ثقة غير متبادلة بين إيران ومصر! (1)(2)

تاريخ الإضافة الجمعة 23 آذار 2012 - 6:26 ص    عدد الزيارات 837    التعليقات 0

        

 

ثقة غير متبادلة بين إيران ومصر! (1)
إيران والتغيير السياسي في مصر
افشين شاهي
بدأ تأثير مصر الاقليمي بالتبخر منذ عقود، وشكلت فترة مبارك صورة مصغرة لعقود الجمود الاقتصادي والسياسي والفكري. وعلى الرغم من التدهور الواضح للدولة، فإن عوامل مثل عدد السكان والجغرافيا السياسية والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، حافظت على مكانة مصر كلاعب إقليمي مهم في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن مصر لم تعد تملك القوة الرمزية التي كانت لديها تحت حكم ناصر، الذي تبنى التعبئة العقائدية للقومية العربية، لم يكن باستطاعة اللاعبين الإقليميين البقاء غير مبالين تجاه التحولات الاجتماعية السياسية في مصر. وفي الحقيقة فإن للتغيير السياسي في مصر مضاعفات إقليمية، يمكن أن تؤثر على توازن القوى الحالي في الشرق الأوسط. ولهذا السبب فإن قوى أخرى إقليمية مهمة مثل إيران وإسرائيل وتركيا والسعودية تتابع بحذر الأحداث في مصر، حيث ان أية تحولات سياسية محتملة في أكبر بلد عربي ستوفر لهم تحديات وفرصا جديدة في المنطقة. من ناحية تاريخية فقد كانت إيران تصبو لأن تظهر نفسها بصفة قوة إقليمية عظمى، ولغاية أواخر الستينيات حال اللاعبون العالميون، مثل بريطانيا، دون قيام إيران بلعب أي دور مهم في الشرق الأوسط. وفي العام 1968 بدأت القوات البريطانية بمغادرة المنطقة مما ولد فراغاً للقوة فيها. وفي غياب بريطانيا قامت إيران باتخاذ إجراءات لجعل نفسها لاعباً إقليمياً أكثر حضوراً، ودعمت الولايات المتحدة الأميركية الطموحات الإيرانية. وفي ظل النظام الدولي الثنائي القطبية، قامت واشنطن بدعم إيران لتشكيل قوة فعالة ضد الخطر السوفياتي في المنطقة(2). وشكل كل من التعاطف الأميركي مع الطموح الإيراني والطلب العالمي المتزايد على النفط، مصادر مهمة للشاه لبناء قواته المسلحة وإظهار إيران بصفتها القوة الإقليمية العظمى.
لم تغير الثورة عام 1979 من سعي إيران صوب موقع القوة الإقليمية، وتبعاً لذلك، وخلال السنوات الاثنتي والثلاثين الأخيرة، فقد استخدمت الجمهورية الإسلامية استراتيجيات ناعمة وصلبة لتوسيع نفوذها وتمكين نفسها لتكون منافساً جاداً. من ناحيته اعتبر مبارك الطموح الإقليمي الإيراني تهديداً واتخذ إجراءت مختلفة لاحتواء النفوذ الإيراني، وأدت السياسات المتناقضة والمضادة التي تتبعها كل من طهران والقاهرة إلى ازدياد حدة العداوة بينهما. وعلى الرغم من بعض المحاولات الفاشلة لإحداث تقارب خلال العقد الأخير، فلم يكن باستطاعة الدولتين التغلب على عدم الثقة المتبادلة بينهما. وعلى الرغم من ذلك فان زوال مبارك، في سياق «الربيع العربي» شكل إطاراً جديداً للتهدئة بين الغريمين الإقليميين. وعلى الرغم من أن سقوط مبارك ربما شكل فرصة جديدة للتقارب، فإن نظاماً سياسياً جديداً في القاهرة قد يشكل تحديات جديدة لطهران. ستحاول هذه الورقة المجادلة في أن التطورات الاجتماعية ـ السياسية الجارية حالياً في مصر ستشكل تحدياً، وليس فرصة للجمهورية الإسلامية.
العلاقات الإيرانية ـ المصرية قبل 25 يناير/كانون الثاني 2011
تميزت العلاقات بين طهران والقاهرة منذ الثورة الإيرانية بعدم الثقة المتبادلة والعدائية والتنافس، فمنذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية كانت الدول العربية متشككة من هذا النظام الشيعي الراديكالي الناهض الذي كان مهتماً بتصدير ثورته لبقية المنطقة. كما كانت هناك أيضاً عوامل محددة خلخلت العلاقات بين إيران ومصر. أغضب الاعتراف بإسرائيل الذي أعقب اتفاقيات «كامب ديفيد» عام 1978، وتوقيع معاهدة سلام رسمية بين مصر وإسرائيل العام 1979، النظام الجديد في إيران والذي كان ينظر لنفسه على أنه «البطل الجديد» للقضايا الإسلامية. كما أن إستضافة الشاه الهارب في القاهرة قد زاد من العداء بين الدولتين، وأطلق المسؤولون الإيرانيون على السادات لقب «الشيطان الأصغر»، بينما اعتبرت مصر أن النظام الجديد في طهران هو «داعية مزيف للإسلام والكراهية». وذكر السادات بشكل علني أنه «حزين على الأمة الاسلامية حيث أن حُمى الخميني قد بدأت عدواها تنتقل إلى بعض القادة المسلمين. ولكنني لن أتردد في محاربة هذا المرض إذا حاول التسلل إلى بعض الناس هنا». من جهته، دعا آية الله صادق خلخالي ـ القاضي الشرعي ذو السمعة السيئة ـ بشكل علني إلى إعدام السادات من قبل الإسلاميين المصريين. قطعت إيران عام 1979 كافة علاقاتها مع مصر بشكل رسمي. وعندما تم اغتيال السادات رد النظام الإيراني بدعم القاتل، خالد الإسلامبولي، وهو عضو في «الجهاد الإسلامي المصري» ووصفه بالبطل. ولزيادة الأمر سوءاً فقد عرض المسؤولون الإيرانيون، بعد إعدام الإسلامبولي، صورته عبر البلاد بالإضافة إلى اطلاق اسمه على شارع في طهران تخليداً «لاستشهاده».
قامت مصر ـ شأنها شأن معظم الدول العربية ـ بدعم العراق في حربه الطويلة المكلفة مع إيران خلال الفترة 1980-1989، وبالإضافة إلى الدعم السياسي فقد زودت مصر العراق بما يقدر بخمسة مليارات دولار من الأسلحة في الفترة 1980-1987، بما في ذلك الدبابات والذخائر ونسخة من صاروخ «سكود» السوفياتي من نوع «ب». وعلاوة على ذلك فقد انضم الكثير من المصريين إلى القوات المسلحة العراقية للقتال ضد إيران. ولم يؤدي انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية إلى تخفيف التوترات بين إيران ومصر. وتم النظر إلى دعم طهران المتزايد للمجموعات الراديكالية مثل «حماس» و«حزب الله»، باعتباره تدخلاً في الشؤون المصرية وتحدياً لأمنها الوطني، كما اتهمت الحكومة المصرية إيران بدعم «حركة الجهاد المصرية». وفي العام 2009 ادعت قوى الأمن المصرية بأنها اعتقلت أعضاء «حزب الله»؛ بتهمة التأمر لتهريب أسلحة إلى المقاتلين في قطاع غزة وتنظيم أنشطة سرية أخرى للإضرار بالأمن الوطني المصري. وضمن هاذا الجو المتوتر من عدم الثقة كانت هناك بعض محاولات فاشلة لتطبيع العلاقات، حيث أظهرت إيران في ظل حكومة محمد خاتمي اهتماماً بإعادة العلاقات مع مصر، إلا أن تقدماً جدياً لم يحدث فيما يخص العلاقات الإيرانية - المصرية. وعلى الرغم من أن مجيء محمود أحمدي نجاد قد تصادف مع إزدياد عزلة إيران الإقليمية، فقد سعت طهران باستمرار نحو التقارب مع مصر. وفي شهر ديسمبر/ كانون الثاني 2008 اجتمع غلام علي حداد عادل، رئيس البرلمان الإيراني، مع الرئيس المصري حسني مبارك في محاولة لبدء عملية التطبيع بين البلدين. وصرح حداد عادل بعد الاجتماع بأن «وجود مصر قوية وإيران قوية والتعاون بين هذين القطبين في العالم الإسلامي يمكن أن يتقدم بجهود السلام»، لكن يبدو أن نظراءه المصريين لم يشاركوه الحماس ذاته. كما عبر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ووزير الخارجية علي أكبر صالحي، في مناسبات عديدة وبشكل علني عن حماسهما لطي الصفحة، ولكن مصر أظهرت مستوى متدنيا جداً من الاهتمام بقبول غصن الزيتون الممدود من الجمهورية الإسلامية.
أظهرت مصر اهتماماً محدوداً بالتقارب مع إيران بسبب خمسة أسباب مهمة:
1- قد يؤدي مشروع إيران النووي، المثير للجدل، إلى إعادة تشكيل ميزان القوة الإقليمي لصالح إيران.
2- التحالف الاستراتيجي بين مصر مبارك والولايات المتحدة، والاعتماد العسكري والمالي المصري على الولايات المتحدة الأميركية.
3- العلاقات مع إسرائيل، التي أصبحت تعتبر طهران تهديداً وجودياً لها.
4- التدخل الإيراني في الدول العربية، مثل العراق ولبنان، والدور الإيراني المزعوم في الإضرار بالأمن الوطني المصري من خلال دعم مجموعات راديكالية في مصر.
5- عدم الثقة المتزايدة والعداوة بين إيران واللاعبين الإقليميين المتنفذين مثل السعودية، ذات العلاقات الدافئة مع مصر.
وكان من الواضح أن أي تطبيع مع إيران، في ظل مبارك، يمكن أن يضر بالمصلحة الوطنية المصرية. ومن شأن أي قرار بإعادة العلاقات الودية مع إيران أن يؤدي إلى تأثيرات عميقة على التحالفات الدولية المصرية وعلاقات مصر الإقليمية مع الدول الأخرى ذات التأثير. كانت هذه التحالفات الخارجية مهمة لتأثيرها المباشر على الاقتصاد المصري والسياسات الداخلية، وعليه فقد كان مبارك في منتهى الحذر في التعامل مع إيران، التي أصبحت تواجه عزلة متزايدة بسبب سياساتها الخارجية المثيرة للجدل.
سقوط مبارك: فرصة جديدة للتقارب بين إيران ومصر؟
ثارت أسئلة، أثر سقوط مبارك، تطالب بمعرفة ما إذا كانت إيران ستستخدم الفرصة الجديدة لإقامة علاقات مع مصر. كان من الصعب التكهن بذلك، على الأقل في المدى القصير، حيث أنه في الحقيقة لم يكن هناك ثورة بالمعنى الحقيقي تحدث في مصر. لقد حدثت هناك بالطبع انتفاضة غير مسبوقة أدت الى سقوط الحاكم المتسلط، ولكن نظامه الذي ساند حكمه كان -ولا يزال- في مكانه. ومن ناحية نظرية فإن الثورة تشير إلى «محاولة منظمة من أجل إحداث تغيير أساسي وبشكل سريع نسبياً في بنية وسياسة الحكومة ويصاحب ذلك عنف أو التهديد بالعنف». وعليه فإن القضاء على رئيس دولة، في غياب تحولات هيكلية، لا يمكن النظر إليه على أنه ثورة. وعلى الرغم من أن مبارك لم يعد يلقي بظلاله على السياسات المصرية، فإن وتيرة التغيير لم تكن بالكاد «ثورية». فعملية الانتقال كانت بطيئة، ويكاد أن لا يكون هناك أي تغيير في العلاقات المصرية - الدولية. فقد بقي العسكر في السلطة، وظلت العلاقات المصرية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودول الخليج كما هي ولم يطرأ عليها أي تغيير. وعلى الرغم من ذلك، فإن السياسات المتعلقة بالشخصية هي أمر مهم في الشرق الأوسط. لقد كان مبارك يشعر شخصياً بعدم الثقة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكنه ذهب الآن، وعليه فان تغير القيادة يمكن أن يوفر لطهران الفرصة لتغيير علاقاتها مع القاهرة. وفي ضوء ذلك فقد حاولت ايران منذ شهر فبراير/شباط 2011 اتخاذ إجراءات لاستعادة العلاقات مع تلك الفئة من المؤسسة العسكرية المصرية، التي تقوم الآن بدور الحكومة الانتقالية. ولعل من أهم هذه الخطوات هو تقديم طلب إيراني للسماح بمرور سفينتين حربيتين عبر قناة السويس، وهو أمر غير مسبوق. لقد ولد القرار المصري بالموافقة، افتراضات بوجود تقارب في الحقبة الجديدة، وتحول جذري يؤثر على أطراف إقليمية مهمة مثل العربية السعودية وإسرائيل وقوى عالمية مثل الولايات المتحدة.
أعطت القاهرة الضوء الأخضر شريطة أن لا تحمل السفن الحربية الإيرانية «معدات عسكرية أو مواد نووية أو كيماوية»، وعلى الرغم من أن المرور باتجاه البحر الأبيض المتوسط كان عادياً فقد مثل بداية جديدة لعلاقات دبلوماسية بين الدولتين. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الحكومة المصرية أنها «على استعداد لتبني وجهة نظر مختلفة حيال إيران. لقد كان النظام السابق ينظر إلى إيران باعتبارها عدواً ولكننا نحن غير ذلك». وبينما أخذت العلاقات بين القاهرة وطهران تأخذ منحنى دافئاً مما أقلق بشكل جدي كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودول الخليج، فقد تم اعتقال دبلوماسي إيراني في مصر في شهر مايو/ أيار 2011 لتمريره تقارير استخباراتية سراً إلى إيران؛ مما شكل جرعة جديدة من عدم الثقة ما بين الدولتين. وخلال شهر يوليو/تموز 2011 أبلغ نبيل العربي، وزير الخارجية المصري السابق، نظيره السعودي بأن «العلاقات مع إيران لن تكون على حساب علاقات مصر مع الخليج العربي أو على حساب أمنه واستقراره». وعبر نبيل العربي بذلك عما هو واضح وجلي، وهو ما قلل من أمل إيران المستجد بحدوث تقارب. وهنا يثور التساؤل: لماذا حاولت مصر إظهار وجود تبدل في السياسة تجاه إيران في بداية الحقبة التي تلت مبارك، عندما كان واضحاً أن ذلك سيؤثر على العلاقات المصرية مع حلفائها الدوليين الأساسيين؟ من الممكن القول بأن تغير لهجة مصر تجاه إيران لم تكن تستهدف إيران، وإنما كانت محاولة للحصول على نفوذ أكبر تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج والأردن. وعلى غرار مبدأ السياسة الخارجية لمبارك، فقد بدا أن الحكومة الانتقالية كانت مدركه لثمن التقارب الباهظ بين طهران والقاهرة. وعلى الرغم من أنهم لم يريدوا أن يستبعدوا تماماً أي احتمال للانفراج مع إيران، فإنهم كانوا مدركين للمضاعفات العميقة لأي دفء مع الجمهورية الإسلامية.
كانت الحكومة الانتقالية المصرية تقول بأنها موقتة، وبأنها ستكون عامل التغيير نحو الديموقراطية وتأسيس نظام تمثيلي في مصر. فهل يعني ذلك أنه سيكون ممكناً في ظل مصر الديموقراطية أن يكون لإيران فرصة أفضل للتقارب؟ والجواب باختصار هو النفي على أرجح الاحتمالات. فلا يوجد أولاً أي ضمان بأن تتم عملية التحول الديموقراطي في مصر بالمعنى الصحيح لهذه العبارة، كما لا يوجد ضمان بأن يقوم العسكر بالانفصال التام عن الحياة السياسية للدولة. ولا يوجد هناك أي تأكيد بأن تكون القوى الاقليمية والعالمية، مثل الولايات المتحدة الأميركية، قانعة بوجود ديموقراطية تمثيلية على حساب الاستقرار في أكبر دولة عربية. وثانياً، وحتى لو كان هناك انتخابات نزيهة وديموقراطية، فإنه لن يكون لدى القوى الجديدة انجذاباً قوياً نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وحتى في حالة وجود مصر ديموقراطية، فإن المنافسة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر ستستمر. إذا ما تفحصنا بشكل مختصر التركيبة السياسية الحالية في مصر، فإننا نستطيع القول بأن معظم القوى الاجتماعية السياسية الكبرى التي من المحتمل أن يكون لها شعبية انتخابية يعتد بها لا تكن تعاطفاً طبيعياً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. تشكل جماعة «الإخوان المسلمين»، أقدم وأكبر تنظيم إسلامي في مصر، وأصبحت الجماعة مشروعة وقانونية بعد سقوط مبارك. ومن بين المتنافسين الكثيرين في مصر ما بعد مبارك فإن «الاخوان المسلمين» يبدون الأكثر تعاطفاً تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد رحبت جماعة «الإخوان المسلمين» كثيراً بالثورة الإسلامية بعد سقوط الشاه، إلا أنه وبعد اغتيال السادات عام 1981 والتصعيد في التوترات ما بين القاهرة وطهران أخذت الجماعة موقفاً أكثر حذراً نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية... على الأقل في العلن. وعلى الرغم من تقدير «الإخوان المسلمين» لانتصار الثورة الإسلامية ـ التي وضعت الإسلام في مقدمة السياسات الإقليمية ـ، إلا أنها تشككت فيما يخص القواعد الفكرية للنظام في طهران. وفي شهر يناير/كانون الثاني عام 1982 صرح عمر التلمساني ـ زعيم «الإخوان المسلمين» حينها ـ لمجلة المصور الأسبوعية المصرية بالقول «لقد دعمناه (الخميني) سياسياً نظراً لأن شعباً مضطهداً استطاع الخلاص من حاكم مستبد واستعاد حريته، إلا أنه من ناحية عقائدية فإن السنة شيء والتشيع شيء آخر. وعلى الرغم من الاختلافات الدينية الواضحة، فإن شخصيات مهمة مثل محمد مهدي عاكف، قد أيدت بشكل علني موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ما يخص النزاع العربي ـ الإسرائيلي في الماضي القريب.
على الرغم من قيام «الإخوان المسلمين» في بعض الأوقات بتأييد الجمهورية الإسلامية بشكل نشط، فإن المرء لا يستطيع تخيل قيام «الإخوان المسلمين» بالدعوة إلى تقارب مصري ـ إيراني. لقد كان هذا التأييد انتقائياً، ولا يزالون متشككين بنفس السوية بارتبطات إيران المزعومة مع الأقليات الشيعية وغيرها من المجموعات السنية الراديكالية في الإقليم. وعليه، وحتى لو كانت هناك عملية انتخابية نزيهة، فالأرجح أن يتقاسم «الإخوان المسلمون» السلطة مع إسلاميين آخرين، أو مع فئات علمانية. أما المنافسون الآخرون الذين بدأوا بالظهور ـ وهم يشكلون منافسين مهمين على الصعيد الاجتماعي ـ السياسي، فهم «السلفيون» الذين لا يثقون بالتشيع من ناحية دينية وعقائدية. وعليه فليس من المحتمل أن يتوجهوا بشكل دافئ تجاه طهران على حساب علاقاتهم الطبيعية مع منافسي إيران مثل العربية السعودية. والعداوة بين «السلفيين» المصريين وإيران واضحة على عدة مستويات، وعلى سبيل المثال فقد أعلنت وزارة السياحة المصرية في يونيو/حزيران 2011 عن احتمال إجراءات لتسهيل عودة السياحة الإيرانية إلى مصر. وفوراً قام «السلفيون» بشجب هذه الأخبار، حيث أعلن خالد السيد، الناطق السلفي بأن «السياحة الإيرانية ستنشر الفساد في مصر عن طريق نشر المبادئ الشيعية التي تخالف الفكر السني»، ذلك في الوقت الذي لا توجد فيه قوة علمانية واضحة تسعى بشكل نشط لإعادة العلاقات مع إيران. وعلى الرغم من تشرذم الأحزاب العلمانية، يوجد لها قواعد معقولة الحجم. وفي هذه المرحلة توجد أدلة ضئيلة على وجود قوة علمانية ملحوظة يمكن أن تكون متعاطفة مع إيران... على المستوى القصير على الأقل.
.... محاضر في جامعة دورهام ـ انكلترا
 
ثقة غير متبادلة بين إيران ومصر!(2)
افشين شاهي
يلقي عامل الاقتصاد، بظلاله أكثر من أي قضية أخرى على العلاقات الإيرانية ـ المصرية في المستقبل. هناك أسس للقول بأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة الآخذة بالظهور في مصر، والطلب الحثيث للاستثمارات الاجنبية سيؤثران على السياسة الخارجية المصرية لسنوات قادمة. لقد أثبتت «الانتفاضة الشعبية» لإسقاط مبارك أنها كانت مكلفة جداً للاقتصاد المصري، حيث تأثر الاقتصاد المصري بشكل سيئ نتيجة لعدم الاستقرار. وهناك تقديرات متباينة، إلا أن بعض التحليلات يذهب إلى الافتراض أن كل يوم من أيام الاحتجاجات الثمانية عشر قد كلف الاقتصاد المصري مليار دولار من الرساميل الخارجة؛ حيث قام المستثمرون الأجانب بسحب أموالهم. كما أثر عدم الاستقرار على البنية التحتية والسياحة التي تشكل 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و10 في المئة من الوظائف. وتقدر المصارف الخسارة الكلية للاقتصاد المصري بما يزيد على 30 مليار دولار. أظهر مسح أجرته «رويترز»، قبل وصول «الربيع العربي» إلى مصر، مع محللين نمو الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 5,4 في المئة خلال عام 2011، الأمر الذي يعني أسرع نسبة نمو لبلد عربي بعد قطر. تنبأت الحكومة المصرية بنسبة نمو تبلغ 6 في المئة، أما الآن فإن معظم المحللين يتوقعون نسبة نمو ما بين واحد واثنين بالمئة لهذه السنة، الأمر الذي يعني وجود مشاكل خطيرة في الاقتصاد المصري في فترة ما بعد مبارك. أخذ تدهور الاقتصاد الوطني، الذي أثر بشكل سيئ على الطبقات الاجتماعية المختلفة، في الضغط على النظام الحاكم. وعليه فإن أية حكومة تستلم السلطة في القريب العاجل، ستجد أن الاقتصاد هو القضية الأصعب الأولى الواجب مواجهتها. ستعتمد أي حكومة عاقلة، بسبب هذا الاقتصاد الذي يقصم الظهر، على استثمارات أجنبية مهمة سواء من دول الخليج أو الولايات المتحدة الأميركية أو من المنظمات التي يقودها الغرب مثل «صندوق النقد الدولي». وليس سراً أنه قبل أو بعد الانتفاضة، فإن الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الخليج قد اتخذت إجراءات نشطة لإحباط أي نوع من التقارب مع إيران وسيستمرون في القيام بذلك. ونظراً لأن مصر ستزداد تبعية من ناحية اقتصادية، فإنها لا تستطيع المجازفة بعلاقاتها مع دائنيها الحاليين أو المستقبليين. وعليه فإن السياسة الخارجية المصرية ستبقى متأثرة مباشرة بأوضاعها الاقتصادية، ما يعني عدم استفادة إيران من الضعف الاقتصادي المصري. وأخيراً، وليس آخراً، فهناك احتمال بأن يدفع التحالف التركي ـ المصري الجديد بإيران إلى اتخاذ وضع دفاعي. وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا تمارس سياستها «تصفير المشاكل»، فإنها طورت علاقات أكثر دفئاً مع إيران. وخلال شهر مايو/أيار 2010 حاولت تركيا والبرازيل العمل كوسيطين لحل مشاكل إيران النووية عبر «صفقة» مع المجتمع الدولي، وعلى الرغم من عدم قبول «الصفقة» فقد كانت خطوة جديدة في العلاقات الإيرانية ـ التركية. لكن ومنذ بداية العام 2011، أخذت إيران تنظر بشكل متزايد إلى تركيا على أنها منافس. كما أن طهران غير مرتاحة لسياسة تركيا الخارجية التي تثبت وجودها في المنطقة، وتشعر طهران بأن أنقره قد تقدمت عليها من عدة نواح في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. وتعمق هذا الشعور في سبتمبر/ أيلول 2011 عندما أعلنت تركيا عن رؤيتها الجديدة للشرق الأوسط، وهو ما زاد من عدم ارتياح إيران في ظل التحديات السياسية الإقليمية المتزايدة.
ابتكرت تركيا خطة استراتيجية جديدة لتحالف جديد مع مصر، ومن شأن هذا أن يغير قواعد اللعبة، حيث ان مصر وتركيا تمثلان اثنتين من أكثر دول الشرق الأوسط كثافة سكانية مع قوة عسكرية عظيمة، وقد تشكلان بالتالي محور قوة جديدا في الشرق الأوسط. وضمن هذا أعلن داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، أن «هذا لن يكون محوراً ضد أي بلد آخر... ليس ضد إسرائيل وليس ضد إيران وليس ضد أي بلد آخر. انه سيكون محوراً للديموقراطية... الديموقراطية الحقيقية... التي ستكون محوراً لديموقراطية لبلدين كبيرين في منطقتنا، من الشمال إلى الجنوب ومن البحر الأسود نزولاً إلى وادي النيل في السودان». وعلى الرغم من أنه أوضح بكل جلاء أن هذه الشراكة ليست ضد إيران، فإن الأخيرة ستنظر إلى ذلك على أنه يمثل انتقالاً محتملاً لميزان القوة الإقليمي وكتهديد آخذ بالظهور لمكانتها. وفي الحقيقة فإنه إذا تحققت رؤية السياسة الخارجية التركية الجديدة، فإنها ستلقي بظلالها بشكل جدي على مستقبل العلاقات الإيرانية ـ المصرية.
الخلاصة
أوجد سقوط مبارك ضمن سياق «الربيع العربي» إطاراً جديداً للتقارب بين طهران والقاهرة، وحاولت طهران اتخاذ إجراءات لإعادة العلاقات مع تلك الفئة من المؤسسة العسكرية المصرية التي تقوم حالياً بالعمل كحكومة موقتة. وكانت إحدى الخطوات الرمزية تقديم طلب للسماح بمرور سفينتين حربيتين عبر قناة السويس، فتم قبول الطلب الإيراني، وأعلنت الحكومة المصرية الانتقالية عن نهج جديد نحو إيران في «المرحلة الجديدة». لكن سرعان ما اتضح أن تغير لهجة مصر الأولية نحو إيران لم يكن موجهاً بالضرورة نحو إيران، بل كان محاولة للحصول على تنازلات أكبر من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج والأردن. وعملاً بمبدأ سياسة مبارك الخارجية، فقد بدا أن طبقة الحكام الجدد كانوا مدركين ثمن التقارب بين طهران والقاهرة، وعلى الرغم من أنهم كانوا لا يريدون استبعاد أية امكانية للانفراج مع طهران؛ إلا أنهم كانوا مدركين المضاعفات العميقة لهذا العمل. وعدت الحكومة الانتقالية بأنها ستكون انتقالية وتعهدت بتمهيد الطريق نحو الديموقراطية. وبفحص التركيبة السياسية الحالية في مصر، فإن هذه الورقة قد اقترحت ما يفيد بأن راسمي سياسات مصر المستقبلية يميلون نحو الابتعاد عن طهران أكثر من التقارب معها. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كلفت الإطاحة بمبارك الاقتصاد المصري ما يربو على 30 مليار دولار، وعليه فإن على أي حكومة مستقبلية الاعتماد على الاستثمار الخارجي من دول الخليج والولايات المتحدة أو من المنظمات التي يقودها الغرب مثل «صندوق النقد الدولي».
ونظراً لأن مصر ستكون أكثر تبعية من الناحية الاقتصادية، فإنها لا تستطيع الإخلال بعلاقاتها الدافئة مع دائنيها الحاليين وفي المستقبل. وبالتالي يصبح قيام مصر بتطبيع العلاقات مع إيران على حساب الإخلال بعلاقاتها الاساسية مع الفاعلين المؤثرين الإقليميين والدوليين أقل احتمالاً. ستظل أوضاع مصر الاقتصادية بالغة الصعوبة تلقي بظلالها على سياستها الخارجية، وتقلل من امكانية استفادة إيران من أوضاع مصر الاقتصادية الضعيفة. وفوق ذلك، فإن القلق الدولي المتزايد من سياسات إيران النووية، سيكون عاملاً مؤثراً على القرار المصري الخاص بمراجعة علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية. لن يسهم تصاعد التوتر مؤخراً بين إيران والدول العربية - السعودية بشكل خاص -، في إحداث تقارب سريع بين إيران وأكبر دولة عربية في المنطقة. وأخيراًو وليس آخراً، فإن تركيا الهادفة إلى إقامة تحالف استراتيجي مع مصر ستدفع بإيران نحو وضع دفاعي، وتجعل تعميق عدم الثقة بين إيران ومصر في المنطقة أكثر احتمالاً.
([[) محاضر في جامعة دورهام ـ إنكلترا.....

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,629,594

عدد الزوار: 6,998,176

المتواجدون الآن: 97