ما المطلوب اقتصادياً من حكومة سلام؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 أيار 2013 - 8:23 ص    عدد الزيارات 652    التعليقات 0

        

 
مازن سويد¶

ما المطلوب اقتصادياً من حكومة سلام؟

 

يكثر الحديث عن أولويات الحكومة العتيدة وهي إجراء الانتخابات، إذ تشكل المفصل الأساسي في عملية تجديد مؤسساتنا الدستورية والمفتاح العملي لولوج باب الاستقرار السياسي الذي يساهم في تنفيس الاحتقان المذهبي الذي تراكم وتفاقم في الأعوام الماضية.
طبعاً لن تكون هذه الحكومة، وفي معزل عن طول عمرها بحكم كونها حكومة انتخابات، معزولة عن التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي بدورها تراكمت وتفاقمت في الاعوام الماضية بسبب سوء إدارة معظم جوانب الشأن العام والتردي الذي أصاب الدولة وهيبتها في عهد حكومة تصريف الأعمال. اضافة الى التشويه الذي أصاب المنطق الاقتصادي، اذ أصبح معكوساً: فالحقوق تناقش قبل الواجبات وليس حتى معها، والوعود الإنفاقية تُطلق قبل البحث عن زيادة الواردات وتحصيلها  بل في ظلّ شحّها، والإمعان في مخالفة القوانين والابتعاد من توخي الشفافية في العمل وكأنه حرص على مصلحة المواطنين، والاهدار في إدارة الموارد وكأنه استثمار والاستثمار يموّل بالكلفة الأعلى، الخ...
لقد أشاع خبر استقالة حكومة الرئيس ميقاتي الثانية ومن ثم تكليف الرئيس تمام سلام جواً من التفاؤل بين اللبنانيين وبوادر الانتعاش في الحركة الاقتصادية، وهو ما نتمنى أن يتم تعزيزه والبناء عليه خلال الأشهر المقبلة عبر استعادة ثقة المواطنين بالدولة ومسؤوليها. لكننا نشعر من جهة، بأننا نظلم الحكومة العتيدة إذا ما بالغنا بتوقعاتنا بقدرتها على ان تحل مشكلات اللبنانيين بعصا سحرية في فترة وجيزة. فالاختلالات البنيوية والوهن الذي أصاب حركة الاستثمار والثقة التي اهتزت بسبب انكشاف لبنان على ما يجري حوله وخصوصا في سوريا وما رافق ذلك من تقاعس عن بذل الجهد اللازم لتحصين مناعة لبنان واقتصاده إزاء هذه العواصف العاتية الخارجية وتداعياتها الداخلية، يجعل القدرة على تحقيق القفزة النوعية التي يحتاجها الاقتصاد صعبة.
في هذا الإطار، يكون واجباً السؤال عن أولويات الحكومة الاقتصادية والممكن تحقيقه منها في فترة وجيزة، مما يؤسس لعمل مبرمج وثابت تأخذ الحكومات الآتية تنفيذه على عاتقها. تأتي الحكومة العتيدة قبل انتخابات نيابية وبعد فترة تميزت بضعف في المقاربات الاقتصادية الصحيحة وفي خضم كمّ كبير من الممارسات الشعبوية، اذ يجري اطلاق الكثير من الوعود والالتزامات من خارج المنطق العلمي السليم. ذلك ما يفقد اللبنانيين في علاقتهم مع شركائهم العرب والخارجيين الصدقية التي هم في أمس الحاجة إليها اليوم. لذلك، فإن الأولوية هي لإعادة الاعتبار للتفكير الاقتصادي العلمي، الهادف والرصين، على أن يتزامن مع شرح واقعي ومباشر للرأي العام في شأن حقيقة الأوضاع والتحديات والآفاق والفرص المتاحة أمام اللبنانيين. وبالأخص، عرض واضح للخيارات الممكن اتباعها لناحية السياسات وكلفتها، علماً أنها جميعها مكلفة ولكنها تختلف حيال عائداتها المتوقعة في الامدين المتوسط والبعيد. هذا العرض يجب أن يضع اللبنانيين أمام واقعهم بدون تشويه أو مبالغة، وأيضاً أمام واجباتهم كمواطنين في دولة تعاني الكثير من المصاعب والتحديات، وبعضها بل أكثرها، من صنع أيدي مسؤوليها واللبنانيين جميعاً.
إن هذه المصارحة باتت ضرورية اليوم بل واجبة ولا سيما أنها هي التي قد تمهّد الطريق أمام خوض غمار الإصلاح الشامل الذي نأمل في أن تقوم به حكومة ما بعد الانتخابات النيابية والتي سيكون عليها أن تأخذ العديد من القرارات الصعبة وأحياناً الموجعة للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي وتعزيز فرص الانماء المتوازن والتنمية المستدامة.
إن المصارحة قد تنقذ اللبنانيين من الصدمة غداً أو من الألم الموجع بعد غد إذا لم نتعلم دروس غيرنا، وآخرها جارتنا قبرص التي نتشارك معها بما هو أكثر بكثير من المناخ المعتدل والجاذب والدعم والتفهم الدولي الذي كان يوماً سائداً ومتاحاً لنا وغنمنا منه الكثير. لكننا في الحقيقة أيضاً أضعنا فرصاً كبيرة بسبب خلافاتنا وصم آذاننا عن صوت العقل. فأضعنا فرصة ولوج باب الإصلاح الذي حملت بعض بشائره برامج باريس 2 وباريس 3. والحقيقة أن انشغالاتنا الصغيرة أعمتنا عن رؤية الفرص الكبيرة التي أتيحت لنا، فجرى إهدارها.
قد لا تستطيع الحكومة العتيدة ان تنجز إعداد موازنة ومناقشتها وإقرارها، لكنها تستطيع اعادة الاعتبار إلى أصول إعداد الموازنات والعودة إلى الانتظام والتزام بالموعد الدستوري لها. كذلك تستطيع الانطلاق من وضع التصور الشامل للتحديات التي يواجهها الاقتصاد ومكامن ضعفه وقوته، وصولاً إلى تحديد الأهداف والأدوات اللازمة. كما أنها قادرة على إعادة الاعتبار إلى مبدأ الشفافية والشمولية في الموازنة والتقيد بقواعد تنفيذها، وتأكيد أهمية العودة إلى تحقيق فائض في الميزان الاولي في الموازنة لطمأنة المستثمرين والمودعين ومؤسسات التصنيف الدولية التي أكدت اخيرا تصورها السلبي لحال الاقتصاد.
قد لا تستطيع الحكومة العتيدة أن ترمم الإطار الماكرواقتصادي بعد اهتزازه على مدى عامين، لكنها تستطيع إعادة طرحه بكل بنوده المترابطة، فتعيد تذكير اللبنانيين أن الاقتصاد هو درس الخيارات المتاحة في عالم أهم حقيقة اقتصادية فيه هي محدودية الموارد، وأن لا مكاسب من دون كلفة، وأن السياسة الاقتصادية الأمثل هي تلك التي تعظم العائد من الكلفة الأقل.
قد لا تستطيع حكومة الرئيس سلام أن تنقذ الاقتصاد، لكنها تستطيع انقاذ المنطق الاقتصادي السليم واعادة الاعتبار إليه مما يتيح المجال للإنقاذ لاحقاً.
ليست المهمة سهلة، فالتشويه الذي لحق بالمنطق الاقتصادي بل التحريف المتعمد للأرقام وبيع الوعود والأحلام غير الواقعية وتوزيع الحقوق المكتسبة قبل أن يصار إلى التحقق من إمكان تحققها أو تمويلها، كل ذلك أصبح مهنة يرتضيها بعض الأفرقاء السياسيين ولا يزالون يمارسونها لتحقيق المكاسب السياسية السريعة من دون الاهتمام بقدرة الاقتصاد على تحملها أو من سيدفع كلفتها لاحقاً.
تشكل حكومة سلام، الجسر العابر بين فترة سكر فيها اللبنانيون بالوعود بعدما تبخرت من امامهم الفرص وغابوا عن ما يحدث حولهم في المنطقة والعالم من متغيرات وتطورات اقتصادية ومالية ستكون لها انعكاساتها عميقة عليهم، وفترة مقبلة لا مفر من أن يكون عنوانها الإصلاح والمعالجات الجذرية لا العابرة أو المجتزأة وذلك بغية تحقيق النهوض والتلاؤم.
على هذا، ليست هي حكومة الوقت الضائع ولا يجوز أن تكون كذلك. فقد كُتِبَ لها أن تمثل التفهم والتفاهم في السياسة، ولا بد لها أن تكون حكومة العودة إلى الواقع والواقعية في الاقتصاد عبر سعيها إلى تصويب المقاربات. وهذا ضروري، بل ملح إذا ما أردنا وضع لبنان واقتصاده على طريق التعافي والاصلاح والانطلاق نحو المستقبل.

¶ خبير اقتصادي

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,911,776

عدد الزوار: 6,971,596

المتواجدون الآن: 99