العرب وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي

تاريخ الإضافة الأحد 25 آذار 2012 - 6:44 ص    عدد الزيارات 927    التعليقات 0

        

 

العرب وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي
احمد ابراهيم
إن قصة الصراع بين الحرية والاستعباد هي أروع ما في التاريخ البشري، لأنها تلخص يقظة الإنسان، يوم أفاق على إنسانيته وحقوقه، فثار على الظلم والاستبداد لتحقيق حريته وكرامته وحقوقه الطبيعية ككائن بشري. وقد حصلت ثورات وارتفعت أصوات في التاريخ تنادي بهذه الحقوق: نادى بها ابن الخطاب الخليفة الثاني عندما قال «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وقالها الخليفة الرابع علي بن أبي طالب عندما أعلن ان الناس «إما إخوة في الدين وإما إخوة في الخلق»، «اي الانسانية». لكن المطامح والصراع على السلطة قضت على الاول طعنا وعلى الثاني استشهاداً. ومنذ ذلك التاريخ ذرّت الفتنة بقرنها، واشتد الصراع الذي حسمه معاوية عندما وقف أحد عملائه الأمويين في المسجد الكبير في دمشق عام 661م وصاح بأعلى صوته «إن بيعة الخلافة لمعاوية ومن بعده لولده يزيد» ثم شهر سيفه في الهواء قائلاً: «أما هذا السيف فلمن لا يبايع».
لقد أصبح أمن السلطة يتداخل مع مصلحة لمجتمع بدون أي اعتبار لكرامة الفرد وحريته وحقوقه المشروعة وبدون أي اعتبار لشريعة أو أخلاق سوى شريعة طاعة السلطان والخضوع له ظالماً كان أو عادلاً، ولم يعد هنالك لا بيعة ولا شورى. وكان ولا يزال لكل سلطة أداة تمسكها بالقمع والبطش والقتل على الشبهة. وقد شكل الحجاج في العهد الأموي هذه الأداة الصلبة، ثم أصبح للسلطة المعاصرة ألف حجاج وحجاج من عيون وآذان وجلاوزة.
ومنذ ذلك التاريخ، أي منذ النصف الثاني من القرن السابع، لا تزال السلطة في عالمنا العربي بعيدة عن مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، وقد ارتدى بعضها رداء الدين وروّج لها شيوخ السلطان فحرّموا ما حرّمت وحلّلوا ما حلّلت.
لقد نشأت أنظمة عربية توظف الدين للحد من الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد والفكر والتعبير وتوظيف القضاء في هذا السياق. ولم تعرف معظم هذه الأنظمة بعد طريقاً للتداول السلمي للسلطة. فالدول العربية: إما محكومة بأسر ملكية تملك وتحكم بسلطات مطلقة أو بجمهوريات تتوارث الحكم داخل المؤسسات العسكرية أو العائلية. وغالباً ما يجري التلاعب بالدستور، حيثما وجد، فيعدّل لمرة واحدة، ثم تتكرر المرة الواحدة لمرات ليعاد تفصيل الدستور بما يوائم تكريس استمرار الرئاسات لمدد أطول، أو للتجديد لمدى الحياة. أما الانتخابات العامة فيجري التلاعب فيها بمختلف الوسائل: تشريعية وأمنية وإدارية، وعمليات تزوير إرادة الناخبين، وأحياناً منع الناخبين من ممارسة حقهم، وحتى منع المرشحين الذين لا ترضى عنهم السلطة بتقديم ترشيحهم.
ولا ننسى ما تقوم به بعض الدول العربية من التضييق على جمعيات حقوق الإنسان. وقد رفض بعضها الانضمام إلى الاتفاقات الدولية التي تحمي المدافعين عن هذه الحقوق كالإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان لعام 1998، وقد تحفظت عليه معظم الدول العربية. إضافة إلى ذلك، انعدام الإرادة في إجراء إصلاحات تتعلق بأنظمة الحكم وحقوق الإنسان والحريات العامة، حتى أن المؤسسات الدولية لا تصنّف أي دولة عربية كدولة ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان. لهذه الأسباب واجهت وتواجه هذه الدول الآن حركات مقاومة واحتجاجات غير مسبوقة، استطاعت أن تطيح بالنظام في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن، وتحاول اقتلاع أنظمة أخرى لا تزال تقاوم الثورات الشعبية.
لقد كان لثورة الاتصالات وتطور تكنولوجيا التواصل بين الشعوب، وما أدى إليه من عولمة وإزالة الحدود والحواجز تقريباً بين الدول حتى أصبح العالم قرية كونية، كان لكل ذلك أثر في احتكاك الشعوب العربية مع ما توصل إليه الغرب من حقوق للإنسان والدساتير والحريات الأساسية منذ بدايات عصر النهضة في القرن السابع عشر.
لقد شكك البعض بنجاح هذه الثورات، التي أطلق عليها اسم الربيع العربي، في تحقيق طموحات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة بسبب أعمال العنف واستمرار الاحتجاجات حتى بعد سقوط الأنظمة. ومن المعروف تاريخياً أن الثورات تمر بمراحل وتقلبات قبل أن تستقر على وضع معيّن. وقد ذكر لنا التاريخ أن الثورة الفرنسية التي قامت ضد الاستبداد الملكي قد مرّت بمرحلة من الاستبداد أشد، مثلها نابليون الذي نصّب نفسه امبراطوراً عليها والذي غزت جيوشه أوروبا وأخضعها وجعل إخوته حكاماً عليها، ثم عادت الملكية إليها وأخيراً استقرت على نظام جمهوري برلماني كان ولا يزال قدوة للعالم. أما ثورة كرومل في انكلترا التي قامت لحماية البرلمان فقد جعل البرلمان ألعوبة بيديه. ولا ننسى أن الديمقراطيات الغربية فقد أنتجت النازية والفاشية في مرحلة من مراحلها ثم استقرت على ما هي عليه اليوم من حرية وحقوق وكرامة للإنسان.
ونعود إلى السؤال هل عرف العرب أنظمة حقوق الإنسان؟ إن الدول الأوروبية والأميركية والأفريقية قد أنشأت أنظمة متكاملة لحقوق الإنسان عن طريق إنشاء لجان ومحاكم تنظر في الشكاوى التي ترفع إليها من الحكومات ومن الأفراد على السواء. أما الوضع في العالم العربي فلم يتجاوز حد المواثيق ولم ينشئ محكمة عربية لحقوق الإنسان، وكان أقصى ما توصل إليه هو الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أقرته القمة السادسة عشرة في تونس عام 2004.
أما على المستوى الوطني، فان الدول العربية ملزمة بتنفيذ المواثيق والاتفاقات الدولية مع تحفظ بعضها على بعض البنود التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية أو من شأنها إلزام الدولة بالاعتراف بإسرائيل.
وفي مطلق الأحوال فإن وضع حقوق الإنسان في العالم العربي لا يعبّر عن طموحات وآمال القانونيين الأوائل الذين لعبوا دوراً بارزاً في موضوع حقوق الإنسان ونذكر هنا الدكتور شارل مالك ودوره في لجنة حقوق الإنسان التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 1944 وفي صياغة هذا الإعلان حيث كان الدكتور شارل مالك مقرراً للجنة. وفي هذا السياق نشير إلى الخلاف الحاد بين أفكار مقررها الدكتور شارل مالك المستندة إلى التعاليم المسيحية وقيم الشرق الإنسانية، وبين آراء مندوب الصين سينغ شون شانغ الكونفوشية. كانت نظرية شارل مالك أن حقوق الإنسان هي في ذات وجوده وكيانه وطبيعته بينما كان شانغ ينادي بأن الارتقاء بالإنسان يتم فقط من خلال تحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. وفي النهاية انتصرت نظرية مالك المرتكزة على القانون الطبيعي وقد تبناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
والخلاصة أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان من شأنهما بناء الثقة بين الفرد والدولة، التي يعيش في كنفها ويوطدّان السلام والتماسك الاجتماعي داخلها.
والمثل واضح في الدول التي تحترم حقوق الإنسان والتي أنشأت لجاناً وحاكم يلجأ إليها المواطن إذا شعر بأن حقوقه قد انتهكت، أيّاً كانت هذه الحقوق، هذه الدول يسود فيها الاستقرار والسلام الاجتماعي، في حين إن الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان ولا تعبأ بالمعايير الدولية لحماية هذه الحقوق، تعيش هاجس الاضطرابات وفقدان الثقة بين المواطن والسلطة.
ومن الواضح أيضاً أن الديموقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحد. فبموازاة الديموقراطية خطت الدول المتقدمة خطوات واسعة في مجال حقوق الإنسان وساهمت على المستوى الوطني ومن خلال القانون لدولي في جعل هذا العصر عصر حقوق الإنسان بامتياز. وعلى حكوماتنا في العالم العربي ان تدرك ان العالم تغير وأن لا بد لها من أن تتغير لتواكب العصر، فقد انتهى عصر الاستبداد والديكتاتوريات والسلطات المطلقة وحمايتها مرهونان بتكاتف المواطنين ومنظمات المجتمع المدني التي تتعاظم قوتها وكان لها لدور الأساسي في ما نشاهده اليوم من ثورات واحتجاجات في عالمنا العربي.
([) أمين سر منتدى سفراء لبنان

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,840,943

عدد الزوار: 6,968,216

المتواجدون الآن: 81