صحافة كردستان العراق أسيرة حجب المعلومات والترهيب الأمني والسياسي

تاريخ الإضافة السبت 20 نيسان 2013 - 6:24 ص    عدد الزيارات 710    التعليقات 0

        

 

صحافة كردستان العراق أسيرة حجب المعلومات والترهيب الأمني والسياسي
كورال نوري *
بعيون حائرة، سحب الصحافي الكردي دلشاد انور من تحت طاولة مكتبه الصغير مجموعة ملفات تراكم عليها الغبار، انها تحقيقاته التي أمضى في العمل عليها اشهراً، من دون أن تكتمل بسبب «سياسة حجب المعلومات» المتواصلة في العراق، بعد عشر سنوات من تغيير نظام الحكم فيه، ما يثير اسئلة مقلقة حول مستقبل الحريات في بلد يواجه اضطرابات سياسية ومعدلات فساد مرتفعة تهدد تطوره.
أنور الذي يعيش في مدينة اربيل، وهي عاصمة اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ نهاية حرب الخليج الاولى 1991، يتحدث بصوت تغلبه الحسرة، عن التحديات التي تواجه العمل الصحافي، بل وحتى برنامج محاربة الفساد المعلن من جانب الحكومة منذ اعوام، في ظل عرقلة صدور قانون يضمن حق الحصول على المعلومات في الاقليم.
«نحن نبحث عن الحقائق ليس إلا، لكنهم يمنعوننا بطرق وحجج شتى ويضعوننا دائماً في محل اتهام»، يقول انور مبدياً استياءه من عرقلة المؤسسات الرسمية لجهود الصحافيين في الحصول على الكثير من المعلومات: «هكذا الأبواب تظل مقفلة في وجوهنا، والقلق يلازمنا من الخوض في الكثير من التفاصيل».
يؤشر انور، الذي يعمل منذ سبع سنوات في مجال الصحافة، الى تلك «الحقيقة المرة» التي تحتم على الصحافي أن يختار بين نقل الأحداث العامة والتصريحات المعلنة و «ينعم» بالهدوء القاتل لمهنيته، وبين الخوض في غمار عمله الحقيقي وتعقب الملفات الشائكة، وحينها يكون عليه مواجهة المشاكل المحتملة مع السلطات.
قائمة المواضيع التي تدخل في دائرة الممنوعات وتشملها «سياسة حجب المعلومات» في الاقليم، وفق صحافيين، طويلة، فهي تبدأ بالمجال الأمني المتشعب بين وزارات وهـــيئات، مروراً بالمطارات والمعابر الحدودية والمؤسسات المعنية بالنـــفط والغاز والثروات الطبيعية الاخرى، وتتواصل مع مؤسسات الرئاسات الثلاث، من دون ان تنتهي عند السياسات الحزبية وتنظيماتها وموازناتها. حتى تحولت تلك السياسة الى «نظام عمل» لم يفلح الصحافيون في اختراق أسواره، في وقت ينتظر قانون حق الحصول على المعلومات في أدراج البرلمان منذ دورتين، وسط اتهامات الصحافيين للسلطة بأنها لا تريد إقراره.
 البحث في الفراغ
حاول انور لأسابيع كتابة تحقيق عن مصير النفط المنتج من آبار منطقة حسيرة التابعة لناحية سرقلا في محافظة السليمانية، بعد حصوله على معلومات تفيد بحصول عمليات بيع مشكوك فيها الى ايران. يقول: «سمعت بنقل 11 مليون ليتر وبكتاب رسمي، عبر أحد اقارب مسؤول كبير جعل من نفسه وكيلاً للشركة المستثمرة للحقل، وأردت ان اصل الى الحقيقة، لكن من دون جدوى».
خلال فترة متابعة الموضوع اتصل الصحافي، بمديرة الناحية سروة محمد، لكنها رفضت الحديث عن الموضوع لأنه «لا يدخل في اطار العمل المناط بها». واتصل أيضاً بالناطق الإعلامي الرسمي لإدارة منطقة كرميان هفال ابراهيم، فأجابه بكلمات معومة لا تتضمن أي معلومات مفيدة، وسرعان ما اعاد الاتصال بالصحافي وأبلغه ضرورة عدم نشر أية كلمة مما قاله له. بينما فشلت كل محاولاته في الاتصال بشركة ويسترن زاكروس المعنية باستخراج النفط هناك، «لا أحد يعرفهم، هم يخفون المعلومات حتى عن الموظفين الكرد الذين يعملون في شركتهم»، يقول انور بعصبية.
بعد فشله في الحصول على المعلومات من ادارة منطقة كرميان، اتصل انور بوزارة الثروات الطبيعية في حكومة كردستان، لكن مستشارها سيروان ابو بكر، رفض التعليق على الموضوع.
 غلق الأبواب
«الكثير من الملفات المهمة للمجتمع وللحكومة، تموت في أدراج مكاتب الصحافيين من دون ان ترى النور»، يقول آلان طه، الناشط المدني المهتم بحرية الحصول على المعلومات، منبهاً الى ان هناك «ثقافة عمل موروثة في معظم المؤسسات الحكومية تصر على حجب المعلومات».
ويشير طه الى ان الإقليم «بعد 22 عاماً من الحرية، ما زالت غالبية مؤسساته تعمل بعقلية نظام حزب البعث في الحذر من الصحافيين والباحثين، وإحاطة نفسها بأسوار عالية»، لافتاً الى ان تلك السياسة «هي التي تثير مزيداً من الشكوك حول سلامة عمل المؤسسات التي تصر على غلق أبوابها».
وهو ما يؤكده، الباحث والأكاديمي هاشم زيباري، الذي عانى طويلاً، حين قرر عام 2004 تقديم رسالته في الماجستير عن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق وتركيا، قبل ان يحول وجهته مضطراً الى موضوع آخر.
يقول زيباري: «حينها كنت طالباً في كلية الادارة والاقتصاد في جامعة الموصل، واتفقت مع مشرفي على ان يكون بحثي العلمي متركزاً على موضوع التبادل التجاري بين تركيا والعراق ومن ضمنها اقليم كردستان، لكنني فوجئت بأن المصدر الوحيد للمعلومات والبيانات والاحصاءات داخل العراق هو منفذ ابراهيم الخليل الحدودي بين البلدين، وأن مسؤولي المعبر يعتبرون حجم الحركة التجارية من الأسرار».
مديرية جمارك ابراهيم الخليل، اخبرت الباحث انها لا تملك صلاحية اعطاء المعلومات، مطالبة اياه بمراجعة وزارة المال في اربيل، والتي لم يفلح الباحث في أن يحصل على شيء منها، وبعد ثلاثة اشهر من المحاولات الفاشلة، غير زيباري عنوان بحثه الى «العلاقات الاقتصادية بين تركيا والاتحاد الاوربي».
 معلومات أم أسرار
قصص معاناة الصحافيين والباحثين، مع ثقافة حجب المعلومات والأوامر الادارية التي تعوق الوصول اليها، تتكرر في كل مجالات العمل الصحافي في الاقليم. فالصحافية نياز عبدالله، التي تعمل في اذاعة (نوا) في مدينة اربيل، واجهت المشكلة ذاتها لدى مراجعتها وزارة الثقافة لإنجاز تقرير عن حجم الاهتمام بمجال السينما والتخصيصات التي رصدتها الوزارة لتطوير العمل السينمائي خلال عام 2011.
نياز ابدت صدمتها لرفض المعنيين تزويدها بما ارادته، فهي لم تطلب معلومات تخص الشأن الأمني او السياسي ولا عن موازنات الأحزاب أو مصدر ثروات المسؤولين، تقول نياز إن الدستور والقوانين في كردستان «تؤكد حرية عمل الصحافي، لكن القانون شيء، والواقع شيء آخر تماماً».
حصل ذلك ايضاً مع (ن ب) الذي يعمل في صحيفة كردية خاصة، حين أراد التحقق من معلومة عن أحد أبناء رئيس اقليم كردستان تتعلق بمنحه رتبة عسكرية كبيرة (لواء) لا يمكن شخصاً في نهاية العقد الثاني من عمره ان يحصل عليها.
يقول (ن ب): «حين اتصلت بمصادر عسكرية رسمية رفيعة ليؤكدوا هذه المعلومة او ينفوها، رفض الجميع التحدث بأي شيء عن الموضوع، بعضهم طلب مني ان انسى اصلاً انني اتصلت به ولا اتحدث عن هذا مطلقاً، وهناك مصدر قام فعلاً بالتوسط لدى زميل لي يعمل في الجريدة وطلب منه التأكد من عدم ورود اسمه في اي شيء قد ينشر عن الموضوع».
 تعليمات بمنع التصريح
يواجه الصحافيون في كردستان على الدوام، مشكلة وجود تعليمات معممة على كثير من المؤسسات الحكومية بعدم الإدلاء بأية معلومات للصحافة، ما لم يحصل الصحافي على إذن رسمي من جهات عليا، وهو ما يؤكده صباح الاتروشي، وهو صحافي مستقل عمل في مكتب قناة ناليا التلفزيونية الخاصة، فشل كغيره من الصحافيين في إكمال الكثير من التقارير التلفزيونية والصحافية، بسبب سياسة حجب المعلومات.
يقول الاتروشي: «اطلعت قبل عامين ومن خلال مواقع دولية، على خبرين اقتصاديين عن حقل طاوكي النفطي في منطقة زاخو في اقليم كردستان، وأردت التأكد من المعلومات عبر زيارة الحقل وإجراء لقاءات مع المسؤولين فيه، لكنني أُبلغت عند بوابته بأن هذه المواضيع خط احمر وأن علي الحصول على موافقة وزارة المواد الطبيعية او جهات عليا، وقد فشلت كل جهودي لاحقاً للحصول على الموافقات».
قانون معطل منذ 6 سنوات
يضمن قانون العمل الصحافي الصادر في 2007 من برلمان كردستان في مادته الثانية، حق حصول الصحافي على المعلومات: «للصحافي حق الحصول على المعلومات التي تهم المواطنين والمرتبطة بالمصلحة العامة من مصادرها المختلفة وفق القانون».
كما أن مشروع دستور اقليم كردستان، الذي تمت مناقشته واقراره في الدورة البرلمانية (2005- 2009) وينتظر الاستفتاء عليه من جانب اهالي الاقليم، يتضمن فقرة تقول: «يضمن حق الحصول على المعلومات بقانون».
وهذا يعني وجوب صدور قانون ينظم حق «الحصول على المعلومة» ويكون مكملاً لقانون العمل الصحافي. وهو ما يطالب به الصحافيون في كردستان منذ تسعينات القرن الماضي، وقبل سنوات من بدء العمل على انجاز مـــسودة مــــشروع سمي «بقانون الضــوء» وقدم في الدورة البرلمانية (2005- 2009) من دون ان تتم مناقشته، ليعاد تقديمه في الدورة البرلمانية الحالية (2009 - 2013) تحت اسم «مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات» على رغم اعتراض الكثير من الصحافيين على الكثير من مواده، ليناقش هناك في جلسات عدة من دون التوصل الى أية نتيجة.
كان احد اهم أهداف إعداد مسودة مشروع القانون الذي تم صوغه من جانب النائب السابق والعضو في الاتحاد الوطني الكردستاني سردار هركي، مع مجموعة من الاعلاميين والقانونيين، هو «معالجة الفساد وترسيخ مبدأ الشفافية» كما يقول هركي، لكن البرلمان لم «يجعل تشريع القانون هدفاً من ضمن اهدافه في الدورة السابقة، لذا أُحيل الى الدورة الحالية».
على خط انتظار القانون الموعود، لم يقف الصحافيون مكتوفي الايدي، بل واصلوا المطالبة بقانون عصري لمنح المعلومات عبر بيانات وورش عمل ومؤتمرات، كان بينها مؤتمر اربيل الذي عقد في آذار 2008 بمشاركة شخصيات قانونية وبرلمانية وناشطي مجتمع مدني، ونتج ننه تشكيل مجموعة 19 لحق الحصول على المعلومات، بهدف الضغط لتشريع القانون.
لكن تلك الجهود لم تصل الى مستوى تقديم مشروع متكامل للحصول على المعلومات، وهو ما يبرره صحافيون بعدم جدوى تقديم مشاريع لا يمكن ان تأخذ بها الحكومة ونواب الغالبية في البرلمان الكردستاني، الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، متهمين السلطة بـ «عرقلة» إقرار قانون جيد للحصول على المعلومات.
ويتساءل الصحافي ك كاميران، عن جدوى تشريع قانون، يصعب على السلطة التنفيذية الالتزام به، مشككاً بجدية السلطة في اصدار قانون يفتح الباب امام الاطلاع على ملفات في مؤسسات كان محظوراً عليهم الاقتراب منها «ان السلطة تريد قانوناً يناسبها».
 نصف حرية... نصف صحافة
غياب ذلك القانون، وعدم وضوح ميدان العمل ولا قواعده، يحمل تداعيات خطيرة على العمل الصحافي الذي يصبح غاية في التعقيد والهشاشة من جهة، ومنزوعاً من سلطته من جهة اخرى.
يقول رئيس تحرير صحيفة هاولاتي الأهلية كمال رؤوف، ان الصحافي «اذا لم يحصل على المعلومة من مصدرها الأساسي، فسيضطر للجوء الى مصادر أخرى من دون مستندات او وثائق، وهو ما سيؤثر في مهنية العمل، وهذا هو الجزء الأكبر من الأزمة التي يمر بها الاعلام الكردي».
ويؤشر رؤوف الى وجود «حقول ألغام» كثيرة لا يمكن الخوض فيها، كملفات انتاج وتصدير النفط والغاز والتي تكثر حولها الشبهات، يضيف رؤوف: «لقد تحدثت بنفسي الى وزير الثروات الطبيعية في حكومة الاقليم ومع رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، وطلبنا ان نرى الاتفاقيات والبروتوكلات التي أُبرمت مع الشركات المستثمرة، فقدموا لنا بعض المعلومات وحجبوا ما هو مهم».
ويتساءل الصحافي شوان محمد، وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة «ئاوينه» الاهلية، عن سبل ضمان الدقة والحرفية اذا كانت المعلومات تحجب. ويضيف: «كيف لنا ان نعمل، وكل مسؤول سواء كان كبيراً او صغيراً يعتبر نفسه صمام أمان للأمن القومي ويُدخل كل موضوع في هذا الباب الحساس، فيرفض اعطاء المعلومة»، مؤكداً ان معظم المعلومات التي يطلبها الصحافيون ليست لها اي علاقة بالأمن القومي.
وبحكم تجربته الطويلة، يرى محمد ان اكثر الجهات التي تحجب المعلومات في الاقليم هي: الأجهزة الأمنية بتشكيلاتها المختلفة (الآسايش، الباراستن، زانياري)، وزارة الداخلية، وزارة المالية، وزارة الثروات الطبيعية، ورئاسة الاقليم. ويتساءل كيف لنا التعامل مع هذه المؤسسات في ظل غياب قانون حق الحصول على المعلومات، متهماً سلطات الاقليم بعدم الرغبة في اصداره: «اي قانون يريدون اقراره يعطونه الأولوية، فهم انتقائيون، وبصراحة: هم لا يريدون إقرار هذا القانون».
وينبه محمد الى جانب آخر «يثير الاستغراب». ففي كل دوائر الدولة، هناك قسم للإعلام ومسؤول إعلامي، الا انه في الغالب لا يملك صلاحيات اعطاء المعلومات إلا في اطار محدود، وهو ما ينتقده الصحافيون باستمرار، متسائلين عن جدوى وجود «أعداد كبيرة» من الموظفين والكوادر في الأقسام الاعلامية في الدوائر، من دون ان تتمكن من تقديم المعلومات.
 تهديد أسس العمل الصحافي
ومع غياب المصادر الأساسية للمعلومات ولجوء الصحافيين الى مصادر أخرى، يبرز الكثير من المخاوف، فالصحافي قد يقع في مطب عدم صحة معلوماته، ما يعرّضه للمساءلة القانونية، وقد يضعه ذلك في دائرة الاتهام بنشر معلومات سرية حتى مع صحتها. وقد رفع كثير من الدعاوى ضد صحافيين في المحاكم خلال السنوات الأخيرة بسبب اتهامهم بنشر معلومات غير صحيحة او نشر معلومات تضر باستقرار الاقليم. ويحاكم الصحافي كارزان كريم، بتهمة تسريب اسرار امنية عن مطار اربيل الى الصحافة.
تقول الصحافية ئالا لطيف، وهي طالبة ماجستير في قسم الاعلام في جامعة السليمانية: «ان الواقع الحالي يضع الصحافيين أمام خيارين سيئين: إما الاعتماد على مصادر غير مباشرة تعطي معلومات خاطئة احياناً او منقوصة او معلومات يريد مانحها الترويج لها بهدف معين، او البقاء تحت رحمة المصادر المعلنة وتحويل الصحافيين الى مجرد ناقلين للتصريحات، من دون الخوض في العمل المهني المتعلق بالبحث والمتابعة والتحقق».
ويرى رئيس مؤســسة «ئاوينه» الاعلامية، ئاسوس هردي، ان صدور القانون أمر مهم جداً، لتجاوز مشكلة الحصول على المعلومات بالعلاقات الشخصية وبطرق غير مباشرة ومن مصادر ترفض الكشف عن هويتها.
 «قانون الضوء» الذي لم يرَ النور
 «سياسة الحجب المســـتمرة للمعلومات، وفي مواضيع عامة لا تتعلق بالأمن القومي حتى بمفـــهومه العام، هو الذي يجعل إصدار قانون يتيح الحصول على المعلومات دون قيود «أولوية في إقــليم يواجــه تحديات اقتصـــادية واجتماعيــة كبيرة ويعاني فساداً في قطاعـــات عديدة، فالباحثون يحتاجونه لتحديد الإشكالات ووضع المعالجات التي تخدم الدولة وكذلك الصحافيون لتطوير الصحافة وتمكينها كــسلطة مؤثرة في بناء أي مجتمع ديموقراطي حي»، وفق الصحافية والباحثة الاقتصادية سعاد قادر.
لكن تلك السلطة «المقيدة الآن»، لا يمكن لها أن تتطور عبر مشروع قانون (ضمان الحصول على المعلومات) المعروض على البرلمان الكردستــاني، والذي يواجــه بانتقــادات كونه يقيد الحصول على المعلومات، وفق ما تقــوله الصــحافية نياز عــبدالله التي تعمل في إذاعة نوا «المشروع فيه مواد تضع الرقابة وتحجب المعلومة اكثر من إتاحتها، عبر مفردات ومصطلحات مطاطية غير واضحة التعريف، مثل: «المصالح الوطنية والأمن القومي».
 هيئة لمنح المعلومات
ويتضمن مشروع القانون المركون في أروقة البرلمان، تأسيس هيئة تكون مسؤولة عن منح المعلومات، وهو أمر محل خلاف، وفق البرلماني عن التحالف الكردستاني دانا سعيد صوفي «لا يوجد اتفاق على نوعية المعلومات التي يجب أن تتوفر للمواطنين وتلك التي يفترض أن تكون سرية لفترة زمنية محددة، كما هو معمول به في بعض الدول».
وتابع صوفي «نحن لم نتعود على أن تكون المعلومات متاحة، وهناك جهات حزبية تعتبر الوثائق والمعلومات مسألة متعلقة بالمؤسسات المعنية والأشخاص البارزين فقط وليس بالمواطنين، وهذا ما يخلق لا مبالاة تجاه تشريع القانون».
وينتقد النائب عن التحالف الكردستاني بالبرلمان العراقي سامان فوزي، الذي يحمل دكتوراه بالصحافة، مشروع القانون المعروض على البرلمان الكردستاني بسبب «نواقصه الكثيرة»، مشدداً على أهمية صدور قانون يضمن الحصول على المعلومات دون قيود، منبهاً إلى أن إصدار قانون العمل الصحافي في الإقليم من دون وجود قانون للحصول على المعلومات يجعل القانون الأول ناقصاً.
هذا الرفض لمحتوى القانون المعروض على البرلمان من قبل صحافيين ومثقفين، والخلافات بين النواب حوله هو الذي فرض تعليق المشروع، وفق النائب عن كتلة التحالف الكردستاني ئاسو كريم «الآراء المتضاربة للكتل بشأن نوعية المعلومات المتاحة وتلك المستثناة وإلى أي مدة زمنية يمكن حجبها، وكذلك بشأن وجود هيئة لتنفيذ القانون، كلها دفعت لتعليق المشروع، فالتعليق افضل من إصداره بشكله الحالي».
وتتركز الخلافات على مادة في المشروع تتضمن استثناءات منح المعلومات لأسباب تتعلق بالإضرار بالأمن الاقتصادي أو الوطني أو علاقات الإقليم ووضعه الداخلي والخارجي، وتشمل 11 فقرة، يرى فيها صحافيون وقانونيون أن وجودها سيعني تمكين عشرات المؤسسات من حجب معلوماتها، منبهين إلى أن الفقرات مصاغة بأسلوب لغوي مطاطي ما يفتح الباب أمام تفسيرات مختلفة.
 حشو وإنشاء وغموض
ويرى القاضي سرور علي جعفر، أن المشروع بصيغته المطروحة سيحجب المعلومات في الكثير من المجالات، مبيناً انه لولا الاعتراضات لمرر القانون من قبل البرلمان «بكل نواقصه وثغراته وبصياغته التي فيها الكثير من الغموض والمطاطية التي تحمل تفسيرات مختلفة، مثل قوانين أخرى صدرت سابقاً، لتبدأ المشاكل بعد تطبيقه»، منبهاً إلى أن الكثير مما موجود هو «حشو وإنشاء».
ويحمّل صحافيون جزءاً من مسؤولية تعطل إصدار القانون وبقائه في أدراج البرلمان لسنوات، ومخاوف صدوره بعيوبه، لنقابة الصحافيين في كردستان، لعدم اهتمامها بالأمر بشكل يرتقي إلى أهمية ذلك لمهنة الصحافي.
ويقول مسؤول لجنة الدفاع عن حقوق الصحافيين في النقابة أنور حسين، إن «صياغة المسودة كانت يفترض أن تتم بمساهمة النقابة، لكن النقابة لم تكن مهتمة، لأنها منشغلة بأمور ثانوية».
 لا نية لإصدار قانون جيد
ويتفق رأي النائب احمد ورتي، عن كتلة الحركة الإسلامية، مع الآراء السابقة بشأن وجود الكثير من النواقص في المشروع التي فرضت نقاشات مطولة وبلا نتيجة، واصفاً المشروع بالسيّء، معتبراً انه لم يقر «لعدم تكامله ولأن سلطة الإقليم لا تريد إقراره بالشكل الذي يطالب به الصحافيون».
وشكك صحافيون وقضاة ونشطاء مجتمع مدني، في ندوة أقامتها منظمة التنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان، بمدينة السليمانية في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، بجدية سلطات الإقليم في إصدار قانون يتيح المعلومات للصحافيين والمواطنين، متسائلين عن سر تعطل القانون في البرلمان لسنوات.
وحذر المشاركون في ختام الندوة، التي بحثت الموضوع، من أن القانون المطروح على البرلمان «يحجب المعلومة اكثر من منحها، ويحجّم معيار الأمم المتحدة للحصول على المعلومات»، مطالبين بإقرار قانون يتلاءم مع المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتضمينه بنداً جزائياً يضمن معاقبة المسؤول الذي يحجب المعلومة عن طالبها.
ويرى أستاذ الصحافة بجامعة السليمانية هفال أبو بكر، أن وجود المشروع الحالي في البرلمان، يعطل في حقيقته إصدار قانون يتيح المعلومات، معرباً عن قناعته بأن المشروع «ضعيف جداً من كل النواحي بدءاً بالصــياغة اللغوية وانتهاء بالناحية القانونية، ومن غير المجدي تعديله».
رأي أبو بكر، مبني على حقيقة تلمسها كما يقول: «نحن كمعنيين ناقشنا الأمر مع اللجنتين القانونية والثقافية في البرلمان، لكنهم يستمعون إليك وفي النهاية لا يكتبون إلا ما يريدونه».
بعد تنهيدة خفيفة، يبدي الصحافي كاميران، الذي ترك مؤخراً العمل الصحافي لينجو من دوامة الضغوط التي تلاحقه، تشاؤمه من الواقع الصحافي، متهماً السلطة بعدم الرغبة في ظهور قانون يمنح المعلومات.
«هذه حقيقة يعلمها الجميع، نواب حزبَي السلطة يخضعون للتعليمات الحزبية وسيعطلون القانون في البرلمان، عبر مزيد من المناقشات للمسودة الحالية، أو عبر مسودات أخرى مشابهة، وحتى في حال صدوره لن يكون تطبيقه سهلاً، فالكثير من القوانين الصادرة لم تنفذ على الأرض»، يقول كاميران وهو يضع يده على نسخة من قانون العمل الصحافي في كردستان:»أين هذا القانون من التطبيق؟».
 * انجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقــية (نيـــريج) وبإشراف سامان نوح.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,513,395

عدد الزوار: 6,953,397

المتواجدون الآن: 62