"موسم الهجرة إلى الشمال"

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 كانون الثاني 2013 - 6:25 ص    عدد الزيارات 719    التعليقات 0

        

 

 
"موسم الهجرة إلى الشمال"
جيروم شاهين
إن التقرير الأولي الذي أنجزه فريق العمل المختص ببحث النمو السكاني العالمي، في منظمة الأمم المتحدة، ينطوي، وفي أكثر من مستوى، على نتائج مقلقة جداً للدول الصناعية المتطورة. هذا، وقد أطلق منذ الآن، هذا التقرير نقاشاً حاداً في أوساط المسؤولين عن اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية.
يشير التقرير إلى أنه يقتضي، للاحتفاظ بالتوازن ما بين الباقين في سنّ العمل والمحالين على التقاعد (أي بنسبة أربعة أو خمسة على واحد) وحتى العام 2025 استقبال 159 مليون عامل مهاجر إلى دول المجموعة الأوروبية. أما السبب الذي يدعو إلى مثل هذا التدبير فهو، من جهة، الهرم المتزايد والمتسارع الذي يصيب المجتمعات الأوروبية، ومن جهة أخرى، إرادة تلك المجتمعات في الحفاظ على مستوى اقتصادها، إنتاجاً واستهلاكاً وتصديراً.
الموضوع بالنسبة لهرم المجتمعات الأوروبية، هو موضوع حسابي صرف. فالمعدل الحالي للولادات في دول المنظومة الأوروبية هو 1,4 طفل لإمرأة واحدة. ومن المتوقع أن يتراجع هذا المعدل أكثر فأكثر. وإذا أضفنا إلى هذا العامل عاملين آخرين، الأول يتمثل بتزايد نسبة امتداد العمر (بانعكاسه على زيادة الموازنة المخصصة لمعاشات التقاعد)، والثاني يتمثل بارتفاع السن للدخول في مضمار العمل، فإن العمالة تصبح فعلاً مشكلة شبه مستعصية. وبناءً على تلك العوامل يستنتج الخبراء أنه، إذا لم تحصل تحولات جذرية تغيّر الاتجاهات الحالية، فإن شعوب دول الاتحاد الأوروبي ستصل، في العام 2050، نسبة سكانها الذين هم في سنّ التقاعد إلى 47 في المئة مقابل انحسار نسبته 11 في المئة يطال مَن هم تحت سنّ التاسعة والخمسين.
بناءً على هذا سيضطر الاتحاد الأوروبي حتى العام 2025، إلى استقدام 159 مليون عامل مهاجر، كما ستضطر الولايات المتحدة الأميركية إلى استقدام 150 مليون عامل.
صحيح أن هذه المشكلة هي مشكلة اقتصادية لكن انعكاساتها الاجتماعية والسياسية هي التي تقلق شعوب الغرب. فكيف سيواجه الغرب "اجتياح" أكثر من 300 مليون شخص سيكونون على الأرجح من العالم الثالث؟ قبل الحديث عن الحلول المطروحة لتلك المسألة، ربما من المفيد التوقف قليلاً عند بعض وجوه العمالة الأجنبية في الدول الغربية الصناعية.
من مظاهر العولمة الاقتصادية أن الصناعات، في شتى الحقول، بدأت تتخذ تدابير، على مستوى شروط العمل، تسمح لها بتحقيق مطابقة تامة ما بين تقلبات الطلب، وإنجاز الإنتاج الموازي للطلب من دون زيادة أو نقصان، واستخدام اليد العاملة الضرورية لذلك. فالفعالية تقضي بعد الارتباط بيد عاملة ثابتة قد تصبح، عندما يتقلّص الطلب، عبئاً تسببه الأجور الكاملة، وتعويضات الصرف، والضمانات الاجتماعية، وغير ذلك..
لهذا، تشهد البلدان الصناعية المتقدمة إقبالاً من قِبَل أرباب العمل على المقاولات الثانوية (sous-traitance) الذي يكيّف أوقات العمل والارتباط بالعمال مع ضرورات الإنتاج. وهكذا لجأت تلك البلدان إلى تفضيل العمال الأجانب أو المهاجرين على العمال الوطنيين. وأفضل الأساليب، في نظر أرباب العمل، تتمثل باستخدام يد عاملة مهاجرة غير حاصلة على إجازة عمل. فيستخدم المتعهدون الثانويون تلك اليد العاملة في منازلها، وفي أوقات محددة وبأجر زهيد، وبدون دفع ضمانات اجتماعية. إن شروطاً كهذه لا يرتضيها، بالطبع، العمال الوطنيون. وأي عامل مهاجر يجرؤ، في ظل تلك الأوضاع، أن يطالب بحقوقه المشروعة؟ بل سوف يكون راضخاً ومطواعاً، يعمل ما يُطلب منه ويتقبّل شاكراً ما يُعطى له.
كما أن من "حسنات" هذا الأسلوب هو تملّص المتعهدين (المقاولين) الرئيسيين من كل مسؤولية أمام قوانين العمل، فالسلطات الرسمية قد تطال ـ أحياناً وبصعوبة ـ بعض المتعهدين الثانويين، لكنها تطال خصوصاً العمال المهاجرين الذين يمارسون ما يسمى "العمالة السوداء" فيطردونهم عبر أبواب الحدود الرسمية، ليعود هؤلاء عبر نوافذ الحدود غير الرسمية، وأحياناً كثيرة بالتواطؤ مع "مهرّبي" عمال تستخدمهم شركات عملاقة.
فلنتخيّل، إذا صحّت توقعات الخبراء الدوليين، أن مئات الآلاف من عمال العالم الثالث يهجرون تباعاً أوطانهم وينتشرون في أسواق العمل الأوروبية والأميركية، ويتكاثرون، في مناخ عولمة اقتصادية لا أحد يعرف ماذا تخبئ لهم؟ عندها لن تعود بيوت التنك، وأقبية المنازل، وزوايا المترو، واستضافة ابن العمّ، تكفي ليستخدمها المتعهدون مسرحاً صغيراً لإجراء مثل هذه الأعمال الدرامية. بل، لا محالة، قد تتفجّر جراء ذلك، ثورات اجتماعية.
لكن، هل من حلول؟
الخبراء المسؤولون عن كتابة التقرير المتعلّق بأميركا الشمالية يبدون متفائلين. فلقد صرّح أحدهم أن دولاً كالولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وأوستراليا، قد بدأت بتطبيق خيار اعتمدته، وهو فتح الأبواب لدخول العمال المهاجرين. وبالفعل، فإن مليون عامل أجنبي يدخل سنوياً الولايات المتحدة الأميركية "من دون أن يؤثر ذلك سلباً على نسبة البطالة في الولايات"، حسب تصريح هذا الخبير.
أما أوروبا، فيبدو أنها لم تجد، حتى الآن، حلاً لهذه المشكلة. الشيء الثابت أن جميع الدول الأوروبية ـ ووفق ما صرّح به خبير مسؤول عن الحلف الأوروبي ـ لن تستقبل هذا السيل العارم من العمال المهاجرين. "إننا على قناعة ثابتة، يقول الخبير المذكور، أن أي سياسي يقترح استقدام عمال مهاجرين بالملايين لن ينجح بالانتخابات إذا ما قدّم ترشيحه ثانية. كما نعرف أيضاً أن النقابات، في أوروبا، ستبقى تضع في برنامجها تخفيض سنّ التقاعد"...
فهل يكون الحل الأوروبي، كما يقترح بعضهم، "التخلّي عن النظام الاقتصادي على الطريقة الأميركية، وبالتالي بناء نظام يكتفي بالنوعية على حساب الكمّية"؟ على أي حال، وفي ما يعنينا، لن يكون العرب أفضل المرشحين لمواسم الهجرة إلى الشمال، طالما أن الأمية تشمل 68 مليون عربي..
حقاً ما خطر ببالي يوماً أن للأمية محاسنها!...

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,130,739

عدد الزوار: 7,056,469

المتواجدون الآن: 64