الاقتصاد الوطنيفي مهب الرياح الأمنية

تاريخ الإضافة الإثنين 29 نيسان 2013 - 2:43 م    عدد الزيارات 658    التعليقات 0

        

 

الاقتصاد الوطنيفي مهب الرياح الأمنية
بقلم د. ماجد منيمنة
إن لبنان, بحالته الحاضرة، ولمدة عشرين سنة مقبلة على الأقل، سيحتاج إلى الاستثمار الخاص المكثف في مختلف قطاعاته الاقتصادية، وبالأخص في قطاعات السياحة والطاقة والصناعات التحويلية. وهذا الاستثمار الخاص لا بد أن يأتي من الخارج نظراً لحاجة لبنان إلى استثمارات هائلة، وعدم كفاية ما سيتوفر له في الداخل. والمعروف بأن رؤوس الأموال الخاصة جبانة بطبيعتها ولا تدخل ساحة العمل ما لم يستتب فيها الأمن والاستقرار. وعليه لا يمكن أن تُحضّر البيئة المؤاتية للاستثمار داخل لبنان من أجل إعادة بناء البنية التحتية المهدمة وإنعاش الاقتصاد الوطني وتنميته ما لم يتوفر الجو الأمني الاعتيادي الخالي من العنف والإرهاب والجريمة والتخريب.
إن الأمن هو الأساس القوي والواجب توفره من أجل أي خطة لأعمار البلاد. ولا بد من توفير الأمان للأرواح والممتلكات حتى يتمكن المتعاقدون من شركات ومستثمرين ومقاولين وأفراد من أداء أعمالهم وتنفيذ مسؤولياتهم ومقاولاتهم على الوجه المطلوب. إن إعادة اعمار لبنان يتطلب، أول ما يتطلب، استتباب الأمن في كافة أرجاء البلاد. ذلك أن الأمن والاستقرار يمثلان الصخرة الأساسية أو الأرضية الصلبة التي يستند عليها كل بناء، وبانعدام الأمن والاستقرار تنعدم القدرة على تكوين الأرضية اللازمة لبناء البيئة المؤاتية للاستثمار. باختصار، إن أعمال العنف والجريمة والخطف والتخريب هي العدو اللدود والبيئة الطاردة لأنشطة الاستثمار ولكل عمليات التأهيل وإعادة البناء والإعمار.
غير أن الجو الأمني المطلوب لم يتوفر في لبنان، خصوصاً خلال الخمس السنوات الأخيرة. فلقد أوقف التدهور الأمني الخطير عمليات البناء والتأهيل والإصلاح، وتوقف المقاولون عن العمل وأحجمت شركات الاستثمار العالمية عن الدخول إلى لبنان لغياب البيئة المؤاتية، كما أجّلت أغلب الدول المانحة تقديم ما تعهدت به من هبات ومعونات وقروض لحين تحسّن الحالة الأمنية، وامتنعت الشركات الأجنبية عن القدوم إلى لبنان حيث لا أمان للأرواح ولا للممتلكات. كما نتج عن ذلك أيضاً عدم إكمال المشاريع أو إكمالها ولكن بمواصفات رديئة وبكلفة مضخمة تقل كثيراً عن الكلفة الاعتيادية التي تتطلبها مواصفات المشروع.
ولم يقتصر الأمر على انعدام الاستثمار الأجنبي المباشر وتعثر وتوقف مشاريع البناء وإعادة البناء والتأهيل، سواء من قبل الحكومة اللبنانية أو من جهة الصناديق العربية، وإنما، ولأسباب أخرى، شجع ذلك الجو المشحون بالإرهاب والجريمة والعنف غياب المساءلة وقلة الانضباط في دوائر الدولة وفقدان الشعور بالمسؤولية من قبل الموظفين وانتشار الفساد بين الأجهزة الحكومية وكذلك شيوعه بين المقاولين، أجانب ومحليين، وعلى اختلاف طبقاتهم، وكل ذلك عرقل عمليات البناء ومسيرة التنمية الاقتصادية.
إن مهمة توفير الأمن داخل لبنان تقع على عاتق الحكومة أولاً وأخيراً. ونظراً للظروف الخاصة التي يمر بها لبنان في الوقت الحاضر فإن هذه المشكلة لا تُحل باستعمال القوة فقط. ذلك أن مشكلة الأمن لها أبعاد سياسية بالتأكيد، ولا بد لأساليب القوة وأساليب السياسة أن تتضافر فيما بينها لإيجاد الحل الصائب، ولربما يتطلب الأمر أخيراً إجراء مصالحة وطنية حقيقية وصادقة بين جميع الفئات السياسية المتناحرة، وهذا في رأينا هو الحل الأوفر حظاً لاستقرار لبنان أمنياً وسياسياً.
والمطلوب اليوم مصالحة وطنية حقيقية, لا تتضمن فقط مقولة «عفا الله عما مضى» وانه من المستغرب أن تتطلب المصالحة الوطنية العفو عن الفاسدين من دون محاسبة محقة؟ ونتساءل أين هي المصالحة الوطنية المزعومة من قبل المسؤولين، وكيف ترجمت أفعالها على الأرض وكيف ساعدت الاقتصاد الوطني على النمو، وبين مَن ومَن جرت تلك المصالحة المزعومة والأطراف السياسية ما زالت متخاصمة وموتورة في ما بينها، وما هي آثارها على الاقتصاد الوطني، وكيف ترجمت نتائجها في ميزانية الدولة، ولماذا تتطلب المصالحة العفو عن الفاسدين والمفسدين وهم ضمن جهاز الدولة ومن موظفيها الكبار على أية حال، وهل الذي جرى هو حقاً مصالحة وطنية أم حالة من حالات التستر على الفساد ومساهمة في نهب مقدرات الدولة وأموال الخزينة؟
إن حدسنا هو أن القوى السياسية، القابضة على زمام السلطة بالوقت الحاضر، كانت ولا تزال، تستغل موضوع حكومة الوفاق الوطني كقميص عثمان من أجل إقصاء الآخرين والاستحواذ على السلطة لوحدها من دون غيرها من فئات الشعب الأخرى. وإذا كان حدسنا هذا صحيحاً، فإن الاستقرار الأمني والسياسي لن يأتي للبنان ولن تأتي معه الاستثمارات العربية والأجنبية والمحلية، بينما لبنان أصبح بأمسّ الحاجة لها من أي وقت مضى!!
 
 
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,898,783

عدد الزوار: 6,971,036

المتواجدون الآن: 108