«العنصرية» في أميركا.. من خفي إلى علني

تاريخ الإضافة الأحد 28 كانون الأول 2014 - 6:06 ص    عدد الزيارات 764    التعليقات 0

        

«العنصرية» في أميركا.. من خفي إلى علني
صار واضحا أن وجود رئيس أسود في البيت الأبيض زاد حرارة المواجهة
واشنطن: محمد علي صالح
مشكلة العنصرية في الولايات المتحدة «لن تحل بين ليلة وضحاها. إنها تراث أجيال وأجيال. لكن، يقدر الجيل الجديد، جيل الشباب، على النضال ضدها. وفي كل الحالات، يتحقق التقدم على مراحل. يتحقق التقدم تدريجيا». هذا ليس رأي خبير أبيض، أو خبير أسود.. هذا ما قاله الرئيس باراك أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة.

لم يقل أوباما حديثه هذا خلال الأسبوع الماضي، بعد أن قتل أسود اثنين من رجال الشرطة في نيويورك.. ولم يقله الشهر الماضي، بعد أن برأت هيئة محلفين شرطيا أبيض قتل أسود في نيويورك.. قاله الصيف الماضي، عندما اندلعت أول مواجهات جديدة بين السود والشرطة في فيرغسون، ضواحي مدينة سانت لويس (ولاية ميسوري)، بعد أن قتل شرطي أبيض أسود. وطبعا، يمكن أن يقول أوباما ما قال اليوم أيضا، وغدا أيضا، وبعد غد أيضا.. فالمواجهة العنصرية بين البيض والسود في الولايات المتحدة «تراث أجيال وأجيال»، كما قال هو، رغم أنها تقل عددا ونوعا، مرة بعد مرة، حسب رأي ريتشارد كوهين، (اليهودي) في صحيفة «واشنطن بوست» مبررا ذلك بقوله إن الكلمة المتداولة في الوقت الحاضر هي «كونفرنتيشن» أي «مواجهة»، وكان يقال قبل 50 عاما، «كلاشيز» أي «اشتباكات»، ودموية أحيانا، وقبل مائة عام، كانت «ديسكريمنيشن» أي «تفرقة وتمييز»، وقبل مائتي عام، كانت «سلافيري» أي «عبد رقيق».

* نوعان من التفرقة

* طبعا، انتهت إلى غير رجعة سنوات الرقيق، وسنوات التفرقة العنصرية العلنية والرسمية. لكن، لم ينته (ولن ينتهي) نوعان من التفرقة، حسب خبراء وسياسيين أميركيين: أولا: التفرقة بسبب الاختلاف.. تفرق الاختلافات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية بين الأغلبية البيضاء والأقلية السوداء، بصرف النظر عن الجانب العنصري، تفرق هذه الاختلافات بين البيض أنفسهم، وبين السود أنفسهم.

ثانيا: التفرقة الخفية: بسبب الجانب العنصري، أو من دونه، يظل البيض، ليس فقط الأكثر عددا، ولكن، أيضا، الأكثر مالا، وقوة، ونفوذا، وتعليما.. ومثلما يحدث في الدول الأخرى، تظل «الطيور على أشكالها تقع» (مثل أميركي، وعربي أيضا).

وكما صار واضحا، ورغم أن أوباما يريد أن يكون رئيسا لكل الأميركيين، كما انتخب، فإنه كلما تهب عاصفة عرقية، يجد نفسه يميل نحو «أشكاله». وفي الأسبوع الماضي، خصّ تلفزيون «بلاك إنترتينمنت» («الترفية للسود»، اسم قناة كبيرة متخصصة في شؤون السود، ويملكها ملياردير أسود) بمقابلة عن هذا الموضوع، وقال فيها العبارات السابقة. وقال أيضا، وهو يخاطب السود، وليس البيض: «حين تتعلق المسألة بأمر مترسخ مثل العنصرية أو التفرقة في أي مجتمع، يجب التيقظ. لكن، يجب الإقرار أيضا بأن هذا الأمر مستمر منذ فترة طويلة.. إذا تحدثتم عن هذا الموضوع مع الأهل، والأجداد، والأعمام، سيقولون إن الأمور تحسنت. سيقولون إنها ليست مثالية في بعض الحالات، لكنها أفضل».

* السبب هو أوباما

* من المفارقات أن ترتفع درجة حرارة هذه المواجهات في عهد أوباما.

* حدثت مواجهات قليلة في عهد رؤساء قبله، بسبب حوادث قتل فردية مثل التي حدثت خلال الشهور القليلة الماضية. لكن، صار واضحا أن وجود رئيس أسود في البيت الأبيض زاد حرارة المواجهة.. وذلك لأكثر من سبب:

أولا: وضع كثير من السود آمالا كبيرة جدا فيه. ظنوا أنه سيقضي على بقايا التفرقة العنصرية العلنية (مثل هذه المواجهات بين السود والشرطة)، وسيقضي، ربما، على التفرقة الخفية (استعلاء البيض بسبب قوتهم العرقية والاقتصادية، والسياسية، إلخ..).

ثانيا: تململ كثير من البيض بسبب وجود رئيس أسود عليهم (هذه تفرقة خفية أكثر منها تفرقة علنية)، رغم أنه فاز مرتين، ورغم أنه معتدل، ورغم أن والدته بيضاء.. لا يمكن وصفهم بأنهم عنصريون.. لكن، يظل الاستعلاء، خفيا، إن لم يكن علنا.

> هل كان يمكن غير ذلك؟

كتب عن هذا الموضوع جيفري هافينسون، في معهد «هيرتدج» اليميني في واشنطن. وكعادة الخبراء والسياسيين البيض كان حذرا، وتحاشي انتقاد أوباما بوصف أوباما أسود.. انتقده بصفته رئيس. وقال إن أوباما «يجب أن يكون رئيسا لكل الأميركيين». هذه إشارة إلى تصريحات أوباما عن «تصرف الشرطة» و«الشرطة صديقة الشعب».. وهي نفسها تصريحات حذرة، لأن أوباما لا يريد أن يقول: «الشرطة البيضاء تقتل الشباب السود».

لكن، صرح مسؤولون بيض آخرون تصريحات أكثر مباشرة، مثل فيل براينت، حاكم ولاية ميسيسيبي، وهو جمهوري، مثل كل حكام الولايات الجنوبية. ومن المفارقات أن الحزب الجمهوري في القرن التاسع عشر (حزب الرئيس أبراهام لينكولن) قاد الحملة ضد تجارة الرقيق، التي كان يؤيدها الحزب الديمقراطي. الآن، مع بداية القرن الحادي والعشرين، حدث العكس: صار الحزب الجمهوري هو الأبعد من السود، وصار الحزب الديمقراطي هو الأقرب إليهم. لكن، لهذا السبب نفسه، تحولت الولايات الجنوبية من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري.

قال حاكم ولاية ميسيسيبي: «يجب عدم السكوت عن المظاهرات القبيحة (مظاهرات السود) ضد الشرطة». وعلى الوتيرة نفسها، نشرت صحيفة «ويكلي ستاندارد» اليمينية موضوع غلاف عنوانه: «نو لو، نو أوردر» (لا قانون، لا نظام). يشير هذا إلى الشعار التقليدي «لو آند أور» (القانون والنظام). ويشير إلى أن السود الذين يسرقون (مثل براون في فيرغسون)، والذين يرفضون أوامر الشرطة باعتقالهم (مثل غارنر في نيويورك)، هم الذين يتحملون المسؤولية.

وكتبت الصحيفة: «إذا لم يسرق براون، ما كانت الشرطة ستتعقبه، وإذا لم يقاوم غارنر، ما كانت الشرطة ستستعمل القوة معه. أضف إلى هذا أن براون كان سرق من محل لبيع الخمور، وأن غارنر كان يبيع سجائر في الشارع خرقا للقانون. الذي يخرق القانون لا يلوم إلا نفسه».

* لاعبو كرة القدم

* كتب ريتشارد كوهين أن مظاهرات السود (وبعض البيض المؤيدين لهم)، التي ظلت مستمرة من الصيف، منذ أن قتل شرطي أبيض الشاب الأسود براون في فيرغسون، ربما وراء زيادة غضب بعض السود، وزاد غضب السود حتى وصل إلى قتل شرطيين في نيويورك في الأسبوع الماضي. لا يوجد دليل مباشر، لكن، الحقيقة هي أن المظاهرات المستمرة، والاشتباكات مع الشرطة، زادت التوتر.

مثل الذي حدث في مدينتي بيركلي وأوكلاند (ولاية كاليفورنيا)..حطم بعض المتظاهرين واجهات المتاجر، ونهبوا عددا من المحلات التجارية.

واعتقلت الشرطة عددا من المتظاهرين، وقطع المحتجون طريقا سريعا رئيسيا، وألقوا زجاجات، وقلبوا صناديق النفايات وأحرقوها. استمرت هذه المظاهرات لأيام، وتطورت أكثر عندما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع.

وانطلقت مظاهرات واشتباكات مماثلة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ورفع المتظاهرون لافتات تقول: «شرطة قتلة»، و«فيرغسون في كل مكان»، و«أوقفوا عنف الشرطة». غير أن أكثر شعار يقال إنه ساهم في زيادة العنف، خصوصا قتل الشرطيين في نيويورك في الأسبوع الماضي، هو: «ماذا نريد؟»، ويردد المتظاهرون: «مواجهة الشرطة؟» و«متى نريد ذلك؟» ويردد المتظاهرون «الآن».

وانضم نجوم رياضيون سود إلى الحملة، وارتدى بعضهم قمصانا مكتوبا عليها: «لا أستطيع التنفس» (الكلمات الأخيرة التي يقال إن غارنر قالها بينما كان الشرطي يلقيه أرضا، ويمسكه من رقبته).

* عودة إلى فيرغسون

* من المفارقات أن ما حدث في نيويورك، والمظاهرات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، أعادت التوتر في فيرغسون، حيث كان الحادث الأول في الصيف الماضي. ونقل تلفزيون «سي إن إن» (ظل يعسكر هناك منذ الصيف، وكأنه يعرف أن التوتر سيعود) مناظر جديدة لمظاهرات واشتباكات مع الشرطة.

وقال بنجامين كرمب، محامي عائلة براون، إن العائلة لا تريد أعمال عنف جديدة. بينما أكد شهود تعرض محل لبيع المشروبات الكحولية للنهب ) وهو المحل نفسه الذي قالت الشرطة إن براون كان دخله لسرقة سجائر منه، مما دفع الضابط ويسلون إلى إطلاق النار عليه، في الصيف الماضي).

ورمى عدد من المتظاهرين الحجارة على رجال الشرطة، وسمعت طلقات نارية، وأُضرمت النار في سيارة تابعة للشرطة.

في فيرغسون، كان الشرطي ويسلون أطلق النار على براون في أغسطس (آب) الماضي. وبعد 3 شهور، قررت هيئة المحلفين عدم توجيه اتهامات إلى الشرطي. في ذلك الوقت، عادت المظاهرات والاشتباكات إلى فيرغسون.. ثم، في الأسبوع الماضي، عادت مرة ثالثة بعد ما حدث في نيويورك.

* التكنولوجيا

* حسب رأي ريتشارد كوهين، وهو رأي معتدل، «لا أنتقد السود، ولا أنتقد البيض»، لعبت التكنولوجيا دورا في تسخين المواجهات، خصوصا انتشار الصور والفيديوهات في المواقع الاجتماعية:

أولا: صورة براون في فيرغسون، ملقى على الأرض (قيل إنه ظل كذلك 3 ساعات).

ثانيا: فيديو شرطة فيرغسون في ملابس عسكرية ومعدات «حرب الإرهاب» (منذ سنوات، يهدي البنتاغون شرطة الولايات معدات عسكرية).

ثالثا: فيديو قتل غارنر، حيث يمسك الشرطي به من رقبته لطرحه أرضا، وهو يصيح بأنه لا يقدر على التنفس.

رابعا: فيديو أوباما وهو يقول: «غالبا، يعتقد الناس أن البعض يعاملون بإنصاف. في بعض الحالات يكون هناك سوء فهم. لكنه أحيانا الواقع». قال كثير من البيض في المواقع الاجتماعية إن هذا كلام دبلوماسي يؤيد فيه أوباما «إخوانه».

* عمدة نيويورك

* وإذ حمل بعض البيض أوباما مسؤولية ما حدث (لأنه الرئيس، ولأنه أسود، ولأن تصريحاته فيها غمز ولمز)، حملوا عمدة نيويورك المسؤولية أيضا، عندما بدأت المظاهرات بعد تبرئة قاتل غارنر، وقال العمدة، بيل دي بلازيو: «إنه يوم مؤثر ومؤلم جدا للمدينة. لا بد من إيجاد سبيل للمضي قدما». ومثل تصريحات أوباما، فهم بعض الناس أنه يدافع عن غارنر، ويعارض الشرطة، شرطة المدينة التي تعمل تحت أوامره، وتساعده على حفظ النظام.

وأشار بعض الناس إلى أن زوجته سوداء، وأنها من قادة النشطاء السود في المدينة. وأشاروا إلى قول العمدة عن ابنه الأسود بأنه دائما يحذره.. «على مدى سنوات، من المخاطر التي يمكن أن يواجهها». وكان يمكن أن يحذره من ألا يخرق القانون، أي إن العمدة نوه بعداء الشرطة، ولم يركز على أهمية إطاعة القانون.

وهكذا، تحول حادثان مؤسفان، قتل فيهما صبيان، إلى سلسلة مواجهات تاريخية بين البيض والسود.. هي تاريخ الولايات المتحدة من قبل أن تكون هناك الولايات المتحدة. اليوم، توجد مواجهتان: علنية (وهذه يمكن أن تهدأ)، وخفية (وهذه ربما لن تنتهي).

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,472,887

عدد الزوار: 6,992,893

المتواجدون الآن: 56