الطائفية في واحة «الديمقراطية الصهيونية»

تاريخ الإضافة الأربعاء 4 نيسان 2012 - 5:50 ص    عدد الزيارات 398    التعليقات 0

        

 

الطائفية في واحة «الديمقراطية الصهيونية»
بقلم مأمون كيوان
عانى اليهود الشرقيون من الأمراض الاجتماعية والأخلاقية، وأصبح العنف والإجرام والجهل والتخلف، وغيرها من الأمراض الاجتماعية، مرادفات ملازمة لهم. وأصبح هذا الواقع الأليم كالشوكة في حلوقهم أمام ذكرياتهم الطيبة عن حياتهم السابقة في وطنهم الأول. ففي المؤتمر الاتحادي الدولي لليهود السفارديم، الذي انعقد بالقدس في الفترة من 6-9 فبراير 1977، تحدث ممثل يهود المغرب عن سوء أوضاع اليهود المغاربة في إسرائيل بلهجة حادة وقال: خلال كل تاريخ المغرب لم نعرف الدعارة ولا ارتكاب الجرائم، لكننا بدأنا نعرفها هنا في ظل الدولة الإسرائيلية...لقد كان لنا في ظل الدولة الإسلامية وزراء كاملون لا أنصاف وزراء. فتلك الدولة الإسلامية كانت أكثر عطفا علينا واحتراما لنا من الدولة الإسرائيلية.
وبالفعل أحدثت مثل هذه التجارب الأليمة العديد من الآثار السلبية، منها ما يلي: 1- خلاص زائف وانتحار جماعي: لم تكن موجات الهجرة الجماعية لليهود السفارديم إلى إسرائيل أرض الميعاد، كما يحلو لهم أن يصفوها، إلا عملية انتحار جماعي لأبناء هذه الطوائف، فقدوا خلالها كل نفيس وغال، عندما تحطمت آمالهم وأحلامهم على صخرة الواقع الإسرائيلي المرير في المعسكرات الانتقالية وفي مدن التطوير. 2- هجرة عكسية: أمام هذه الأوضاع القاسية، كان من الطبيعي أن تحدث هجرة عكسية من قبل السفارديم والشرقيين عن الكيان الصهيوني، خاصة مع إعلان بعض الحكومات العربية (مثل المغرب في سبعينيات القرن العشرين) عن ترحيبها بعودة أبنائها من اليهود، مما مثل دافعا لخروجهم من الجحيم الصهيوني.
وهناك خلافان بين اليهود الشرقيين وبين اليهود ذوي الأصول الأوروبية. الخلاف الأول يكمن في المستوى الفكري؛ فعلى مستوى المعتقدات ترتبط معظم المجتمعات الغربية التي أتى منها اليهود الإشكناز بتراث علماني وبثقافة لا دينية هي نتاج ثورات اجتماعية شاملة حيث نجح المجتمع الأوروبي في تجاوز مجتمعاته القديمة والمعتقدات السائدة بها، على عكس الحال في المجتمعات الشرقية التي تحتفظ بتراث ديني وتاريخي يرتبط بالطابع التراكمي للثقافة في تلك المجتمعات التي احتفظت بالكثير من ميراثها الإنساني والتي قلما عرفت تغيرات جذرية على مستوى الوعي العام والأفكار السائدة بها. الخلاف الثاني يكمن في مستوى التعلم والتأهيل المهني والقدرة على التعامل مع سوق عمل متطور حيث يرتبط مستوى التأهيل المهني للإشكناز بمستوى تطور الاقتصاد الأوروبي في حين يحتفظ السفارديم بالسمات المتواضعة لسوق العمل في الجنوب.
وبالرغم من الطابع الأوروبي للمجتمع الصهيوني والذي اكتسبه من الدور الذي لعبته الدول الأوروبية والولايات المتحدة في قيامه، غير أن إقامة الدولة الإسرائيلية ارتبطت بعملية تغيير ديمغرافي مزدوجة للمكان وتشتمل تلك العملية من جانب على طرد الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية ونزع ملكيتها عنهم ومن الجانب الآخر على جلب اليهود من كل العالم إلى تلك الأرض الجديدة. وهو ما يستتبع التنوع في ثقافات اليهود تبعا لتنوع أماكن القادمين ويستتبع تمييزا اجتماعيا قبل كل شيء بل وسياسيا ضد فئات معينة (السفارديم) تضعها الظروف المتواضعة القادمة منها في مكانة أقل على المستوى الاقتصادي وفي الأصل على المستوى الاجتماعي والثقافي وهو ما سيكون له تبعاته السياسية والاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي وبوجه خاص في العلاقة مع الفلسطينيين.
تمثل أيضا النشأة الاستعمارية للكيان الصهيوني على مستوى ممارستها الفعلية أساسا للتناقضات التي يعرفها ذلك التجمع. ويكمن الأساسي من تلك التناقضات في حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع من المهاجرين وأطفال المهاجرين وهو ما يعني على الفور عدم التجانس على كافة المستويات من اللغة والعرق والأصل وفقط الاتفاق في الديانة وهو ما يمثل حائلا ثانيا دون احتواء الثقافات الشرقية.
ويوجد في قلب الصراع القائم بين علمانيين ودينيين صراع ثقافي وعرقي أكثر عمقا حيث واجه الكيان الصهيوني مسألة تضييق الفجوة بين يهود شرق أوروبا الذين لم تتأثر مجتمعاتهم بمؤثرات عصر التنوير، ويهود البلدان العربية والإسلامية وذوي الأصول الآسيوية والأفريقية (السفارديم) وبين يهود غرب أوروبا (الإشكناز)، الأمر الذي رسخ حدة الاستقطاب الطائفي الذي انتهى في الثمانينيات لأول مرة إلى إقامة أحزاب على أساس طائفي. وبدلا من أن يتحول الكيان الصهيوني إلى بوتقة صهر تحول إلى مجتمع متنوع الأعراق وزادت حدة هذا التنوع بالفعل مع مقدم 800 ألف يهودي من دولة الاتحاد السوفيتي سابقا محملون بثقافة لا تمت بصلة للواقع الصهيوني.
وتعتبر الكنيست - كونها مؤسسة تشريعية - إحدى المؤسسات الهامة داخل الكيان الصهيوني، وما يزيد في أهميتها هو دورها الهام في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، بالإضافة إلى دورها التشريعي. وكلا الدورين – التشريعي والسياسي - يعتبران هامين بالنسبة لليهود الشرقيين، الذين تعددت أشكال مشاركتهم في العملية الانتخابية. ولهذا الأمر أسباب ذاتية وأخرى موضوعية. كما أن هنالك محددات لعملية التمثيل السياسي لليهود الشرقيين في الكنيست ترتبط مباشرة بمحددات عملية التصويت.
وخلال ستة عقود ونيف اتخذت مشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست أشكالاً عديدة يمكن حصرها في ثلاثة أشكال هي الآتية: 1- المشاركة من خلال قوائم شرقية مستقلة، ففي انتخابات الكنيست الثامنة التي جرت في 31/12/1973، أخفقت القائمتان الشرقيتان التاليتان: الفهود السود، وقائمة اليمنيين في تجاوز نسبة الحسم. وأخفقت قائمتا: اتحاد مهاجري اليمن والطوائف الإسرائيلية، وقائمة الفهود السود في انتخابات الكنيست التاسعة. 2- مشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست، فكان من خلال انتظامهم في حزب ذي طابع شرقي هو حزب «تامي» أي حركة تقاليد إسرائيل تزعمها «أهرون أبو حصيرة»، بعد انسحابه من حزب «المفدال»، وكانت هذه أول مشاركة لليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست في حزب ذي طابع شرقي. وكان ذلك في انتخابات الكنيست العاشرة، التي حصلت فيها قائمة «تامي» على 44466 صوتاً أي ما نسبته 2.3% وحازت على 3 مقاعد في حين أخفقت قوائم شرقية انتخابية أخرى مثلك قائمة «إسرائيل الواحدة»، قائمة «الوحدة» وقائمة حركة «الخيام»، وقائمة «شعبك». 3- تأييد مرشحيهم المنضوين في الأحزاب الصهيونية الكبرى مثل (المعراخ، الليكود) والأحزاب الدينية من طراز (المفدال، وشاس كونه حزباً دينياً شرقياً).
ولم تؤد مسيرة التمثيل السياسي لليهود الشرقيين في الكنيست إلى ردم الفجوة القائمة بينهم وبين الاشكنازيين، فإن تمثيلهم في الحكومات الصهيونية المتعاقبة لم يكن أفضل حالاً، وكان مرتبطاً بشكل أو بآخر بنتائج مشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست من جهة، وبتوجهات الأحزاب الكبرى صاحبة القول الفصل في تحديد تركيبة كل الحكومة. وبالتالي فهي التي كانت تعين الوزراء الشرقيين في مواقع وزارية محددة.
وللتدليل على ذلك، نذكر أن 25 حكومة شكلت منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني حتى عام 1992 اختلفت تمثيل اليهود الشرقيين سوى وزير واحد هو (بخور شلوم شطريت) الذي تسلم حقيبة العدل فيها وحقيبة الشرطة في الحكومة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة.
ويعكس الانقسام الطبقي الطائفي في التجمع الاستيطاني الصهيوني نفسه في الجيش إذ أن الجنود الإشكاليين يأتون بصورة خاصة من شريحة الشرقيين الذين يعيشون في ضائقة. ويأتي الجنود الأنفار من جميع الشرائح، ويفتقرون إلى معطيات تمكنهم من التقدم في الجيش. ويصل إلى رتبة القادة، الذين هم ليسوا ضباطاً، أبناء الطبقة العمالية العليا وما فوق، وأما أبناء الطبقة الوسطى العليا فيتقدمون في رتب الضباط. فالترقية في الجيش تتم إذن وفق المكانة الاجتماعية المدنية.
وتلتقي الثقافة الدينية العامة التي يحتفظ بها اليهود الشرقيين بشكل خاص بسبب طابع اليهودية وظروف تطورها وبوجه عام بسب الطابع الديني للمجتمعات الشرقية، تلتقي بانخفاض مستوى التأهيل المهني وعدم القدرة على التوافق مع آليات الصناعة الرأسمالية المتطورة في التجمع الاستيطاني الصهيوني، وهما كما سبق وذكرنا -الثقافة الدينية وتراجع الثقافة المهنية - الخلافين الرئيسيين بين اليهود الشرقيين واليهود الأوروبيين. ففي قلب الصراع القائم بين علمانيين ودينيين داخل إسرائيل يوجد صراع ثقافي وعرقي أكثر عمقا، الأمر الذي رسخ حدة الاستقطاب الطائفي والثنائية داخل التجمع الاستيطاني الصهيوني.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,997,997

عدد الزوار: 6,974,276

المتواجدون الآن: 76