تحديات استراتيجية للذروة النفطية

تاريخ الإضافة الإثنين 21 كانون الأول 2015 - 7:01 ص    عدد الزيارات 703    التعليقات 0

        

 

تحديات استراتيجية للذروة النفطية
بقلم د. ماجد منيمنة
يشكل النفط والغاز الطبيعي أهم الموارد الاقتصادية للدخل القومي للدول المنتجة، إذ يُسهم بنحو 85 في المائة من استهلاك الطاقة اليومية. وتُشير التقارير العلمية إلى أن عمر النفط ليس طويلاً، إذ يقدر بما لا يزيد على 60 سنة، مع استمرار مستوى الاستهلاك العالمي الحالي. وقد يطول عمره في حال تطوير بدائل أخرى للطاقة، ولكن أسعاره ستنخفض عندئذ بدرجة كبيرة، نتيجة انخفاض الطلب عليه.
فهل ينضب النفط؟ سؤال يسلط الضوء على الحقيقة المُرًّة التي لا مجال لاستبعاد احتمال حدوثها خلال العقود القليلة المقبلة، إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه اليوم من استنزاف مخيف لمصادر الطاقة التقليدية الرخيصة. وليس سراً أن نُذكِّر هنا أن نسبة كبيرة من الاقتصاديين لا يودون الاعتراف بأن هناك شيئاً اسمه ذروة الإنتاج النفطي، لأنهم يُدركون أن ذلك يعني توقف النمو الاقتصادي، وهو أمر لم يعهده النظام الرأسمالي منذ عقود طويلة. فمعلوم لدى الجميع أن الطفرات الاقتصادية التي شهدها المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية والنمو الاقتصادي السريع الذي صاحب تلك المراحل كانت كلها وليدة توافر الطاقة النفطية بأسعار مُتدنية.
وهذا يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن أي نقص حاد في إمدادات مصادر الطاقة في المستقبل سيكون له تأثير سلبي كبير في مُجمل نمو الاقتصاد العالمي. وهذا يعود إلى اعتماد الاستهلاك خلال العقود الماضية وإلى درجة كبيرة على مصدر واحد للطاقة وهو النفط. ومما ضاعف من أهمية مصادر الطاقة النفطية كأساس للنمو الاقتصادي خلال تلك العقود، ولا تزال، توافرها بكميات ضخمة وسهولة إنتاجها ونقلها وارتفاع مستوى طاقتها الحرارية، إلى جانب تدني أسعارها إلى حدٍّ لا يتناسب على الإطلاق مع المردود الكبير العائد على استخدامها في جميع المجالات. وقد أدى ذلك إلى بناء بنية تحتية واسعة حول العالم تشمل جميع ما يختص بالصناعة النفطية ووسائل المواصلات التي تعتمد عليها، بتكلفة تبلغ عشرات التريليونات من الدولارات. وهو ما يوجب لفت النظر إلى أن أي تحول جوهري في إمدادات الطاقة على مستوى العالم إلى مصادر متجددة تختلف مكوناتها عن طبيعة النفط، فمن المؤكد أن الدول الخليجية والمنتجة للنفط ستضطر إلى بناء بنية تحتية جديدة مماثلة وبالمقاس نفسه تناسب استخدام المصدر الجديد وبالتكلفة ذاتها. دول العالم المتقدم، تعمل ومنذ أمد طويل على إيجاد بدائل للنفط أكثر فاعلية وأقل تكلفة وإضراراً بالبيئة، وتخترع بدائل تعتمد على عناصر الطبيعة اللامحدودة وبأساليب استخدام صديقة تتواءم مع الكرة الأرضية ولا تعاديها باستحداث مشاكل مثل مشكلة الاحتباس الحراري، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، والاكثار من التلوث ونشر فيروسات وأمراض مختلفة. تتعدد هذه البدائل من طاقة الرياح والبحر والشمس إلى الطاقات النووية، بل حتى طاقات النفايات الحيوية وغيرها.
في هذا السعي الحثيث نحو إيجاد الطاقات البديلة الأقل تكلفة والأعلى أمناً ستفقد دول مجلس التعاون كل مكانة استراتيجية لها، لربما أن الكارثة المقبلة هي بحجم كارثة نووية أو تزيد، ستنحدر في أولها كل القيم المعيشية وتتحول فيها الدول الغنية إلى دول مدقعة الفقر في حال لم تجد هذه الدول البدائل التي تحافظ من خلالها على النمط الحيوي الداعم للاقتصاد ورافعة للحياة البشرية. لربما يبدو هذا الحديث غائراً في مبالغاته، ولربما يبدو سوداوياً مرعباً، ولكن الحقيقة تبقى دوماً تطل بوجهها حتى إن رفضنا أن ننظر فيها!. تلك الظروف التي كانت سائدة في السوق النفطية، والمتمثلة في ارتفاع الأسعار وندرة المعروض، كانت المحرك الرئيسي للنمو غير الطبيعي للاقتصاد العالمي خلال عقود الازدهار الصناعي، ابتداء من أواخر الخمسينيات الميلادية. وحتى بعد بدء الارتفاع النسبي للأسعار في منتصف السبعينيات، كان هناك فائض نفطي كبير في السوق استمر في دفع عجلة النمو الاقتصادي التي لم تتمهل إلا في أواخر العقد الماضي عندما ظهرت بوادر احتمال حصول نقص في إمدادات مصادر الطاقة، بسبب استمرار نمو الطلب العالمي وغياب نمو المعروض. وهذا مؤشر يُنذر بانتهاء عصر الرخاء والنمو الاقتصادي غير المحدود.
وبما أن النظام الرأسمالي الحديث، الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي، مبني أساساً على توفير واستخدام الطاقة النفطية الرخيصة التي أوشكت على الوصول إلى قمة ذروتها وتُطل الآن على مرحلة البدء في الانخفاض، فإن النمو الاقتصادي سيسير ببطء شديد حتى يصل إلى التوقف التام. وذلك عندما تفقد السوق نسبة كبيرة من الإنتاج النفطي قبل أن تتوافر بدائل مناسبة وبكميات كبيرة، تملأ الفجوة بين الطلب المتزايد والمعروض، وهو أمر لم يُعره المجتمع العربي بعد ما يستحق من الاهتمام من أجل ضمان استمرار عهد الرخاء الاقتصادي. ومن السابق لأوانه أن نفترض مقدار الصدمة العنيفة التي قد تصيب النظام الرأسمالي جراء حدوث النقص المتوقَّع في مصادر الطاقة. وإذا تعرضت المصادر التقليدية لشح في الإمدادات قبل أن تتوفر البدائل، فسيُؤثر ذلك في المقام الأول في قدرة المؤسسات الصناعية والخدماتية وأصحاب الأعمال على تسديد فوائد الديون للبنوك المُقِرضة، ناهيك عن عدم إمكانية رد المبالغ المَقترَضة مما سوف يخلق أزمة سيولة ويهدد هيكلية المصارف الصغرى.
هذا الطرح حول مسائل مصيرية تطول وجودنا وحياتنا، وعلى الرغم من واقعيته، إلا أنه ربما لا يُرضي الذين لا يرون المستقبل بعين الحاضر. والبعض منا يتذكر كيف كانت محتويات التقارير الفنية والتحليلية التي كانت تُصدرها كثير من الهيئات الدولية والخاصة المتخصصة في شؤون مصادر الطاقة حول مستقبل الإمدادات، وكان معظمها يميل إلى التفاؤل المفرط، حتى إنك لا تشعر أن هناك نهاية محتومة لكل مادة قابل وجودها للنضوب. وخلال السنوات القليلة الماضية تغير فجأة مضمون تلك التقارير الدورية وبدأت تقترب من الواقع الذي يجب أن يُثير لدينا الإحساس بأهمية الاستعداد لما بعد النفط حتى ولو بعد عدة عقود. ولا نستبعد أن تظهر علينا تقارير جديدة في أي وقت لتنبئنا بأخبار ومعلومات تحث على الحراك نحو التسارع باتجاه إنشاء مرافق مصادر الطاقة البديلة أو اقله الاتجاه نحو توليد الطاقة من خلال الغاز الطبيعي.
وإذا فقد المجتمع الرأسمالي السيطرة على النمو الاقتصادي التقليدي الذي بنى عليه حضارته الحديثة، بسبب نقص في مصادر الطاقة، فأي نظام مالي آخر يصلح لتسيير الحياة؟ فلا بُدَّ إذاً من وضع تصور كامل لما يمكن أن يحدث للتعاملات المالية عندما تتغير الظروف الحالية، وعلى دول مجلس التعاون أن تتحول إلى اقتصاد غير تقليدي لا يعتمد فقط على الريع النفطي، حيث أنه لا يُتوقع استمرار النمو غير المحدود إلى ما لا نهاية، فلا شيء يمكن أن يدوم إلى الأبد وأوله النفط الخفيف الذي في طريقه الى الانقراض!.
 
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,999,003

عدد الزوار: 6,974,317

المتواجدون الآن: 88