الانتفاضة الفلسطينية الثالثة شروط الديمومة.. آفاق التطور!

تاريخ الإضافة الجمعة 15 كانون الثاني 2016 - 6:14 ص    عدد الزيارات 314    التعليقات 0

        

 

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة شروط الديمومة.. آفاق التطور!
محمد صوّان ()
مع بداية عام 2016 تكون الانتفاضة الفلسطينية قد دخلت شهرها الرابع وهي أكثر قوة وتماسكاً وعنفواناً، متجاوزة كل القطوع والضغوط التي مورست وتمارس لوقفها أو تجميدها أو تحجيمها أو تجييرها لمصلحة مكاسب آنية وضيقة، ربما يجنيها البعض عبر العودة إلى طاولة التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي.

لقد اندلعت الانتفاضة الشعبية الثالثة في ظل شروط ملائمة سمحت لها بالديمومة والشمول، ومن بين تلك الشروط فشل المفاوضات فشلاً ذريعاً إلى درجة أن المجلس المركزي الفلسطيني لـ»م.ت.ف» في دورته الأخيرة أوصى بوقف المفاوضات العبثية، ووقف التنسيق الأمني، والتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي.. كما دعا لانتزاع عضوية جميع الوكالات والهيئات والمنظمات الدولية، وإعداد التقارير حول الانتهاكات الإسرائيلية، وتقديمها إلى محكمة الجنايات الدولية.

الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وخلال إلقائه كلمة بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة قال: «إن الهبّة الجماهيرية الحالية سببها حالة اليأس التي وصل إليها الجيل الجديد، فهو بدأ يشعر بالتشاؤم لعدم إنجاز حل الدولتين، بسبب الحواجز، والاستيطان، والجدار، إضافة للاعتداءات اليومية على المسجد الأقصى».

يأتي التصريح بالتزامن مع دخول الانتفاضة الشعبية الثالثة شهرها الرابع، وما أنتجته إسرائيل من سياسات متمثلة بالاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال والحصار، وبالتالي الاحتكار الأميركي لملف المفاوضات الذي شجع إسرائيل على هذه الممارسات المنفلتة والمتجاهلة للحقوق الوطنية والقومية المشروعة للشعب الفلسطيني.. وهذا التصريح لرئيس السلطة يمكن قراءته في سياقين اثنين: -

الأول: تحريك المياه الأميركية الراكدة بخصوص المفاوضات.. بمعنى أن سياسة حكومة نتنياهو اليمينية هي المسؤولة عن جمود العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني، فإذا كان تصريح الرئيس أبو مازن يهدف لتحريك مياه المفاوضات الراكدة عبر الراعي الحصري لها - الإدارة الأميركية فإن كل الدلائل والمؤشرات تقول أن هذا الراعي ليس بوارد أو حتى جاهزاً لكي يقوم بدوره من موقع الراعي النزيه لدفع عجلة المفاوضات، في ظل هذه الفوضى العارمة التي عمل عليها مع حلفائه في عموم المنطقة، من أجل مصالحه ومصالح إسرائيل، إضافة إلى أنه على مسافة زمنية قصيرة من استحقاق الانتخابات الرئاسية، من هنا لجأت الإدارة الأميركية إلى الحكومة الفرنسية عبر مبادرة الأخيرة المرفوضة فلسطينياً في الإطار والجوهر.

الثاني: تزامن التصريح مع دخول الانتفاضة الثالثة شهرها الرابع، وهي في اتساع وتطور من حيث تنوع أشكال المقاومة، كما أنه رسالة من شقّين:

1 - لنتنياهو محذراً إياه، من أن «هبة الجيل الجديد» هي بسبب «اليأس» الذي أوصل الشعب الفلسطيني إلى تفجير انتفاضته الثالثة، التي بدأت إرهاصاتها قبل ثلاث سنوات.. التصريح يحمّل الإسرائيليين والأميركيين والمجتمع الدولي مسؤولية ماهي ذاهبة إليه الأوضاع المتفجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون أيضاً لتحميل مسؤولية ما يجري في فلسطين لقوات الاحتلال الإسرائيلي، عبر تصريحه: «الاحتلال هو السبب في موجة الغضب الحالية في مدينة القدس»، مضيفاً: «الغضب الذي نراه اليوم هو نتيجة خمسة عقود من الاحتلال، ونتيجة الخوف والذل والإحباط وعدم ثقة الشباب الفلسطيني في الوفاء بالوعود».

2 - موجّه للجيل الفلسطيني الجديد الذي خرج إلى الشوارع لمواجهة الاحتلال، عبر موجات متتالية أكسبت الانتفاضة استمرار تفاعلها وتصاعدها، واتساع مساحة عملها.. ويعود الدور والفضل لهؤلاء الشباب والصبايا ونشاطهم عبر فرض أنفسهم على جدول أعمال فصائل العمل الوطني.. فأدرك الرئيس أبو مازن أنه ليس بمقدور أحد أن يقف على الحياد بشكل أو بآخر، بعد أن تجاوز عدد الشهداء «144» شهيداً، وآلاف الجرحى والمعتقلين، إذ من الملاحظ أن رئيس السلطة الوطنية، الذي حافظ على نمطية إدانته كل أشكال العنف، فهو إلى الآن لم يدلِ بتصريح واحد يدين فيه أي عملية طعن أو دهس، وهذا يعتبر تحولاً إيجابياً يسجل للرئيس الفلسطيني..

المهم أن لا يبقى تصريح الرئيس أبو مازن قفزة في الهواء، أو رسالة لمن يعنيه الأمر، وإنما المطلوب السير باتجاه إجراءات عملية تهدف لتعميق وتجذير الانتفاضة وحمايتها ورعايتها، وتحصين تضحياتها من الشهداء والجرحى والأسرى، وعائلاتهم وإعادة بناء ما هدمه ويهدمه الاحتلال من منازل منفذي عمليات الطعن والدهس ورشق الحجارة والمولوتوف.. وغيرها.

كل ذلك يمكّن الانتفاضة من امتلاك شروط استمرارها ونجاحها.. وهي في طور امتدادها زمانياً وجغرافياً، وهي بحاجة لبرنامج سياسي وقيادة وطنية موحّدة.. وبلفت النظر عن التحاق فصائل العمل الوطني صاحبة الخبرة الكفاحية الطويلة، أو إفراز الانتفاضة لقياداتها من داخلها، فإن واجب الكل الفلسطيني الدفع باتجاه بقاء جذوة الانتفاضة مستمرة وباتساع.. ولكي يكون لها تداعياتها على الساحة العربية والإقليمية.. وسيكون رابحاً كل من يلتحق بها عاجلاً، شرط أن لا يدّعي أنه كان وراء اندلاعها، فذلك أدْعى لنجاحها من جهة، وانخراط المزيد من الشرائح والطبقات الاجتماعية فيها، من جهة أخرى، وفي كل الأحوال ميادين الاجتهاد والعطاء متعددة الأوجه، وهي التي ستكرّس تفاصيل وعناصر القيادة والبرنامج ومستلزماتهما!..

لقد تمكنت الانتفاضة الشعبية الثالثة عبر ديناميكيتها وفاعليتها وسقفها السياسي حتى الآن، من:

1 - تجاوز قطوع الانكفاء أو الإجهاض.. وبدأت تتصدر المشهد السياسي الفلسطيني وتفرض نفسها اللاعب الرئيسي فيه.

2 - إعادة توجيه البوصلة نحو التناقض الأساسي مع الاحتلال الإسرائيلي، في مفارقة ناصعة مع المشهد الرسمي العربي الغارق بالتناقضات والصراعات المذهبية والإثنية والطائفية.

يدير شباب وصبايا الانتفاضة صراعاً مع الاحتلال الإسرائيلي على مختلف الصعد، فعلى الصعيد الاقتصادي مثلاً يعممون ثقافة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، على عكس المرحلة السابقة التي لم تتوفرفيها البدائل الفلسطينية، فالمقاطعة اليوم باتت أسهل منالاً وأكثر جدوى، ماعدا بعض خدمات البنية التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والوقود.

كما أن التطور المهم الذي واكب الانتفاضة الثالثة هو إسهامات الشعب الفلسطيني في أراضي عام الـ 48 المحتلة على صعيد مواجهة التطبيع، عندما تمكن طلاب جامعة حيفا من إلغاء محاضرة المطبّع المصري عمر سالم يوم 17/12/2015، أو في الدعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية داخل أراضي الـ 48 والاستعاضة عنها بالمنتجات العربية أو الفلسطينية البديلة، أو في التظاهرات والمواجهات التي اندلعت مع قوات الاحتلال في مدن الجليل والمثلث منذ بداية تشرين الأول 2015تفاعلاً مع مايجري في الضفة والقدس وشد الرحال إليها، أو بالعمل المسلح ضد الاحتلال، كما في العملية الأخيرة التي نفذها شاب من الجليل في تل أبيب يوم /1/1/2016، والعملية قبل الأخيرة التي نفذها شابان من النقب في محطة الحافلات في بئر السبع يوم 18/11/2015.

إنها بجدارة انتفاضة شملت كل فلسطين من القدس إلى الجليل والنقب، إلى غزة وكل الضفة الغربية، وتجد صداها لدى الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والشتات، لكنها لاتزال بحاجة لدعم الشعوب العربية ليس من أجل فلسطين فحسب، بل لأن الانتماء القومي المتفاعل مع فلسطين وشعبها هو وحده من ينتشلنا من مستنقع الصراعات المذهبية والإثنية والطائفية، فدعم فلسطين يعزز الوحدة الوطنية داخل كل قطر من الأقطار العربية.

ربما لا تتمكن الانتفاضة من انتزاع الاستقلال وإنجاز تقرير المصير وحق العودة، في المدى المنظور أو المتوسط، وذلك يتطلب أطراً أكثر تبلوراً، وبرنامجاً سياسياً أكثر وضوحاً، وقيادة وطنية موحدة أكثر تماسكاً، ودعماً شعبياً عربياً واسعاً.. غير أنها تمثل بوضعها الحالي، حالة جماهيرية جديدة أكثر تقدماً من كل ماهو سائد، حالة هجومية ودفاعية، وأداة ضغط على الاحتلال، لا يجوز تمييعها في ترف السجال حول: هل هي هبّة، أم انتفاضة؟! إنها ببساطة أفضل أمل متبقي لنا، فدعونا لا نغرق بالنقاش والسجال الفصائلي العصبوي الغير مجدي!..

() كاتب فلسطيني
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,446,180

عدد الزوار: 6,991,782

المتواجدون الآن: 72