البلقان انقسم أيضاً على مئويّة مجازر الأرمن ومعركة جناق قلعة

تاريخ الإضافة الجمعة 1 أيار 2015 - 8:21 ص    عدد الزيارات 827    التعليقات 0

        

 

البلقان انقسم أيضاً على مئويّة مجازر الأرمن ومعركة جناق قلعة
محمد م. الأرناؤوط 
بعد أيام من التوتر المفاجئ في العلاقات بين صربيا وألبانيا في مطلع نيسان (أبريل)، والذي أدى الى شكوى صربية الى مجلس الأمن، جاءت الذكرى المئوية لمجازر الأرمن ومعركة جناق قلعة، لتبيّن الانقسام بوضوح أكبر بين قادة الصرب وقادة الألبان، خلال المشاركة في ذكرى هاتين المناسبتين، إذ توجّه الرئيس الصربي الى يريفان بينما توجّه الرئيس الألباني الى اسطنبول.
«مأساة» أم «إبادة»
منذ صيف العام الماضي، أي قبل البداية الرسمية للحرب العالمية الأولى، بدأت تتوالى المناسبات التي تجمع وتفرّق المؤرخين والسياسيين والصحافة والرأي العام في البلقان. وكان هذا واضحاً في سراييفو والبوسنة في 28 حزيران (يونيو) 1914، خلال استذكار مئوية اغتيال ولي عهد النمسا والمجر الأرشيدوق فرديناند على يد الصربي غفريلو برنسيب، حيث انقسمت البوسنة (كما هي منقسمة بين كيانين: فيديرالية البشناق والكروات التي تشغل 51 في المئة، وجمهورية الصرب التي تشغل 49 في المئة من البوسنة) بين من يعتبر برنسيب مجرماً أو إرهابياً، وبين من يعتبره بطلاً كان يعمل على «تحرير البوسنة من الحكم الأجنبي» .
وعلى هذا النحو، تأتي مئوية الحرب العالمية الأولى وما دار فيها من معارك ومجازر، لتنكأ الجراح وتثير المشاعر من تحت الرماد. فقد بدأت الحرب أولاً، بين النمسا وصربيا، واجتاحت القوات النمسوية صربيا ولاحقت القوات الصربية المنسحبة عبر ألبانيا التي أصبحت بدورها، ساحة قتال بين الأطراف المتصارعين وضحية للتسويات السرية (معاهدة لندن السرية 1915).
ولكن هذه المرة، جاءت مناسبة أخرى لتبيّن أكثر الفارق في التعامل مع مئويات الحرب العالمية الأولى، وتحديداً مع مئوية مجازر الأرمن التي استعدّ لها الأرمن في كل مكان، ومئوية معركة جناق قلعة أو «غاليبولي» في 24 نيسان (أبريل) 1915 التي استعدّت لها اسطنبول أيضاً.
ففي المئوية الأولى، كان لافتاً للنظر مشاركة الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليتش، الى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وغيرهم من رؤساء الدول والحكومات، بينما لم يشارك أحد من قادة ألبانيا وكوسوفو.
وقد حرص الرئيس نيكوليتش في كلمته، على أن تكون «باسم الشعب الصربي ودولة صربيا»، وأن يعبّر فيها عن تعازيه لـ «ضحايا المأساة الفظيعة التي حلّت بالشعب الأرمني خلال الحرب العالمية الأولى»، أي من دون أن يستخدم تعبير «إبادة» كما فعل الرئيس بوتين والرئيس هولاند وغيرهما من الرؤساء. وفي هذه الكلمة، حرص الرئيس نيكوليتش على استحضار «مأساة» الشعب الصربي أيضاً، حين قال إن أكثر من يقدّر «مأساة» الأرمن في العالم هم الصرب، لأن صربيا حلّت في المرتبة الأولى من حيث الخسائر البشرية نسبة الى عدد السكان (700 ألف من أصل أربعة ملايين نسمة) في الحرب العالمية الأولى (جريدة «داناس» 25/4/2015).
انقسام السياسيين والمؤرخين
في الطرف الآخر، كان من الملاحظ مشاركة قادة ألبانيا وكوسوفو على أعلى المستويات، في مئوية معركة جناق قلعة أو «غاليبولي»، التي حشدت اسطنبول لأجلها عشرات رؤساء الدول والحكومات. فقد شارك في هذه المناسبة، رئيس الجمهورية في ألبانيا بويار نيشاني، ونائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية الكوسوفي هاشم ثاتشي، الذي تربطه علاقة قوية بتركيا خلال السنوات التي كان فيها رئيساً للحكومة بعد استقلال كوسوفو 2008 - 2014. فقد كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو، وعملت على تأمين الاعتراف لها من دول أخرى، كما أن العلاقة المتشابكة بين أردوغان وثاتشي (التي تقوم على شبكة مصالح متبادلة)، أدت في 2013 الى تأزّم العلاقات بين تركيا وصربيا بعد أن دخلت في «شهر عسل» خلال مرحلة «تصفير المشاكل» (أنظر «الحياة» عدد 10/11/2013).
ومع أن ألبانيا كانت أعلنت استقلالها عن الدولة العثمانية في نهاية 1912، واستقرت حدودها الدولية في 1913 باعتراف القوى الأوروبية الكبرى، ولم يعد هناك ما يربطها بالدولة العثمانية وفق دستور 1914 الذي أعلنها «دولة علمانية»، إلا أن الرئيس الألباني بويار نيشاني، حرص على وضع إكليل من الزهور على «نصب البطل»، تكريماً «للجنود الألبان الذين سقطوا في غاليبولي وغيرها»، على اعتبار أنه بقي في أرجاء الدولة العثمانية (وبخاصة في اسطنبول وبورصة وغيرهما) الكثير من الألبان نتيجة للحكم العثماني لألبانيا الذي قارب 500 سنة.
ومع ذلك، يلاحظ أن الصحافة التي نشرت خبر مشاركة الرئيس نيشاني في هذه المناسبة، حفلت بطبعاتها الإلكترونية بتعليقات حادة ضد هذه المشاركة، تعكس الانقسام في المجتمع الألباني خلال السنوات الأخيرة، حول الهوية والدين والعلاقة مع تركيا والعالم الإسلامي. فقد جاءت التعليقات الحادة من المعارضين للعلاقات الوثيقة مع تركيا والعالم العربي- الإسلامي، الذين رأوا في مشاركة الرئيس نيشاني «إهانة» للأرمن، وأنه كان يجدر بالرئيس أن يكون في يريفان وليس في جناق قلعة أو غاليبولي (جريدة «شكولي» عدد 25/4/2015).
أما هاشم ثاتشي، الذي يريد أن يختم حياته السياسية بأن يصبح رئيساً لكوسوفو في 2016، فقد أدرك حساسية المشاركة الألبانية في جناق قلعة أو «غاليبولي»، أمام المعارضة المحتملة في بلاده، فركّز على أن المشاركة في هذه المناسبة «لدفع قادة العالم ليقوموا بما في وسعهم لتعزيز السلام والتواصل والتعاون بين شعوب العالم، ونحن نعرف ذلك جيداً، ولهذا نعمل على ألا تتكرر الحرب مرة أخرى» (جريدة «زيرى» 25/4/2015).
ومع ذلك، لم تمرّ مشاركة ثاتشي من دون انتقادات من المؤرخين الكوسوفيين والألبانيين. فقد علّق المؤرخ الكوسوفي صالح محمّدي، على مشاركة ثاتشي في هذه المناسبة بالقول، إنها «من دون معنى ولا تشرّف الألبان»، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمعركة لا علاقة للألبان بها، في حين أن المؤرخ الألباني دريتان أغرو، قال عن هذه المعركة إنها «معركة مختلطة (دينية وسياسية) لحماية الإمبراطورية العثمانية»، التي نجح الألبان في الاستقلال عنها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، أي أنها لا تعني الألبان (جريدة «كوها» عدد 24/4/2015).
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,082,024

عدد الزوار: 6,977,819

المتواجدون الآن: 73