«داعش» يغوي ألبان أوروبا الغربية ... ومعتدلوهم يردون بمزيد من الاندماج

تاريخ الإضافة السبت 10 كانون الثاني 2015 - 7:45 ص    عدد الزيارات 701    التعليقات 0

        

 

«داعش» يغوي ألبان أوروبا الغربية ... ومعتدلوهم يردون بمزيد من الاندماج
محمد م. الأرناؤوط
لم يعد تجنيد الألبان لـ «الجهاد» في سورية والعراق مع «الدولة الإسلامية» يتم في أرجاء البلقان بل إنه صار يشمل دول أوروبا الغربية التي تتمركز فيها أعداد كبيرة من الألبان الذين استقروا وتجنسوا هناك، ومن ذلك سويسرا التي تشكّل حالة خاصة للألبان.
في أول محاكمة تجري لألماني متهم بالانضمام إلى تنظيم «داعش» في كانون الأول (ديسمبر) المنصرم تبيّن أن الشاب كرشنيك بريشا (20 سنة) يمثل الجيل الثاني من اللاجئين الكوسوفيين الذين غادروا يوغوسلافيا السابقة لظروف اقتصادية وسياسية، حيث ولد قرب فرانكفورت ودرس هناك وعرف عنه الانفتاح والاختلاط إلى حد أنه أصبح لاعباً في فريق يهودي لكرة القدم (مكابي فرانكفورت)، ولكنه تحول فجأة في 2012 نحو التطرف الإسلامي لينتهي الأمر به في 2013 مغادراً إلى سورية لأجل «الجهاد» هناك. وتدعو حالة الشاب كرشنيك (التي تعني البطل في الألبانية) إلى القلق لأنها توضح أن الانجذاب أو الالتحاق بـ «داعش» لا يرتبط بالفقر والبطالة كما هو الأمر في البلقان .
وكان الألبان قد بدأوا منذ ستينات القرن الماضي بالتوجه إلى ألمانيا للعمل هناك في أول سابقة من دولة اشتراكية (يوغوسلافيا) وارتبط وجودهم هناك بالعمل والعودة إلى مسقط الرأس لبناء البيوت الجديدة (التي كانت تسمى «الألمانية») والاستقرار هناك. ولكن مع وفاة تيتو في 1980 وتفاقم الأوضاع في يوغوسلافيا وصولاً إلى صعود سلوبودان ميلوشيفيتش في 1986 بمشروعه (صربيا الكبرى) خرج الألبان في العقدين الأخيرين من القرن الماضي باتجاه دول أوروبا الوسطى والغربية (النمسا وألمانيا وسويسرا في شكل خاص) حيث استقر هناك مئات الآلاف منهم كلاجئين من بلادهم هرباً من الاضطهاد السياسي والحروب. وبالمقارنة مع الموجة الأولى كانت الموجة الثانية سياسية وعائلية، حملت عائلات بكاملها بقيت على صلة وطيدة بالموطن الكوسوفي.
تشكلت الخلايا الأولى لـ «جيش تحرير كوسوفو» في سويسرا ووجدت بعد ذلك من يمولها ويسلحها للانتقال إلى كوسوفو لبدء العمل المسلح ضد نظام ميلوشيفيتش في 1997. وفي غضون ذلك كان النظام الشمولي قد انهار في ألبانيا المجاورة وتدفقت موجات الهجرة الثانية إلى حد أن ألبانيا فقدت ربع سكانها خلال عقد من الزمن، توجه معظمهم إلى اليونان وإيطاليا المجاورة. ونتيجة لهذه التغيرات فقد تزايد عدد الألبان بسرعة في الدول الأوروبية المذكورة (ألمانيا وسويسرا وإيطاليا واليونان) إلى حدّ أن الألبان أصبحوا مثلاً يشكلون 10 في المئة من سكان اليونان بينما أصبح الناطقون بالألبانية يمثلون المجموعة الثالثة في سويسرا بعد الألمانية والفرنسية بينما أصبحت الإيطالية في المرتبة الرابعة.
كان الألبان يحظون بالترحيب لكونهم أوروبيين ومسلمين منفتحين وحتى قابلين لتغيير دينهم بسرعة مقابل الاستقرار كما هي الحال في اليونان، ولذلك منحوا الإقامة والجنسية ونشأ هناك الجيل الثاني الذي كان يعد بـ «اندماج واعد». لكن تطورات الأوضاع في العالم الإسلامي، وخاصة مع «الربيع العربي» وتحول المعارضة الإسلامية إلى العمل المسلح لإسقاط النظام في سورية والترويج لـ «الجهاد»، فتح صفحة جديدة بالنسبة إلى الألبان مع ظهور «داعش» والترويج لفكرها في دول البلقان التي يتواجد فيها الألبان (ألبانيا وكوسوفو ومكدونيا وصربيا والجبل الأسود) وتجنيد الشباب منها لأجل «الجهاد» في سورية. ولم تمض شهور حتى بدأ تدفق الشباب الألبان باتجاه سورية خلال 2012 وسط صمت مريب من الحكومات إلى أن أصبح لدينا مئات «المجاهدين» هناك من بينهم «الأمير» لافدريم مهاجري (أبو عبدالله الكوسوفي) الذي ظهر في لقطات في القنوات التلفزيونية وهو يمزق جوازه الكوسوفي ويدعو من الموصل إلى تحرير الأندلس.
ولكن إذا كان الالتحاق الألباني بـ «داعش» في البلقان يبرّر بالفقر والبطالة التي تصل إلى حدود 50 في المئة في كوسوفو فقد كان من الصعب تبرير ذلك بالنسبة إلى الشباب الألبان في أوروبا الغربية الذين ولدوا ونشأوا وتعلموا هناك ليمثلوا «الاندماج الناجح». إلا أن مثل هذا «الاختراق» يفسّر بتواصل الجيل الشاب مع وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث أشرطة تنجح أحياناً في إحداث انقلاب لدى بعض الشبان، كما هو الأمر مع كرشنيك بريشا . فقد ولد كرشنيك في عائلة كوسوفية مهاجرة من يوغسلافيا السابقة حظيت بالإقامة والجنسية، وتعلم كرشنيك مع أقرانه الألمان واندمج في المجتمع الألماني ولم يمنعه إسلامه الألباني من الالتحاق بفريق كرة قدم يهودي معروف (ماكابي فرانكفورت). ولكن كل هذا «الاندماج الناجح» انهار في لحظة، حين بدأ كرشنيك يشاهد بعض الأشرطة ويتواصل مع بعض الأفراد المتطرفين خلال 2012 مع «حمى الجهاد إلى بلاد الشام» إلى أن التحق بـ «داعش» وذهب إلى سورية في تموز 2013 ليقاتل هناك إلى كانون الأول(ديسمبر) 2013. وبعد عودته إلى ألمانيا اعتقل في ربيع 2014 ليقدم إلى المحاكمة كأول ألماني يحاكم بتهمة الانضمام إلى «داعش»، حيث حكمت عليه المحكمة في كانون الأول (ديسمبر) المنصرم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتسعة شهور.
«رجل العام» في سويسرا
بالمقارنة بألمانيا تأتي سويسرا في المرتبة الثانية من حيث عدد الألبان، ولكن الألبان في سويسرا أصبحوا ينافسون الإيطاليين على المرتبة الثالثة في البلاد بعد أن وصل عددهم إلى حوالى 200 ألف يمثلون حوالى 6 في المئة من السكان، بل إن الألبانية تحل الآن في المرتبة الثانية في بعض الكانتونات (مثل كانتون لوتسرن). وقد أصبح الوجود الألباني في سويسرا «قصة ناجحة» لـ «الاندماج الناجح»، حيث برز خمسة لاعبين في المنتخب السويسري للمونديال (جردان شاكري وغرانيت جاكا وفانون بهرامي وبليريم جمالي وأدمير محمدي) وعدة مرشحات لملكة جمال سويسرا الخ.
وفي سويسرا دور خاص للأئمة في كبح التطرف الديني المفاجئ الذي يحاول أن يستقطب بعض الشباب باسم «الجهاد» والالتحاق بـ «دولة الخلافة». وتجدر الإشارة إلى أنه لدينا في سويسرا هيئة تمثل الألبانيين المسلمين يرأسها الشيخ مصطفى محمدي إمام مسجد برن. وكان الشيخ محمدي قد جاء إلى سويسرا من جنوب صربيا قبل حوالى 15 سنة كإمام لجامع يرتاده الألبان واستقر هناك إلى أن حصل على الجنسية السويسرية عام 2005. وقد اشتهر منذ ذلك الحين كإمام يمثل الإسلام المعتدل الذي يشجع على الاندماج في المجتمع السويسري، الذي أصبح المسلمون أحد مكوناته، وعُرف عنه بالذات موقفه المعارض للبرقع والفصل في حصص التربية الرياضية بحجة اللباس. وبذلك عرف محمدي كيف يجمع ويمثل هذه الخلطة « باعتباره يمثل جماعة كبيرة ومهمة في سويسرا الآن تجمع في الوقت نفسه بين ثلاثة انتماءات لا تتعارض: الانتماء إلى المكوّن الألباني وثقافته والانتماء إلى الإسلام باعتباره دين الغالبية الساحقة للألبان والولاء لسويسرا التي وفرت لهم الملجأ والاستقرار والتعليم والعمل والمساواة . ولذلك لم يكن من المستغرب أن تختار الصحافة السويسرية الإمام مصطفى محمدي «رجل العام» 2014 لشجاعته في التعبير عن آرائه المعتدلة ومعارضته للتعصب والتطرف الإسلامي.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,225,300

عدد الزوار: 6,983,468

المتواجدون الآن: 63