أزمة مجلس التعاون الخليجي: ما السبيل لرأب الصدع الدبلوماسي؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 21 حزيران 2017 - 11:08 ص    عدد الزيارات 1498    التعليقات 0

        

أزمة مجلس التعاون الخليجي: ما السبيل لرأب الصدع الدبلوماسي؟

بيفرلي ميلتون-إدواردز

بيفرلي ميلتون-إدواردز زميلة زائرة - مركز بروكنجز الدوحة

يوم الخميس 5 يونيو، قطعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات مع دولة قطر، مدّعية أنّ سياسات الدوحة الإقليمية تغذي التطرف والإرهاب. وفي غضون أيام قطعت دول أخرى علاقاتها مع قطر أو حدّت منها، فبدا أنّ الفجوة تتسع بين دول المنطقة.

قبل أسبوع، ثار الإعلام الخليجي – بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي – على أثر تقارير أفادت أنّ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد انتقد الولايات المتحدة في أحد خطاباته، كما وأنّه قدّم الدعم لإيران وساند حركة حماس والإخوان المسلمين. وقد نفى مسؤولون قطريون صحّة هذه التقارير وقالوا إنّ وكالة الأنباء القطرية قد تعرّضت للاختراق. ومع تحوّل هذه الأزمة سريعاً إلى انشقاق بين قطر من جهة ودول الخليج والدول العربية المجاورة من جهة أخرى، باتت الحاجة ملحّة إلى وساطة جدّية لتفادي المزيد من المشاكل.

تكرار أزمة 2014؟

على غرار غيرها من المنظمات الإقليمية، نالت منظمة التعاون الخليجي نصيبها من الانقسامات والخلافات. فقد سبق أن شهدت خلافات حول ترسيم الحدود، واستغلال الطاقة ومقاربات السياسة الخارجية. إلا أن الأزمة الراهنة تُعد حتى الآن الأسوأ والأكثر تهديداً للنواحي السياسية والأمنية والاقتصادية. ففي العام 2014، حدث خلاف دبلوماسي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى. كما هو الحال بالنسبة للخلاف الحالي، قامت أزمة 2014 أيضاً على اتهامات بشأن السياسة الخارجية القطرية، وصدر بيان عن منظمة التعاون الخليجي يشير إلى أن قطر فشلت في “تطبيق اتفاق نوفمبر 2013 بالامتناع عن مساندة أي جهة تهدد أمن دول منظمة التعاون الخليجي واستقرارها سواء كمجموعة أم كأفراد – وذلك من خلال عمل أمني مباشر أو نفوذ سياسي، وبالامتناع عن دعم أي إعلام عدائي”. وفي ربيع العام 2014، استدعت الدول الثلاثة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي سفرائها لدى الدوحة. استمرت الأزمة نحو 9 أشهر ظهرت في خلالها مخاوف بشأن مستقبل منظمة التعاون الخليجي والعلاقات الدبلوماسية على صعيد أوسع. وأحد الأسباب الذي منع تفاقم أزمة العام 2014 أكثر فأكثر هو أنّ جهات فاعلة محلية غير منحازة تدخّلت لتأدية دور الوساطة. أدت دولة الكويت في شكلٍ خاص دوراً رئيسياً في إدارة أزمة العام 2014 وحلّها، وهي تؤدي مجدداً هذا الدور لتخطي الأزمة الراهنة.

أهمية الوساطة

لم تكن الوساطة لحلّ الصراعات بالأمر السهل أبداً. إلا أنّ، نهج الوساطة التقليدية – بما في ذلك تطبيق أساليب مساومة ومفاوضات من قبل قادة محليين لا تهدد سلطة المتخاصمين الأساسيين – يمكن أن تفي بالغرض في هذا السياق الخاص. وطبعاً، دعا وزير الخارجية الأمريكي إلى التوسط كطريقة للخروج من المأزق الراهن. تظهر الانشقاقات بين الأجيال – بين النخبة الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي كما يتضح من عامل “ولي العهد”. وبالتالي، فإنّ اعتماد مقاربة تعترف بأن القادة الأكبر سنّاً لا يزالون قادرين على فرض الاحترام والسلطة بين عروض القوة التي يقدّمها أولياء العهد الشباب وغيرهم، تُعتبر نهجاَ فعالاً بشكلٍ خاص. إذ تنطوي الأزمة الدبلوماسية الراهنة على بنى السلطة القائمة على ولاءات أسرية وقبلية تتجاوز الحدود المعاصرة، وكذلك على مفاهيم ثقافية صلبة ذات صلة بالسلطة والمساومة والوساطة والفخر. وقد يكون للدين والتوقيت دوراً أيضاً: إذ تشكّل الصفح والمصالحة أحد أعمدة شهر رمضان المبارك الأساسية. وبالتالي، يمكن للقادة العرب والمسلمين أن يلتمسوا من مسألة الدين لوضع حدّ للأزمة الحالية بطريقةٍ تعجز أي مقاربة أخرى عن ذلك.

الأمير الوسيط

ومن بين القادة المخولين بشكلٍ واضح لتولي دور الوساطة هذا هو أمير الكويت الثمانيني الشيخ صباح الصباح. لم يكلّ هذا القائد ولم يمل من تأدية دور حيوي لحلّ أزمة العام 2014. خلال الأزمة الأخيرة، تنقّل مجدداَ بين العواصم الخليجية. فهو ليس مجرد وسيط، إنما باستطاعته الاستفادة من معايير الجذب الثقافية والدينية وذات الصلة بالهوية المتأصلة في المنطقة العربية والخليجية التي ترضي مختلف الأطراف. لا تهدد دولة الكويت أي من الأطراف الرئيسيين في الأزمة الراهنة. تعكس الوساطة الكويتية مقاربة غاية في الأهمية من الناحية الثقافية لحل الأزمة من شأنها تسهيل الحوار والمصالحة في هذه المراحل المبكرة من الأزمة. وتُعتبر الكويت – خلافاً لأي دولةٍ أخرى – وسيطاً راسخاً، نظراً لدورها الريادي في حلّ أزمات سابقة، إذ تدرك قيادتها جيّداً فوارق السلطة السياسية والقبلية والأسرية والدينية والثقافية في دول منظمة مجلس التعاون الخليجي. ففي العام 2014، سعى الأمير إلى عقد جولات من مفاوضات ترأسها، وقد تُوجت بعودة السفراء العرب إلى الدوحة. هذا وقد أعلن خلال قمة مجلس التعاون الخليجي أنّ الاختلافات قد سُوّيت. يواجه الصبّاح اليوم العديد من مواضيع ومسائل الخلاف نفسها. ولكن هذه المرة، لا يبدو واضحاً إن كانت الجهات الفاعلة الدولية، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستساعد على حلّ الصراع أم على عرقلته.

السبل لإنهاء الأزمة

ثمة إجماع كبير على أن أزمة مجلس التعاون الخليجي الراهنة تضر بكافة الأطراف المعنية، وبالتالي من الضروري جداً حلّها عاجلاً وليس آجلاً. فقد ترتفع التكلفة الاقتصادية للأزمة بين قطر والدول الخليجية المجاورة وغيرها من الدول إلى مليارات الدولارات بسبب تأثّر التجارة وعوائد الاستثمار. تُعتبر قطر الدولة الأكثر ثراءً في العالم من حيث الدخل الفردي، إلا أنه لا يمكنها هي أو أي من جاراتها في الخليج التقليل من أهمية تأثير الأزمة على الاقتصاد المحلي لكلّ منها في فترةٍ تشهد فيها أسعار الطاقة انخفاضاً وتبدو فيها الحاجة إلى مشاريع ترشيد اقتصادية ملحّة. يمكن للقادة العرب المحليين – أكثر من أي أطراف من خارج المنطقة – تأدية دور وساطة مهم للحدّ من تفاقم الأزمة. وقد اعتمدت الأزمات السابقة، بما في ذلك أزمة العام 2014، على وساطة نشطة ومقاربة مساومة تقليدية تولّتها جهات فاعلة حكومية عربية كالكويت. ومن المرجّح أن تكون هذه المقاربة ناجحة لأن الوسطاء العرب يتمتعون بصلاحية يتردد صداها في المعايير المحلية المعتمدة لحلّ الأزمات. فهم يدركون قوة عوامل الجذب الخاصة بالنسبة لمقاييس الهويات المحلية الراسخة في الخليج، بما في ذلك صلات النسب والعامل الديني. بغضّ النظر عن مدى انخراط الأطراف الخارجية غير العربية في حل هذه الأزمة، لا تُعتبر هذه الأطراف الأفضل لدور الوساطة. أعلن الرئيس ترامب في وقتٍ مبكرِ من الأزمة – عبر سلسلة من التغريدات – أنه يقف إلى جانب خصوم قطر؛ ثم حاول التدخل من خلال إجراء مكالمات هاتفية مباشرة معهم، عارضاً استضافة الجهود الرامية إلى حلّ الأزمة في البيت الأبيض. وقد تضرّر الموقف الأمريكي من الأزمة أيضاً بسبب الافتقار الواضح إلى الاتّساق في التناقضات بين تصريحات وزير الخارجية تيلرسون وتصريحات الرئيس ترامب وتغريداته. ويؤثّر ذلك في فعّالية أي دور وساطة محتمل يمكن للولايات المتحدة أن تؤدّيه. وهو يقوّض كذلك مبدأ التحكيم المحايد الذي يُعتبر أمر أساسي لحل الأزمات بفعالية. حتى وإن قررت إدارة ترامب تأدية دورٍ في حلّ أسوأ أزمة تواجه مجلس التعاون الخليجي، ستبقى مشاركة الكويت أو أي جهة فاعلة محلية أخرى مناسبة لهذا الدور عاملاً مساعداً. ولكن عموماً، أفضل ما يمكن أن تقوم به واشنطن هو البقاء جانباً واتخاذ موقفٍ أكثر حيادية لتعطي الجهود الإقليمية المبذولة لحلّ الأزمة فرصةً حقيقية للنجاح.

 

التكلفة العالية والآثار الاقتصادية للأزمة الخليجية 2017

نادر قباني

نادر قباني.. مدير الأبحاث - مركز بروكنجز الدوحةزميل - برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية

في الرابع من يونيو، صعّدت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين أزمة مستمرة مع جارتها الخليجية، دولة قطر. فقطعت العلاقات الدبلوماسية؛ وأغلقت الطرق الجوية والبحرية والبرية؛ ووضعت قيوداً على دخول مواطني قطر والمقيمين فيها إلى أراضيها؛ وأعطت مواطنيها مهلة 14 يوماً لمغادرة قطر. وقطعت مصر أيضاً علاقاتها الدبلوماسية مع قطر ومنعت عنها مجالها الجوي – إلا أنها لم تقطع عليها منفذ قناة السويس، الذي يخضع لاتفاقية دولية، ولم تطلب من مواطنيها المصريين العاملين في قطر والمقيمين فيها والذي يبلغ عددهم 300 ألف شخص مغادرة الأراضي القطرية.

وكان الاستياء من قطر جارياً منذ سنوات، بسبب دعمها للتيارات الإسلامية، بما في ذلك الإخوان المسلمين وحركة حماس، وعلاقاتها الودية مع إيران، بالإضافة إلى استقبالها لشخصيات معارضة ومنحهم الفرصة للظهور والحديث على شاشة الجزيرة الإخبارية، القناة القطرية ذات الانتشار الواسع. وفي العام 2014، استدعت كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها لدى قطر. وبعد أزمة سياسية دامت تسعة أشهر، وافقت قطر على إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر والحدّ من الدعم الذي تقدمه لجماعة الإخوان المسلمين. إلا أنّ قطر لم تلبِّ كافة مطالب جيرانها في ذلك الوقت، مما ترك المجال مفتوحاً أمام تصعيدات مستقبلية محتملة.

هذه المرة، بالإضافة إلى استدعاء السفراء، اتخذت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين إجراءات غير مسبوقة لعزل قطر اقتصادياً واجتماعياً. وقد تسبّبت الأزمة بتعطيل التجارة، والاضرار بالعمّال والأسر، وتأخير المشاريع في قطر والدول المجاورة لها. على المدى القصير، ستتكبّد قطر التكاليف الكبرى – إلا أنها لن تكون المتأثرة الوحيدة. ولكن في حال استمرّت الأزمة، ستطوّر قطر قنوات بديلة، من شأنها أن تغيّر المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الخليج بشكلٍ سيضر بجاراتها في نهاية المطاف.

علاقات قوية

تنخرط قطر بشكلٍ كبير مع جاراتها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لا سيما مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فهي تستورد نحو 40 بالمئة من المنتجات الغذائية براً عبر المملكة العربية السعودية، ويأتي معظم ما يتبقى من وارداتها من خلال طرقات شحن تمرّ عبر مرافئ دبي لدوافع لوجستية وعبر الفجيرة للتزود بالوقود. كذلك، تستورد دولة الإمارات العربية حوالي ثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي من قطر عبر خط أنابيب دولفين للطاقة. في العام 2015، بلغ إجمالي التدفق التجاري القطري نحو 2 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية، و7 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة و500 مليون دولار مع البحرين. هذا وقيمة ما تصدّره قطر إلى هذه الدول الثلاثة أكثر من قيمة ما تستورده منها.

أما الاستثمارات العابرة للحدود من الجهتين فتصل إلى عشرات المليارات من الدولارات. ويُقدَّر مجموع استثمارات القطاع المصرفي السعودي مع قطر بنحو 30 مليار دولار، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع المصرفي الإماراتي. بالإضافة إلى ذلك، تميل الشركات المتعددة الجنسيات إلى الانتشار في المنطقة، حيث كثيراً ما يعمل طاقم العمل في بلدٍ ويعيشون في بلدٍ آخر. قبل الأزمة، وصل عدد الرحلات الجوية بين قطر وجاراتها في الخليج إلى أكثر من 70 رحلة في اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قطر والدول الثلاث تتشارك روابط ثقافية وعائلية قوية. إذ يبلغ عدد سكان قطر 2,7 مليون نسمة، من بينهم حوالي 10 بالمئة مواطنين قطريين. ويُقدَّر عدد السعوديين المقيمين في قطر بنحو 20 ألف شخص، ويصل عدد البحرينيين والإماراتيين الذين يقيمون فيها إلى 15 ألف شخص (لا يوجد أرقام رسمية بهذا الشأن، إنما تستند هذه التقديرات على مسح لريادة الأعمال في قطر أُجريَ في العام 2014). علاوةً على ذلك، نحو 5 إلى 10 بالمئة من الزيجات تتم بين قطريين وغير قطريين من دول الخليج. ويحق لمواطني الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التملّك وإنشاء الشركات وتشغيلها بشكلٍ كامل في أي دولة أخرى من دول المجلس.

وقد فرقت التدابير التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بين الأسر. وقطعت الأزمة الراهنة سلاسل التموين، وأثرت على تدفق السلع والخدمات، وعطلت سير عمل شركات المنطقة. ويُخشى أن ينصب أي تصعيد إضافي على القطاع الخاص. ويؤثر ذلك على قطر وكذلك على الدول المجاورة، لا سيما تلك التي تعتمد على تطوير الأعمال والسياحة مثل دبي.

وتأتي الأزمة الحالية في وقتٍ تشهد منطقة الخليج العربي انكماشاً اقتصادياً حاداً بسبب انخفاض أسعار الطاقة العالمية. فقد تراجعت أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد في أغسطس 2014 إلى أقل من 50 دولار بعد خمسة أشهر. وقد عُلّقت مشاريع كبيرة أو أُلغيت، وتأخر تسديد المبالغ المستحقة، وخُفِّضت الرواتب وقلص عدد الموظّفين ليتماشى مع تراجع العائدات الحكومية. في الواقع، بالكاد ستتمكن الأنظمة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر من تحمل اضطرابات إضافية.

أنظمة اقتصادية محاصرة

بعد أن قطعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين فجأة العلاقات مع قطر، سارع سكّان قطر إلى تخزين المواد الغذائية والعملات الأجنبية. وعلقت حمولات البضائع العابرة على الحدود السعودية، والمرافئ والموانئ الإماراتية؛ مما أدى إلى نقص مؤقت في بعض المنتجات. إلا أنه وفي غضون أيام امتلأت المتاجر مجدداً، إذ أمّنت قطر مصادر بديلة من تركيا وإيران ودول أخرى.

وفي خلال أسبوع واحد، ظهرت طرق شحنٍ بديلة عبر سلطنة عمان وغيرها من المرافئ الأبعد. وفي غضون أشهر، سيكون الوضع في قطر قد استقرّ. ولم يتأثر تصدير الغاز الطبيعي المسال كثيراً، وهو المصدر الأساسي للعائدات في قطر، وتوقعات تأثره بالأزمة قليلة جداً. إلا أنه من الممكن أن يتأثر إنتاج منتجات أخرى التي يتم تصديرها عبر أراضٍ سعودية، كالهيليوم. كما وستتأثر الخطوط الجوية القطرية بفعل القيود على المجال الجوي وسيتعين عليها تعديل نظام عملها. قد ترتفع تكلفة بعض السلع المستوردة إلى قطر، إلا أن تكاليف الشحن المنخفضة عبر سلطنة عمان قد توازن الوضع.

في حال استمرّت الأزمة، ستكون قطر قد طوّرت طرق تموين بديلة، وعدّلت خططها الإنمائية وخطط الأعمال في القطاعات الرئيسية لاستيعاب الواقع الجديد. وقد استقرت سوق الأوراق المالية القطرية بعد أن تراجعت بنسبة 10 بالمئة في الأيام التي تلت ظهور الأزمة. وسيخفّف صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 335 مليار دولار من تأثير الانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر. صحيح أن هذه التغييرات ستؤدي إلى بعض الخسائر، إلا أنها ستخلق فرص عمل جديدة وتطرح تحالفات جيوسياسية جديدة. ولن يكون أمام قطر إلا خيار تعزيز التجارة والعمل مع دول أخرى، بما في ذلك إيران. ومع الوقت، ستصبح هذه القنوات البديلة أقوى وستحل محل العلاقات الراهنة مع مجلس التعاون الخليجي. ومن المرجّح أن تكون الآثار الاقتصادية المترتبة على الحصار على المدى الطويل مكلفة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين. وسيتجسد ذلك على شكل خسائر في الفرص التجارية، وعائدات السياحة والاستثمارات الواردة من قطر. ولن يكون من السهل على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العثور على عملاء بديلين في منطقة الخليج لتصريف المنتجات والخدمات التي كانت تقدمها إلى قطر. والأهم من ذلك هو احتمال تردد الشركات المتعددة الجنسيات في الاستثمار في دولٍ تعطي الاعتبارات السياسية أولوية على المصالح التجارية. إذ تختار الشركات الاستقرار في أماكن مثل دبي، رغم التكلفة العالية، بسبب التصوّر أنّ العقود والاتفاقيات التجارية ستكون آمنة في هذه الدول.

كلما طالت الأزمة، زاد الضرر الناتج عنها على العلاقات القطرية بجاراتها على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبالتالي، يتعين على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن تقيّم خطواتها وتراجع بدقّة التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تتكبّدها كل منهما. أما قطر، فيتعين عليها تجنّب تصعيد الأزمة والبحث عن طرق للتوسط مع جاراتها واتخاذ خطوات لمعالجة المسائل التي تعتري هذه الأخيرة. كذلك، يتوجب على المجتمع الدولي أن يتحرك سريعاً لنزع فتيل التوتر في المنطقة قبل أن تُلحق الأزمة الحالية ضرراً طويل الأمد بالعلاقات والأهداف الأكثر استراتيجية.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,708,136

عدد الزوار: 6,962,257

المتواجدون الآن: 62