. علماً بأن نسبة العلويين لا تتعدى الـ25 في المئة من سكان حمص. وهم يسيطرون على المراكز الادارية الاساسية في المحافظة، الأمر الذي يثير استياء الطبقة السنية الشعبية التي يعيش معظم أبنائها على عمليات التهريب عبر الحدود مع لبنان. من هنا القول ان حرص النظام على استعادة حمص وعزلها ليس اكثر من محاولة عسكرية امنية لاعاقة نشاط جيش سوريا الحر، ومنعه من الحصول على السلاح المهرب.
على كل حال، تبقى زيارة بشار الاسد الى حي بابا عمرو، مجرد خطوة رمزية أراد من خلالها اقناع المجتمع الدولي بأنه وحده يملك زمام الحكم، علماً بأن قواته هجّرت ثلثي سكان الحي البالغ عددهم أربعين الفاً. ويقول مدير مجموعة الابحاث والدراسات في "ليون" الفرنسية فايرس بلانش، أن بشار الاسد تعمد الغاء أهمية نضال حمص، مثلما ألغى والده الصورة الرمزية لمدينة حماة عام 1982. يومها تم قمع حركة "الاخوان المسلمين" بشكل دموي تسبب في مقتل عدد كبير من المتمردين.
قبل وصوله الى بغداد، صرح امين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، بأن مؤتمر القمة لن يطلب تنحي الرئيس بشار الاسد، مؤكداً أن هذا الموضوع غير مطروح اصلا.
ويبدو ان المقالة التي كتبها وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ في الصحيفة الاسرائيلية "يديعوت احرانوت"، هي التي أثارت اعتراض دمشق، خصوصاً بعدما أعلن الوزير الفرنسي الآن جوبيه، تأييده لإقتراح زميله.
ويقضي اقتراح هيغ بضرورة تنحي بشار الاسد عن كرسي الحكم، "من أجل الحفاظ على مصالح بلاده ووحدة الشعب". وإعتبر الوزير البريطاني "أن مذابح حمص أثبتت بما لا يقبل الشك، أن الاسد فقد شرعيته، ولا يجوز إستمراره في منصب القيادة".
ولكنه إستدرك في مقالته، ليؤكد أن دول الاتحاد الأوروبي لن تتدخل عسكرياً في سوريا مثلما فعلت في ليبيا. وعزا هذا الموقف الى خطورة انفجار حرب اهلية في حال اتسعت رقعة القتال لتشمل العراق وتركيا ولبنان والاردن.
في هذا السياق، توقع الاسد أن يكون موقف الدول الاوروبية منسجماً مع الموقف الاميركي المرتبك. ولكنه فوجىء بإزدواجية سياسة اوباما الخارجية التي تتعارض في بعض جوانبها مع سياسة اوروبا تجاه سوريا. ذلك ان "البنتاغون" لم يخف اعتراضه على أي تدخل عسكري، على نحو ما حدث في البوسنة وكوسوفو. وتستند وزارة الدفاع في ذرائعها الى سلسلة معطيات أهمها: استبعاد تسليح المعارضة السورية والاحجام عن فرض حظر للطيران او توجيه ضربات جوية لقواعد النظام، كما حدث في ليبيا. او حتى الامتناع عن فتح معابر انسانية يلجأ اليها الهاربون من النظام الذي قتل حتى الآن عشرة آلاف مدني على الاقل.
وتقدر أعداد اللاجئين – حسب مصادر الامم المتحدة – بأكثر من مئة ألف شخص موزعين كالتالي: قرابة 80 الفا في الاردن، و20 الفا في تركيا و15 الفا في لبنان. وقد دعت المنظمة الدولية الى جمع تبرعات بقيمة 84 مليون دولارا مساعدة عاجلة للسوريين في الاردن ولبنان وتركيا والعراق. كما إتفق على تنفيذ برنامج عمل مشترك بقيادة المفوضية تساهم فيه وكالات تابعة للامم المتحدة، اضافة الى 27 منظمة غير حكومية.
وقالت مصادر البنتاغون أيضاً، أنه من المستبعد شن حرب ضد المنشآت الايرانية والروسية في سوريا. في حين هاجم شيوخ الحزب الجمهوري "سياسة النعامة" التي تمارسها إدارة أوباما، داعين واشنطن الى تشكيل حلف دولي، على نحو ما فعل الرئيس بيل كلينتون في كوسوفو، من اجل تجاوز "الفيتو" الروسي – الصيني في مجلس الامن. وقال صقور الحزب الجمهوري، ان حياد الولايات المتحدة سيشجع روسيا على مضاعفة حضورها العسكري في المتوسط، ويدفع جماعة "القاعدة" الى التسلل من لبنان والعراق للاستيلاء على المناطق الخارجة على سلطة الاسد.
بين الملاحظات المقلقة التي سجلها القمر الاصطناعي الاميركي منذ شهرين، استئناف عمل الخبراء الروس في محطة الرادار المثبتة فوق قمة جبل "قاسيون" على بعد مسافة قصيرة من مكتب الرئيس بشار الأسد.
ويعود تاريخ انشاء هذه المحطة المعروفة باسم "سيغما" الى أواخر الستينات عقب هزيمة 1967. وقد برزت الحاجة الى اعتمادها في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي سمح للخبراء السوفيات بتشغيلها على امل توفير معلومات استخبارية موثوقة لحماية سوريا من أي هجوم اسرائيلي مباغت.
ويذكر ان هذه المحطة لعبت دورا مهما في ترجيح التفوق العربي في حرب تشرين الاول 1973. وهي تغذي سوريا بالمعلومات حول نشاط اسرائيل الذري في "ديمونا"، وفي مراقبة النشاط الاستخباري الاميركي في لبنان.
قبل عشر سنوات قامت موسكو باقفال محطات مماثلة في فيتنام الشمالية وكوبا ونيكاراغوا، بسبب ارتفاع كلفة تشغيلها. ومع وصول بشار الاسد الى الحكم، طلب الرئيس السوري اعادة تشغيل محطة "سيغما" في جبل قاسيون، عارضاً تخصيص قطعة أرض في شمال البلاد، من اجل بناء محطة اخرى توفر التغطية الكاملة للقواعد العسكرية في تركيا.
واعتبرت موسكو ان المحطة الثانية بمثابة رد على محطة الانذار المبكر التي أنشئت في تركيا على بعد 160 كلم من الحدود السورية. ومن المؤكد ان روسيا تستعملها كجزء من الرد على منظومة الدرع الصاروخية الاميركية.
الشهر الماضي اعربت الصحف الفرنسية عن تزايد قلق الرئيس ساركوزي من تدفق الخبراء الروس الى سوريا بحجة تشغيل المحطتين. وقد نقلت هذه الهواجس الى قيادة "الناتو" في بروكسل التي اعتبرت ان حماية نظام الاسد شكل جبهة روسية لمواجهة الحلف الاطلسي على البحر المتوسط خصوصاً بعدما ارتهن النظام للقيادة الروسية، تماما مثلما ارتهن نظام كوريا الشمالية لوصاية الصين ومراقبتها. وهذا ما جعل كل طرق الحلول التي يقبل بها النظام السوري، تمر في موسكو. ومعنى هذا ان الازمة الحالية لن تحلها سياسيا خطة كوفي انان، ما لم تشعر موسكو وبيجينغ ان مصالحهما مؤمنة في المنطقة.
وفي هذه الحال، لا يتردد بوتين في الاعراب عن سخطه لفقدان حليفين مهمين هما صدام حسين ومعمر القذافي. لهذا السبب لن يسمح لنفسه بارتكاب خطأ ثالث في سوريا. وهدفه من كل هذا اقناع الغرب بأنه لا يستطيع انهاء الازمة من دون تعاون روسيا والصين.
يقول نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، ان بلاده مع الصين صوتتا خمس مرات على مشاريع عقوبات ضد ايران. والسبب انهما تشتركان في رأي موحد بأن تهديد العالم بالسلاح النووي يهدد الاقتصاد العالمي ويمهد لاندلاع حرب اقليمية طويلة. ومن اجل تحقيق خطوات السلام، يحاول اوباما اقناع بوتين بأنه على استعداد لترتيب مستقبل سوريا، شرط أن تنأى بنفسها عن ايران. ومثل هذا الاجراء، كما يقول المحللون، يقتضي صوغ مصلحة مشتركة يخدم تحقيقها الدولتين معا.
والنتيجة النهائية كما تتوقعها موسكو، قد تتبلور باقدام واشنطن على دفع الثمن لها من طريق استمرار نفوذها في سوريا... مقابل ان تساعدها موسكو على ازاحة الاسد، الامر الذي يبعد تلقائياً النفوذ الايراني عن جبهة المتوسط.
وهذا ما تريده كل الدول المتورطة بهذه الازمة...

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,949,838

عدد الزوار: 6,972,933

المتواجدون الآن: 88