حقائق موثّقة من تاريخ لبنان

تاريخ الإضافة الأربعاء 21 آذار 2012 - 6:48 ص    عدد الزيارات 1000    التعليقات 0

        

حقائق موثّقة من تاريخ لبنان
بقلم أ.د. ياسين سويد
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابعت، بإهتمام كبير، الخلاف المدوي حول كتابة تاريخ للبنان، مستنكراً أي تدخل للسياسيين في عمل أكاديمي بحت، خصوصاً أنه لا بد أن يعتمد على الأصول والوثائق التاريخية التي تؤكده فيبنى التاريخ على هذه الوثائق والأصول دون سواها، ورغم أني لا أقرّ مناقشة شؤون طائفية في وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة والمقروءة)، لِمَا تحتمله من تأويلات ليست في صالح ما نتوق لبلوغه، في هذا الوطن، من إلغاء للطائفية التي تسمم مجتمعنا، حتى بلوغ العلمنة، ولاعتقادي أن وطنا يبنى على التمايز الطائفي، هو جرح قابل للنزف، في كل حين، وان الوطن القادر القوي هو الوطن الديمقراطي العلماني الذي به نحلم وإليه نتطلع. فقد رغبت في التوقف عند بعض الأمور، معبراً عن وجهة نظرٍ ترقى، في اعتقادي، إلى مستوى الحقائق التاريخية المسندة والموثقة.
وبعيداً عن أي تفكير طائفي، ومع احترامي الفائق للبطريركية المارونية ودورها المميز في إنشاء الكيان اللبناني عام 1920، فان من صنع «الكيان اللبناني» وباقي الكيانات في بلاد الشام، (وكانت سبعة كيانات هي: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة جبل الدروز، ولبنان وشرق الأردن وفلسطين، ثم اختصرت بأربعة هي: سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين)، هم:
- إنكلترا وفرنسا، بواسطة: مارك سايكس وجورج بيكو، مهندسي مقررات مؤتمري «سايكس - بيكو» و«سان ريمو».
- والمنظمة الصهيونية العالمية، التي كانت تسعى لدفع حدود فلسطين، شمالاً، حتى صيدا - القرعون (راجع مقالتنا في جريدة «النهار» بتاريخ 19/11/2004 حول هذا الموضوع، وبالوثائق المثبتة).
- والكنيسة المارونية التي كان على رأسها، يومذاك، البطريرك الشهير «إلياس الحويك» الذي لعب دوراً مهماً في إنشاء هذا الكيان، ضمن كيانات بلاد الشام التي أقيمت في ذلك الحين، كما هو معلوم.
والواقع ان تقسيم بلاد الشام، بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد «وعد بلفور» لم يتم بناءً لرغبات أي من أهل هذه البلاد، بما فيهم الموارنة، بل كان يهدف إلى إنشاء كيانات ضعيفة وعاجزة وغير قادرة على مقاومة الاطماع الصهيونية التي استطاعت انتزاع فلسطين من الدول المنتصرة في تلك الحرب، فأنشئت حول فلسطين (الكيان المستقبلي لليهود) كيانات صغيرة وضعيفة مثل سوريا ولبنان والأردن، بدلاً من ان تبقى دولة «سوريا الكبرى» التي تضم هذه الدويلات في الأصل، بما فيها فلسطين، موحدة، مما يعيق تحقيق الحلم الصهيوني.
والثابت، تاريخياً، ان مؤتمر «سايكس - بيكو» الذي أدى إلى تقسيم «بلاد الشام» إلى «دويلات» منها لبنان، عُقد في الوقت نفسه الذي كان «الشريف حسين، شريف مكة» يفاوض «السير مكماهون، معتمد بريطانيا في مصر»، على إنشاء «مملكة عربية سورية» تضم، فيما تضمّ، «جبل لبنان» وهو المشروع  الذي عارضه البطريرك حويك، بينما سعى شقيقه سعد الله الحويك، عضو مجلس إدارة المتصرفية، مع رفاقٍ له من اعضاء المجلس، للذهاب إلى دمشق لمبايعة الملك فيصل، ولكن سلطات الانتداب الفرنسي منعتهم وسجنتهم. أما مؤتمر سايكس - بيكو، فهو لم يعقد إلا لمصلحة المنظمة الصهيونية العالمية وبتوجيه منها، ولمصلحة قيام كيان عنصري لها في فلسطين، وهو ما تعهدت به انكلترا في صك انتدابها على فلسطين الذي أقرته «عصبة الأمم» عام 1922 (انظر مقدمة صك الانتداب البريطاني على فلسطين، والمواد 2 و4و6و7).
والثابت تاريخياً، أن مخترعي حدود الكيان اللبناني، وكذلك المطالبين به، اعتمدوا، أساساً، أول مشروع لكيان لبناني في التاريخ، وهو المشروع الذي وضعه الجنرال «دي بوفور دوتبول» بتاريخ 15 شباط 1861، والذي اقترح فيه إنشاء دولة لبنانية» من النهر الكبير شمالاً، حتى مرتفعات جبال لبنان الشرقية (انتيليبان) ومرتفعات جبل الشيخ (مع الاحتفاظ بمقاطعات بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا، شرقاً، فحدود مقاطعات الحولة وبلاد بشارة جنوباً، فالبحر المتوسط غرباً) وهي حدود احتفظ بها «لبنان الكبير» عند إنشائه عام 1920، باستثناء «الحولة» التي ضمت إلى فلسطين، وذلك بعد صراع طويل مع المنظمة الصهيونية العالمية التي كانت تبغي توسيع حدود فلسطين شمالاً، على حساب الكيان اللبناني المقترح، ويبدو أن من أنشأ الكيان اللبناني استعار مشروع «بوفور دوتبول» بكامله، وبحرفيته: المحافظات والأقضية والبلدان بتسمياتها الحالية (راجع نص التقرير كاملاً، بالفرنسية، في كتابنا: Corps exépditionnaire de Syrie. Rapports et correspondance 1860-1861,pp.239-255, وبالعربية، في كتابنا: فرنسا والموارنة ولبنان، ص 279-296، وفي موسوعتنا: موسوعة تاريخ لبنان، جـ 1: 36-44 وجـ9: 118-132).
أما القول بأن حدود لبنان الكبير رسمت في بكركي، فهو قول فيه الكثير من المبالغة، وشاهدنا على ذلك ما وجدناه في «المحفوظات الفرنسية» من وثائق (نحتفظ بنسخ منها) تشير إلى أنه، عندما كانت الدولتان الكبريان (فرنسا وانكلترا) تبحثان في مصير بلاد الشام، بعد الحرب العالمية الأولى، أصرت المنظمة الصهيونية العالمية على أن يقتصر الكيان اللبناني على  مناطق «المتصرفية» دون سواها ولما لم تتمكن من إقناع فرنسا (وهي الدولة المرشحة للانتداب على لبنان بعد إنشائه)، عمدت إلى محاولة توسيع فلسطين شمالاً حتى حدود صيدا، بحيث تضم مجرى الليطاني، ولكنها فشلت كذلك، وكان سبق ان اقترحت على فرنسا وانكلترا أن تسير حدود فلسطين الشمالية كما يلي:
«تبدأ، في الشمال، عند نقطة على ساحل البحر المتوسط، بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل إلى جسر القرعون، ثم تتجه منه إلى البيرة، متبعة الخط الفاصل بين حوضي وادي القرعون ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي متبعة الخط الفارق بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) حتى جوار بيت جن، وتتجه منها شرقاً بمحاذاة مفارق المياه الشمالية لنهر مغنية، حتى تقترب من خط سكة حديد الحجاز، إلى الغرب منه»، ولكن فرنسا قاومت ذلك، فرست الحدود الجنوبية للبنان على ما هي عليه اليوم.
ونجد، في المحفوظات الفرنسية، كذلك، تقريراً يؤكد ما ذهبنا إليه، وذلك في رسالة بعث بها رئيس مجلس الوزراء الفرنسي، وزير الخارجية «الكسندر ميللران» إلى الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في سوريا، بتاريخ 14 أيار عام 1920 (نحتفظ بنسخة منها) وقد جاء فيها ما يلي:
«في برقيتنا رقم 300 (23 آذار)، كنت قد اعلمتكم ان التصحيح المرتقب لحدود فلسطين لا يطال صور ولا حوران، المناطق التي اشرتم إلى أهميتها، ويشرفني أن أوضح لكم، فيما يلي، الحدود التي اتفقت عليها كل من فرنسا وبريطانيا، في سان ريمو، وكذلك النقاط التي يجب الاتفاق عليها:
«إن الخارطة التي استخدمت لترسيم الحدود موجودة في الصفحة 16 من أطلس فلسطين لادم سميث - كما توجد، كذلك، خارطة منفصلة، مقياس 253440/01.
«ينطلق الخط من البحر المتوسط، في نقطة  على نحو 5 كلم  جنوب صور، ويشار إليها برأس العين على الخارطة، وتتجه نحو حانا (Hanah) وهي (حناوية أو قانا)، مجتازة وادي عاشور في نقطة مزراح (Mezrah) (مزرعة مشرف)، ثم تحاذي وادي الماء، تاركة طورون (تبنين) في الجنوب، ثم تجتاز «وادي السلوقي» شمال شقرا، ثم تصل، في جنوب بيت رحوب (Bet Rehob) إلى الخط الفاصل بين مياه الأردن وحوض الليطاني، ويبقى هذا الحوض الأخير لنا (أي للبنان) كاملاً، وعندها، يتبع الخط القمة نحو الشمال ليصل إلى مستوى منعطف الليطاني، ثم يتجه، بعد ذلك، في خط مستقيم، نحو القمة الأقصى، جنوباً، في جبل حرمون، حيث تبقى مرتفعاته في سوريا، ثم يمر هذا الخط على مسافة 8 كلم تقريباً شمال نقطة «دان» التوراتية، حسب الأطلس نفسه. وهكذا نبقى ضمن العبارات التي يستخدمها السيد «جورج» (بيكو) تجاه الصهيونيين، وفي مجلس العموم، يعني: فلسطين، في حدودها التاريخية، من دان إلى بئر السبع، ومن البحر إلى القمة الأقصى، جنوباً، من جبل حرمون، وتعتبر الحدود التي سبق ذكرها نهائية، علماً بأنها لم تكرّس باتفاق خطي، وبعد حرمون، لم ترسم حدود فلسطين بعد، وفي رأينا، لا يمكن لهذه الحدود ان تحيد عن خطٍ مستقيمٍ شمال- جنوب، إنطلاقاً من قمة حرمون حتى التقاء هذا الخط بخط سايكس - بيكو. ولم تقبل  الحكومة البريطانية،، حتى اليوم، هذا الترسيم، بل أبدت رغبتها بان ينحرف هذا الخط نحو الشرق، بحيث يشمل، إذا أمكن، وفي منطقته، وادي اليرموك والخط الحديدي حتى درعا، وفي كل حال لن تحقق هذه الرغبة.
«في الجنوب، وبعد مناقشات طويلة، رفعت حدود فلسطين حتى دان، حيث ثبتت من سفح الخاصرة الجنوبية لحرمون حتى بحيرة طبريا، مقتربة كثيراً من خط سايكس - بيكو (برقية رقم 594 تاريخ 13 حزيران - ديبلوماسية)». (انظر موسوعتنا عن تاريخ لبنان، جـ13: 119).
يؤكد هذا التقرير، اذن، أن حدود لبنان (الجنوبية، وإلى حد ما، الشرقية) كانت عرضة لمنازعات حامية بين المنظمة الصهيونية العالمية، تدعمها بريطانيا، من جهة، وفرنسا التي حرصت على أن تحتفظ للبنان ببعض المناطق التي طمع الصهاينة بضمها إلى فلسطين لكي تصبح، فيما بعد، ضمن دولتهم، من جهة ثانية. (وثائق محفوظة لدينا، وهي صورة عن الأصل المحفوظ في «المصلحة التاريخية لجيش البر الفرنسي» بفنسين Service historiqué de L,Armée de Terre - Vincennes، وأنظر موسوعتنا: موسوعة تاريخ لبنان، الأجزاء: 12-15).
ولكن، هل أرضت حدود لبنان، التي رسمت بالاتفاق بين المنظمة الصهيونية العالمية والدولتين الكبريين، انكلترا وفرنسا، مع مساهمة ناشطة من البطريركية المارونية، مع فرنسا بالذات، كل الفئات اللبنانية؟
يبدو أن هذه الحدود لم ترض كل الفئات في لبنان، وشاهدنا على ذلك رسالة كتبها المطران «إنياس مبارك»، مطران بيروت للموارنة، إلى «معالي المستر بيڤن»، وزير الشؤون الخارجية لصاحب الجلالة البريطانية، لندن» وذلك بتاريخ 12 تشرين الأول 1946، (نحتفظ بصورة عنها)، وجاء فيها ما يلي: «تسري انباء جادة، في بيروت، بأن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تنوي اقتطاع جزء من شمال فلسطين لضمه إلى لبنان، فإذا كان هذا المشروع حقيقياً، وهذا ما لا نتمناه أبداً، فان النتيجة التي سيؤدي إليها هي زيادة عدد المسلمين في لبنان، وجعل المسيحيين أقلية في هذا البلد، ولكن لا يفوت معاليكم بأن لبنان كان، دائماً، موطن المسيحيين في الشرق... فاذا كان هناك من تغيير يجب أن يتناول الحدود، فأننا، نحن المسيحيين، نرغب بأن يقتطع جزء من جنوب لبنان، حتى نهر الليطاني، مثلاً، لضمه إلى فلسطين، وهكذا يتم إنقاص عدد المسلمين في لبنان، بهدف إعطائه طابعه الحقيقي كبلدٍ مسيحي».
وانطلاقاً من هذه المبادئ والقناعات الثابتة لديّ، ومن تمسكي بعلمية البحث التاريخي، ووجدان المؤرخ الذي يسعى إلى الحقيقة غير متأثر بأي منحى سوى الحقيقة نفسها، فانني أعتمد، بقناعة تامة، وبكل تجرد، الحقائق التاريخية التالية:
1- ان لبنان (الكيان والدولة) لم يكن إلا في مطلع القرن العشرين، وبالتحديد مع نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920، وقبلها، لم يعرف التاريخ كياناً سياسياً أو دولة بإسم «لبنان» (باستثناء «متصرفية جبل لبنان» التي كانت كياناً إدارياً).
2- إن «جبل لبنان» لا يعدو كونه واحداً من جبال الشام،  (حسب التعريف الموسوعي للمعلم بطرس البستاني)، وهو ان تميز بمجتمعه الاثني (الماروني) فكما يتميز أي مجتمع محلي في أي بلد من بلدان العالم، (جبل عامل مثلاً) فلا يجوز، والحالة هذه، أن يعتبر تاريخ هذا الجبل، دون سواه، تاريخاً لكل لبنان.
3- ان «جبل الشوف» أو «جبل الدروز» هو موطن الإمارتين المعنية والشهابية ومصدرهما، وقد ظل يحمل اسمه هذا إلى عهد المتصرفية حين ضم إلى جبل لبنان وتسمى باسمه، وقبل ذلك، كان «جبل الدروز» الذي هو «جبل الشوف» يعتبر موطناً يُنسب سكانه إليه، وتعتبر «الدرزية» كما «الجنسية»، فيقال: درزي نصراني، ودرزي عقيدي (un Druze Chrétien et un Druse Spirituel)، ويقول الجبرتي في ذلك: «وجاء إلى القاهرة درزي نصراني اشتهر بصنع السيوف».
4- إن «متصرفية جبل لبنان» التي أنشئت عام 1864 وظلت قائمة حتى مطلع الحرب العالمية الأولى، ليست هي لبنان (الكيان و الدولة والشعب) الذي نرتضيه ونؤرخه، بل هي كيان إداري فحسب، فرضته ظروف طائفية معينة، وبتدخل من  الدول الأجنبية الكبرى في ذلك الحين، وذلك بعد فشل الصيغة الطائفية التي انشأتها تلك الدول قبل هذه المتصرفية، للظروف نفسها، وسميت بالقائمقاميتين، كما انها لم تكن تضم كل مقاطعات دولة «لبنان الكبير».
5- ان الإمارتين، المعنية والشهابية، اللتين اتخذ منهما المؤرخون اللبنانيون المعاصرون أساساً لتاريخ لبنان، لم تكونا مرتبطتين بنشوء كيان لبناني ما، بل لم تكونا معنيتين بانشاء هذا الكيان، يؤكد ذلك ما نجده لدى المؤرخين الذين عاصروهما وأرخوهما، إذ لم ينسب أي منهم إلى هاتين الإمارتين نسبة «اللبنانية»، كما لم يسم أي  منهم امراءهما باسم «امراء لبنان»، بل، على العكس من ذلك، كانت تسمى الإمارة المعنية أو الشهابية «إمارة الدروز»، كما كان يسمى الأمير المعني أو الشهابي «أمير الدروز»، وإذا كان المؤرخون اللبنانيون المعاصرون الذين ارخوا لبنان بعد نشوئه عام 1920 قد ألبسوا هاتين الإمارتين لبوس «اللبنانية» وسموا امراءهما، تجاوزاً، باسم «امراء لبنان»، فذلك رغبة منهم في اختراع جذور تاريخية للكيان اللبناني الحديث العهد بالتاريخ، وتؤكد صحة طرحنا هذا كل المصادر التاريخية المعاصرة لهاتين الإمارتين، وكذلك الفرمانات السلطانية، ومنها الفرمان السلطاني الصادر عن السلطنة العثمانية والمؤرخ في السادس من رجب عام 1256 هـ الموافق للثالث من أيلول عام 1840م، والذي تم بموجبه تعيين اخر الأمراء الشهابيين، الأمير بشير الثالث، أميراً على «جبل الدروز» و«عشائر الدروز».
6- إذا فرضنا جدلاً ان لبنان هو لبنان المتصرفية أو  القائمقاميتين أو الإماراتين المعنية والشهابية، فإن لبنان هذا لا يعني، على الإطلاق ابن وادي التيم والبقاع وطرابلس وجبل عامل، بل وبيروت، إلا إذا اعتبرت هذه المقاطعات ملحقات بالأصل، وذلك غير صحيح وغير مقبول البتة.
7- وبناء على ذلك، يصح القول ان ربط لبنان، تاريخياً، بفينيقياً، هو هرطقة تاريخية وبدعة لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وإذا كان القصد من ذلك هو محاولة بائسة لخلق «قومية لبنانية» سابقة على «القومية العربية»، فان مشيعي هذه النظرية لم يستطيعوا، إطلاقاً، إثباتها، خصوصاً ان الفينيقيين الآتين من جزيرة العرب بالذات، والذين انتشروا على طول الساحل الشامي، اندثروا منذ آلاف السنين، كما اندثرت الأمم التي أتت قبلهم ومن بعدهم، وبقيت في هذا الساحل، وفي الداخل الشامي، آخر الموجات التي أتت من جزيرة العرب، والتي انتشرت، في بلاد الشام، بعد معركة اليرموك، في النصف الأول من القرن السابع الميلادي.
ومما لا شك فيه أن المقاطعات التي ألفت الكيان اللبناني عند نشوئه عام 1920، وهي:
- إمارة الشوف أو إمارة الدروز، أو الإمارة المعنية والشهابية، وكانت تابعة لولاية دمشق حتى عام 1660م، ثم اصبحت، بعد هذا التاريخ، تابعة لولاية صيدا بعد انشائها في هذا التاريخ، ثم لولاية عكا.
- إمارتا وادي التيم والبقاع، وكانتا تابعتين لولاية دمشق.
- مقاطعة جبل عامل، وكانت تابعة لولاية صيدا ثم عكا.
- سنجقية طرابلس، وجبل لبنان من ضمنها، وكانت تابعة لباشوية طرابلس.
- وأخيراً، بيروت، وكانت تشكل ولاية مستقلة.
وأي استقراء للتاريخ اللبناني، على غير هذا الشكل، هو استقراء خاطئ وغير قائم على أسس علمية صحيحة وموثوقة.
وإني، إذا أتقبل، بصدر رحب، وانفتاح علمي، كل مناقشة أو نقد لهذا الطرح، أدعو كل المؤرخين المخلصين لرسالتهم، والملتزمين بمبادئ العلم والحقيقة المجردة، ادعوهم جميعاً للإسهام في إعادة النظر بكتابة  تاريخ لبنان بشكل علمي صحيح وسليم ومتجرّد عن أي هوى أو غرض.
إنّ كتابة التاريخ شأن أساسي في بناء الأوطان، ولا شك في أن الكتابة الخاطئة لتاريخ هذا الوطن المعذب أسهمت، إلى حد كبير، في عذابه وتمزيقه، وتفتيته وتقاتل أبنائه. وفي اعتقادي، ان كتابة علمية صحيحة ومتجردة لتاريخ لبنان تصحح المفاهيم الخاطئة التي تلقنتها أجيالنا المتعاقبة، سوف تسهم إسهاماً كبيراً في إعادة العافية لهذا الوطن، ووضعه في المسار القويم، ليتألق ساطعاً بين أوطان هذا المشرق المتألّم.
إن عمر الوطن، أي وطن، لا يقاس بالمدى الزمني، وإنما بهمة ابنائه وعزمهم على ترسيخ بنيانه وتوطيد أركانه، وانطلاقاً من هذا المبدأ، لا يهمني أن كان عمر وطني «خمسة آلاف عام» كما يدّعي المدّعون، أو «ماية عام»، كما أقول، بل كل ما يهمني هو أن يكون أبناء هذا الوطن عازمين حقاً على ترسيخ بنيانه وتوطيد اركانه واعلاء شأنه  بين الأوطان، تماماً كما يفعل العدو القابع على حدودنا الجنوبية، والذي لم يمض على اغتصابه لأرضنا العربية في فلسطين أكثر من ستة عقود من الزمن، فهل نحن فاعلون؟

 لـواء ركن متقاعد.

   

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,640,951

عدد الزوار: 6,998,490

المتواجدون الآن: 74