تقارير..تنظيم «القاعدة» يعلن إقامة دولة إسلامية في سوريا... عدم التنسيق والتنافس الاستخباري يجعلان آلية مكافحة الإرهاب غير فعّالة أميركيًا

تصعيد التدخل......هل تقف موسكو فعلاً على مسافة واحدة من الجميع؟...الاحتكار والتهريب والانفلات الأمني تفشل التسعير المحوكم في تونس

تاريخ الإضافة السبت 27 نيسان 2013 - 8:08 ص    عدد الزيارات 1943    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

تصعيد التدخل
معهد واشنطن..جيمس جيفري
أدت الإدعاءات الفرنسية والبريطانية وتلك التي جاءت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين -- والتي تتسم جميعها بمصداقية عالية -- حول استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية إلى زيادة الضغط على إدارة أوباما للرد بشكل أكثر حسماً على الوضع في سوريا، لا سيما العمل بمقتضى تحذير "الخط الأحمر" الخاص بالأسلحة الكيميائية الذي وضعه الرئيس الأمريكي. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تعيد النظر في حالة التردد التي اتصفت بها في السابق. فخلال جلسة استماع عقدتها مؤخراً "لجنة الخدمات المسلحة" في مجلس الشيوخ الأمريكي أعلن وزير الدفاع هيغل أن الولايات المتحدة سوف ترسل نحو 200 من قواتها من الفرقة المدرعة الأولى في "فورت بليس"، تكساس، إلى الأردن للعمل إلى جانب الأفراد الأردنيين من أجل "تحسين الجاهزية والاستعداد لعدد من السيناريوهات" فيما يتعلق بالصراع في سوريا المجاورة. وأفادت صحيفة "لوس انجليس تايمز" أن وزارة الدفاع الأمريكية قد وضعت خططاً لاحتمالية توسيع نشر تلك القوة بشكل كبير.
ورغم ذلك فإن الاحتمالات، في ظل البيئة السياسية الحالية، تشير إلى أن الانخراط الأمريكي في المنطقة لن يكون هائلاً وطويل المدى مثلما حدث في العراق. ويرجح أن تنطوي المساعدات العسكرية الأمريكية على نقل المعدات، وتوزيع الإمدادات الإنسانية، وفرض مناطق حظر الطيران، وتنسيق الهجمات على الإرهابيين أو تنفيذها، ومعاقبة النظام (بطريقة ما) على انتهاكه لـ "الخط الأحمر" الخاص بالأسلحة الكيميائية.
وعندما تلعب الولايات المتحدة دوراً عسكرياً في الصراع السوري، وهو أمر تتزايد احتماليته، فلن يتعين عليها أن تقلق فقط من تعزيز الإسلاميين المحليين دون قصد أو التورط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط. يجب عليها أن تنظر أيضاً في التبعات الجيواستراتيجية الهائلة على إيران وروسيا والصين، لا سيما إذا تسبب تدخل الولايات المتحدة في النهاية إلى زوال حليفهم في دمشق. وفي الدبلوماسية، مثلما هو الحال في الفيزياء، فإن لكل فعل رد فعل. وانخراط الولايات المتحدة في سوريا لن يكون بالأمر المختلف، ويجب أن تكون إدارة أوباما مستعدة لذلك.
لإيران وروسيا والصين مصالح عميقة في الحفاظ على نظام الأسد. فإيران تمده بالمساعدات المالية والعسكرية، وتساعده في تنظيم الميليشيات العلوية. وفي المقابل، تحظى طهران بقاعدة عملياتية ضخمة متقدمة في البحر المتوسط يمكن فيها تعديل الأسلحة الإيرانية أو تصنيعها أو إرسالها إلى حلفائها من «حزب الله» في لبنان. لكن الأمر الذي هو على نفس القدر من الأهمية أن التحالف مع سوريا يعزز مزاعم إيران بأنها زعيم في المقاومة ضد إسرائيل وحامي الشيعة في العالم. ونظراً لاقتناع قادة إيران ذوي الدوافع الأيديولوجية بأن الغرب سيسعى لنهايتهم، يرجح ألا يتعاملوا مع سقوط الأسد باستخفاف ويرجح أن يصبحوا أكثر عدوانية. يجب على واشنطن أن تتوقع تقدماً أقل في المفاوضات النووية والمزيد من زعزعة الاستقرار في العراق وزيادة المغامرات الإيرانية غير المتوازنة واندلاع مواجهات جديدة في الخليج، بل وربما تطوير أسلحة نووية متكاملة الأركان.
كما أن للصين وروسيا مصالح أيديولوجية واستراتيجية في الحفاظ على حكم الأسد. فلقد تشبث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثيراً بسياسته الخارجية الرافضة لتغيير النظام برعاية أمريكية، وهو ما اتضح جلياً من خطاباته المتسقة من كوسوفو إلى ليبيا. أما بكين، الأقل جهراً بمعارضتها، فتتوخى الحذر للحد من الضغط على الدول التي تسير في فلكها، مثلما شاهدنا في كوريا الشمالية. وبالإضافة إلى ذلك، تميل الصين إلى أن تحذو حذو روسيا في العديد من القضايا الدولية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تشارك روسيا نهجها تجاه الولايات المتحدة القائم على مبدأ "فوزك يعني خسارتنا". وعلاوة على ذلك، يبدو أن الصين وروسيا تخشيان من أن تستخدم الولايات المتحدة وشركائها في النهاية تدخلاتهم الناجحة لتأسيس سابقة لتدخل أوسع نطاقاً في شؤونهما الداخلية، سواء كان ذلك في شمال القوقاز أو التبت أو شينجيانغ.
كما أن ميزان القوى في الدول المجاورة لسوريا مباشرة يصب في صالح الولايات المتحدة وأصدقائها لدرجة أن هناك القليل مما تستطيع الصين أو روسيا (أو إيران) فعله لمواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر. لكن استناداً إلى تقاليد القوى العظمى الكلاسيكية التي يعرفونها جيداً، باستطاعة روسيا والصين العمل بما يضر بمصالح الولايات المتحدة واستقرار العالم. أولاً، تستطيع الدولتان أن تجعلا واشنطن تدفع ثمن المساعدة في الإطاحة بالأسد، من خلال فتح أو تكثيف الجبهات الحالية التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وتستطيع روسيا التلاعب في اعتماد أوروبا المستمر على النفط والغاز الروسي، وتعقيد خطط "الناتو" المرتبطة بأفغانستان، كما تستطيع الصين وضع عراقيل أمام المبادرات الأمريكية في مختلف المحافل الدولية. إن مكانة الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية واضحة، وهو الأمر بالنسبة لقدرتها على تحدي الولايات المتحدة في شبه القارة الكورية، ونزاعاتها على الجزر مع اليابان و"دول الأسيان" [اتحاد جنوب شرق آسيا] والعلاقات التجارية مع حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا.
وتستطيع روسيا والصين أخذ منحنى آخر، من خلال التحالف بشكل أكثر صراحة مع إيران وتسهيل مغامرات طهران المعادية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، باستطاعة الصين توسيع نطاق زيادتها المحدودة مؤخراً لمشتريات النفط من إيران، وتحديها بذلك نظام العقوبات الأمريكية. كما تستطيع روسيا إعادة النظر في قرارها بوقف توريد معدات دفاع جوي متقدمة إلى طهران، ومساعدة إيران بشكل آخر في بناء ترسانتها العسكرية أو تجنب العقوبات.
وباستطاعة روسيا والصين تلقين الولايات المتحدة درساً قوياً فيما يتعلق ببرنامج إيران البحثي النووي، الذي يشكل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة. فمع حالة التغيير المستمر التي تشهدها المنطقة، تستطيع الصين وروسيا التخلي عن معارضتهما التقليدية للانتشار النووي الإيراني وحجب العقوبات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومجلس الأمن الدولي، أو وضع عراقيل أمام مفاوضات "دول الخمسة زائد واحد". ومن خلال تقويض هذه المساعي الدبلوماسية، تستطيع روسيا والصين منع الولايات المتحدة من الحصول على التفويض الدولي الذي ستحتاجه لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا لزم الأمر. ومن المثير للجدل أن هذا لن يردع الولايات المتحدة في إيران أكثر مما فعل العناد الدولي في إبطاء جهود التحرك ضد العراق في عام 2003. لكن الأوقات مختلفة. فقد أقامت الولايات المتحدة حملتها بالكامل ضد إيران على التضامن الدولي؛ إن فقدان هذا الدعم يمكن أن يقوض التأييد بين الجمهور الأمريكي، الذي لا يزال قلقاً من الدخول في معارك جديدة بعد عقد من حرب "الصدمة والرعب" في العراق. ولنكن أكثر وضوحاً: تحظى إيران والصين وروسيا بنفوذ استراتيجي ودبلوماسي واقتصادي كبير يتجاوز نفوذ العراق في عام 2003، يستطيعون استغلاله ضد الولايات المتحدة.
إن احتمال وقوع رد فعل معاكس من روسيا أو الصين أو إيران لا ينبغي أن يردع واشنطن عن اتخاذ العمل العسكري اللازم في سوريا. فاستقرار الشرق الأوسط يمثل مصلحة أساسية لواشنطن، لذا فإن مساعدة سوريا على الهبوط الآمن قدر الإمكان يمثل عاملاً جوهرياً لدور الولايات المتحدة الأمني، مثلما هو الحال في التمسك بتهديدها الذي وضعت له خطاً أحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية. إن التراجع عن هذه المسؤولية يمكن في واقع الأمر أن يعزز ثقة خصوم الولايات المتحدة بأنفسهم ويمنحهم الجرأة: فإذا نجا الأسد وظل في الحكم فإن صعود مكانة إيران وتراجع مكانة الولايات المتحدة قد يدفع موسكو وبكين، بعد أن عرفوا مواطن ضعف واشنطن، على زيادة الضغوط على الولايات المتحدة. ولهذا تحتاج إدارة أوباما إلى التفكير بطريقة جيواستراتيجية في سوريا، على نحو أكثر شبهاً بطريقة مترنيخ [المستشار النمساوي عام 1815] منه إلى طريقة وودرو ويلسون [الرئيس الأمريكي عام 1919].
إذا تصرفت الولايات المتحدة من موقف القوة -- مشيرة إلى رغبتها في اتخاذ إجراء عسكري -- فربما تشجع روسيا والصين (بل وحتى إيران) على إظهار المزيد من التعاون اليوم، وكذلك في الفترة الفوضوية التي ستتبع سقوط لنظام الأسد. على الولايات المتحدة أن تشاطر موسكو وبكين تفكيرها بشأن سيناريوهات ما بعد سقوط النظام، ويشمل ذلك تحديد ما إذا كان باستطاعتها السماح بإنشاء معقل فعلي للعلويين مثلما هو الحال مع كردستان العراق. إن أي شيء تستطيع واشنطن فعله لطمأنتهم بأنها ونظامها القيمي لا يسعون إلى التحالف مع سوريا بعد سقوط الأسد، من المفترض أن يساعد القوتين على التوافق مع نظام جديد تساعد الولايات المتحدة في إنشائه في دمشق. لكن هذه الطمأنة سوف تتعارض مع الغرائز الفطرية للولايات المتحدة تجاه الدول الفاشلة -- التي تقوم على التدخل إلى أن تتعافى تلك الدول مرة أخرى. وعلى نحو مماثل، فخلال التقدم من منطلق الجاهزية العسكرية تشجع واشنطن التعاون الإيراني في سوريا من خلال مزيد من الانفتاح بشأن العقوبات الاقتصادية التي سترغب في تبادلها بالتنازلات النووية.
لا شك أن الولايات المتحدة تطبق الكثير من هذا النقاش مع موسكو وبكين، لكن السؤال الذي لا يزال مفتوحاً يتعلق بدرجة الوضوح التي أعربت بها الإدارة الأمريكية عن رغبتها في المخاطرة وترتيب أولويات احتياجاتها والتعامل مع الشيطان إذا لزم الأمر. لكن فوق جميع الاعتبارات أو العوامل الأخرى، يجب عليها تجنب التوجهات التي لا تزال تؤثر على الكثير من تفكير السياسة الخارجية لواشنطن وهو: أننا لا نزال نعيش في عالم ما بعد 1989، وانتصار الغرب أمر حتمي، وأن التطور الطبيعي للدول هو أن تصبح ديمقراطيات مستقرة. لكن للأسف، لقد مر ذلك الزمن.
السفير جيمس جيفري هو زميل زائر مميز في زمالة فيليب سولونتز في معهد واشنطن.
 
تنظيم «القاعدة» يعلن إقامة دولة إسلامية في سوريا
معهد واشنطن..هارون ي. زيلين
في وقت مبكر من صباح الثلاثاء التاسع من نيسان/أبريل، نشر الشيخ أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي -- زعيم "دولة العراق الإسلامية"، وهي فرع من تنظيم «القاعدة» -- رسالة صوتية أعلن فيها مدّ نطاق "دولة العراق الإسلامية" إلى بلاد الشام، مما يعني فعلياً ضم الجماعة الثورية الجهادية السورية "جبهة النُصرة" إلى أحضان منظمته. ويأتي ذلك في أعقاب الرسالة المصورة التي نشرها زعيم القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري قبل يومين يدعو فيها إلى توحيد الجهاد في سوريا. ولم يكن هذا من باب المصادفة -- وإنما يبرز الأهمية المستمرة للقيادة المركزية لـ «القاعدة». ورغم أن إعلان بغداد يؤكد ما اعتقده كثيرون بالفعل وما ذكرته الولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر في تسميتها لـ "جبهة النُصرة" كجماعة إرهابية، إلا أن كلماته توفر تفسيرات هامة عديدة.
فرسالة بغداد المصورة توضح أن تنظيم «القاعدة» لم يعلن من قبل عن صلته بـ "جبهة النُصرة" لسببين: المخاوف الأمنية، والرغبة في أن يتعرف السوريون على "جبهة النُصرة" وفق شروطهم هم دون أن تحول بينهم "التأويلات الإعلامية الخاطئة" في وقت مبكر، بسبب السمعة السيئة الناجمة عن الارتباط بـ تنظيم «القاعدة». ويتماشى ذلك مع التكتيك الشامل الذي استخدمته «القاعدة» في أماكن مختلفة في حقبة ما بعد الانتفاضة العربية. وفي اليمن، على سبيل المثال، أوضح مسؤول الشريعة الراحل في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» أبو الزبير عادل بن عبد الله العباب في نيسان/أبريل 2011 سبب إقدام الجماعة على إعادة تصنيف نفسها تحت مسمى "أنصار الشريعة في اليمن"، بقوله: "هذا ما نستخدمه لتقديم أنفسنا في المناطق التي نعمل فيها لتعريف الناس عن أعمالنا وأهدافنا". وبالمثل، شهدت تونس وليبيا إقامة مجموعات من "أنصار الشريعة" تعمل محلياً ولكنها تؤمن -- على الأقل على مستوى القيادة -- بالأيديولوجية العالمية لـ تنظيم «القاعدة».
والأهم من ذلك، توضح رسالة بغداد أن القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» في باكستان لا تزال تمثل أهمية للجهاد العالمي الذي دعت إليه في البداية عام 1998. وعلى الرغم من عدم الإعلان رسمياً عن إقامة "جبهة النُصرة" حتى أواخر كانون الثاني/يناير 2012، تشير الأدلة إلى أنها أُقيمت أصلاً في صيف 2011. وفي كانون الثاني/يناير 2013، أوضح أحد كبار قادة "جبهة النصرة" في حلب يُدعى أبو لقمان لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" بأنه انضم إلى الجماعة في مراحلها الأولى قبل ستة أشهر من نشرها لأول فيديو عام. ويبين ذلك أن "جبهة النصرة" تأسست في أواخر تموز/يوليو 2001 -- وهو إطار زمني دعمته مقابلات أجريت مع مقاتلين آخرين ينتمون لـ "الجبهة" كانوا قد أجروا حوارات مع وسائل إعلام غربية وعربية.
ويتزامن التاريخ الذي ذكره أبو لقمان أيضاً مع الفيديو الأول الذي نشره أيمن الظواهري المتعلق بالانتفاضة السورية، والذي تم بثه في 27 تموز/يوليو 2011. ففيه قال إنه يؤيد "المسلمين في بلاد الشام، أرض الرباط والجهاد والمجد والعروبة والشهامة." وفي سياق إعلانه الأخير حول سوريا، يشير ذلك إلى أن القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» كانت على علم بإقامة "جبهة النُصرة" قبل عامين -- وربما أمرت بإقامتها أيضاً.
ومن غير المحتمل، على المدى القصير، أن يكون لإقامة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تأثير كبير على الانتفاضة السورية. فـ "جبهة النُصرة" تقوم بالفعل بلعب دور أساسي في ساحة المعركة، والأهم من ذلك، تنخرط في أعمال الإدارة المحلية للقرى وأجزاء من المدن في شمال وشرق سوريا، بالتعاون مع الفصائل السلفية الأخرى مثل "حركة أحرار الشام الإسلامية". إن قدرة الجماعة على توفير الأمن والاحتياجات الأساسية (الخبز والوقود) لمدنيين سوريين، فضلاً عن إعادة فتح المحلات التجارية وإعادة تشغيل خدمات الحافلات، قد أتاحت لها مساحة للمناورة حتى لو لم يتوافق الناس بصورة طبيعية مع أيديولوجيتها. وعلى أية حال، لا يكاد يكون أمام السكان المحليين بديل آخر عند هذا المنعطف -- فالسبب وراء صعود "جبهة النُصرة" في المقام الأول هو فشل الثوار المنتمون إلى "الجيش السوري الحر" في توفير هذه الخدمات الأساسية. وبدلاً من ذلك، قامت بعض الفصائل بنهب وابتزاز المدنيين وفرض ضرائب عليهم تتجاوز طاقاتهم. وفي المقابل، باعت "جبهة النُصرة" سلعاً بأقل من تكلفة السوق ووفرت مستوى من الكفاءة والفعالية من خلال التخطيط الممنهج والمنظم للمدن.
ومع ذلك، فإن الإعلان عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" قد يؤتي بنتائج عكسية على المدى المتوسط إلى الطويل. وفي حين نالت مساعدات "جبهة النُصرة" في أعمال الإدارة المحلية تقدير المدنيين، إلا أن المزيد من الناس أصبحوا يظهرون علامات الامتعاض والاستياء بسبب فرص الجماعة للمعتقدات الإسلامية الصارمة. فقد انتقد السكان في عدد من المدن "جبهة النُصرة" بسبب حظرها الكحول، وإجبارها النساء على ارتداء النقاب، وجلدها الرجال الذين يسيرون مع النساء في الشوارع. وعقب إعلان بغداد، قد يكون هؤلاء الناس أكثر ميلاً للنظر إلى هذه التدابير على أنها فرض خارجي للإمبريالية الجهادية. وبعد بيان ما سبق، يرجح أن تتوطد قوة أعضاء "جبهة النُصرة" ونفوذهم بطريقة تحول دون أي رد فعل معاكس واسع النطاق على المدى القصير، طالما يُنظر إليهم كـ وسطاء عادلين عندما يتعلق الأمر بأعمال الإدارة المحلية.
ويُظهر ذلك الحاجة إلى قيادة أمريكية في الصراع السوري -- وخاصة فيما يتعلق بمساعدة الثوار غير المنحازين لـ تنظيم «القاعدة» -- على احتواء نمو "جبهة النُصرة" وجماعات مماثلة. يجب على واشنطن أن تحاول أيضاً الاستفادة من الانقسامات في صفوف الثوار والسكان المدنيين، لأن "جبهة النُصرة" هي خارج التيار الرئيسي ومعنية أكثر بتأسيس خلافة عابرة للحدود من الحفاظ على الدولة السورية.
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن
 
 
هل تقف موسكو فعلاً على مسافة واحدة من الجميع؟
الجمهورية.. فادي عيد
إستحوذت زيارة الموفد الرئاسي نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف إلى لبنان على اهتمام بارز في هذه المرحلة بالذات كونها أتت في توقيت مفصليّ داخلي وسوري وإقليمي في آن، خصوصاً بعد انفلات الحدود اللبنانية مع سوريا.
كذلك، استرعى الانتباه الكمّ الهائل من اللقاءات التي أجراها ويجريها بوغدانوف مع كبار المسؤولين اللبنانيين، إضافة إلى أحزاب وتيارات وتجمّعات سياسية.
وفي هذا السياق كشفت معلومات سياسية أنّ العنوان الأبرز للقاءات الديبلوماسي الروسي هو الاستماع إلى اللبنانيين بكافّة توجّهاتهم وانتماءاتهم، كون الزيارة إستطلاعية فقط، إذ إنّه لا يحمل أيّ مبادرة أو أفكار للحلّ، بحيث تتمحور العناوين التي يطرحها حول الأزمة السورية بكلّ تشعّباتها ومفاصلها، وهي الطبق الأساس الذي يُطرح ويُناقش في جولاته على المسؤولين والمرجعيّات السياسية والحزبية.
لكنّ اللافت في هذه اللقاءات والجولات يتمثّل باللقاءين المتتاليين مع رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في كليمنصو والمختارة، (عشاء في كليمنصو تميّز بمشاركة شخصيات لعبت أدواراً بارزة أيّام "الحركة الوطنية" في ذروة التحالف آنذاك مع الاتّحاد السوفياتي) الأمر الذي يؤكّد على متانة العلاقة التي تربط جنبلاط بموسكو التي زارها رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي قبل بضعة أشهر، حيث التقى وزير الخارجية سيرغي لافروف وبوغدانوف الذي تربطه صداقة متينة بالزعيم الدرزي.
ويبدو ان التباين بين جنبلاط وموسكو حول الأزمة السورية لم يؤثّر على علاقتهما، إذ لم ينقطع السفراء الروس المتعاقبون عن زيارة ضريح الشهيد كمال جنبلاط في ذكرى اغتياله سنوياً، وهو الحائز على وسام لينين للشعوب.
من هذا المنطلق، تميّز لقاء بوغدانوف مع جنبلاط عن سائر اللقاءات، وعُلم أنّه تناول بشكل مفصّل الأزمة السورية من جوانبها كافّة، كما استعادا سويّاً لقاءات جنبلاط في موسكو، إذ شرح رئيس جبهة النضال لصديقه الديبلوماسي الروسي موقفه ممّا يجري في سوريا، وما يحصل عبر معطيات يملكها، إضافة إلى مسألة النازحين السوريين إلى لبنان. كذلك جرى التطرّق إلى الموضوع اللبناني الداخلي، حيث يطغى الشأن السوري على ما عداه من ملفّات.
وجرى استعراض للمحطات التاريخية التي جمعت دارة المختارة بموسكو، وبالتالي، وعلى طريقته أراد جنبلاط تكريم بوغدانوف من خلال الشخصيات التي جمعها على مائدته، ولا سيّما رفاقه في "الحركة الوطنية" التي كانت تحظى بدعم سوفياتيّ في تلك المرحلة، وبالتالي التأكيد على الصداقة التاريخية القائمة منذ السبعينات.
وأكّدت معلومات من مصادر ديبلوماسية روسيّة أنّ بوغدانوف تمنّى في لقاءاته والمسؤولين اللبنانيين أن تُحلّ المسألة السوريّة سلميّاً وضمن حوار بين النظام والمعارضة والمكوّنات السوريّة كافّة، وإنّ بلاده تتابع هذا الموضوع في مجلس الأمن والأمم المتحدة ومع الولايات المتحدة الأميركية، وإن كان لم يخفِ وجود تباينات كبيرة في المواقف.
كما أنّه كان سعيداً لما بلغته العلاقة اللبنانية ـ الروسية من تقدّم في كافّة المجالات، وذلك ما أرسته زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزير الدفاع آنذاك الياس المرّ، حيث إنّه ولأوّل مرّة قامت موسكو بمنح مساعدات عسكرية نوعية للجيش اللبناني.
كذلك، ووفق المؤشّرات والأرقام، هناك ارتفاع في الميزان التجاري بين البلدين، إضافة إلى التعاون التربوي والثقافي. وأضافت المصادر الديبلوماسية نفسها، أنّ بوغدانوف أراد لقاء كافة القوى السياسية على مختلف تلاوينها للتأكيد أنّ موسكو على مسافة واحدة من كلّ الأفرقاء في لبنان.
 
 

اوباما و"النأي بالنفس"
النهار...بقلم محمد ابرهيم

سياسة "النأي بالنفس" التي يتبعها الرئيس الاميركي باراك اوباما إزاء الأزمة السورية وصلت الى "مفترق حاد". والامر لا يتعلق اساسا بالمعلومات الاستخبارية الاميركية حول استخدام النظام للسلاح الكيميائي في مواجهة المعارضة. فهذه المعلومات قابلة للأخذ والرد، وما سمّاه اوباما، قبل سنتين، خطا (كيميائيا) احمر يمكن تلطيف الوانه.
المفترق هو انتقال النظام من الدفاع الى الهجوم بعد اطمئنانه الى الدعم الخارجي الروسي- الايراني، وبعد استقرار قاعدته الداخلية، على معادلة الانقسام شبه المتعادل بين الاقليات من ناحية، والسنة من ناحية ثانية. هجوم يعتمد اسلوب التركيز الجغرافي والعمل على تحطيم قوى الخصم موقعا إثر موقع.
الى ذلك يوظّف النظام حقائق لم تعد في عالم الغيب بالنسبة الى مآل انتصار الثورة، ربطا بنتائج "الربيع العربي"، من حيث الغلبة الاسلامية والعجز عن لململة الكيانات "الجديدة". اضافة الى خصوصية سورية تتمثل بالامتدادين المذهبيين المباشرين العراقي واللبناني للنزاع.
تتوجه سوريا في مستقبل ليس ببعيد نحو "لحظة بنغازية" شبيهة بما حصل في ليبيا عندما كانت قوات العقيد القذافي تتوجه لحسم المعركة مع المعارضة في بنغازي. مع فارق كبير في مواقف الاطراف الدولية. فلا موقف روسيا من الاسد يشبه موقفها من القذافي، ولا فرنسا وبريطانيا على استعداد لتصدّر مواجهة عسكرية، فيما يكتفي الاميركي بتقديم دعم "لوجيستي".
احتدام الصراع في سوريا وميله لمصلحة النظام يضع اوباما امام تحدٍ لم يواجهه منذ وصوله الى الرئاسة قبل اكثر من اربعة اعوام. فإنجازاته الشرق الاوسطية، حتى الآن، تمثلت باتمام الانسحاب من العراق وترتيب الانسحاب من افغانستان ولعب دور ثانوي في الازمة الليبية، وادارة ناجحة لـ"النأي بالنفس في سوريا. والانسجام مع مضمرات هذه السياسة الخارجية يفترض إما غضّ النظر عن الانكسار التدريجي للمعارضة السورية، وإما استباق ذلك بالتفاهم مع روسيا لتحديد الخسائر، وانقاذ ماء الوجه بعملية سياسية لا تغيّر الكثير.
اما الخيار الآخر، خيار المواجهة على طريقة سلفه جورج بوش، فإنه لا يفتقد فقط الى "بطله"، وانما ايضا الى الأمل بأن يؤدي ذلك الى نتيجة مغايرة لما شهدته المنطقة منذ غزو العراق عام 2003.
لكن حتى اذا قرّر بوش اطالة امد المواجهة بدعم القرار الفرنسي- البريطاني بتسليح المعارضة، فإن ذلك لن يؤدي الى اكثر من التعادل، داخل سوريا. فـ"المعسكر" الآخر مصمم على منع الهزيمة لاعتبارات باتت اكبر من الصراع على سوريا. والتعادل يعني عبثية استمرار الكارثة في سوريا، مثلما يعني انه لا مفر من الوصاية الدولية مخرجا لسوريا ومَن حولها.

 

 

عدم التنسيق والتنافس الاستخباري يجعلان آلية مكافحة الإرهاب غير فعّالة أميركيًا

إيلاف...أ. ف. ب.   
يرى الخبراء أن التحقيق في اعتداءي بوسطن يكشف عن عدم فعالية آليات مكافحة الإرهاب الأميركية، التي تعتمدها وكالات الاستخبارات "المتنافسة" أحيانًا لمطاردة التهديدات المحتملة قبل أن تتخذ منحى دراميًا.
واشنطن: عندما ذهب تيمورلنك تسارناييف، أكبر الأخوين المتهمين بالاعتداء المزدوج في ماراثون بوسطن، والذي قتل أثناء مطاردة الشرطة لهما، إلى روسيا في 2012، رصدت وزارة الأمن الداخلي الأميركية سفره، لكن ليس مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي).
وبالرغم من رصد روسيا له، بناء على طلب وكالات الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وتسجيله على قائمة تحصي الإرهابيين المحتملين لمراقبتهم، فإن عودته إلى الولايات المتحدة لم تلاحظ مطلقًا.
وقال كريستيان بيكنر المدير المساعد للمعهد السياسي حول الأمن القومي في جامعة جورج تاون لوكالة فرانس برس "إن الآلية لم تنجح، فبسبب كتابة اسمه بشكل مختلف، فوتت إمكانية رصد خطر بسبب نظام معقد جدًا".
سوء تنسيق
ورأى مايكل جرمان، وهو عميل سابق في إف بي آي، وأصبح اليوم اختصاصيًا في شؤون الإرهاب في الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية، "أن المشكلة هي أنه لا توجد لائحة واحدة، بل لوائح عدة". وأوضح أن "هذه اللوائح مليئة بعدد كبير من الأبرياء والمعلومات الخاطئة التي لا تجدها قوات الأمن نفسها جديرة بالثقة".
تتضمن القائمة الرئيسة، وهي قائمة "تايد"، التي يعدها المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، نحو نصف مليون إرهابي". وقال مايكل جرمان "أعتقد أن لا أحد يتصور جديًا أن هناك نصف مليون إرهابي". كذلك لدى إف بي آي قائمته للمراقبة ووزارة الأمن الداخلي لديها قائمتها، وهناك أيضًا لائحة مصلحة الجمارك أو تلك التي تحظر بعض الأفراد من السفر بالطائرة".
أسماء مستعارة
استطرد المحلل في الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية "عند وجود أية شبهة، تكون هناك قائمة في آخر المطاف"، و"إن كان اسمك يشبه اسم إرهابي حقيقي، فإن الحكومة الأميركية ستهتم بك على حساب تهديدات حقيقية".
إلى ذلك هناك أسماء مستعارة بأعداد وافرة وهويات مزدوجة وكتابات مختلفة للأسماء، وفق الترتيب الأبجدي، ما يؤدي إلى انحراف المسار وأخطاء في الحكم.
وعلى الرغم من محاولات لتوحيد النظام منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر "فإن المشكلة الرئيسة تكمن في نقص التنسيق"، على ما يقول جيفري أديكوت مدير مركز القانون والإرهاب في جامعة سانت ماري في تكساس.
تنافس استخباري
واعتبر البرفسور أيدكوت "أن الوكالات المختلفة هي في تنافس في ما بينها، لتكون السباقة في الحصول على معلومة"، لـ"تفخر بأن لها الفضل بعملية ما، أو أنها هي التي أحبطت مخطط اعتداء".
وأشار لوكالة فرانس برس إلى حالة عمر فاروق عبد المطلب منفذ الاعتداء الفاشل على طائرة ركاب في عيد الميلاد في 2009. "فوالده ظهر لدى وزارة الخارجية الأميركية، ليبلغها بأن نجله كان إرهابيًا محتملًا، لكن تلك المعلومة لم تنقل مطلقًا إلى الوكالات الأخرى"، كما قال. وقد ضبط ركاب على متن الطائرة، التي كانت تقوم برحلة بين أمستردام وديترويت، الشاب النيجيري، الذي كان يخفي متفجرات في سرواله الداخلي.
غموض واستنسابية
ولفت البرفسور أيدكوت إلى أن إف بي آي ووزارة الأمن الداخلي أو المركز الوطني لمكافحة الإرهاب تستخدم كلها معايير مختلفة لتقرر وضع شخص ما تحت المراقبة، وهي "معايير غامضة" و"استنسابية"، وهذا يعني أن "وكالة تعتبر أنك تشكل خطرًا محتملًا، وأخرى تقول لا، إنك تستخدم (حقك) في حرية التعبير".
وفي 2010 أكد تقرير للمفتش العام أن قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي تشير إلى ناشطين سياسيين لم يشكلوا أبدًا أي تهديد. واعتبر أن أسماء "لم تدرج في الوقت المناسب، وأن أخرى شطبت بعد سنوات من تبييض صفحتها".
لكن "التحدي الحقيقي" في نظر أديكوت يكمن في أن الولايات المتحدة جهزت نفسها في آخر المطاف بـ"ما تملكه فرنسا فعلًا، وهو نظام بطاقة هوية وطنية، يسمح بتعقب الناس. ومن دون ذلك فإنها ستكون مهمة مستحيلة".
 
الاحتكار والتهريب والانفلات الأمني تفشل التسعير المحوكم في تونس
إيلاف....محمد بن رجب       
إزاء ارتفاع الأسعار ونسب التضخم، قررت الحكومة التونسية اعتماد مبادرة خفض الأسعار من خلال التسعير المحوكم للمواد الأساسية، لكن ضعف الرقابة وتفشي الاحتكار والتهريب يهدد بإفشال هذه المبادرة.
  تونس: أعلنت وزراة التجارة والصناعات التقليدية في تونس عن تخفيض أسعار عدد من المواد الغذائية غير المدعومة بنسب تتراوح بين 5 و 40%. ودخل قرار تحديد أسعار البيع القصوى وهامش الربح الأقصى بالنسبة إلى عدد من المواد الاستهلاكية حيز التنفيذ يوم الإثنين 22 نيسان (أبريل) الجاري، وتشمل هذه المواد البطاطا والمياه المعدنية والبيض ومصبرات التن ومشتقات الحليب والأجبان ومواد التنظيف والزيت النباتي الغذائي غير المدعم.
وأرجع خبراء الإقتصاد في تونس غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية إلى تداعيات الثورة التونسية متمثلة في تهريب مختلف أنواع السلع والمواد الغذائية إلى ليبيا، إلى جانب احتكار بعض السلع واختلاق أزمات مفتعلة، وبقاء أكثر من نصف مليون ليبي بعد سقوط نظام القذافي في تونس.
 تضخّم غير مسبوق
شهدت نسبة التضخم خلال شهر آذار (مارس) الماضي ارتفاعًا لم تعرفه تونس منذ نحو خمسين عامًا، حيث بلغ 6.5% مقابل 5.8% في نهاية شباط (فبراير). وعزا المعهد المعهد الوطني للإحصاء هذا الصعود الكبير لنسبة التضخم إلى ارتفاع الأسعار نتيجة الإحتكار وتهريب السلع إلى ليبيا، في ظل الإنفلات الأمني، ما جعل المواطن التونسي عاجزًا عن توفير ما يكفيه من خضر وغلال ولحوم بسبب ضعف قدرته الشرائية.
وأشار المعهد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل اللحوم (3.13%)، والزيوت الغذائية (7.12%)، والخضر (2.11%)، والفاكهة (2.11%)، والخمور (11%)، والألبان والبيض (3.9%)، والمشروبات الغازية (5.5%.)، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات (3.10%)، والسيارات (4.4%)، والكهرباء والغاز (3.7%)، والإيجار (8.4%) خلال آذار (مارس) الماضي.
هذا الغلاء الفاحش جعل الحكومة تتحرك بسرعة قبل حلول شهر رمضان، وعملت وزارة التجارة من خلال استراتيجية التسعير المحوكم للحدّ من غلاء الأسعار ولتخفيض أسعار المواد الحياتية الأساسية.
 التسعير المحوكم
تعتمد وزارة التجارة مقاربة التسعير المحوكم للتحكم في الأسعار والتزويد، وذلك من خلال ثلاث مراحل أساسية هي الدراسة العلمية لكلفة الإنتاج، وتشريك المتدخلين، وتكثيف المراقبة.
وأوضح عبد الوهاب معطر، وزير التجارة والصناعات التقليدية، أن وزارته اعتمدت سياسة جديدة تتمثل في التسعير المحوكم، مشيرًا إلى أن هذه الإستراتيجية "لا تعتمد التسعيرة المسقطة من قبل الإدارة التي قد تكون مجحفة في حق البعض فلا يتم احترامها وتنفيذها، وهي كذلك لا تعتمد منظومة العرض والطلب للتحكم في الأسعار لأن الدولة اليوم ليست في وضع عادي ولا تسيطر على مسالك التوزيع، ولا تتحكم في التزويد، جراء الانفلات في الخزن والتهريب".
وأكد معطر اللجوء إلى هذه المنهجية التي تدرس هيكلة أسعار المواد في الجوانب المتصلة بسعر الكلفة وهامش الربح في مراحل البيع بالجملة والتوزيع بالشراكة مع جميع الأطراف المعنية، من أجل تحديد سعر أقصى يتم العمل به في الأسواق عن طريق منظومة رقابية فاعلة.
وتعتمد تونس سياسة تحرير الأسعار, فنحو 87% من الأسعار محررة تمامًا على مستوى الإنتاج والتفصيل والتوزيع، بينما تحدّد الدولة أسعار النسبة المتبقية, وهو ما يمثل عائقًا كبيرًا أمام تدخل المراقبة الاقتصادية لدى التجار والمنتجين من أجل فرض أسعار محددة.
 تعزيز الرقابة
تتأكد أهمية الجانب الرقابي في احترام الأسعار التي تم تحديدها في الأسواق أمام الإنفلات الأمني بعد الثورة التونسية. وأكد معطر ذلك مشيرًا إلى أن نجاح استراتيجية الوزارة في التحكم في الأسعار يبقى رهينة دعم الجانب الرقابي من خلال تحسين ظروف عمل المراقبين الاقتصاديين، وتمكينهم من الإمكانيات اللوجستية والقانونية، إلى جانب إبرام الشراكة مع الجهاز الأمني وأجهزة الجمارك لمعاضدة العمل الرقابي عبر مقاومة التهريب ومراقبة مسالك التوزيع والانتاج".
ولا يتجاوز جهاز المراقبة الإقتصادية 700 مراقب، مطالبون بمراقبة نحو 500 سوق في مختلف أنحاء البلاد. وقد ربط معطر نجاح استراتيجية الضغط على الأسعار بنجاح عمليات المراقبة الإقتصادية.
 انتظام التزويد
أكد معطر ضرورة انتظام التزويد في مختلف الأسواق، من خلال إعادة النظر في رخص تصدير المواد الأساسية التي لا تتوافر بكثرة في الأسواق، مشددًا على أن الوفرة في الإنتاج من خضر وغلال ولحوم بيضاء خلال شهر رمضان المقبل ستكون حاسمة في احترام تحديد الأسعار، "وسيتم استيراد ثلاثة آلاف طن من لحوم الأبقار المبردة و400 طن من لحوم الضأن".
واستعدادًا للموسم السياحي، سيتم استيراد ثلاثة آلاف طن من اللحوم المجمدة، وتوفير مخزون احتياطي من الحليب بقيمة 50 مليون لتر، ومن المياه المعدنية بقيمة 50 مليون لتر، إلى جانب تخزين 60 مليون بيضة لمواجهة عمليات تهريب البيض.
مراحل أساسية
أكد نور الدين السالمي، المستشار المكلف بمهمة لدى وزير التجارة و الصناعات التقليدية، لـ"إيلاف" ضرورة التدخل في مستوى الأسعار، "فبرغم وفرة الإنتاج تبقى الأسعار مرتفعة، وهو ما رفع نسبة التضخم إلى 6.5%".
وقال السالمي إن وزراة التجارة اعتمدت مقاربة التسعير المحوكم، "المرتكزة أساسًا على ثلاث مراحل أساسية أولها الدراسة العلمية لكلفة الإنتاج والتعرف على مكونات السعر للتدخل في عناصرها من أجل ضمان ربحية المنتج من جهة والحفاظ على المقدرة الشرائية للمستهلك، وثانيها إشراك المتدخلين من خلال التشاور بين جميع الجهات المعنية في جميع مراحل الإنتاج والتوزيع و الترويج، وثالثها تكثيف المراقبة لمكافحة الإحتكار والتهريب".
من جهته، استبعد الخبير الإقتصادي عبدالجليل البدوي نجاح إستراتيجية تخفيض الأسعار، مشيرا إلى أن وزير التجارة نفسه ربط نجاح هذه المبادرة بالقدرة على المراقبة.
وقال البدوي لـ"إيلاف" إن الوضع الأمني غير مستقر على الحدود، وعمليات التهريب لن تتوقف، والإحتكار يلعب دورًا سلبيًا في مسألة تحديد الأسعار.
اضاف:" كان على وزارة التجارة أن تعمل أولًا على إصلاح جهاز المراقبة الإقتصادية، من خلال الإهتمام بأوضاع المراقبين الإقتصاديين، الذين يلعبون دورًا رئيسًا في إنجاح مبادرة الوزارة، قبل الإعلان عن استراتيجية تبدو نياتها طيبة وتنفيذها رهينة توفير كل ظروف النجاح".

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,966,159

عدد الزوار: 6,973,390

المتواجدون الآن: 76