ملف العراق..النظام السياسي العراقي وإشكالية ضعف الشرعية..التداخل بين "المقاومة الإسلامية في العراق" و"قوات الحشد الشعبي"..

تاريخ الإضافة الجمعة 15 كانون الأول 2023 - 5:08 ص    التعليقات 0

        

النظام السياسي العراقي وإشكالية ضعف الشرعية: تراجع متوقع في نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات..

معهد واشنطن...بواسطة هيوا عبد الله حسين..

عن المؤلفين: هيوا عبد الله حسين هو صحفي كردي عراقي وخريج برنامج زمالة قادة العراق (المسار السياسي) من معهد الدراسات الإقليمية والدولية (IRIS)....

تحليل موجز: يشير الإقبال المنخفض المتوقع للناخبين في أول انتخابات لمجالس المحافظات في العراق منذ عقد من الزمن، إلى غياب الثقة الشعبية في النظام السياسي في البلاد...

يستعد العراقيون للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وفقا للدستور العراقي، تحظى مجالس المحافظات بصلاحيات تشريعية وتنفيذية كبيرة، فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف الوزات المختلفة، كما تتمتع بنظام مالي مستقل وصلاحيات وضع ميزانيات العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة. وتمتلك مجالس المحافظات السند القانوني لتنصيب أو إقالة المحافظ، كما تتولى الرقابة على الدوائر المرتبطة بوزارات مركزية ومتابعة أداء مدرائها وكوادرها.

تعتبر هذه الانتخابات المحلية الأولى التي تعقد منذ أكثر من عقد، ومع ذلك، تشير بعض الاتجاهات في الانتخابات الوطنية السابقة إلى أن نسبة مشاركة الناخبين ستكون أقل بكثير مقارنة مما كانت عليه في السنوات السابقة، ففي حين بلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات عراقية أجريت في عام 2005 لاختيار أعضاء مجلس النواب 80%، تراجعت نسبة المشاركة بشكل ملحوظ في انتخابات 2021 لتصل الى إلى 41%. ونتيجة التعليمات الواردة من مفوضية الانتخابات بخصوص ضرورة استخدام البايومترية للمشاركة في الانتخابات علاوة على المقاطعة الشعبية، فمن المتوقع أن تتراجع نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في كانون الأول 2023 اقل من 21%.

وتعكس تلك النسبة المتدنية المتوقعة للانتخابات القادمة الرفض الشعبي للنظام السياسي العراقي الذى يعانى حاليا من أزمة شرعية، وغياب قوى المعارضة الحقيقية لمنافسة الأحزاب السلطة خاصةً بعد مقاطعة تيار الصدري و بعض الأحزاب المدنية، فضلا عن ضعف الأمل بالتغير و تشكيك الناخب بعدم مشروعية الانتخابات واتهام مفوضية الانتخابات بالخضوع لتأثير الأحزاب السياسية والتلاعب بنتائج الانتخابات لمصلحة الأحزاب الحاكمة، وغياب الدور الرقابي في المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان ومجالس المحافظات وعدم تطبيق قوانينهم من قبل سلطة التنفيذية.

هناك أيضا إشكاليات قانونية تتعلق بعملية التصويت يمكن أن تؤدى بشكل كبير إلى تراجع نسب التصويت في انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في 18 كانون الأول المقبل. فوفقا لمفوضية الانتخابات، هناك أكثر من 23 مليون مواطن أسمائهم مدرجة في قائمة الناخبين، لكن فقط 60% منهم تلقى البطاقة البايومترية، وقانونياً يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، أي أن هناك أكثر من تسعة مليون (40%) فقدوا حقهم في التصويت قبل بدء العملية الانتخابية. وفى السياق نفسه، صرح المستشار رئيس الجمهورية العراقية والخبير في شؤون الانتخابات، هاوري توفيق، أن "بحسب تعليمات مفوضية الانتخابات أي مواطن لا يملك البطاقة البايومترية لا يمكنه المشاركة في الانتخابات"، وأوضح أن " غياب التيار الصدري والأحزاب المدنية المنسحبة سيكون سبب أخر في ضعف نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ومن ناحية أخرى، تحاول الحكومة جاهدة من خلال مؤسساتها التنفيذية في 15 محافظة من أصل 18 (محافظات ثلاث ضمن إقليم كوردستان غير مشمولة بالانتخابات)، تعزيز نسبة المشاركة من خلال دعم مفوضية الانتخابات للقيام بمهامها وتوفير كل متطلبات العملية الانتخابية بما يضمن انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة، كما تؤكد على تطبيق النظام الفيدرالي الذي سيمنح سلطات واسعة للحكومات المحافظات. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت الأحزاب الحاكمة كل ما لديها من أموال وطاقة لرفع مستوى المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات. وعلى الجانب الأخر، اعتمدت برامج الأحزاب الانتخابية عدة إصلاحات جوهرية تضمنت:

القضاء على الفقر، حيث أفادت تقارير وزارة التخطيط العراقية أن 25٪ (11 مليون شخص) كانوا يعيشون تحت خط الفقر في العراق في عام 2022.

استثناء الطبقة الفقيرة من الضرائب.

إقرار قانون جديد للضمان الاجتماعي، يحل محل قانون الضمان الاجتماعي العراقي لعام 1971، وسن العديد من الإصلاحات تتعلق بالضمان الاجتماعي للأفراد العاملين في القطاع الخاص.

تحديد الجهات وتشخيص الأفراد من قتلة المتظاهرين السلميين خلال تظاهرات تشرين 2019.

الكشف عن مصير المفقودين والعمل على الخروج بمشروعات قوانين تتناول الاختفاء القسري في العراق، وذلك استجابة للتقارير التي بلغ عددها نحو 12000 تقرير حول أشخاص مفقودين على مدى السنوات الست الماضية.

استيعاب الشباب في مفاصل الدولة.

تعهدت الأحزاب السياسية على العمل على محاسبة الفاسدين ومحاربة الفساد، وتطوير البنية التحتية في المحافظات المتلكئة، ودعم القطاع السياحي والزراعي ومكافحة التصحر.

ورغم أن هذه المقترحات تبدو جيدة على الورق، إلا أن الواقع يشير إلى أن الناخبين العراقيين قد سمعوا هذه الوعود بالإصلاح من قبل خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والتي لم يتم تطبيقها على أرض الواقع في نهاية المطاف. لذلك، من غير المتوقع أن تشكل تلك الوعود مصدر جذب للناخبين بحيث تدفعهم للذهاب الى صناديق الاقتراع.

أن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات سيؤدى بالضرورة الى بروز مشاكل تتعلق بشرعية الحكومات المحلية، خاصة أن الحكومة العراقية لا تزال تعاني من نفس الأزمة. في هذه الحالة عندما تتأكل الشرعية يلجأ المواطنون إلى القيام بأعمال عنف معادية للنظام القائم كالمظاهرات والاحتجاجات. وفى المقابل، يتزايد لجوء النظام الى العنف ليضمن بقاءه، وهو ما قد يشكل تهديدا للاستقرار الاجتماعي. ومن ثم، ستكون الانتخابات المقبلة بمثابة مؤشر للأحزاب الحاكمة لمعرفة مدى قبول أو رضا الراي العام عن الحكومة.

ختاما، لن تساهم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في إنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تمر به العراق، حيث ما زال البلاد يعاني من تفشى الفساد والنزاعات العرقية والقومية التي أدت على تأكل شرعية النظام. علاوة على ذلك، لا يوجد لدى الأغلبية من الشعب العراقي قناعة بالأنظمة التي تأسست بعد عام 2003، وضعف الأمل لديهم في حدوث تغيير سياسي.

وبمجرد انتهاء انتخابات مجالس المحافظات ويكشف العراقيين عن ممثليهم المحليين الجدد، فمن المحتمل أن تُستأنف الاحتجاجات المعارضة للنظام. من جانبها، ما زال أمام القوى المدنية والمعارضة المشاركة في الانتخابات أسبوع آخر لإقناع الناخبين بقدرتها على إصلاح النظام السياسي وكسب الأصوات. ولكن بعيدا عن الاستحقاقات الانتخابية، يجب أن تعمل القوى المدنية والمعارضة على تطوير برنامج سياسي واضح وناضج يستند إلى الخبرة السياسية والمهنية للمرشحين، وأن توفير حلول قابلة للتنفيذ عوضاً عن الوعود الفارغة. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي لتلك القوى هو إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في العراق وإنهاء حكم القوة والمال. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الوضع الراهن سيعني أن إيمان المواطن العراقي بالتغيير من خلال الانتخابات أو الحركات السياسية الجديدة سوف يتآكل أكثر.

أثر الانتخابات المحلية على المناطق المتنازع عليها في العراق..

معهد واشنطن..بواسطة هيوا عبد الله حسين..

عن المؤلفين: هيوا عبد الله حسين هو صحفي كردي عراقي وخريج برنامج زمالة قادة العراق (المسار السياسي) من معهد الدراسات الإقليمية والدولية (IRIS).

تحليل موجز: من المتوقع أن تؤثر هذه الانتخابات بشكل مباشر على مستقبل المناطق المتنازع عليها، لذلك، يجب أن تحرص الأحزاب السياسية على تجنب تعميق الانقسامات الطائفية بينها، سواء في هذه الحالة أو في الانتخابات المقبلة. من المقرر إجراء انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة في العراق في 18 ديسمبر/كانون الأول. ورغم المعارضة الأولية من جانب بعض الأحزاب السياسية، لكن مفوضية الانتخابات بدعم من الحكومة الفيدرالية شددت على أن العملية الانتخابية ستمضي قدماً و ستجري في موعدها المقرر. ومن شأن هذه الانتخابات، التي ستجرى في جميع المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، أن تساهم في تغيير ميزان القوى السياسية في البلاد. فوفقا للمادة 140 من الدستور العراقي، تعتبر كركوك وأجزاء من ثلاثة محافظات الشمالية الأخرى "مناطق متنازع عليها"، وسيقرر الاستفتاء في نهاية المطاف ما إذا كانت ستصبح جزءًا من كردستان العراق أو ستظل تحت سيطرة الحكومة المركزية. وتجدر الإشارة الى المناطق المتنازع عليها ليست مناطق هامشية حيث تبلغ مساحتها نحو 40 ألف كيلومتر مربع ويقطنها ما يزيد عن 3 ملايين نسمة.

ومن الناحية العملية، فإن الوضع النهائي لهذه "المناطق المتنازع عليها" - وهي المناطق التي تعتبرها كل من الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان جزء من أراضيها، سيقرره الناخبين بالنظر إلى خيارات الأحزاب الطائفية، مع ما يترتب على ذلك من آثار لوضعهم المستقبلي كمناطق تقع في المقام الأول ضمن نطاق بغداد أو أربيل. ونظراً لارتفاع المخاطر، فإن مسألة الإدارة الانتخابية الشرعية للمناطق المتنازع عليها سيكون محور للصراع السياسي بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بشأن إدارة هذه المناطق بالشرعية الانتخابية. ومع ذلك، إذا تم احترام إرادة الشعب ووضعت القوى السياسية المتنافسة خلافاتها جانباً، قد تفتح الانتخابات فصلاً جديداً من الرخاء والتعاون في المناطق المتنازع عليها.

انتخابات مجالس المحافظات في العراق… الأولى منذ 10 سنوات

قد يبدو من الغريب أن نتائج الانتخابات المحلية يمكن أن يتردد صداها وأثرها في النظام السياسي العراقي الأكبر، إلا أنها تشكل خطوة مهمة نحو إرساء قواعد اللامركزية الإدارية وتطوير المحافظات. علاوة على ذلك، يمنح الدستور العراقي مجالس المحافظات صلاحيات إدارية ومالية واسعة، فضلا عن صلاحيات اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين وإقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة. وعلى الرغم من أن انتخابات مجالس المحافظات كان من المقرر لها أن تعقد بشكل دوري، إلا انه بعد عام 2003 أجريت انتخابات مجالس المحافظات ثلاث مرات فقط في الأعوام 2005 و 2009 و 2013, وكان مقررا إجراؤها في عام 2018 مع الانتخابات البرلمانية، لكن أرجئت أكثر من مرة، بحسب قانون مجالس المحافظات العراقي تتكون من 285 مقعدا، وجرى تخصيص 75 منها ضمن كوتا للنساء. كما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إن هناك أكثر من 6 آلاف مرشح من خلال 134 قائمة انتخابية منها 39 تحالفاً، و29 حزباً و 66 مرشحاً فردياً يشاركون في تلك الانتخابات. وبحسب المفوضية، هناك أكثر من 23 مليون مواطن ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، لكن فقط 60% منهم تلقى البطاقة البيومترية، وقانونياً يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. وتشير تلك الإحصائيات إلى احتمال تراجع المشاركة في الانتخابات ربما بسبب غياب التيار الصدري، وانسحاب الأحزاب المستقلة مؤخراً، وخيبة الأمل العامة من العملية السياسية. وكما هو الحال في الانتخابات العراقية، فإن الساحة السياسية تبدو متنافرة ومربكة، حيث يشارك في الانتخابات المقبلة 10 قوائم يتنافسون على الفوز بأكبر عدد من المقاعد لمجالس المحافظات، واكبر الجبهات السياسية الشيعية تتنافس على كراسي المحافظات هي: تحالف (ائتلاف دولة القانون) برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تحالف (نبني) برئاسة زعيم منظمة بدر هادي العامري، تحالف (قوى الدولة) الذي يضم تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وتحالف "النصر" برئاسة حيدر العبادي . حيث تتنافس القوى الشيعية في جميع المحافظات الخمس عشرة، ومن المتوقع أن تفوز بأغلبية المقاعد في العاصمة بغداد وثماني محافظات أخرى بالمناطق الجنوبية والوسطى. ستشارك القوى السنية في الانتخابات بأربعة قوائم وهي: (تحالف تقدم) برئاسة الرئيس السابق لمجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، تحالف (السيادة) برئاسة رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، تحالف (الحسم) برئاسة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي وتحالف (العزم) برئاسة النائب مثنى السامرائي. وتشارك القوى السنية بشكل فعال في الانتخابات في محافظات بغداد والأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك ، ومن المتوقع أن تفوز بأغلبية المقاعد في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى عدا كركوك. أما القوى الكوردية ستشارك بثلاثة قوائم وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني و حراك الجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد. وتشارك القوى الكردية في محافظات كركوك (15كرسي) و صلاح الدين (15كرسي) وديالى (15كرسي) ونينوى (29 كرسي). وتحظى كركوك وضواحيها بأهمية خاصة بالنسبة للعلاقات بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، وتعتبر جميع الأحزاب الكردية محافظة كركوك بأكملها جزءًا من كردستان. ومن المتوقع أن تفوز القوى الكردية بأغلبية المقاعد في كركوك وتكون القوة الحاسمة في الحكم المحلي بمحافظة نينوى، مما يزيد من احتمال سيطرة قوات البيشمركة، وهي قوات عسكرية تابعة لإقليم كردستان. ومن المتوقع أن تؤدي نتائج الانتخابات المقبلة إلى تعكير صفو العلاقة المتوترة أساسا بين حكومة إقليم كردستان وبغداد.

سياسة انتخابية مدفوعة بالطائفية وليس بالسياسة

إن الوضع الرسمي للمناطق المتنازع عليها - بما في ذلك كركوك وتلعفر والحمدانية وسنجار وزمار ومخمور وخانقين بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية – اصبح محل نزاع حاد. ويرجع ذلك إلى تنوع المجموعات العرقية والدينية المقيمة في تلك المناطق: عرب، وأكراد، وتركمان، وشيعة، وسنة، ومسيحيين. شكلت الانتخابات في هذه المناطق دائماً فرصة للأحزاب والائتلافات السياسية لرفع مستوى الخطاب الطائفي بكل أشكاله وألوانه. كما أن الحملات الانتخابية السياسية في هذه المناطق لا يحكمها برنامج سياسي متماسك أو أيديولوجية حزبية، بل تعكس تجمعاً لمجموعات طائفية أو عرقية تهدف إلى إيصال الناخبين إلى صناديق الاقتراع. وفي حين تشير العملية الانتخابية، والعدد الكبير من المرشحين إلى وجود مجتمع مدني مزدهر، إلا أن معظم الناخبين في الواقع يصوتون للمرشحين والقوائم على أساس التوجه الوطني أو المذهبي وليس على أساس المؤهلات أو البرنامج السياسي. وفي حين تستعد الأحزاب السياسية بحماس لخوض انتخابات ديسمبر/كانون الأول، فإن المكونات الرئيسية في هذه المناطق، الأكراد والعرب والتركمان، لم تكن متحمسة خلال مرحلة تسجيل الناخبين الأولية. ورغم الأهمية الكبيرة للانتخابات، إلا أن نسبة المشاركة قد تنخفض بشكل كبير نتيجة إحباط الناخبين من المشاكل السياسية والأمنية والطائفية التي استمرت لعقدين من الزمن. تعانى المناطق المتنازع عليها من مشكلة أخرى وهي أن ممثلي المجتمع المحلي لا يستطيعون التعاون والعمل معًا لصالح سكان مناطقهم. كما تعاني الحكومات المحلية من الافتقار لسياسة متماسكة، حيث يهتم كل مسؤول أولاً وقبل كل شيء بتقديم الخدمات للناخبين المنتمين لطائفته العرقية. وقد أدى نظام المحسوبية في هذه المناطق إلى تدهور الوضع الأمني؛ فوجود أكثر من قوة أمنية مهيمنة، بأسماء وانتماءات وأجندات متنوعة، يشكل عائقًا كبيرًا أمام ضمان سلامة المدنيين. في أعقاب فشل إقليم كردستان في الحصول على الاستقلال في استفتاء سبتمبر/أيلول، وانسحاب قوات البشمركة من كركوك ومناطق أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقيام القوات الفيدرالية العراقية ببسط سيطرتها، حدث فراغ أمني نتيجة المشاركة المحدودة للقوات الفيدرالية على الأرض. لذا شكلت الدعاية الطائفية والتوترات السياسية، تهديدا للوضع الأمني في تلك المناطق، خاصة وأن تنظيم "داعش" لا يزال قادراً على تنفيذ هجماته هناك.

اعتبارات ومقاربات لنتائج الانتخابات

من المتوقع أن تؤثر هذه الانتخابات بشكل مباشر على مستقبل المناطق المتنازع عليها، لذلك، يجب أن تحرص الأحزاب السياسية على تجنب تعميق الانقسامات الطائفية بينها، سواء في هذه الحالة أو في الانتخابات المقبلة. وكخطوة أولى، ينبغي حظر الخطابات الطائفية الصريحة التي تؤدى إلى تأجيج التوترات. من المتوقع أيضا أن يستمر الخلاف حول هوية هذه المناطق بين المكونات الرئيسية في مرحلة ما بعد الانتخابات. وبضرف النظر عن نتيجة الانتخابات، يجب احترام جميع المكونات والطوائف والأقليات العرقية التي تعيش حاليا في هذه المناطق. علاوة على ذلك، في حين قد يتأخر تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات لعدة أشهر بسبب الخلافات السياسية حول توزيع المناصب والاستحقاقات، فمن المهم أن تبدأ المجموعات الرئيسية في هذه المحافظات في الدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى اتفاق بشأن التفاصيل في أقرب وقت بعد انتهاء الانتخابات. ويندرج هذا بشكل خاص على محافظة كركوك، حيث من المؤكد أن الأحزاب المحلية والجهات الفاعلة الإقليمية ستحاول التدخل في الشؤون الداخلية للمحافظة. من الضرورة بمكان معالجة التوترات الطائفية؛ فعلى الرغم من وجود اقتتال داخلي كبير داخل الأحزاب الكردية، إلا أنها يجب تعمل على تتجاوز الصراع الداخلي وتشكل جبهة موحدة استعدادا للانتخابات المقبلة وما بعدها. إن إعادة تأسيس وجود موحد للأكراد في المناطق المتنازع عليها سيشكل نقاط قوة وأمن لإقليم كوردستان. لذلك من المهم أن تعمل الأحزاب الكردية معاً على حماية الصوت الكردي وتشكيل تحالفات خدمية مع المكونات الأخرى لخدمة أهالي هذه المناطق. لذلك، إذا لم يتحد الأكراد ولم يقوموا بالتحضيرات اللازمة، فليس هناك ما يضمن فوزهم بمنصب المحافظ كركوك مرة أخرى.

الفرص والتحديات بعد الانتخابات في المناطق المتنازع عليها

تبشر الانتخابات نفسها بأن ستكون عملية شاقة ومتوترة بغض النظر عن النتيجة، لكن مجالس المحافظات ستواجه مجموعة جديدة من التحديات بعد انقضاء العملية الانتخابية. ومن ثم، فإن عدم التعامل مع المواطنين على أساس المواطنة والعمل على أساس الهويات القومية والطائفية، وغياب الهوية الوطنية سيخلق مشكلات كثيرة على المستوى الاجتماعي والسياسي في المناطق المتنازع عليه. وكما قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن أساس المشاكل في المناطق المتنازع عليها وخاصة في كركوك "ليست أمنية، إنما مشكلة سياسية" وشدد على أن استمرارية هذا الوضع ينعكس على المواطنين بطريقة سلبية. ويتعلق إحدى المخاطر الأكثر وضوحاً بمرحلة ما بعد الانتخابات، فإذا لم تتمكن المكونات المحلية من التوصل لاتفاق بشأن توزيع مناصب المحافظين والمناصب الأخرى في مدة قصيرة من الزمن، سيؤدي ذلك إلى زيادة التوترات وتعريض الأمن الاجتماعي للخطر. فضلا عن مخاطر التدخل الخارجي في المناطق المتنازع عليها الموجودة والمستمرة، وبالأخص تدخل دول الجوار. بالإضافة الى انه لا توجد اي أجندات مشتركة داخل هذه المناطق حول كيفية استخدام الميزانية المخصصة لإدارتها، وكان بإمكانهم خلق المزيد من فرص العمل والمزيد من الرخاء، لكن الفساد الإداري الذي اقيم على المحاصصات والوضع الأمني ​​غير المستقر، أفشل هذا البرنامَج حتى الآن وما زالت التحديات مستمرة. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي ستنشأ بعد مرحلة الانتخابات، ما زال هناك فرص مهمة لتحقيق المزيد من التعاون والوئام في المناطق المتنازع عليها. وفى هذا السياق، يمكن استغلال التنسيق والتعاون في المجال الأمني بين إقليم كردستان وبغداد في المناطق المتنازع عليها، كفرصة للتعاون في المجالات الأخرى وخلق المنافسة في تقديم الخدمات لمواطني هذه المناطق. ولتحقيق هذه النقطة من الضروري أن تمنح بغداد صلاحيات العمل للمؤسسات الخدمية التابعة لإقليم و الاتفاق على عمل الطرفين معا لتقديم افضل الخدمات، خاصة تلك المتعلقة بمجال بناء الطرق والجسور والبنية التحتية. تشتهر المناطق متنازع عليها باحتوائها على مزارات أثرية وتاريخية وثقافية قد تكون مصدر جذب لملايين السائحين ومصدر دخل مهم للدولة، وقد تساعد أيضا في دفع عملية التنمية المستدامة بالمحافظات اذا تم استثمارها بالشكل الصحيح. يمكن استثمار المناطق المتنازع عليها أيضا في مجال الزراعة، حيث يتم إنتاج اكثر من 40% من احتياجات البلد من الحنطة في تلك المناطق. في حال تمكن العراق، بمجموعاته العرقية والدينية المختلفة، من إجراء انتخابات مفتوحة ونزيهة وغير عنيفة، فمن شأن هذا أن يعزز مكانته الدولية بشكل كبير، وسيسمح للبلاد باستضافة العشرات من الفعاليات الثقافية والدينية المختلفة سنويًا مما يعزز من مكانتها مقارنة بدول الجوار. إن طبيعة العراق متعددة الأعراق والأديان يمكن أن تشكل مكسباً كبير للبلاد مما يجعلها منارة للتعايش. ولكن من أجل إبراز هذه الصورة بنجاح، يجب على الجهات الفاعلة الفيدرالية والمحلية التأكد من أن الانتخابات المقبلة ستكون شاملة وخالية من الخطاب الطائفي الضار.

 

التداخل بين "المقاومة الإسلامية في العراق" و"قوات الحشد الشعبي"..

معهد واشنطن..بواسطة أمير الكعبي

عن المؤلفين: أمير الكعبي محلل عراقي لديه عشر سنوات من الخبرة في تحليل الأحداث الأمنية والسياسية في العراق. وهو متخصص في الشؤون السياسية البينية الشيعية وأنشطة الميليشيات المدعومة من إيران.

تحليل موجز: نعت "المقاومة الإسلامية في العراق" فقدان أفراد من "قوات الحشد الشعبي" الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة وكانوا قد قُتلوا أثناء تحضيرهم للقيام بهجوم إرهابي على مستشارين دوليين.

في 3 كانون الأول/ديسمبر، تسببت غارة جوية أمريكية في كركوك في مقتل خمسة أعضاء من ميليشيا "حركة حزب الله النجباء" المدعومة من إيران، بينما كانوا يستعدون لإطلاق طائرة مسيّرة هجومية في اتجاه واحد. ونعت وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لـ "حزب الله النجباء" على الفور المقاتلين القتلى دون الإشارة إلى أنهم أعضاء في "قوات الحشد الشعبي"، وهي منظمة المظلة الرسمية للميليشيا التي تمولها الحكومة العراقية وتقودها بشكل علني. ويتمثل مسار العمل المعتاد لوكلاء إيران في هذا النوع من الحوادث في الاختباء تحت مظلة القوى الوطنية العراقية الشرعية، وبالتالي خلق الارتباك وتجنب العواقب المحتملة. إلّا أن ذلك كان مختلفاً هذه المرة.

فبعد فترة وجيزة من الضربة الأمريكية، حددت "صابرين نيوز" ومنصات أخرى مقرّبة من "حركة حزب الله النجباء" هوية العناصر المقتولين كجزء من التسمية لـ "المقاومة الإسلامية في العراق" وادّعت أنهم قُتلوا أثناء قيامهم بواجبهم تلا ذلك بيان رسمي "للمقاومة الإسلامية في العراق" جاء فيه: "بمزيد من الفخر والاعتزاز، تزف المقاومة الإسلامية في العراق كوكبة من خمسة شهداء، ليلتحقوا بقافلة النور (فرحين بما ءآتهم الله من فضلِه)، الذين ارتقوا في معركة الحق ضد الباطل المتجسد بقوات الاحتلال الأمريكي في العراق. وفي الوقت الذي تؤكد فيه المقاومة ثباتها واستمرارها في مواجهة الأعداء، تتوعّد قواتهم المحتلة للبلاد بالمزيد من الضربات الموجعة حتى إخراجها مذلولة مدحورة من أرض المقدسات (فقتلوا أولياء الشيطن إن كيد الشيطن كان ضعيفاً" )..

وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، تم دفن المقاتلين الخمسة في النجف بعد مراسم تشييع في بغداد. وكانت نعوشهم مغطاة بعلم "حزب الله النجباء"، وليس العلم العراقي أو علم "قوات الحشد الشعبي". ومن المفترض أنه قد تم القيام بذلك لفصلهم عن المظلة الأوسع نطاقاً لـ "قوات الحشد الشعبي"، والإشارة إلى أنهم لم يكونوا جزءاً من أي وكالة أمنية عراقية رسمية وبالمثل، زعمت "قناة النجباء" أن المقاتلين هم جزءاً من "المقاومة" وتجنبت ذكر "قوات الحشد الشعبي". على سبيل المثال أعلنت القناة أنه "بمشاركة حضور كبير، تشيّع المقاومة شهداء العدوان الأمريكي في كركوك".

لكن، وفي نهج متناقض، حددت منصات "المقاومة" الأخرى المقاتلين على أنهم أعضاء في "قوات الحشد الشعبي"، وادعت أنهم قُتلوا أثناء أداء واجباتهم لصالح وكالة أمنية عراقية شرعية. وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، أفادت "قناة الغدير" التابعة لـ "منظمة بدر" المدعومة من إيران ما يلي: "5 شهداء ضحية العدوان الأمريكي على أبناء الحشد الشعبي في كركوك. الاحتلال الأمريكي يواصل السيادة العراقية ويستهدف كوكبة من أبناء الحشد" وقدمت "قناة العهد"، التابعة لميليشيا "عصائب أهل الحق"، ادعاءات مماثلة: "غارة جوية وحشية. أمريكا تكرر عدوانها على قوات الحشد الشعبي... انتهاك السيادة العراقية جريمة لا تغتفر".

بمعنى آخر، لا تزال "المقاومة" غير قادرة على اتخاذ قرار: هل هي جبهة منضبطة تستخدم تكتيكات الواجهة لطمس المساءلة، أم أنها مجموعة من الفصائل المتنافسة تحاول التفوق على بعضها البعض والفوز بلقب جماعة المقاومة "الحقيقية"؟ لقد أتاحت الغارة الجوية على كركوك فرصة لـ "حركة حزب الله النجباء" للإعلان عن عملها بمفردها دون أن تكون جزءاً من التسمية الشاملة "للمقاومة الإسلامية في العراق". وتضمَّن هذا الجهد تغطية توابيت مشغّليها بعلم "حزب الله النجباء" واستخدام منصات التواصل الاجتماعي للترويج لدورهم وانتمائهم. ومع ذلك، فقد خلقت مثل هذه التكتيكات أيضاً سلسلة من الأدلة التي تثبت وجود صلة بين "حركة حزب الله النجباء" المصنفة على لائحة الإرهاب الأمريكية، و"قوات الحشد الشعبي" التي تموّلها الدولة العراقية، وآلية "المقاومة الإسلامية في العراق" التي تتبنّى الهجوم.

 

حالة العراق تؤكد الحاجة الملحة إلى إنشاء محكمة دولية لمكافحة الفساد

معهد واشنطن..بواسطة آرام محمود

عن المؤلفين: آرام محمود (آرام كوكوي)، هو طالب دكتوراه في الاقتصاد ومستشار سابق لرئيس الجمهورية برهم صالح.

تحليل موجز: نظرًا لعدم قدرة المؤسسات العراقية أو عدم رغبتها في مكافحة الفساد كما يجب، تصبح الحاجة إلى تدخل هيئة دولية واضحة. لذلك، يُعد دعم الحملة العالمية لإنشاء محكمة دولية لمكافحة الفساد ضروريًا من أجل محاسبة الحاكمين الفاسدين عندما تفشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك.

منذ الغزو الأمريكي للعراق وتنصيب أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا في وقت لاحق، كان الفساد مشكلة مستشرية بالنسبة إلى الحكومة العراقية. فقد اختفت، سنة بعد سنة، مليارات الدولارات من الأموال العامة أو تم تحويلها بطريقة غير مشروعة إلى خارج البلاد. وتم نهب ما يقدر بنحو 350 مليار دولار من الدولة العراقية بسبب الفساد، مع إعادة استثمار جزء كبير منها في الخارج، على ما يبدو لدعم الجناة ليس إلا. ولا بد من وقف هذه الحلقة المفرغة.

رغم من وفرة الموارد الطبيعية في العراق وتدفق المليارات من عائدات النفط خلال العقدين الماضيين، يُعد الوضع في العراق مأساويًا. فقطاع الخدمات لا يزال غير كافٍ، ونظام الرعاية الصحية العام غير مناسب. كما أن البطالة متفشية، ووفقًا لإحصائيات وزارة التخطيط العراقية، تعيش نسبة صاعقة وهي 25 في المئة من السكان تحت خط الفقر. بالإضافة إلى ذلك، عانى العراق من عدم استقرار سياسي خلال العقدين الماضيين، اتسم بصراع طائفي وأعمال إرهابية صادمة، تفاقمت من جراء الفساد. وتتنافس الأحزاب السياسية والجماعات الطائفية على حصة من الكعكة، ولا يحصل عامة السكان على أي فوائد.

يؤثر الفساد المتفشي داخل الحكومة العراقية على الطريقة التي يجب أن تتفاعل بها الجهات الخارجية مع الدولة. فبعض الشركات الدولية تلجأ إلى الرشوة للحصول على عقود كبيرة، فتؤدي هذه الأموال غير المشروعة إلى إثراء مجموعات المصالح المرتبطة بشكل غير مباشر بوزارات مختلفة. وغالبًا ما يرأس هذه الوزارات وزراء يتم تعيينهم سياسيًا من قبل الجماعات الطائفية، ما يؤدي إلى تأخير مشاريع البنية التحتية وفشلها. وتفيد العقود الكبيرة في المقام الأول الشركات المرتبطة بأحزاب سياسية أو سياسيين محددين، بحيث تعمل مع الإفلات من العقاب. وهذا يضع الشركات الدولية، بما في ذلك الشركات الأمريكية، في وضع غير مؤاتٍ في ما يتعلق بالامتثال لتدابير مكافحة الفساد، بينما تحاول التنافس على العقود وتمارس الأعمال التجارية في العراق.

منذ سنوات، يتمكن مخالفو القانون من الإفلات من الملاحقة القضائية بسبب الثغرات القائمة في النظام القانوني الحالي. ففي حين أنه لدى العراق قوانين صارمة ضد الأفراد الفاسدين والسياسيين الذين يتم فضحهم علنًا، إلا أنه يفتقر لآلية فعالة لإنفاذ هذه القوانين. فهيئة النزاهة ووزارة العدل العراقية تتمتعان بسلطة ادعاء دولية محدودة، وحتى إذا تم القبض على مرتكبي المخالفات، لا يمكن ملاحقتهم خارج نطاق ولايتهما القضائية أو التعاون مع ولايات قضائية أخرى لتجميد الأموال المسروقة وإعادتها إلى الوطن. كما أن التعقيدات الروتينية والإجراءات المحاسبية تجعل من الصعب على هيئة النزاهة إقناع وزارة المالية بتخصيص أموال لأنشطتها القانونية خارج العراق. وغالبًا ما تؤدي البيروقراطية المحيطة بالتخصيصات المالية إلى تأخيرات وعقبات تعيق قدرة هيئة النزاهة على تنفيذ المهام الأساسية في الولايات القضائية الأجنبية.

على الرغم من الدور الحاسم الذي تلعبه هيئة النزاهة في التحقيق في الفساد وتعزيز المساءلة، فإن الشبكة المعقدة من اللوائح والمعاملات الورقية تحرم اللجنة من الموارد اللازمة لتتبع الأدلة، أو التعامل مع هيئات القانون الدولي، أو مقاضاة الجناة. فوزارة المالية العراقية، حتى بعد زيادة ميزانيتها الممتدة على ثلاث سنوات بثلاثة أضعاف، لم تخصص أي أموال لهيئة النزاهة من أجل تعزيز قدراتها في الملاحقة القضائية. وفي حين أن الآثار الضارة للفساد معروفة جيدًا، لم يبدِ المسؤولون العراقيون اهتمامًا يذكر بمكافحته. وكذلك، لا تُقدَم أي حوافز للسياسيين في الحكم كي يمكّنوا عمل هيئة النزاهة، بحيث يخشون أن يتم استخدام نظام العدالة الأكثر جرأة كسلاح ضدهم من قبل خصومهم في المستقبل.

وفي حين حاول بعض السياسيين عكس هذا الاتجاه وتعزيز سلطة كل من هيئة النزاهة ووزارة العدل من خلال سن قوانين جديدة، إلا أن هذه الجهود كانت تتعثر باستمرار عند وصولها إلى البرلمان. في عهد الإدارة السابقة، قام الرئيس العراقي برهم صالح بتشكيل لجنة تتألف من الكثير من القضاة والأكاديميين، وكنتُ عضوًا فيها، سعت إلى صياغة تشريع يهدف إلى تمكين هيئة النزاهة وسد الثغرات القانونية التي تسمح لمخالفي القانون باستغلال النظام القضائي. وتضمنت هذه التدابير المقترحة دعم المدعي العام العراقي وتقديم حوافز للمبلغين عن المخالفات لكشف الفساد. فالقانون الحالي (المادة 14 من القانون رقم 9 لسنة 2012) لا يقدم سوى مكافآت قليلة للمبلغين بالمقارنة مع المخاطر المترتبة عن التبليغ. ويهدف هذا التشريع إلى تسهيل تجميد الأموال المسروقة وإعادتها، على أن تُستخدم جميع الأرباح الناتجة من هذه الأموال لخدمة الشعب العراقي. ولسوء الحظ، على غرار قوانين مكافحة الفساد الأخرى، لم يصل هذا التشريع إلى البرلمان لعرضه على المناقشة أو التصويت.

نظرًا لعدم قدرة المؤسسات العراقية أو عدم رغبتها في مكافحة الفساد كما يجب، تصبح الحاجة إلى تدخل هيئة دولية واضحة. لذلك، يُعد دعم الحملة العالمية لإنشاء محكمة دولية لمكافحة الفساد ضروريًا من أجل محاسبة الحاكمين الفاسدين عندما تفشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك. وبدأت المنظمة الدولية لمبادرات النزاهة (III)، وهي منظمة غير حكومية بقيادة القاضي مارك وولف من الولايات المتحدة والقاضي ريتشارد غولدستون من جنوب أفريقيا وآخرين، مع الكثير من شركائها، تنجح في استقطاب الدعم العام لإنشاء المحكمة الدولية لمكافحة الفساد من جانب حكومات كندا وكولومبيا والإكوادور ومولدوفا وهولندا ونيجيريا، بالإضافة إلى البرلمان الأوروبي. وتقوم المنظمة الدولية لمبادرات النزاهة حاليًا بتنظيم فريق من الخبراء لإصدار معاهدة نموذجية من أجل إنشاء المحكمة الدولية لمكافحة الفساد.

من المؤسف أن الفساد في العراق لا يزال السبب الرئيسي للنزاعات والانقسامات الطائفية والخلل الحكومي. فالفساد المتأصل في الحكومة العراقية يشل قدرات الدولة ويزيد من الفقر وآثار تغير المناخ والهجرة الجماعية والعنف. وبدلًا من التوصل إلى حل محلي، من الضروري أن يُسمح لمحكمة دولية بمحاكمة هؤلاء الأفراد الفاسدين الذين يعرّضون مستقبل المدنيين العاديين للخطر من خلال أفعالهم.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,518,159

عدد الزوار: 6,953,548

المتواجدون الآن: 59