يوميات عائلات دمشقية.. الثورة قلبت حياتهم اليومية 180 درجة

تاريخ الإضافة الإثنين 26 آذار 2012 - 6:06 ص    عدد الزيارات 773    التعليقات 0

        

 

يوميات عائلات دمشقية.. الثورة قلبت حياتهم اليومية 180 درجة

بيروت - لندن: «الشرق الأوسط»

نظرت «هالة» إلى هاتفها الجوال عندما وصلت إليها رسالة نصية من دار سينما تتضمن قائمة بأسماء الأفلام الجديدة، قرأتها وحذفتها على عجل، لتتابع كلامها مع صديقتها، دون حتى أن تخبرهن بمضمون الرسالة، كما جرت العادة مع صديقاتها اللائي يشاركنها الاهتمامات ذاتها.. مسرح، سينما، حفلات.
هالة طالبة جامعية من أشهر عدة فقدت اهتمامها بجديد الأفلام والمسرح وحفلات الموسيقى، تغير نمط حياتها اليومي؛ فمن حيث لا تدري وجدت نفسها «ناشطة في الثورة» مهمومة بأخبار المظاهرات والاعتقالات.. «مع أول مشاركة لي بالمظاهرات مع زملائي تحولت إلى شخص آخر» تقول هالة.
اعتقلت لأيام معدودة خلال نشاط طلابي، لكنها تجربة غيرت مسار حياتها «الإحساس بالحرية الممزوج بالقلق والخوف من الملاحقات يصبغ أيامي»، لكنها متفائلة بما يجري في البلاد وتعتبره «شيئا عظيما جدا»، والأعظم من ذلك «مشاركتنا في صنعه».
* الأمر لا يبدو بهذه المثالية بالنسبة لديما الموظفة والأم لولدين، التي تقدم نفسها كشخص محايد، وترى أن غالبية السوريين فقدوا الإحساس الطبيعي بالحياة، هي مثلا يحكمها قلق دائم على أسرتها (ولدين 19 و14 عاما وزوج). منذ بدأت تتقطع أوصال المدينة بالحواجز فرضت على ولديها العودة مبكرا إلى المنزل.
الابن الأكبر في السنة الأولى بالجامعة ألغى اشتراكه بالنادي الرياضي، وكان يرتاده مساء بعد الانتهاء من الدراسة، كما ألغى اللقاءات المسائية مع رفاقه بعد الساعة التاسعة. الابن الأصغر قلل عدد الساعات التي يقضيها مع رفاقه في مقاهي «النت» مساء وقلص فترة التنزه مساء، وبات الولدان ملزمين بالعودة مبكرا وتمضية وقت الفراغ أمام شاشة التلفزيون أو السهر افتراضيا مع الأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لساعات طويلة، إذا كان ذلك متاحا، بوجود التيار الكهربائي.
ديما الموظفة لم يعد لديها ما يكفي من الوقت لممارسة حياتها الاعتيادية، بالكاد تطبخ بعد العودة من العمل، وباقي الوقت تأكله الاتصالات لملاحقة حركة أفراد أسرتها والاطمئنان على الأهل والأصدقاء في المناطق الساخنة. تقول: «حتى عندما أكون في البيت وأولادي أمامي لا أشعر بالأمان» ذهني دائما مشغول قلقة على حياة زوجي، فمكان عمله في ريف دمشق وسط منطقة ساخنة، وطريق الذهاب والإياب ليس آمنا. سابقا كان يمضي فترة الغداء واستراحة القيلولة في البيت من الساعة الرابعة إلى السادسة والنصف مساء، ليذهب مجددا إلى عمله ويعود في ساعة متأخرة، لكن منذ بداية الأحداث ألغى الاستراحة وصار عمله فترة واحدة من الصباح ولغاية السادسة مساء. وعلى الرغم من ذلك فلديه وقت فراغ طويل مساء. لا يعرف ماذا يفعل خلاله، خاصة إذا انقطع التيار الكهربائي، وتنحصر خيارات تمضية هذا الوقت إما بالتمشي في الحارة أو زيارة الجيران، لأن زيارة الأقارب والأهل في المناطق البعيدة باتت صعبة في المساء.
وتتابع ديما أن زوجها كان سابقا يقترح عليهم الذهاب لتناول عشاء في المطاعم المنتشرة في ريف دمشق أو زيارة الأهل، أو التنزه يوم الجمعة، لكن كل ذلك تم حذفه من أجندة النشاطات العائلية، فلم يعد هناك ما يسمى «سيران» يوم الجمعة بعد أن استحوذت عليه المظاهرات، ومعظم سكان العاصمة اكتفوا بتخصيصه «لتناول وجبة فطور (فول وفتة) في البيت»، وتبادل الزيارات مع الجيران وقت انقطاع الكهرباء.
* أيمن معلم رياضيات، أبدى انزعاجه الشديد من العادات الجديدة التي تطرأ على حياته الاجتماعية، فقد اعتاد القراءة مساء أو متابعة فيلم في التلفزيون، لكن مكوث الجيران في منزلهم لساعات طويلة خلال انقطاع الكهرباء يكاد يقضي على هذه العادة ويحوله إلى «رجل متقاعد بالإكراه يتبادل الأحاديث مع جيران لا يتفق معهم غالبا في الرأي، ولا يثق بهم حين الحديث عن الهموم المعيشية اليومية كي لا يخوض معهم في الحديث عن الثورة».
المظاهرات في مختلف أرجاء البلاد، بما فيها الأحياء المتطرفة في العاصمة دمشق، والانفلات الأمني في بعض المناطق، وقطع الطرق ونصب الحواجز والتفتيش على الهويات أرخى بظلاله الثقيلة على السوريين.
* لين من درعا، وصديقها فادي من حمص، زميلان في جامعة دمشق، من ثلاث سنوات ولكن حبهما اشتعل خلال الثورة فتأثرا بها. وتلقائيا صارت مواعيد لقاءاتهما تضبط بحسب الأحداث، فعندما يشتد القصف على حمص أو درعا يمضيان الليل على (التشات) أو بالهاتف يحاولان التخفيف من قلقهما، والأماكن التي اعتادا الذهاب إليها كجبل قاسيون أو الحدائق العامة وسط المدينة أو في مناطق ريف دمشق التي سقطت تباعا مع ازدياد الحواجز.
تقول لين: «آخر مشوار لنا إلى قاسيون كان من نحو شهر، عندما أوقفنا الحاجز عند أو طريق الجبل، ووجه الجنود فوهات البنادق إلى السيارة وهم يطلبون منا إشهار هويتنا الشخصية، شعرت بأن هذا سيكون آخر مشوار إلى هناك. كما أن استعمار رجال الأمن للحدائق العامة يثير اشمئزازي، والحال ليس أفضل في المقاهي حيث يحاصرنا عناصر الأمن بملابس مدينة من كل جانب، فلا ندري إلى أين نذهب وكيف نلتقي».
بينما يشكر فادي الثورة، لأنها ألهبت مشاعر الحب لديه، لكنه يشير إلى أن حديثه مع صديقته يوما بعد آخر، يتجه لينحصر بشؤون السياسة «كلانا فقد الاهتمام بأي شيء آخر».
* إذا كانت المظاهرات السلمية قد استحوذت على يوم الجمعة في الأشهر الأولى من الثورة، فإن الثوار المسلحين (الجيش الحر) تقاسموا مع قوات الجيش النظامي والأمن والشبيحة باقي الأيام، فللجيش الحر الليل ولهؤلاء النهار، ليس في دمشق وحدها بل في غالبية المناطق. وبين هذا وذاك باتت العائلات في منازلها ليلا ونهارا في سجن اختياري. الأسبوع الماضي لم ينم أهالي حي المزة بسبب أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص الكثيف لعد ساعات بعد منتصف الليل.. وصار ليلهم كنهارهم.
* أحمد، سائق تاكسي، اقترح أن يتم تغيير اللوحة الموجودة عند مدخل المدينة «دمشق ترحب بكم»، وكتابة «عش المجانين يرحب بكم».. يقول: «أشعر بأن دمشق تُجنّ، فيوما تكون هادئة صامتة صمت المقابر، ويوما تكون مزدحمة وصاخبة وشجاعة، وآخر قلقة مذعورة»، لافتا إلى أن الازدحام سببه أهالي المحافظات الذين نزحوا إليها، وتساءل: «لا نعرف إلى متى ستستطيع دمشق امتصاص كل هذا الضغط، مما أدى إلى جنون في الأسعار».
ليست الثورة هي التي غيرت إيقاع الحياة اليومية في البلاد، بل «سياسات الحكومة الرعناء»، بحسب السائق أحمد.
يرى اقتصاديون أن نسبة إنفاق السوريين تقلصت عن السابق وستتقلص في الأيام المقبلة في ظل انخفاض معدلات الدخل، وارتفاع الأسعار وفقدان سوق العمل لعدد كبير من العاملين. وبالإضافة للأسباب الأمنية واضطراب الأوضاع في البلاد، فإن تراجع القدرة الشرائية أثر على كثير من مناشط الحياة. وتبدو غالبية المطاعم في ليل العاصمة فارغة إلا من عدد محدود من الناس. أحيانا كثيرة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. قلة من المطاعم الصغيرة والمقاهي في المناطق الهادئة وسط المدينة تخلو تماما من الرواد مع اقتراب الساعة من الحادية عشر ليلا، بينما كانت قبل عام يحتاج مرتادوها لحجز مسبق.
* ديما، على سبيل المثال، شطبت المطاعم من قائمتها بعد أن كانت تصطحب عائلتها وأصدقاءها إليها كل أسبوعين مرة. لسبب بسيط هو أن المال لم يعد يكفي لديها لتأمين المستلزمات المعيشية اليومية، هذا فضلا عن «الإحساس بالذنب لدى التنزه والاستمتاع بالوقت، بينما هناك سوريون آخرون يقتلون سواء من الموالين للنظام أو المعارضة». وتؤكد: «صرنا نضبط إيقاع حياتنا على نشرات الأخبار، لم نعد نستمتع بعطلة أو بزيارة أو بنزهة ولا حتى بالطعام، يكفي أن تشاهد مناظر أمهات الضحايا حتى تفقد الشهية». وتحمل ديما المسؤولية للمتظاهرين، وتقول إنهم «وضعوا حريتهم مقابل الأمان، فلم يربحوا الحرية وخسرنا الأمان».
* هالة كفت وأصدقاؤها في الجامعة عن ارتياد المقاهي لأسباب اقتصادية أيضا، لأنهم اتخذوا قرارا بتوفير ما قد ينفقونه على الترفيه والمقاهي لمساعدة المحتاجين: «أهلنا المتضررون في المناطق الساخنة أحق بكل قرش ننفقه في المقاهي ليذهب إلى جيوب أبناء المسؤولين ورؤساء الفروع الأمنية»، بحسب هالة. وتضيف: «معظم أصحاب المقاهي من الشبيحة، لا سيما المقاهي الحديثة».
* لم يستطيع حامد ابن الـ12 عاما الذهاب لزيارة أصدقائه يوم السبت الماضي وتمضية بعض الوقت كما اعتاد في أيام العطل. والدته رفضت أن يخرج من البيت بينما أخبار الانفجار الذي هز مدينة دمشق ما زالت تتردد على الألسنة.
الأم التي صارت تتناول حبوبا مهدئة بشكل دوري وتتظاهر بالتماسك النفسي أمام أبنائها، ازداد حرصها على ولديها حامد وعلاء بعد اندلاع الثورة في البلاد ومقابلتها بحملات القمع والاعتقال من جانب النظام. لكنها في الفترة الأخيرة، وتحديدا بعد دخول العاصمة السورية بقوة في أجواء المظاهرات الاحتجاجية، ارتفع مستوى توترها وصارت تنتظر ولديها على الشرفة لتتأكد من وصولهما. تقول أم علاء: «منذ البداية أقف بجانب الثورة وأعارض هذا النظام الديكتاتوري القمعي. حين اندلعت أولى المظاهرات في درعا عرفت مبكرا أن نظام الأسد سيقمع أي احتجاج ضده بالقوة، لكنني صدمت للوحشية التي أظهرها هذا النظام المجرم عبر سنة من الثورة».
في طريق عودته من الجامعة حيث يدرس علاء الهندسة الميكانيكية، وهو الابن الأكبر للعائلة، يعرّج الشاب العشريني مع مجموعة من أصدقائه الذين يناهضون نظام الحكم إلى بعض الأزقة الضيقة يخرجون من حقائبهم الجلدية علب بخاخ (دهان) ويرسمون على الجدران شعارات معارضة للرئيس بشار الأسد تدعوه للرحيل.
يقول علاء: «كنا في السابق وبعد انتهاء دوام الجامعة نذهب إلى أحياء الشعلان والمالكي لمشاهدة الفتيات الجميلات. الآن، صرنا نذهب إلى الأحياء التي تخرج فيها مظاهرات معارضة، وحين يمنعنا الأمن الذي يرابط على مداخل هذه الأحياء من الدخول، نستعيض عن ذلك بالكتابة على الجدران أحياء أخرى».
ويقول الشاب الذي اعتقل الأمن أعدادا كبيرة من زملائه: «الكتابة على الجدران صارت عادة يومية عند الشباب الدمشقي».
الابن الصغير حامد، الذي يذهب إلى مدرسته يوميا ويسخر مع زملائه من كلمات الأساتذة، الذين صاروا يبدأون حصصهم الدراسية بالأحاديث الوطنية و«حب البلاد وقائدها ومحاربة الإرهاب والتطرف الذي تدعمه أميركا والصهيونية العالمية». صار يشعر بالملل والضجر بسبب جلوسه طوال الوقت في المنزل «حتى النادي لم أعد أذهب إليه، أمي تقول لي: حين تنصلح الأحوال الأمنية تذهب أينما شئت».
الصبي الذي لم يتجاوز الثانية عشرة يعرف أن هناك ثورة عارمة في البلاد للإطاحة بالنظام السياسية، لكن توصيات أمه بعدم الكلام في السياسة أمام زملائه يدفعه دائما للحذر من الإدلاء برأيه المعارض لنظام الحكم.
* بائع الشرقيات في سوق الصالحية، الذي يعلق صورا لزعماء إيران وأمين عام حزب الله، لا يكل ولا يمل من تمني الهلاك للثوار الذين ينعتهم بـ«الفوار»، ويتهمهم بأنهم خربوا البلد.. «متى سيفرجها الله علينا وتعود حياتنا كما كانت؟! الله يخرب بيتهم كما خربوا بيوتنا، ما عاد لشيء أي طعم». ويشكو من الاضطرار لإغلاق محله قبل ساعتين كي يذهب إلى بيته في وقت باكر قدر الممكن.
القلق والرعب يعيشهما يوميا بسبب متظاهرين يضايقونه بسبب مواقفه الموالية للنظام، حيث يتهمونه بالتبليغ عنهم. «اضطررت لتغير مسكني مرتين»، وهو متأكد أن القيادة ستسحقهم، وليس لديه أدنى شك في قوة النظام. ويتساءل مرددا كلام الشبيحة: «يريدون حرية؟ هذه هي الحرية.. انعدام الأمان وتدمير البلاد».
* رامي (30 عاما) يعمل في ورشة صناعة أثاث منزلي في الغوطة الشرقية، ويسكن وسط العاصمة، يرى أن الفساد والسياسات الاقتصادية المتخبطة في مواجهة الأزمة زادت الطين بلة و«عطلت مصالح» الناس حيث تراجع العمل كثيرا؛ فهو واحد من الأشخاص الذين صاروا عاطلين عن العمل بعد سرقة واحتراق الورشة التي يعمل بها أثناء واحد من اقتحامات قوات النظام للمدينة التي يعمل فيها. أحلامه تبخرت؛ فبعد أن كان يحلم بالزواج والاستقرار صار كل همه تأمين قوت يومه ومساعدة والديه لتأمين الحد الأدنى من المستلزمات المعيشية.
يقول: «من أزمة إلى أزمة وجدت نفسي في قلب الثورة.. في البداية لم يكن هناك مازوت للتدفئة، انتهى الشتاء القاسي دون الحصول على ما يكفي لرد البرد، ثم أزمة الغاز ثم أزمة الكهرباء، ثم التوقف عن العمل وما يتبع ذلك من أزمات أخرى صغيرة». ويتساءل بعد كل ذلك: «هل بالإمكان عيش الحياة بشكل طبيعي؟».
خطيبته تركته بعد مشاجرة مع أشقائها بسبب موالاتهم للنظام، و«اتهامه بتشجيع الإرهابيين الذين يدفعون البلاد إلى الخراب». رامي الذي حرص في البداية لعدة أشهر على البقاء على الحياد والنجاة بنفسه وجد نفسه إلى جانب الثوار، فهم جيرانه بالعمل وأصدقاؤه.. «لم أختر الثورة بل هي اختارتني». وكان ذلك عندما حاول إسعاف صديق أصيب أثناء تفريق لإحدى المظاهرات.. «شاهدت دماغ صديقي (مطروشا) على الأرض.. دماؤه بللتني، لم أحتمل دموع والدته وتخيلت أمي مكانها».
لا يبدي رامي أسفا على فسخ خطوبته وتخليه عن أحلامه بعدما عاين الموت وخبر إحساس الحرية، ويقول: «الموت ولا المذلة هذا ما تعلمته من أهالي الغوطة الشرقية الذين عاشرتهم وخبرت طيبتهم ونخوتهم ورأيتهم يتعرضون لظلم رهيب». ويضيف: «لن أتراجع عن دعمي لهم». لذا فهو غير مكترث بانقلاب حياته 180 درجة، بل يرى في ذلك تصحيحا لنمط حياته الخاطئ: «لقد أصبح لحياته معنى، فمع أنني خسرت عملي لكن مكانتي الاجتماعية ارتقت».
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,809,585

عدد الزوار: 6,967,124

المتواجدون الآن: 59