مصر: حول دستور 2013

تاريخ الإضافة الأحد 12 كانون الثاني 2014 - 7:16 ص    عدد الزيارات 264    التعليقات 0

        

 

مصر: حول دستور 2013
أحمد طه – القاهرة...كاتب مصري
جاءت عملية وضع الدستور المصري الجديد من حيث الشكل في مناخ بالغ السوء، تسوده أجواء إستقطاب سياسي شديد، تطور إلى إنقسام مجتمعي حاد، قامت بها لجنة مُعينة لا تتمتع بأي درجة من درجات التمثيل الشعبي.
غلب على تشكيل "لجنة الخمسين" مراعاة حسابات سياسية وتوازنات حزبية وترضيات غير موضوعية. ومن ناحية المضمون، جاءت ديباجة الدستور الجديد طويلة وإنشائية الصياغة، غير أن ما يسترعي الإنتباه هو قيام لجنة الخمسين بحذف بند جاء في ديباجة دستور 2012 ينص على أن "القوات المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي وهي درع البلاد الواقي"، كما نصت ديباجة الدستور الجديد على "حكومتها مدنية" وليس "الحكم المدني" وليست هذه كتلك، وهما أمران لم يأتيا إعتباطاً.
وقد حمل مشروع الدستور الجديد عدداً من النقاط الإيجابية مثل إلغاء مجلس الشورى، وإلغاء نسبة 50% للعمال والفلاحين في مجلس النوّاب وجعلها قاصرة على المجالس المحليّة، مع تخصيص كوتا للشباب والمرأة في هذه المجالس (م 180)، وتحديد حد أدنى للإنفاق الحكومي على مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي (م 18 و19 و21)، إلى جانب النص على الإلتزام بحد أدنى وأقصى للأجور، وتطبيق الضرائب التصاعدية (م 27،38)، والنص على إمكان سحب مجلس النواب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة بغالبية الثلثيْن وبإستفتاء شعبي (م 161)، وعدم منح رئيس الوزراء والوزراء أية حصانة في حالة إرتكابهم جرائم أثناء وظائفهم وبسببها، في ما عدا جريمة الخيانة العظمى (م 173).
وفي المقابل حملت الوثيقة الدستورية عدداً من المواد التي ترسخ الأوضاع السابقة، أو تكتفي بإدخال بعض "التحسينات" عليها، فقد نصت المادة 32 منها على مد ولاية القطاع الخاص الذي يهدف إلى الربح إلى مجال مرافق الدولة العامة كشبكات الكهرباء، والمياه، والغاز، ومن المفترض أن تكون هذه المرافق تحت ولاية الدولة دون غيرها، لما لذلك من أثر مباشر على المساس بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمواطنين. وجاءت المادة 54 لتقر الحبس الإحتياطي، وتحيل تنظيمه إلى القانون، بدلاً من أن تقوم بإلغائه ومن المعلوم أن الحبس الإحتياطي في كثير من الأحيان يتحول من إجراء إحترازي إلى عقوبة، بسبب التعسف في إستعماله من جانب السلطة.
إلا أن أسوأ ما في الوثيقة الدستورية الجديدة هو توسيعها لصلاحيات رئيس الجمهورية بشكل لافت في مواجهة السلطة التشريعية، حيث جاءت المادة 102 لتمنح رئيس الجمهورية حق تعيين 5% من أعضاء مجلس النواب، أي حوالى 25 عضواً وهي كتلة برلمانية ليست بالبسيطة فشل العديد من الأحزاب في الوصول إليها، وسيكون لها تأثير مباشر على العملية التشريعية من حيث التصويت والتحالفات البرلمانية، فضلاً عن إحتمال استخدامها من رئيس الجمهورية في دعمه لخوض الإنتخابات الرئاسية حالما يريد الترشح لفترة ثانية.
المادة 137 جاء نصها ليخلّ بالتوازن المطلوب بين الرئيس والسلطة التشريعية، حينما منحت رئيس الجمهورية حق حلّ مجلس النواب بعد إستفتاء الشعب دون "رادع" له، في حال رفض الشعب رغبة الرئيس، في حين جاء نص المادة 161 ليعتبر مجلس النواب منحلاً إذا ما رفض الشعب في إستفتاء قرار المجلس بسحب الثقة من الرئيس.
والملاحظ هنا غياب "الرادع" في مواجهة الرئيس وحضوره في مواجهة البرلمان، وهو ما يخل بالتوازن بينهما، وما يجعل التهديد بالحلّ سيفاً مصلتاً على رقبة البرلمان، وتجدر الإشارة إلى أن نظير هذه المادة في دستور 2012 (م 127) عاقب الرئيس بإلزامه بتقديم إستقالته على الفور، في حالة مجيء نتيجة الإستفتاء برفض قراره.
المادة 146 منحت رئيس الجمهورية الحق في إختيار رئيس الحكومة ولو كان من أحزاب الأقلية، وإذا لم يمنح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة فإن حزب الغالبية يقترح إسماً آخر لرئاسة الحكومة وتشكيلها، وإذا لم تحصل الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان عُدّ البرلمان مُنحلاً على الفور. ونلاحظ هنا تقييداً لسلطة البرلمان بسيف الحلّ الفوري في مواجهة الرئيس والحكومة.
المادة 154 المتعلقة بفرض حالة الطوارئ فرضت عرض القرار على البرلمان خلال أسبوع، وضرورة موافقة غالبية الأعضاء عليه، وجعلت أقصى مدة لها 3 أشهر، لا تُجدد إلا بموافقة غالبية الثلثيْن، ولكن هذا لا يمنع من إعادة فرض الطوارئ إذا كان الرئيس يضمن موافقة الغالبية، أو من تجديدها إذا ما كان يضمن موافقة الثلثيْن، وكانت ضمانة الإستفتاء الشعبي المقيدة لسلطة الرئيس في مد حالة الطوارئ في المادة 148 من دستور 2012 أقوى من ضمانة غالبية الثلثيْن.
صياغة المادة 185 الخاصة بالسلطة القضائية تؤدي إلى ترسيخ الوضع الحالي وتفتيت السلطة القضائية، كما لو كانت مجموعة من "الجزر المنعزلة"، تكون علاقتها مع بعضها البعض في إطار "تنافسي" وليس "تكاملياً"، وأبلغ دليل على هذا هي حالة الجدل والتدافع التي شهدتها عملية وضع الدستور بين الهيئات القضائية المختلفة، وتبنيها مطالب "فئوية" في مواجهة بعضها البعض.
المواد الخاصة بالمحكمة الدستورية العليا (192، 193،194) جعلتها كما لو كانت "دولة داخل الدولة"، فقد أطلقت يدها في إختيار رئيسها وأعضائها ومساءلتهم دون رقابة، وهو وضع غير موجود في أي دولة في العالم، كما أنها قصرت تفسير النصوص التشريعية على المحكمة الدستورية وهو أمر يستحيل تحققه عملياً.
المادة 203 جعلت لمجلس الدفاع الوطني سلطة وصائية على كل المؤسسات، كما أنها حصّنت المؤسسة العسكرية من أي رقابة ديموقراطية من المؤسسات المنتخبة، بمنحه حصراً حق مناقشة موازنة القوات المسلحة، مع العلم أن تشكيله الجديد جعله بغالبية عسكرية وأمنية وهو ما يجعل من المؤسسة العسكرية "دولة داخل الدولة".
المادة 204 وسعّت كثيراً من صلاحيات القضاء العسكري، ومنحته سلطة تقديرية واسعة وكرّست مبدأ السماح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
المادة 234 قيّدت حق رئيس الجمهورية في إختيار وزير الدفاع، وجعلت الموقع الوظيفي لوزير الدفاع أقوى وأكثر إستقرارا من موقع الرئيس.
خلاصة القول إنّ هذه الوثيقة الدستورية لا تضمن قيام ديموقراطية حقيقة، أو توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة، أو بناء نظام سياسي مستقر، فهي تعيد إنتاج الوضع السابق مع بعض التحسينات "التجميلية"، وتُمهّد لخضوع النظام السياسي الجديد لوصاية المؤسسة العسكرية والمحكمة الدستورية العليا.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,540,650

عدد الزوار: 6,954,072

المتواجدون الآن: 81