مواقف السعودية مع سوريا.. من معركة «ميسلون» إلى حماية المواطنين من مذبحة النظام

تاريخ الإضافة الخميس 5 نيسان 2012 - 5:02 ص    عدد الزيارات 1037    التعليقات 0

        

 

مواقف السعودية مع سوريا.. من معركة «ميسلون» إلى حماية المواطنين من مذبحة النظام

الأحداث الدامية تعيد موقف السعوديين من الأزمة وحضورهم في معارك الاستقلال

جريدة الشرق الاوسط.... الرياض: بدر الخريف... سجل التاريخ الحديث أن السعودية حكومة وشعبا وقفت من كل القضايا العربية والإسلامية والدولية موقفا مشرفا، ونجحت الدبلوماسية السعودية في حل الكثير من هذه القضايا بالطرق الدبلوماسية تارة وبالدعم المالي والمعنوي تارة أخرى.
وفي الشأن السوري جاء الموقف السعودي من «ثورة الحرية» ضد نظام البعث الأسدي، والتي خلعت عامها الأول امتدادا لذات المواقف السعودية بهدف رفع الظلم عن الشعب السوري وإيقاف مسلسل القتل والتدمير والتصفية والسجن والتنكيل لكل من يجرؤ على رفع مطالب الحرية وانتقاد ممارسة النظام، الذي ظل خلال العقود الخمسة يمارس أشد أنواع القتل بشعبه دون تمييز بين طفل أو شاب أو مسن رجلا أو امرأة، وما أحداث حماه التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد إلا خير دليل على ديكتاتورية النظام، ثم جاءت «المحنة الأخيرة» للشعب السوري عندما ثارت مدن الشام بمختلف فئاتها وطوائفها ضد نظامه الحاكم في عهد نجل الديكتاتور الأكبر ومعلمه وملهمه بشار الأسد، حاملين شعار البحث على الحرية والكرامة التي افتقدها الشعب منذ حكم الأسد، الأب والابن.
ويعلم السوريون حكومة وشعبا أن مواقف السعودية مع سوريا في الماضي والحاضر كلها نابعة من مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، حيث شارك السعوديون في الماضي في معركة ميسلون ضد المستعمر الفرنسي وها هم اليوم يحترقون من أجل الشعب السوري وهم يتعرضون للقتل من قبل نظامهم الحاكم لا المستعمر، ووقف الشعب السعودي وحكومته خلف الشعب السوري لا لإزالة النظام بل لإيقاف مسلسل القتل وإراقة الدماء، وهو ما عبر عنه الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي اختصر رؤية بلاده فيما يجري في سوريا من خلال تأكيده على الرئيس بشار الأسد بالقول: أنت تسير في المسار الخاطئ، وعليك أن تصحح مسارك، وإن لم تكن لديك خطة لتصحيح المسار اترك الفرصة لغيرك.
وبالطبع فإن السعودية كانت أكثر الدول التي أعلنت بوضوح ضرورة إيقاف أعمال القتل بحق السوريين، وطالبت بتحكيم العقل قبل فوات الأوان وحين أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن استدعاء سفير بلاده في سوريا للتشاور، وذلك خلال خطاب تاريخي وجهه يوم السابع من أغسطس (آب) الماضي إلى أبناء الشعب السوري، تفاعلا منه تجاه تداعيات الأحداث التي تمر بها سوريا وما نتج عنها من تساقط أعداد كبيرة من الشهداء أريقت دماؤهم، ومن جرحى ومصابين، واصفا التداعيات بقوله إن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم، والأخلاق.
وحذر الملك عبد الله وقتها القيادة السورية من التمادي والاستمرار في إراقة الدماء، ودعاها إلى تفعيل إصلاحات شاملة سريعة، مشددا على أن مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما «إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع»، مؤكدا أن «سوريا الشقيقة شعبا وحكومة» تعلم مواقف السعودية معها في الماضي، وأن بلاده تقف اليوم تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، وأنها مطالبة بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، وحديث الملك عبد الله عن أن سوريا تعلم مواقف السعودية في الماضي يشرع الباب للعودة إلى التاريخ لفهم العلاقة السعودية السورية، وأن السعودية ليست طارئة في التاريخ السوري، وأفضل عنوان لفهم تلك المرحلة، هو استقراء تاريخ معركة ميسلون الشهيرة.
فالمواقف السعودية من سوريا عمرها يعود إلى حقبة محاربة الاستعمار في سوريا، حيث سجل السعوديون حضورا في دعم ومساندة العرب والمشاركة في الدفاع عن الأراضي العربية ومقاومة الاستعمار، مثلما هم يحاولون حماية الدم السوري من آلة القتل الأسدية.
ويذكرنا التاريخ بقصة سعودي شارك في الحرب السورية ضد الاستعمار، وهو ناصر بن علي الدغيثر المتوفى عام 1986 عن عمر ناهز 98 عاما كأحد الأبطال الشجعان، وكان له دور بطولي في المعارك العربية زمن الحرب العالمية الثانية التي دارت رحاها في سوريا بين العرب والفرنسيين في العشرينات من القرن العشرين الميلادي، فقد كان قائدا لمعركة «ميسلون»؛ تلك المعركة التي كتب عنها الكثير من المؤرخين وشاركت فيها قوة عسكرية من نجد كان لها الأثر الواضح في النتائج الإيجابية لتلك المعركة وكانت القوة المؤثرة فيها إلا أن الكتّاب لم يذكر أحد منهم تلك المساهمة الفعالة التي كانت تدل على عمق التفاعل بين عرب الجزيرة ومن حولهم من المسلمين في الدول العربية للمشاركة في الدفاع عن الأراضي العربية ومقاومة الاستعمار.
ويوضح الباحث والمؤرخ والكاتب عبد الله بن صالح العقيل أن القائد البطل الذي بصدد الحديث عنه من أهالي الرس زامل المؤرخ لورنس العرب وكان على رأس القوة النجدية من الهجانة التي حاربت في معركة ميسلون ذلك هو البطل الشجاع ناصر بن علي الدغيثر، الذي ذكر أنه ولد هو ومحمد بن إبراهيم الخربوش الكاتب المشهور في الرس عام 1309هـ وتوفي في الرياض في المستشفى العسكري يوم الثلاثاء 15 أبريل (نيسان) 1986، عن 98 عاما، وقيل إنه بلغ أكثر من 110 سنوات ولكنه ينفي ذلك.
ونال في حياته مجموعة من التجارب العسكرية، أما حياته العملية فبدأت كما يروي عندما سافر إلى الحجاز للحج في عام 1323هـ على جمل وأخذ يرعى الإبل فيها ويقوم بمساعدة الحجاج نظير أجر متواضع قدره 10 ريالات، وبعد مدة من الزمن سافر إلى المدينة المنورة وعمل صبيا عند رجل من الكويت يدعى ابن جوعان، يعمل له القهوة ويرافقه إلى السوق ويساعده في شراء حاجاته دون راتب، حيث يكتفي بالأكل والشرب والمأوى فقط مدة تقرب من سنتين، ثم تركه وعمل في محل بيع القماش لدى أحد الأفراد من أهالي الرس كان في المدينة المنورة لمدة سنة واحدة أعطاه فيها 20 ريالا، ثم انتقل للعمل لدى أحد الناس وأعطاه راتبا قدره 30 ريالا في السنة.. وعرض عليه العمل مملوكا لدى أحد الأتراك فأبت عليه نفسه أن يكون كذلك فرفض وترك العمل وانضم إلى جماعته ممن بالمدينة المنورة.
وفي عهد العثمانيين عام 1327هـ ظهر القطار الذي كان يسير من تركيا إلى حلب ثم حمص ثم حماه ثم دمشق ثم عمّان ثم معّان حتى ينتهي في المدينة المنورة، في هذه الفترة سجل ابن دغيثر اسمه بالجيش النظامي الذي يقوم عليه في ذلك الوقت عبد الله بن فيصل وهو من رجال الشريف حسين، ثم عمل محافظا حارسا على الخط الحديدي ومعه 300 هجّان موزعين عليه وكان عليهم عبد الله بن دخيل شيخا، ثم حج ومن معه مع المحمل الشامي والمحمل المصري للمحافظة على الحجاج والخط الحديدي وغيره من ممتلكات الدولة.
ثم روى ابن دغيثر أنه لما انتهى موسم الحج وهم في طريقهم إلى المدينة برفقة المحمل الشامي والمصري وقع بينهم وبين البدو مشكلات على الماء فقتلوا من البدو رجلا واحدا. بعدها جاءهم خبر وفاة السلطان عبد الحميد وتولى بعده السلطان محمد إرشاد عام 1328هـ فتغير عليهم وضع الحكومة العثمانية، أما شيخهم ابن دخيل فترك الخدمة، وأما ابن دغيثر فاستمر في وظيفته ومعه بعض الرجال عدة شهور.
بعد ذلك ترك ابن دغيثر الخدمة عند العثمانيين واشتغل لنفسه بالتجارة وكان يبيع كل شيء من الجمال إلى السلاح. وذكر أنه يوجد رجال يجلبون السلاح اليوناني والإيطالي بالسفن عن طريق البحر ويستلمها ثم يسير بها عن طريق البر حتى يصل رابغ فيسلمها عميلا آخر.
وفي سنة 1331هـ كان عند الشريف فأمره بأن يقوم بتسجيل الهجانة حيث قال له «افتح الدفتر واكتب» فبدأ مع الشريف بكتابة أسماء أفراد الهجّانة من مكة والطائف وجنّدهم بقيادة ابن دغيثر وتحت رئاسة الشريف. ثم قدم الشريف فيصل وأخوه علي إلى المدينة المنورة ومكثوا أياما ثم خرجوا جميعا ومعهم فخري باشا مندوب الدولة العثمانية. ثم يستطرد ابن دغيثر بقوله: عندما شبت الحرب بين العثمانيين والشريف كان أول عمل بدأناه بالحرب قمنا بتعطيل خط سكة الحديد، يقول بأنه هو الذي عمل ذلك والطريقة كما يرويها «أخذت المفاتيح الخاصة بالتفكيك وذهبت ليلا وقمت بتفكيك جميع البراغي الرابطة بين الوصلات الحديدية ووضعتها في أوعية وبالتالي انقطعت خطوط تموين الأتراك»، ثم ذهب مع مائة من الهجّانة وقطع الطريق المؤدية إلى المدينة المنورة حتى يعيق تقدم وتموين الجيش العثماني. ولكن الدولة العثمانية قامت بالاعتداء على الشريف وجنوده فقتلت منهم 900 رجل منهم 800 من البدو.
بعد ذلك قدم لورنس إلى ابن دغيثر ومعه عودة ابو تايه والشريف ناصر ومعهم أمر من الشريف فيصل لابن دغيثر بأن يلتحق بهم وكان معه 250 رجلا من العقيلات فأطلعهم على أمر الشريف وخيّرهم بمرافقته أو اللحاق بأهلهم لمن يريد ذلك لأنه لا يعلم إلى أين الاتجاه فلم يبق معه إلا 42 رجلا. اتجهوا جميعا نحو معان وبقوا فيها يومين ثم نزلوا مركز القويرة وسيطروا عليها ومكثوا فيها يومين ثم العقبة وبقوا فيها يومين أيضا وقدم إليهم فيها الشريف عن طريق البحر ووصل جنوده عن طريق البر ويروي ابن دغيثر أن أمور الحرب ملقاة على عاتقه وعلى عودة ابو تايه.
اتجه الجيش بقيادة الشريف نحو الأزرق فأما الشريف وجنوده فقد اتجهوا صوب سوريا، وأما ابن دغيثر ومن معه فقد اتجه إلى زيزيا والتقى مثقال باشا وجنوده ثم اتجه نحو مادبا والتقى فيها محمد بن فرح قبيل غروب شمس ذلك اليوم بثلث ساعة وأكرمهم وباتوا عنده تلك الليلة، وفي الصباح اتجه ابن دغيثر صوب قرية سحاب شرقي عمّان ليتقصى أنباء الحرب فقابل راعيها من العقيلات واسمه: مبارك بن سحيم من عنيزة.
ويستطرد العقيل في الحديث عن معركة ميسلون وقائدها ناصر بن دغيثر بالقول: أما عن معركة ميسلون والتحضير لها فيروي البطل ابن دغيثر أنه في عام 1334هـ تقريبا كان في ديرة أبو شامة من قبيلة بلي التقى بالمؤرخ لورنس العرب وكان مؤرخا يسجل الأحداث ألف منها كتابه «أعمدة الحكمة السبعة» وهو وكيل إنجلترا عند الشريف فيصل يوصل منه وإليه الرسائل، قدم إليها من الوجه ومعه الشيخ عودة أبو تايه من الحويطات، وقد ذكر لورنس في كتابه أن ناصر الدغيثر كان قائد العقيلات في معركة ميسلون، وناصر الشريف قائد الجيش ونائبا عن الشريف، وعودة أبو تايه قائد قبيلة الحويطات، أما كيف تحرك الجيش فيروي ابن دغيثر أن فيصل الشريف توجّه مع الجيش المكون من 600 هجّان و600 من الإبل و60 خيّالا ولم يشارك معهم غيرهم من العرب وكان معهم ثلاثة أنواع من البنادق إنجليزية وألمانية وتركية وكان لباسهم «صاية وزبون» بمقاس واحد و«دامر»، و«الزبون» كما وصفه القائد عبارة عن «بالطو» مفتوح من الأمام يصل طوله إلى الكعبين، أما «الدامر» فهو لباس يشبه الكوت ينزل إلى أسفل البطن.
تقدم الجيش بقيادة ابن دغيثر نحو سوريا وعند وصولهم إلى دمشق تحركوا نحو حمص ثم حماه ثم حلب واستولوا عليها جميعا، ثم أمره فيصل الشريف بأن يتوجه إلى دير الزور ومعه ما يزيد على 70 هجّانا على 70 ذلولا و4 خيول واستلموها دون قتال من الدولة العثمانية، وبقوا فيها قرابة شهرين ثم رجعوا إلى دمشق وبقوا فيها شهرا بعدها سمح الشريف للعقيلات بأن يذهب كل منهم إلى أهله.
أما قيادة البطل ابن دغيثر لمعركة ميسلون فيقول عنها بأنه جلس عند الشريف في دمشق أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وتنصيب الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا أياما كلّفه بعدها الشريف في حدود عام 1339هـ بأن يجنّد جيشا من الهجّانة للمشاركة في معركة ميسلون وفعلا اختار 500 هجّان من أهل نجد، كانت أسلحتهم محدودة وذخيرتهم قليلة واستعدادهم ضعيفا ولكن العزيمة والشجاعة والاتكال على الله كانت تحدوه للتقدم لمحاربة الأعداء ونصرة إخوانه من المسلمين، بدأ البطل ابن دغيثر التجهيز للحرب بأن جعل على كل مائة هجّان ثلاثة ضباط وكان هو القائد لذلك الجيش وتصدر منه الأوامر، وقد ذكر من الضباط: فهد بن شارخ من الرس، وسعد السكيني من الرس، وعبد الله المكرش من عنيزة، وناصر بن حمود من عنيزة، وفهد بن عبد الله الوهيبي من الخبراء، وعبد الله بن سليمان بن عيسى (وكيل الأمن العام بالمنطقة الشرقية سابقا) من بريدة، ويذكر ابن دغيثر أن عدد من كان معه من العقيلات كان 50 هجّانا وهو على الخيل.
أما بداية الحرب فقد أمر الشريف فيصل قائد الجيش بالتحرك نحو عمّان وكان معهم الشريف علي بن الحسين ولكن الأوامر صدرت لهم بالعودة إلى دمشق والتوجه في أوائل العشرينيات الميلادية نحو ميسلون وهو واد بين جبلين من أجل المشاركة في المعركة بين العرب والفرنسيين وكان أبطال نجد وحدهم في مواجهة الجيش الفرنسي بقيادة البطل ناصر بن دغيثر، ثم دارت المعركة بينهم وبين الجيش النظامي الفرنسي، ويروي ابن دغيثر أنه كان يرى أهل نجد من الهجّانة يذبحون الجنود الفرنسيين وكادت المعركة تنتهي بهزيمتهم وانتصار أهل نجد، ولكن بعد أقل من ساعة من بدايتها انتهى العتاد الذي كان معهم ففكر البطل في حيلة للخلاص من الحرب مع المحافظة على أرواح ومعنويات الجنود بحيث أمرهم بإطلاق الجِمال فلما رأى الفرنسيون انهزام الهجن ظنوا أن الجنود فروا من الحرب فلحقوها وهذا ما كان يريده القائد فتبعهم جنود العقيلات وقهروهم ورموهم بالسلاح، ولكن تنقلب المعركة بتحليق الطائرات الفرنسية في سمائها تضرب أهل نجد بالقنابل وهم عزّل إلا من سلاح خفيف ورصاص قليل يقاومون به، ولكن القائد الفذ ابن دغيثر على الرغم من قلة خبرته في الحروب فإنه يتمتع بحكمة الرجال وقوة الأبطال وبأس الشجعان فقد خاف على أفراد الجيش من الإبادة أو الأسر فأمرهم بالخروج من الوادي حتى لا يبيدهم الفرنسيون أو يقبضوا عليهم مع استمرار المقاومة حفاظا على معنوياتهم وما أحرزوه من انتصار، وبعد خروجهم من الوادي قام ابن دغيثر بلمّ شملهم وترويضهم وتفقدهم ووجد القتلى منهم 13 رجلا فقط، ذكر منهم: صالح بن جليدان من الرس، ومحمد بن عقيل من الرس، ومحمد بن رشيد بن بلاع من عنيزة، ومبارك الدغيثر من عنيزة، ثم يروي ابن دغيثر أنه بعد سنتين من الحرب رجع إلى سوريا وقابل مجموعة من معارفه فأخبروه بأن صورته معلقة في ساحة المرجة بدمشق وهو يمتطي جواده ويشهر سيفه وتحتها «بطل ميسلون».
وهكذا كان ابن دغيثر قائدا لمعركة ميسلون وبطلا لها حيث كان قائدا لجيش الهجّانة في الحرب العالمية الأولى الذي يتكون من رجال العقيلات من نجد، وابن دغيثر أول من دخل دمشق محاربا واحتل قلعة حلب التي كانت حصنا منيعا عجز عنها الأبطال من قبله ثم مر على ما حولها من المدن السورية وأخضعها حتى ضم دير الزور، وهو الذي صد الجيش الفرنسي عن دخول دمشق وأوقف زحفه.
وأشاد عدد من القادة العالميين بشجاعة ابن دغيثر وقوة عزيمته وحنكته في الحرب منهم القائد الفرنسي الجنرال غورو وذكره المؤرخ لورنس في كتابه ومدحه وتحدث عن شجاعته، كما ذكره الشاعر أحمد شوقي في إحدى قصائده، ولكن القائد البطل ابن دغيثر عندما انتهى من المشاركة بالحرب وعاد إلى المملكة عينه الملك عبد العزيز رئيسا لجباية الزكاة في عالية نجد ولكن الإعلام آنذاك لم يكن في مستوى الأحداث على نقيض ما ناله أقرانه من القادة في وقته مثل عودة أبو تايه والمؤرخ لورنس وبعض القادة الغربيين في الحرب العالمية.
وشدد العقيل على أنه كان للقاء جريدة «الجزيرة» مع القائد ابن دغيثر وحديثه عن معركة ميسلون صدى كبير لدى الكتّاب حيث علق الدكتور عثمان بن ياسين الروّاف رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود على ذلك بقوله إن خليل بن إبراهيم الرواف في لقاء ضيف الجزيرة معه قبل 27 عاما ذكر أن مجموعة كبيرة تقدر بنحو 500 رجل من أبناء نجد قد شاركت في معركة ميسلون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي وأن بعضا منهم قد سقطوا شهداء في تلك المعركة، كما أن والده ياسين إبراهيم الرواف كتب في نحو عام 1380هـ مقالة في جريدة «النصر» السورية بدمشق ذكر فيها أن الأشقاء العرب في سوريا يذكرون بطولة النجديين المنسية في معركة ميسلون، أقول: لا شك في أن النجديين من العقيلات بقيادة ابن دغيثر أبلوا في ميسلون بلاء حسنا وأبدوا شجاعة يراها من حولهم من السوريين وخلّدها بعضهم ورووها في مجالسهم في حينها، ولكن ليتهم كتبوها في وقتها وحفظوها من التحريف حتى تكون وثيقة يطلع عليها الأجيال الحاضرة ليتعرفوا على شجاعة أجدادهم وبسالتهم.
كما أضاف الدكتور الرواف أنه قابل الرجل الشجاع ابن دغيثر الذي تجاوز السابعة والتسعين من العمر وأخبره بأنه كان مقاتلا في جيش الشريف فيصل بن الحسين وأنه صحب القائد لورنس في مقاتلة الجيش التركي أثناء الحرب العالمية الأولى، وأن لورنس قد ذكر اسمه في عدة مواضع من كتابه الشهير «أعمدة الحكمة السبعة» وقال أيضا إن يعقوب الرشيد أخبره بأن معركة ميسلون ليست المرة الوحيدة التي يقاتل فيها النجديون في معارك عربية مصيرية، وأنه يعرف تمام المعرفة أن كوكبة من أبناء العقيلات قد اشتركت في حرب فلسطين مع جيش الإنقاذ بقيادة القائد فوزي القاوقجي وقد تم تدريب تلك الكوكبة في منطقة المزّة في سوريا وقاتلت في صفد وشمال فلسطين وهم من أبناء العقيلات، كما أن فصيلة من المجاهدين السعوديين قادها المرحوم فهد الحارس وكانت ترابط في منطقة أخرى في فلسطين، كما يوجد جيش سعودي نظامي قاتل بقيادة اللواء سعيد بن عبد الله كردي مع الجيش المصري في جنوب فلسطين. كذلك لا ننسى أن عرب الجزيرة العربية قاتلوا مع المصريين ضد حملة نامليار.
أما يوسف بن حسين دمنهوري فقد كتب في جريدة «الندوة» مقالا أوضح فيه ما قاله يعقوب الرشيد بأن المجموعة التي كان قوامها 500 رجل كانت من المتطوعين من أبناء نجد وليست من الجيش النظامي الذي كان يقوده يوسف العظمة، وأن هذه المجموعة من أهل نجد تحت قيادة ناصر بن دغيثر، وأنه يبلغ الآن من العمر 97 سنة وقد اتخذ من مدينة الرس مقرا له، أما الجيش النظامي فلم يشترك اشتراكا فعليا في هذه المعركة. أقول: إن المتحدث يقصد بقوله هذا توضيح بطولة أهل نجد من العقيلات بقيادة القائد ناصر الدغيثر، وحتى لا يتوهم القارئ أنهم كانوا تحت قيادة يوسف العظمة، وهذا يدل على بسالة وشجاعة القائد ابن دغيثر ومن معه من العقيلات، كما يدل على أنهم كانوا وحدهم يحاربون الفرنسيين وقد تقدم في حديثنا ما يدل على أن النصر كان حليفهم لولا أن الفرنسيين لما رأوا هزيمة جيشهم استعانوا بالطائرات لقصف الجنود النجديين وما جرى من تصرف البطل ابن دغيثر حفاظا على أرواح جنوده.
ومما يدل على بسالة البطل ابن دغيثر ومن معه من النجديين في تلك المعركة أن أحد المصورين التقط صورة لهذا القائد وهو يمتطي صهوة جواده ويرفع سيفه بيده اليمنى وبلغ من إعجاب السوريين بذلك أن قاموا برفع تلك الصورة لهذا البطل في ساحة المرجة في دمشق وكتبوا عليها «بطل ميسلون» وقد مكثت فترة طويلة من الوقت قبل أن تزال.
وكتب الكاتب سليمان موسى من الأردن تعقيبا على ما كتب سابقا عن مساهمة العقيلات في معركة ميسلون التي وقعت كما يقول في يوليو (تموز) 1920م وذكر بأن لورنس يشيد في كتابه بذكر ابن دغيثر وبذكر ابن دخيل وسعد السكيني، كما أورد ما قاله أحمد قدري في مذكراته عن الثورة العربية في صفحة 274 وجاء فيها عن متطوعة العقيل النظامية أنهم «أبلوا بلاء حسنا في مقاومة الجيش الفرنسي ولم يمكنوه من دخول وادي بردى للالتقاء بالقوات الفرنسية التي سلكت الطريق العام فضحّوا محتسبين شهداء كثيرين إلى أن اضطروا للانسحاب وقد أكرمهم الملك فيصل فوزع عليهم ما كان قد تبقى في حوزته وهو ما يقرب من سبعة آلاف جنيه لا يملك بعدها ما يستحق الذكر».
ويعلق العقيل على ذلك بالقول: إن ما قاله المؤرخ الدكتور أحمد قدري عن العقيلات وبسالتهم وما أبدوه من شجاعة في تلك الحرب هو شهادة لهم على أهمية ما قاموا به من دور في تلك الحروب، وأجزم بأنه لو كان في تلك المعارك سواهم من القوات العربية الأخرى ولهم دور بارز فيها لوجدوا من الإشادة بهم أكثر مما لقيه من رجال العقيلات من الثناء خاصة وهم يدافعون عن أراضيهم، بينما رجال العقيلات مشتركون في الدفاع عن الأراضي العربية. وكنت أود لو أن الكاتب تحدث عن دور القائد ابن دغيثر لأنه وبلا شك كان يسمع أن اسمه يتردد على مسامع الناس آنذاك، ويتحدثون عن بطولته ودوره في قيادة الجيش. أما رواية أنهم اضطروا للانسحاب بعد أن ضحوا محتسبين بشهداء كثيرين فقد أوضح البطل ابن دغيثر بأنه كان يشاهد الجنود الفرنسيين يتساقطون قتلى في الحرب بفعل جنود العقيلات ولكنه عندما رأى الطائرات الفرنسية اشتركت لنصرة الجنود الفرنسيين أدرك بحكمته ورأيه السديد بأن يخرج من وادي ميسلون محافظة على أرواح جنوده. كما أن الملك فيصل لما وجده من بسالتهم وشجاعتهم في تلك المعركة أكرمهم دون سواهم بأن وزّع عليهم كل ما لديه من الجنيهات ولو أنه أعطى أحدا سواهم لذكره الكاتب.
وذكر سليمان موسى أن عددا من رجال الأشراف اشترك مع العقيلات في معركة ميسلون وذكر منهم: محمد علي البديوي، والشريف علي بن عربد، أقول: إن تفويض الشريف لابن دغيثر بقيادة الجيش يدل على ما يتمتع به من شجاعة وحنكة وحسن تصرف وبصيرة ثاقبة بأعمال الحرب مما جعل الشريف يختاره من بين مجموعة من الرجال الذين كانوا حوله، وإلا لو كان يوجد من هؤلاء الأشراف من هو أقدر من ابن دغيثر في قيادة المعركة لجعله الشريف على قيادتها.
وعاد الدكتور الرواف للحديث عن معركة ميسلون وأبطالها لافتا إلى أن بعضهم أحياء يرزقون وذلك تعليقا على ما جاء في مقابلة ضيف الجزيرة التي أجريت مع عمه خليل إبراهيم الرواف قبل 27 عاما، أن مجموعة كبيرة تقدر بنحو خمسمائة رجل من أبناء نجد قد شاركت في معركة ميسلون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي، وأن بعضا منهم قد سقطوا شهداء في تلك المعركة، لافتا إلى أن هذه الحادثة التاريخية الهامة بقيت مجهولة من قبل أبناء المملكة وأبناء سوريا وأبناء الوطن العربي بصفة عامة، ولكنها معروفة ومتناقلة بالأحاديث بين بعض أبناء العقيلات من سلالة الأسر النجدية التي قامت في الماضي بالتجارة بين نجد والعراق وبلاد الشام ومصر ومناطق أخرى. وليست هذه المرة الأولى التي يشار فيها في صحيفة عربية لدور النجديين في معركة ميسلون. فلقد قام والدي ياسين إبراهيم الرواف رحمه بكتابة مقالة في جريدة «النصر» السورية بدمشق منذ نحو خمسة وعشرين عاما، يذكر فيها الأشقاء العرب في سوريا ببطولة النجديين المنسية في معركة ميسلون.
وأضاف بالقول: وعلى أثر هذه مقابلة اتصل يعقوب الرشيد بالعم خليل الرواف الذي تربطه به معرفة قديمة وأخبره بأن القائد النجدي لمعركة ميسلون حي يرزق ويقيم حاليا في الرياض، ثم اطلعت على المزيد من التفاصيل حيث أخبرت بأن أحد أبطال معركة ميسلون والذي كان له شرف قيادة النجديين فيها هو الشيخ ناصر ابن علي الدغيثر من مواليد الرس وأنه حي يرزق يقيم في الرياض. وذهبت لمقابلة الرجل الشجاع الذي تجاوز السابعة والتسعين من العمر ليحدثني عن دور النجديين غير المدوّن في تاريخ معركة ميسلون.
وزاد: لقد أخبرني الشيخ ناصر بن دغيثر بأنه كان مقاتلا قائدا في جيش الشريف فيصل بن الحسين وأنه صحب القائد البريطاني لورنس في مقاتلة الجيش التركي أثناء الحرب العالمية الأولى، وأن لورنس قد ذكر اسمه في عدة مواضع في كتابه الشهير «أعمدة الحكم السبعة»، ويقول ابن دغيثر إنه بعد عدة شهور من دخول الجيش العربي إلى سوريا وتتويج الملك فيصل ملكا عليها كلفه الشريف المتوج بتشكيل فرقة من المقاتلين لمجابهة الجيش الفرنسي القادم من لبنان. وأنه قام بتسجيل 500 مقاتل من أفراد القوات العربية التي دخلت إلى سوريا. ويضيف الشيخ ابن دغيثر بأن الفرقة النجدية التي اشتركت معه في حرب ميسلون تكونت من عدة فصائل كان على رأس كل منها قائد من أبناء نجد وتولى هو القيادة العامة. ولقد زودنا الشيخ ناصر بأسماء أبرز قادة الفصائل الذين يتذكرهم في معركة ميسلون وهم: عبد الله بن سليمان بن عيسى. وكيل الأمن العام السابق في المنطقة الشرقية - من بريدة، وفهد بن شارخ من الرس، وسعد السكيني من الرس. وفهد الوهيبي، من الخبراء، وعبد الله بن مكرش من عنيزة، وناصر بن حمود بن عبيد الله من عنيزة.
ويقول الشيخ ناصر بن دغيثر بأن الجيش الفرنسي تمكن بعد قتال مرير استخدم فيه الطائرات والمدرعات، من اقتحام صفوف الجيش العربي ولكن قادته تمكنوا من تنظيم عملية الانسحاب لتقليل عدد الخسائر في الأرواح، ولقد تم إحصاء بعض النجديين القتلى في المعركة كما يقول الشيخ ناصر ويتذكر منهم: صالح بن جليدان من الرس، ومحمد بن عقيل من الرس، ومحمد بن رشيد بن بلاع من عنيزة، مبارك الدغيثر من عنيزة.
وأكد الرواف أن معركة ميسلون ليست المرة الوحيدة التي يقاتل فيها النجديون في معارك عربية مصيرية، فهو يعرف تمام المعرفة أن كوكبة من أبناء العقيلات قد اشتركت في حرب فلسطين مع جيش الإنقاذ بقيادة القائد فوزي القاوقجي والتي تم تدريبها في منطقة المزّة في سوريا وقاتلت في صفد وشمال فلسطين. وهم من أبناء العقيلات ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي غير فصيلة المجاهدين السعوديين التي قادها المرحوم فهد الحارس والتي كانت ترابط في منطقة أخرى في شرق فلسطين. كما أنها تختلف أيضا عن الجيش السعودي النظامي الذي قاتل بقيادة اللواء سعيد عبد الله كردي مع الجيش المصري في جنوب فلسطين ودعا الرواف إلى إلقاء الضوء على المزيد من خفايا التاريخ في ميسلون من خلال السعي لتوثيق مشاركة النجديين في هذه المعركة في صفحات التاريخ العربي. ولعل قسم التاريخ بجامعة الملك سعود والجمعية السعودية للتاريخ يهتمان بمتابعة هذا الأمر وجمع المعلومات عنه واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيله في التاريخ العربي. وعندما استعرضت دور النجديين في معركة ميسلون مع أحد أساتذة قسم التاريخ في جامعة الملك سعود. أخبرني بأن روح البطولة ومقاتلة الاستعمار ليست غريبة على عربان الجزيرة الذين قاموا بمساعدة أبناء وادي النيل في محاربة حملة نابليون على مصر.
ميسلون.. معركة الكرامة العربية
* تعد معركة ميسلون التي قامت بين (قوات المتطوعين السوريين بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة من جهة، والجيش الفرنسي، بقيادة هنري غورو من جهة أخرى) في 24 يوليو 1920. معركة عزة وكرامة خاضها البطل يوسف العظمة الذي كان يعلم أن جيش المتطوعين الذي قوامه 3000 مقاتل لن يصمد طويلا بمواجهة الجيش الجرار الذي كان يقوده غورو الذي كان عدده 9000 جندي ومزود بطائرات ودبابات ومدافع وإمدادات. ومع ذلك، رفض أن يحتل الفرنسيون بلده دون قتال فتبقى وصمة عار في التاريخ، فكانت معركة ميسلون التي قاوم فيها الجيش ببسالة معركة عزة ومبادئ، وقدر عدد شهداء قوات المتطوعين السوريين بـ400 شهيد و1000 جريح، أما عدد قتلى الجيش الفرنسي فكان 42 قتيلا و154 جريحا.
وجاءت أسباب المعركة عندما تلقى الأمير فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي (وكان قد نزل على الساحل السوري) بوجوب فض الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك فيصل ووزارته بين الرضا والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش. وعارض هذا بشدة وزير الحربية يوسف العظمة.
ولكن بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضا (بأمر الملك فيصل) كان الجيش الفرنسي يتقدم بأمر الجنرال غورو، ولما سئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة 24 ساعة قد انتهت. وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود.
وخرج يوسف العظمة بنحو 3000 جندي إلى ميسلون مسلحين ببنادق إنجليزية، ولم تضم قواته دبابات أو طائرات أو أسلحة ثقيلة، واشتبك مع القوات الفرنسية في صباح يوم 24 يوليو 1920 في معركة غير متكافئة، دامت ساعات، اشتركت فيها الطائرات الفرنسية والدبابات والمدافع الثقيلة.
وعلى الرغم من ذلك فقد استبسل المجاهدون في الدفاع. وكان يوسف قد جعل على رأس «وادي القرن» في طريق المهاجمين ألغاما خفية، فلما بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلا أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قطعت. واستشهد العظمة في معركة الكرامة التي كانت نتيجتها متوقعة خاضها دفاعا عن شرفه العسكري وشرف بلاده، فانتهت حياته وحياة الدولة التي تولى الدفاع عنها.
ولم يبق أمام الجيش الفرنسي ما يحول دون احتلال دمشق في اليوم نفسه، لكنه القائد المعجب بنصره آثر أن يدخل دمشق في اليوم التالي محيطا نفسه بأكاليل النصر وسط جنوده وحشوده. ثم زار قبر صلاح الدين الأيوبي وقال في شماتة: «نحن قد عدنا يا صلاح الدين». ويذكر المؤرخ سامي مبيض أن عددا من الموارنة من جبل لبنان قد تطوعوا للقتال مع القوات الفرنسية لأنهم رفضوا الانضواء ضمن دولة ذات غالبية إسلامية.
وبعد انسحاب الجيش البريطاني من سوريا، واعتقال الفريق ياسين الهاشمي رئيس مجلس الشورى العسكري في حكومة الأمير فيصل، بدأت الحرب ضد القوات الفرنسية الموجودة في الساحل السوري بما يشمل ما أصبح يعرف بلبنان والبقاع، وسميت تلك المناوشات بحرب العصابات ضد الوجود الفرنسي في تلك المناطق. وكانت ثورة الجولان الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 1919م، أكبر الهبات الشعبية ضد الجيش الفرنسي قبل معركة ميسلون، وأما عن دور الشيخ الثائر المجاهد الشيخ فواز باشا البركات الزعبي في هذه الثورة، فإنه عندما عرفت النوايا الفرنسية في سوريا، بدأت حرب المجاهدين ضد الوجود الفرنسي في السواحل السورية، وأقوى هذه الفعاليات الشعبية هي ثورة القنيطرة التي قادها الحاكم العسكري للجولان اللواء علي خلقي الشرايري، والمجاهدان أحمد مريود، والأمير محمود الفاعور، وكانت قوات هذه الثورة من اربد، وقد لعب الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي دوره المميز فيها من خلال جمع الأسلحة لثوارها وتأمين عائلات الثوار بالمؤن واقتسامه معهم لقمة العيش.
أما في دائرة الكرم والشهامة وطيب النفس، فكان في نصف الدائرة، ورثها عن جديه ووالده وأعمامه، والشيخ فواز باشا البركات الزعبي من الذين قالوا: إذا فقدت الفروسية فقد الكرم، وإذا فقدت الشهامة تجد رداءة النفس، وأسلحة العرب هي: الكرم والشهامة وطيب النفس. وهو الذي قال للشريف جميل بن ناصر، متصرف لواء حوران عام 1919م، عندما سأله عن الكرم وعلاقته بالفروسية فقال الشيخ فواز باشا البركات الزعبي: «كان ولا يزال كرمنا على قد حال أهلنا وديرتنا ومهما اختلفت الظروف وتغير الزمان يبقى الكرم عند اسمه (الكرم)، لأنه جزء من شخصية الفارس العربي ويرافقه مثل ظله، فإذا فقدت الفروسية فقد الكرم، وإذا فقد الكرم، يصبح الرجل طليق ربعه وحتى طليق زوجته».
إذن.. كان الكرم من العناوين المختارة لثوابت السلوك القيمي والإنساني عند الشيخ فواز باشا البركات الزعبي وعشائر الرمثا.
لم يكن الشيخ فواز باشا البركات الزعبي زعيما عشائريا على حوران فحسب، بل كان قائدا سياسيا وعسكريا، خطط ونفذ لعشرات المعارك في العهدين العثماني والفرنسي، وتشهد له معارك درعا، وغزالة، وغباغب، ونوى، والدالية الغربية بالإضافة إلى معركة ميسلون الشهيرة.
وبعد «معركة ميسلون وسقوط الحكم العربي الفيصلي»، عاد الشيخ فواز باشا البركات الزعبي إلى الرمثا، وأخذ يثور الناس ضد الانتداب الفرنسي، ويدعو إلى الثورة الشاملة، فكانت معركة خربة غزالة بداية الثورة الحورانية وجاء في مذكرات الدكتور عبد الرحمن الشهبندر أن اجتماعا عقد في الأردن رتب فيه الشيخ فواز باشا البركات الزعبي خطة الهجوم على رؤوس العمالة الفرنسية، وجاءت النتائج لصالح الثورة والقيادة السياسية للثورة.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,823,842

عدد الزوار: 6,967,623

المتواجدون الآن: 64