النتائج السياسية للأزمة المالية والاقتصادية الدولية

تاريخ الإضافة الأحد 8 آذار 2009 - 11:11 ص    عدد الزيارات 1402    التعليقات 0

        

بقلم مروان اسكندر

بعد شهر على الأكثر، يفترض انعقاد اجتماع في لندن لقمة العشرين (الدول الأهم اقتصادياً في العالم) لتقويم سياسات تحفيز الاقتصاد دولياً، والنتائج البارزة حتى تاريخه، والقرارات اللازمة للحيلولة دون تحول أزمة الانكماش إلى وضع كساد كارثي.
السؤال الذي كثيراً ما يطرح: ما هو الفارق بين الانكماش والكساد؟ 
ثمة جواب مبسّط خفيف، وآخر أكثر تعقيداً وأقرب إلى تصوير الاختلاف بين الحالين.
الجواب الخفيف هو: عندما يخسر جارك منزله لعدم قدرته على تأمين الأقساط، يكون الوضع بمثابة مؤشر للانكماش، وعندما تخسر أنت منزلك بعد جارك، يكون الكساد قد حل.  وهذه الصورة فيها بعض الحقيقة لأنها تعتمد فكرة توسع الأضرار مدخلاً لتقويم نتائج اية أزمة اقتصادية وأبعادها.
الكساد يتجلى في ارتفاع ارقام البطالة إلى حدود قد تبلغ 15 الى 25 في المئة، وإفلاس العدد الأكبر من المصارف، وفقدان الثقة بالعملات الوطنية، وإحجام الأفراد - حتى الميسورين منهم - عن الإنفاق، وتفشي الجريمة، واهتراء المنشآت العامة التي تبقى دون صيانة، وازدياد عدد المتسولين.
العالم اليوم قد ينزلق نحو الكساد.  وكان الكساد قد حل في الولايات المتحدة وأوروبا بين 1929 و 1935، ومن ثم بدأ الوضع يتغير تدريجاً نحو الانفراج. والأسباب الرئيسية لمسيرة الانفراج كانت نشوء الأنظمة الديكتاتورية وتركيزها على منشآت البنية التحتية وعلى الإنفاق العسكري، ولم تكن هذه ظاهرة حصراً في المانيا وايطاليا، بل طالت ايضاً النمسا والبرتغال واسبانيا.
وربما على المقبلين للاجتماع في لندن إقرار الحلول الناجعة لتفادي الزعزعة السياسية للأنظمة.  فعالم اليوم لا يمكن أن يتحمل نزاعات عسكرية عقائدية، خصوصا ان بعض الدول ذات الأنظمة المركزية لديها قدرات نووية يمكن أن تطيح البشرية جمعاء.
قبل عرض هذا السيناريو الدراماتيكي، لا بد من إبداء ملاحظات سياسية اقتصادية عن نتائج الأزمة، وخصوصا على بلدان أوروبا الوسطى التي انسلخت عن الاتحاد السوفياتي وانضمت الى الاتحاد الأوروبي.  ثم نعرض باختصار الشرطين الرئيسيين للحيلولة دون انزلاق وضع الانكماش الحالي إلى كساد دولي.
الدول العشر التي انسلخت عن الاتحاد السوفياتي وانضمت الى الاتحاد الاوروبي تعاني جميعها مصاعب اقتصادية شديدة. وكل الدول المعنية، باستثناء سلوفينيا وسلوفاكيا - الدولتين المنضمتين الى نظام النقد الاوروبي - تعاني عدم القدرة على التقيد بشروط الانضمام الى الوحدة النقدية الاوروبية لانها لا تستطيع ايفاء التزاماتها الدولية من جهة، ولا حصر العجز في موازاناتها ضمن النسب المقبولة، من جهة اخرى. والعجز على الإيفاء يعني تعريض الكثير من المصارف الايطالية والنمسوية والاسوجية لخطر الإفلاس في حال عدم تملك الدولة للمؤسسات المالية.
ومصاعب دول أوروبا الوسطى تعني بالتأكيد أن اكتمال السوق الأوروبية كوحدة اقتصادية نقدية صار مؤجلاً الى ما بعد سنة 2025.  والواقع أن توسع الوحدة الاوروبية تسبب بمصاعب إدارية جمة، كما ان هيئات السوق المنتخبة والمعينة باتت مثقلة بالروتين وعاجزة عن ابتكار الحلول.
إن تأخير عملية اكتمال الوحدة الأوروبية بسبب الأزمة المالية الاقتصادية القائمة، وعجز المؤسسات الأوروبية عن إنقاذ دول أوروبا الوسطى المنسلخة عن الاتحاد السوفياتي، أمران لهما تأثيرات واضحة وسلبية على تركيا وجورجيا وأوكرانيا.  فهذه الدول الثلاث، التي كانت تسعى للانضمام الى الوحدة الاوروبية، بات أمر انضمامها مؤجلاً الى ما بعد سنة 2025، ولا أحد يدري ما ستكونه تطورات العقدين المقبلين.
والتطوران الأساسيان اللازمان لدفع الانطلاقة من الأزمة هما: تأمين تمويل النسبة الكبرى من عجز الموازنة الاميركية لسنة 2009 والمتوقع ان يبلغ 1750 مليار دولار من احتياط الدول المالكة لـ 85-90 في المئة من الاحتياط النقدي العالمي الحر، وهي بحسب ترتيب اهميتها التقديرية: الصين التي تحمل 1800 مليار دولار، واليابان ولديها 900 مليار دولار، وأبو ظبي التي كان لديها 870 مليار دولار قبل الازمة المالية العالمية، وروسيا التي بلغت احتياطاتها في تموز 2008 نحو 700 مليار دولار، وسنغافورة وتايوان، وكل منهما تسيطر على احتياطات على مستوى 500 مليار دولار، ومن بعدهما الكويت والسعودية باحتياطات تقدر بـ400 مليار دولار لكل منهما. بعد هذه الدول، هناك أصحاب الـ100 مليار دولار، ومنهم سلطنة بروناي، وماليزيا، وجنوب افريقيا والبرازيل.
وايراد الأرقام يعطي صورة خاطئة عن إمكان توافر التمويل للعجز الأميركي، لأن أرقام الاحتياطات النقدية توازي أربعة أضعاف حجم العجز الاميركي.  ومن غرائب الأمور أن الاقتصاد الاميركي البالغ حجم انتاجه السنوي 13,5 - 14 تريليون دولار يوازي نسبة 25 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي.
وحيث ان الولايات المتحدة، خلال العقدين المنصرمين، قد وجّهت استثماراتها للإنتاج في الخارج وخصوصا في الصين، وهونغ كونغ، وإندونيسيا، في مختلف المنتجات الاستهلاكية والسلع المنزلية المعمّرة كالغسالات والتلفزيونات الخ، فقد أصبح اعتماد الولايات المتحدة على الاستيراد من الصين واليابان وإندونيسيا وماليزيا الخ... يشكل ما بين 30 في المئة من صادرات بلد كالصين، و20 في المئة من صادرات بلد كاليابان، اضافة الى ان حاجات الولايات المتحدة الاستيرادية من السوق الاوروبية تشكل نسبة 20 في المئة من هذه الصادرات.  وبكل بساطة، اذا كانت السوق الاميركية معقّدة بسبب عدم توافر التمويل لبرنامج الرئيس باراك أوباما، فستكون أسواق الصين واليابان وإندونيسيا والمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا معقدة أيضاً.
الدين سيتوافر للولايات المتحدة، والقرار في شأنه سيتخذ في اجتماع لندن المقبل، لكن تأمين التمويل لا بد ان يرتبط بتنفيذ شروط اصلاحية لنظام النقد الدولي. وهذه الشروط تفرض تعديل اسس التصويت في صندوق النقد والبنك الدوليين، وتعديل شروط التوظيف في المؤسستين، وتعديل ادارتهما.  وكل هذه الأمور ترتهن بمرونة الموقف الاميركي. وكما يقال ان الحاجة ام الاختراع، وادارة أوباما تدرك أهمية انقاذ الاقتصاد الاميركي بجهود سنتي 2009 و2010 كي يحصل تطور ايجابي بعد سنة 2011 يمهد لاعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية.
والشرط الثاني لإنقاذ الاقتصاد العالمي والحيلولة دون الانزلاق الى الكساد هو ارتفاع أسعار النفط الى مستوى 60-70 دولاراً البرميل، وهذا الارتفاع ضروري لسببين رئيسيين:  الاول، ان برامج الاقتصاد في استهلاك النفط ومشتقاته تعتمد كلها على الترشيد من جهة، وعلى المصادر البديلة، سواء الطاقة الشمسية، الهوائية أو النووية، أو مصادر الغاز غير المستغلة من جهة أخرى.
وتحتاج جميع المصادر البديلة الى وقت لتطويرها، والى كلفة 60 - 70 دولاراً لإنتاج طاقة توازي طاقة برميل واحد من النفط. ولا يمكن تحقيق برامج الاستثمار في تأمين المصادر البديلة، التي يعتمد عليها الى حد بعيد برنامج الرئيس اوباما، ما لم تكن اسعار النفط على المستوى المشار اليه.  يضاف الى ذلك ان سعراً كهذا للنفط يؤمن استقرار الوظائف في هذا القطاع، وزيادتها في مجال انتاج الطاقة البديلة، كما يساهم في سهولة تأمين التمويل المطلوب لإنقاذ الاقتصاد الاميركي، ومن بعده ودون شك الاقتصاد الاوروبي.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,111,593

عدد الزوار: 6,978,814

المتواجدون الآن: 77