إلى أين تأخذنا لعبة الأمم ؟ (1/2)

تاريخ الإضافة الخميس 29 آذار 2012 - 6:13 ص    عدد الزيارات 940    التعليقات 0

        

 

 
إلى أين تأخذنا لعبة الأمم ؟ (1/2)
تبدو العودة إلى الدين في العالم الغربي محاولة لتدارك سلبيات الحداثة، بينما المغالاة في التديّن في المجتمعات الإسلامية كانت نتيجةً للفشل في إدراك الحداثة ذاتها! ليس الهدف الآن تقييم ظواهر التدين في ذاتها وإنما محاولة إدراك الصلة بين هذه الظواهر الدينية وتوظيفها السياسي في إطار فصلٍ جديد من لعبة الأمم. ولأن فهم النتائج (التوظيف السياسي للظاهرة) لا يتمّ من دون إدراك الأسباب فمن الضروري أن نواصل البحث عن أسباب تصاعد الظاهرة الإسلامية.
                                                  (1)
لعلّ مشاهدة تفصيلات الحياة اليومية في الشارع العرب- إسلامي ومتابعة حركة تغيّر انتماءات الكثير من المثقفين والشباب تقدّم تفسيرات واقعية وعميقة للظاهرة الإسلامية، وهي تفسيرات مركّبة لا يمكن اختزالها في عامل واحد، ولهذا فهي لا تروق للباحثين عن أحكام قاطعة وانحيازات أوليّة. كما أنها تفسيرات تختلف عن المقولات الغربية سابقة التجهيز عن صراع الحضارات. من السهل أن نرصد ظواهر الفقر والبطالة والعشوائيات واعتبارها العوامل المنتجة للظاهرة الإسلامية، لكن هذا وحده لا يقدّم تفسيراً متكاملاً لأن تصاعد الظاهرة الإسلامية خرج أيضاً من رحم مجتمعات عربية غنية لا تعاني الفقر أو الحاجة، كما أنها استقطبت وتستقطب باستمرار شرائح وطبقات ثرية ومتعلمة ومعبأة اجتماعياً في المجتمعات الفقيرة الأخرى. وبالنسبة إلى هؤلاء الموسرين والمتعلمين، فإن شعار الإسلام هو الحلّ كان تعبيراً لا يمكن أن تخطئه العين عن انهيار المشروع القومي وفشل التجارب الاشتراكية واستمرار حالة الإحباط الحضاري والشعور بالهزيمة في مواجهة الغرب عموماً وإسرائيل على وجه الخصوص، أما فقر الحياة الحزبية وغياب التعدّدية السياسية وضعف الفكر المدني فكان بيئة مثالية حاضنة للظاهرة الإسلامية. لكن الغرب يقفز على هذه الأسباب ليقدّم تفسيرات متهافتة وغير متماسكة لصعود الظاهرة الإسلامية.
يفسّر صمويل هينتيجتون ومن يستشهد بآرائهم من باحثين غربيين الظاهرة الإسلامية بأنها محاولة للبحث عن الذات في أوقات التغيّر الاجتماعي السريع المصحوب بظاهرة الهجرة من الريف إلى المدن!! يقولون إن عملية التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي اجتاحت العالم في النصف الثاني من القرن العشرين هي سبب اندلاع الظاهرة الإسلامية. وهو تفسير غريب يبدو متناقضاً مع الواقع لأن هذا التحديث ذاته أسهم في انكماش دائرة التأثير الديني لصالح التيارات والنظم المدنية والعلمانية في العالم العرب-إسلامي. أما المقولة الاستشراقية بأن الصحوات الدينية هي تعبير عن استعادة الهوية الدينية لبعض المجتمعات فهذا تفسير قد يصلح لحالة الصحوة الأرثوذكسية في روسيا بعد حقبة القمع الشيوعي. فبعد سنوات قليلة من انهيار الاتّحاد السوفييتي أعلن 30% من الشباب الروسي تحت سن الخامسة والعشرين أنهم قد تحوّلوا من الإلحاد إلى الإيمان. وفي منتصف تسعينيّات القرن الماضي زاد عدد الكنائس العاملة في منطقة موسكو خمسة أضعاف. كذلك يمكن فهم الظاهرة الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى، ففي غضون خمس سنوات فقط في حقبة التسعينيّات زاد عدد المساجد في آسيا الوسطى من 160 مسجداً إلى عشرة آلاف مسجد. في مثل هذه المجتمعات يمكن فهم ظاهرة استرداد الذاكرة الدينية بزوال الحكم الشيوعي القمعي أما في حالة العالم العرب-إسلامي فالتفسير مختلف كلية لأنه لم يحدث انقطاع للذاكرة الدينية حتى يمكن القول باستردادها. المسألة أبعد من ذلك بكثير.
                                                  (2)
ربما يبدو تفسير المستشرق الفرنسي جيل كيبيل لظاهرة العودة إلى الدين الأقرب إلى الواقع الظاهر وإن ظلّ متجاهلاً الأسباب البعيدة في الحالة الإسلامية. يرى جيل كيبيل أن التوجهات الدينية الجديدة في العالم لم تعد تهدف إلى التكيّف مع القيم العلمانية وإنما استعادة أساس مقدس لتنظيم المجتمع، وتغييره إذا لزم الأمر. فهذا التوجه الديني الغربي بحسب المستشرق الفرنسي يؤيد التحوّل عن الحداثة بل ويرجع فشلها ويتنبأ بنهايتها بسبب البعد عن الله. لم تعد القضية إذن قضية تحديث وإنما «أنجلة» ثانية لأوروبا كما لم يعد الهدف هو تحديث الإسلام بل «أسلمة» الحداثة !
من الممكن أن نفهم التفسير الغربي للعودة إلى الدين في المجتمعات الغربية أو ما يسمّى بأنجلة أوروبا في ظلّ المخاطر التي تهدّد مؤسّسة الأسرة وما يعانيه الأفراد من حالة اغتراب داخلي في عصر تكنولوجي سريع ولاهث وضاغط على الأعصاب، والهيمنة المطلقة لثقافة اللذة والشره الاستهلاكي، وكلّها تفسيرات يتبنّاها الغربيّون أنفسهم. لكن حديث جيل كيبيل عن أسلمة الحداثة بدلاً من تحديث الإسلام لا يخلو من دلالة مؤلمة نشعر بها نحن المسلمين والعرب بأكثر من غيرنا. وهي أن إخفاقنا في تحديث الإسلام مرده غياب دورنا في حركة الحداثة بمعنى التقدّم الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي. فكيف يمكننا تحديث الإسلام إذا كنّا عاجزين أصلاً عن إدراك الحداثة، ولا سيما في بعدها المعرفي المستند إلى قيم الحرية والعقل والمراجعة؟، ففاقد الشيء لا يعطيه.
كان السهل بالنسبة إلينا هو السعي لأسلمة الحداثة التي أنتجها غيرنا مثل تحريم التصوير والنحت والفنون، أو ارتداء طبيبة أو ممرضة النقاب وهي تستخدم تقنيات أجنبية في العلاج أو مشاركة المرأة الرجل في العمل لكن مع الفتوى بجواز إرضاعها لزملائها الرجال!
                                           (3)
السؤال المطروح في مواجهة تصاعد التيارات الدينية في العالم هو لماذا لم تنجح الأفكار والمذاهب الفكرية والمدنية في استقطاب اهتمام الفرد في العالم العرب-إسلامي؟ ولماذا لم تعد الأفكار والمذاهب ذاتها ملهمة للفرد في العالم الغربي على الأقل مقارنةً بزخمها وإلهامها منذ خمسين عاماً مضت؟ هل يعني ذلك أن الإنسانية المعاصرة على وشك الإفلاس في ما تقدّمه للبشر من قيم اجتماعية وإشباعات نفسية وروحية على الرغم من تقدّمها المذهل في المجالات الحياتية الأخرى؟ للأسئلة ما يبرّرها في الواقع، وإلا فما معنى أن يتحلّق الشباب المتعلّم المنحدر معظمه من الطبقة الوسطى الميسورة حول الداعية الإسلامي عمرو خالد بأكثر بكثير ممّا يتابع ندوة فكرية أو أمسية شعرية أو حلقة حزبية؟
والظاهرة نفسها موجودة في المجتمعات الغربية، فأبطال الثقافة الغربية الأكثر نجاحاً ليسوا كما يقول هينتنجتون طبقة الاقتصاديّين المحدثين ولا دعاة الديموقراطية ولا كبار موظفي المؤسّسات متعدّدة الجنسيات بل إن الأكثر نجاحاً هم المبشرون المسيحيّون. لا آدم سميث ولا توماس جيفرسون سيلبّي الاحتياجات النفسية والعاطفية والأخلاقية للناس. ولا المسيح-كما يقول هينتجتون- قد يفي بها وإن كانت فرصته أكبر.. على المدى الطويل- يخلص هينتجتون إلى القول- محمد سينتصر!
ينتظر المرء بعد هذه الخلاصة المفاجئة من هينتنجتون أن يعطي تفسيراً عميقاً لذلك لكنّه يعود مرّة أخرى ليتحدث بهوسٍ عن الخلل الديموغرافي المتوقع مستقبلاً لصالح المسلمين في مواجهة المسيحيّين في العالم.لم يقل هينتنجتون إن الكم الديموغرافي في حدّ ذاته لا يعني شيئاً كبيراً في مواجهة الأسلحة المتقدّمة الفتّاكة. يكاد المرء يشعر أن هينتجتون وآخرين غيره هم أسرى فكرة واحدة لا يرون غيرها هي صراع الحضارات والتخويف من الإسلام. إنه تيار فكري غامض يختلف في تحليل الأسباب وتأصيل الدوافع لكنه يتّحد حول محاولة «شيطنة» الإسلام.هل يعني ذلك أن دوائر البحث والفكر والدراسات قد أصبحت إحدى الأدوات الخفيّة لصنع السياسات وتهيئة الأذهان وقيادة الرأي العام ؟.
مؤسسة الفكر العربي

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,846,387

عدد الزوار: 6,968,515

المتواجدون الآن: 75