من جزء من المشكلة الى جزء من الحل ؟

بقلم: سركيس نعوم

اكد الرئيس السوري بشار الاسد لدى استقباله وفدا من قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي في دمشق "دعم بلاده للحوار الوطني اللبناني معرباً عن امله في ان تنعكس نتائج هذا الحوار ايجاباً على الاوضاع في لبنان وان تساهم في تحقيق وحدته الداخلية".
واكد الرئيس العماد ميشال سليمان اكثر من مرة، بعد زيارته دمشق واجتماعه الى "نده" السوري، ان العلاقات بين الدولتين الشقيقتين لبنان وسوريا قد وضعت على السكة الصحيحة. واعرب عن امله في ان يسفر ذلك عن خطوات تفيد الاثنتين وكذلك التميز والتكافؤ والتعاون والتنسيق بين كل القطاعات فيهما.
وتأكيد الرئيس السوري هذا كان سبقه تأكيد مماثل وربما اقوى، لفرنسا التي تدخلت لمحاولة تطبيع العلاقات اللبنانية – السورية واقناع سوريا باتخاذ خطوات معينة تقنع اللبنانيين بانها اقلعت عن طموحاتها في بلادهم وباستعدادها للاعتراف بها وطناً نهائياً سيداً ومستقلاً وتقديم كل الدعم الى الدولة فيها كي تعيد الجميع الى كنفها. وقد اعربت فرنسا هذه، بلسان رئيسها نيكولا ساركوزي اثناء زيارته الاخيرة لدمشق، عن اقتناعها بالتأكيد السوري ومتابعة هذا الموضوع عن قرب تلافياً لعودته الى الرفوف. وقدمت في مقابل هذا الموقف الى صاحبه، اي النظام السوري، خدمات عدة مهمة ليس اقلها فك طوق العزلة عنه الذي احكمه حوله الاميركيون وآخرون في السنوات الثلاث الأخيرة.
طبعاً رحب اللبنانيون بالأمرين، اي التأكيد السوري والاقتناع الفرنسي به، واستقبلوا بترحاب وإن حذراً بعض الشيء تأكيد رئيسهم سلوك العلاقات مع سوريا السكة الصحيحة. لكنهم، ومعهم جهات عربية ودولية كثيرة، لا يزالون يبدون شكوكاً كثيرة ليس في الكلام الايجابي للرئيس السوري ومساعديه الكبار والذي صار يتكرر مثل الاسطوانة في كل مناسبة ملائمة وانما في وجود رغبة حقيقية في ترجمته عملياً اي في تنفيذه. بعض هذه الشكوك ينبع من استمرار الرعاية السورية لأطراف لبنانيين معينين واستمرار التحريض على اطراف لبنانيين معينين والامتناع عن التجاوب العملي مع مطالب لبنانية بعضها انساني وبعضها سياسي وعدم بذل الجهد الكافي لاقناع الحلفاء بان الدولة هي المرجع بالفعل وليس بالكلام فقط. وينبع ايضاً عند الخارج من استمرار التزام سوريا سياسات غير ايجابية في رأيه وخصوصاً في المنطقة وتحديداً حيال العراق وايران وفلسطين ولبنان "حزب الله". وقد تكون شكوك اللبنانيين مبررة وكذلك شكوك غير اللبنانيين، لكن الجميع يعرفون او عليهم ان يعرفوا ان لا حل لمشكلة لبنان وازمته وامراضه الا اذا تعاونت سوريا مع اهله وشعوبه وحكامه. ولذلك فان مصلحة لبنان قد تقتضي ربما بقاء الشكوك والتعبير عنها بين وقت وآخر لكنها تقتضي في الوقت نفسه بدء العمل الجدي بين الدولتين الشقيقتين لتنفيذ خطوات معينة اتفق عليها لأن من شأن ذلك في حال نجاحه تخفيف حدة الشكوك واشاعة مناخ من الانفراج المؤدي مع الوقت الى الثقة المؤدية بدورها الى علاقة جدية وسليمة ومتكافئة وندِّية ومتكاملة. اما في حال الاخفاق، فان اللبنانيين لن يخسروا شيئاً من المحاولة لأنهم اساساً خاسرون. وتشمل خسارتهم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي والمالي والمعيشي والمؤسساتي.
من اين يبدأ لبنان وسوريا عملية "التطبيع"؟ وبأي خطوات؟
يبدأان بخطوتين مهمتين تم الاتفاق عليهما وخصوصاً اثناء القمة اللبنانية – السورية الاولى قبل اسابيع والتي لن تكون الاخيرة طبعاً او هكذا يأمل اللبنانيون الا اذا "فرطت" البلاد ودخلت مرحلة من العنف المتجول واذا شلّ ذلك عمل المؤسسات الدستورية والادارات. الخطوة الاولى هي الاسراع في اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا وذلك للافادة من زخم "التدخل" الفرنسي قبل ان يضيع في زحمة تطورات سلبية قد يكون بعضها لبنانياً وبعضها الاخر اقليمياً وبعضها الأخير دولياً، ومن فاعلية المتابعة الفرنسية للدور السوري في لبنان. طبعاً لا يعني تنفيذ هذه الخطوة انتهاء طموحات سوريا اللبنانية واطماعها واجندتها في صورة "اوتوماتيكية"، لأن محاولة تحقيقها بمواصلة التدخل في شؤون لبنان تبقى ممكنة بوجود السفارة في لبنان والقنصليات في مناطق عدة منه. لكنه يعني تكريس الاعتراف بلبنان السيد والمستقل وفتح الباب مستقبلاً، عند تغير الظروف الخارجية، امام علاقات ديبلوماسية سليمة. اما الخطوة الثانية فهي بدء تعاون سوري – لبناني فعلي وجدّي لضبط الحدود عند المعابر بين البلدين. واذا كان ذلك بدأ  على الحدود الشمالية فانه يجب ان يبدأ ايضاً على الحدود الشرقية حيث لسوريا وجود فلسطيني مسلح حليف في الجانب اللبناني منها وحيث الحركة بين الجانبين بعيدة من اي رقابة. وضبط المعابر قد يبدأ اولا بالمعابر الرسمية بحيث تنظم وتُحدّث.
ما هي حظوظ تنفيذ الخطوتين المذكورتين؟
لا احد يعرف. فالوضع الداخلي في لبنان لا يشجّع لأنه لا يزال منفتحاً على الاسوأ، رغم بدء "الحوار الوطني" برعاية الرئيس ميشال سليمان قبل ايام، ولأن انفتاحه على الاسوأ هو نتيجة لسوء الوضع الاقليمي بكل خلفياته وابعاده وتشعباته الدولية. لكن ذلك، على صحته، يجب الا يمنع اللبنانيين وخصوصاً المسؤولين من المتابعة والاصرار على تنقية علاقات لبنان وسوريا، بل على تحويل سوريا من جزء من المشكلة اللبنانية الى جزء من الحل لها، وذلك في مصلحته ولكن في مصلحتها هي ايضاً اذا كانت تعقل، فهل تعقل؟