تقارير..لا عزاء في القرب: السوريون في لبنان

نفوذ الصين في الشرق الأوسط... تعدد الأطراف يولِّد الشَّلل

تاريخ الإضافة الثلاثاء 14 أيار 2013 - 8:07 ص    عدد الزيارات 1806    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

تعدد الأطراف يولِّد الشَّلل
معهد واشنطن..ديفيد شينكر
قتل نظام بشار الأسد في سوريا ما يقرب من 80,000 شخص حتى اليوم، وقد ظهرت تقارير موثوقة هذا الشهر تفيد بأن النظام ربما استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه. (وتقوم الولايات المتحدة والأمم المتحدة وغيرها بإجراء مناقشات وتدقيقات ساخنة حول هذه التقارير).
لكن جامعة الدول العربية التي تضم 22 عضواً لا تطلب تدخل الأمم المتحدة مثلما فعلت في ليبيا منذ عامين. وبدلاً من ذلك، وكما هو متوقع، أدانت المنظمة إسرائيل بسبب هجومها المزعوم على مخزن أسلحة تابع لنظام الأسد ووصفته بأنه "انتهاك خطير لسيادة دولة عربية".
إن هوس الجامعة العربية الانعكاسي تجاه إسرائيل يبرز العجز المزمن للمنظمة. والسؤال هو لماذا تسعى إدارة أوباما إلى الحصول على مساعدة الجامعة العربية في الوقت الذي ترد هذه على هذا النحو؟
تشتهر الجامعة العربية بكونها محفلاً لنيل الإعجاب وتوجيه الإدانات أكثر من كونها منتدى للإجماع والفعل، ومن ثم لم تكن أبداً منظمة أو سلطة أخلاقية فعالة. فلنأخذ على سبيل المثال استضافة الجامعة العربية للرئيس السوداني عمر البشير أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في الدوحة عام 2009. جاء ذلك بعد أسابيع فقط من إدانة "المحكمة الجنائية الدولية" للرئيس السوداني بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتعلق بمقتل نحو 500,000 مدني في دارفور.
وعلى الرغم من نشاط الجامعة العربية في ليبيا، إلا أن شللها الحالي حيال القضية السورية يمثل أمراً اعتادت عليه الجامعة. وبصرف النظر عن إداناتها الروتينية لإسرائيل، فقد ظلت على مدى عقود لا تحظى بأهمية تذكر.
لقد كان هذا هو الحال إلى أن أعادت إدارة أوباما الحياة إلى المنظمة ورهنت تدخل الولايات المتحدة في سوريا بموافقة الجامعة العربية.
وكما قال ممثل الولايات المتحدة الدائم لدى منظمة حلف شمال الأطلسي إيفو دالدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ينبغي أولاً الوفاء بثلاثة معايير قبل تدخل الولايات المتحدة: "يجب أن تكون هناك حاجة واضحة ودعم إقليمي وأساس قانوني سليم للعمل". وأضاف قائلاً، "لم يتوفر حتى الآن أي من تلك المعايير في سوريا".
وليس من الصعب القراءة بين هذه السطور. فبغض النظر عن المصالح الأمريكية -- والتي تشمل عدة أهداف من بينها إنهاء المجازر وتوجيه انتكاسات استراتيجية لشريكَيْ الأسد إيران و «حزب الله» ومنع زعزعة الاستقرار في الأردن ولبنان -- فقد منحت الإدارة الأمريكية لوسيط "الدعم الإقليمي"، المتمثل في الجامعة العربية، صوتاً في السياسة الأمريكية.
إن الدروس المستفادة من حربي 1991 و2003 ضد عراق صدام حسين واضحة للعيان. ومن الأفضل، متى يكون ذلك ممكناً، اتباع نهج متعدد الأطراف تجاه قضايا السياسة الخارجية الصعبة والعمليات العسكرية.
وتكمن المشكلة بطبيعة الحال في أن الأوتوقراطيات داخل مجلس الأمن الدولي -- والجامعة العربية -- لا تزال تمارس حق النقض.
وحتى إذا قررت الجامعة العربية اليائسة أن تحيل في النهاية قضية سوريا إلى مجلس الأمن، فيرجح أن يكون لذلك القليل من النفع.
لقد امتنعت روسيا والصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن عام 2011، الذي سمح لحلف "الناتو" في النهاية بالمساعدة على الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، وقد أعربا عن أسفهما على ذلك. وفي المرحلة القادمة، سوف تواصل موسكو وبكين الوقوف إلى جانب الأسد، فضلاً عن تبنيهما مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الاستبدادية.
خلال الخطاب الأول الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بعد تنصيبه، تحدث أوباما عن الحاجة إلى مواجهة التهديدات من خلال "المزيد من التعاون والتفاهم بين الأمم". إلا أن هذا الالتزام قد أدى على مدى العامين الماضين، إلى قيام سياسة اتسمت بالعجز الفعلي تجاه سوريا.
وإذا واصلت واشنطن الانتظار لحين التوصل إلى إجماع في "المنطقة" والأمم المتحدة، فسوف يبقى العجز قائماً. وفي غضون ذلك، لن تستمر الأزمة في سوريا بدون مشاكل. فثمن التقاعس قد تجاوز بالفعل التكاليف المرتبطة بالعديد من أنواع التدخل.
والمفارقة المحزنة أن نجاح أنصار الدوليين الليبراليين يعتمد على تواجد ليبراليين دوليين. ولا يوجد منهم ما يكفي في جامعة الدول العربية ومجلس الأمن.
يجب على واشنطن أن لا تختار بين أخذ الأمور على عاتقها وحدها وبين التقاعس حيال سوريا. وبعد مضي عامين على الأزمة، فإن إحداث تغيير في النهج -- بما في ذلك النظر في بذل جهد أكثر تواضعاً من جانب قوات التحالف -- هو أمر قد طال انتظاره.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
 
نفوذ الصين في الشرق الأوسط
معهد واشنطن...ديفيد شينكر
كانت الإجراءات الأمنية في "المدينة المحرّمة" على الناحية المقابلة للشارع من "قاعة الشعب الكبرى" مشددة في آذار/مارس عندما تم تنصيب لي كه تشيانغ رئيساً لوزراء الصين. إلا أن الحراس الذين ارتدوا الزي الموحد لم يكونوا مسلحين بأسلحة آلية، وإنما جُهزوا بطفايات حريق لمنع المحتجين المحتملين من حرق أنفسهم.
تمر الصين هذه الأيام بمخاوف تتعلق بالاستقرار الداخلي. ورغم هذا الانشغال المحلي، إلا أن الشهية المتزايدة لـ "المملكة الوسطى" للحصول على نفط الخليج الفارسي قد أشعلت المصالح الصينية غير المسبوقة في الشرق الأوسط. ويعود ذلك أيضاً، جزئياً، إلى "توجه واشنطن نحو آسيا" وتراجع الاعتماد الأمريكي على نفط الخليج الفارسي.
أثناء رحلة قمتُ بها مؤخراً إلى الصين، أمضيت أسبوعاً أتحدث مع المحللين بشأن "الربيع العربي" والديناميكيات الاستراتيجية المتغيرة في الشرق الأوسط. وفي مناقشات اتسمت بالصراحة المفاجئة، وصف خبراء صينيون في شؤون المنطقة -- العديد منهم تكلم اللغة العربية بصورة جيدة -- وجهة نظر متطورة حول المشاركة الصينية في هذا الجزء المضطرب من العالم الذي طالما تجنبته الدولة.
تستورد الصين نحو 55 بالمائة من نفطها من الخليج الفارسي، كما تستفيد منذ فترة طويلة من المظلة الأمنية الأمريكية هناك. وقد ذهب أحد المحللين الصينيين إلى حد وصف تواجد حاملة الطائرات الأمريكية المتمركزة في الخليج منذ فترة طويلة بأنه يخدم "الصالح العام". لكن بكين مهتمة هذه الأيام بتعهد إدارة أوباما بتخفيض التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط وما يعنيه ذلك بالنسبة لأمن الطاقة والأمن الإقليمي. وعلى مقربة من البلاد، يشعر الصينيون بالقلق من تأثير تصاعد الإسلام السياسي على سكان الدولة الجامحين من المسلمين في المحافظة الغربية شينجيانغ الغنية بالغاز.
وتقر المراكز البحثية الصينية بأن "جيش التحرير الشعبي" ليس قادراً بعد على لعب دور أمني في الشرق الأوسط. وإذا نظرنا إلى أول عملية انتشار للبحرية خارج آسيا -- وهي مهمة تمثلت بقيام ثلاث سفن بأعمال المرافقة لمقاومة القرصنة في خليج عدن -- نلاحظ أنها قد حدثت قبل أقل من خمس سنوات، واعتبرتها التقارير آنذاك بأنها كانت منهكة للقوات. وقد قيل لي أنه حتى لو كان "جيش التحرير الشعبي" قادراً على نشر قواته في المنطقة، إلا أن واشنطن لن ترغب في "فسح المجال" للصين في الخليج.
لكن الصينيين الذين تحدثت إليهم يعترفون بمرارة بأن "جمهورية الصين الشعبية" ستضطر في نهاية الأمر إلى بدء لعب دور أكبر في الشرق الأوسط. وحسبما ذكر أحد الباحثين "الصين دولة قوية لكنها لا تتصرف وفقاً لذلك".
وفي حين لن تساهم الصين قريباً بأية طريقة مجدية في الحفاظ على الأمن في المنطقة، إلا أنها تعمل منذ فترة على زيادة تواجدها هناك، بما في ذلك نشر قوات حفظ السلام التابعة لوحدات الأمم المتحدة في السودان ولبنان. كما أنها تمهد الطريق لقيام تواجد عسكري إقليمي أكثر قوة، منشئة ما يطلق عليه شبكة تضم سلسلة من اللآلئ من القواعد البحرية، تمتد من آسيا إلى الخليج الفارسي.
كما أن بكين تزيد من نفوذها وأهميتها في المنطقة بطرق أخرى. ففي عام 2009، عينت الصين مبعوثها الخاص الأول للشرق الأوسط. ومنذ عام 2011، استخدمت الصين حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد ثلاثة قرارات أدانت نظام بشار الأسد في سوريا. وبالمثل، على الرغم من الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة الإيراني، التزمت الصين حتى الآن بالعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد طهران لإثناء الملالي عن تطوير سلاح نووي.
كما تُبرز الصين قوتها الناعمة في الشرق الأوسط، حيث تبذل جهوداً ملموسة لزيادة التجارة والاستثمارات، لا سيما في قطاع الطاقة. كما تتفاوض الصين حالياً مع دول "مجلس التعاون الخليجي" على اتفاقية تجارة حرة. وتقوم الشركات الصينية المملوكة للدولة ببناء مصافي مشتركة في المملكة العربية السعودية كما نجحت في تأمين عقود لبناء مساجد -- بما في ذلك ضريح بقيمة 1.5 مليار دولار -- في الجزائر الغنية بالنفط.
وهذا النشاط الجديد يدفعه الإيثار. فأولوية الصين تكمن في تأمين استمرار الوصول إلى قطاع الطاقة في الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، لا تريد بكين أن تصبح إيران دولة نووية. لكن الأهم من ذلك أنها ترغب في تجنب نشوب نزاع مع واشنطن بشأن العقوبات.
كما أن الدروس المستفادة من ليبيا كانت باعثة لها على توخي الحذر. فقد تضررت الصين لاحقاً جراء امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن عام 2011 الذي سمح بتدخل عسكري دولي من أجل "حماية" الشعب الليبي والذي تم استغلاله لاحقاً للإطاحة بمعمر القذافي. والأسوأ من ذلك أنه تعين إجلاء 40,000 عامل صيني أثناء تلك الثورة، كما أن الأقسام القنصلية والسياسية في طرابلس لم ترقى إلى مستوى المسؤولية. وفي أعقاب الانهيار التام الذي تعرضت له ليبيا، قد تزيد الصين من تمثيلها الدبلوماسي في المنطقة.
وفي حين قد تعزز واشنطن سفاراتها وتواجدها العسكري الوليد في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يبدو أن هناك أي مؤشرات على أن الصين سوف تعيد تقييم إسهاماتها المالية الشحيحة في المنطقة. ويقول المفكرون الصينيون إن بكين قلقة من [انعدام] الاستقرار في مصر، لكن من الصعب معرفة ذلك. وفي الصيف الماضي، سافر الرئيس المصري محمد مرسي إلى الصين بحثاً عن مساعدات اقتصادية. وقد عاد إلى وطنه بمنحة لا ترد بقيمة 70 مليون دولار فقط، وهي أقل من قيمة العقد الأخير للاعب كرة السلة الأمريكي من فريق لوس أنجلس ليكرز كوبي براينت.
ومن غير المرجح أن تسهم الصين قريباً في تعزيز الاستقرار في المنطقة. وبدلاً من ذلك، قالت افتتاحية لـ "وكالة أنباء الصين الجديدة" الرسمية بتاريخ 20 آذار/مارس، بأن ما يحتاجه الشرق الأوسط هو "يد العون من قوى عظمى مسؤولة وبنَّاءة" مثل واشنطن. ومما يدعو للأسف أنه بدون الجهود الأمريكية المتضافرة لإقناع بكين بمنح مساعدات للدول العربية المترنحة ودعم اتخاذ تدابير قوية من قبل مجلس الأمن ضد طهران، فستظل "المملكة الوسطى" فاعلاً هامشياً في الشرق الأوسط المضطرب.
وعلى أي حال، تدرك الصين أن الالتزامات الأمريكية تجاه اليابان وكوريا الجنوبية -- وهما دولتان تعتمدان على طاقة الخليج -- سوف تُلزمان واشنطن بضمان الأمن في الشرق الأوسط لفترة طويلة. وقد قيل لي إنه حتى بعد أن أثارت الصحوة العربية مخاوف الصين بشأن الاستقرار وأمن الطاقة والإسلام السياسي، إلا أن بكين راضية في الوقت الحالي على أن تظل "راكباً بالمجان".
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
 
لا عزاء في القرب: السوريون في لبنان
Middle East Report N°141 13 مايو 2013
مجموعة الأزمات الدولية...الملخص التنفيذي
يستمر الصراع في سورية في جر البلدان المجاورة إليه وبشكل يبلغ أقصى درجات خطره في لبنان. سياسة بيروت المعلنة في "النأي بالنفس" ـ أي السعي، من خلال الإحجام عن الوقوف إلى جانب أيٍّ من الطرفين، إلى المحافظة على مسافة بينها وبين الحرب الدائرة هناك ـ سياسة صحيحة نظرياً لكن يعتريها الكثير من الشكوك من الناحية العملية. إن الحدود القابلة للاختراق، وتهريب الأسلحة، وتنامي انخراط الإسلاميين السنة المناهضين للنظام السوري من جهة وحزب الله المؤيد للنظام من جهة أخرى، والمناوشات التي تجري عبر الحدود، إضافة إلى تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، عوامل تؤدي مجتمعة إلى انغماس لبنان بشكل أكثر عمقاً من أي وقت مضى في الصراع الدائر في البلد المجاور. قد لا يكون من الواقعي توقّع تراجع اللاعبين اللبنانيين؛ إذ يشعرون بأن مصير سورية هو مصيرهم، وأن الرهانات مرتفعة إلى درجة يصعب معها الوقوف موقف المتفرج. لكن ينبغي أن لا يكون من غير الواقعي توقّع أن يتبنوا ـ مع شركائهم الدوليين ـ مقاربة أكثر تطلعاً إلى الأمام حيال أزمة لاجئين تخاطر بتمزيق النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلدهم، وإشعال صراع داخلي جديد لا تستطيع دولة لبنانية ضعيفة ومنطقة شديدة التقلب تحمّله.
هذه حكاية تشكل الأرقام أفصح راوٍ لها؛ فهناك أكثر من مليون سوري في لبنان، لاجئون مسجلون وغير مسجلين، إضافة إلى العمال المهاجرين وغيرهم. هذا الرقم الذي يشكل أكثر من ربع سكان لبنان الذين يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة هو في ارتفاع مستمر ومن المرجّح أن يحلّق إلى ارتفاعات أكبر إذا تم الانخراط في معركة دمشق، أو عندما يحدث هذا الانخراط، بشكل كامل. هذا رقم مهول في أي مكان، لكنه مخيف فعلاً بالنظر إلى الهشاشة المؤسساتية للدولة، ومواردها الشحيحة، وربما الأكثر من ذلك، التوازن الطائفي بالغ الحساسية. من غير المفاجئ أن الحكومة ـ التي تعاني من الانقسام والاستقطاب حول هذه القضية كما حول معظم القضايا الأخرى ـ تتصرف ببطء وعدم فعالية.
إن الأثر الذي يحدثه ذلك على مجريات الحياة اليومية هو أثر ملموس. يمكن رؤية التغيرات الديموغرافية في جميع نواحي الحياة تقريباً، من سماع اللهجة السورية في كل مكان، إلى تفاقم الاختناقات المرورية، إلى ارتفاع أسعار المنازل وزيادة معدلات الجنوح. إلاّ أن اللاجئين لا يشكلون مشكلة إنسانية فقط؛ فقد دفع وجودهم إلى استقطاب سياسي عميق إذ إن غالبية هؤلاء هم من السنة الذين يدعمون الانتفاضة. ومعظم اللبنانيين ينظرون إلى الصراع من منظور مذهبي، وبالتالي فإن موقفهم حيال اللاجئين تأثر منذ البداية بالاعتبارات المذهبية، وكذلك بالآثار الأمنية المحتملة وتداعيات ذلك على السياسات الداخلية المستقبلية.
لقد توجه اللاجئون إلى المناطق ذات الأغلبية السنية التي رحبت بهم. لكن حتى هناك، فإن الصبر بدأ بالنفاد. تبقى الكراهية للنظام السوري حادة وتفوق ما عداها من المشاعر. رغم ذلك، هناك غضب متزايد حيال حقيقة أنهم يتعرضون للنيران السورية بسبب تقديمهم الملاذ والغطاء للمتمردين على النظام السوري. إضافة إلى ذلك، ثمة تاريخ من الأشكال النمطية المتفاعلة، إذ إن السوريين، وكما يراهم العديد من اللبنانيين، يقعون في تصنيفين واسعين: عمال مياومين ومجرمين غير متعلمين وذوي دخول متدنية أو جنود وعناصر أمن يمارسون الانتهاكات. تساق الشكاوى في كلا الاتجاهين: من اللبنانيين الذين يحمّلون ضيوفهم مسؤولية إحداث درجة أكبر من انعدام الأمن، إلى السوريين الذين يتهمون اللبنانيين بعدم احترامهم، أو استغلالهم أو حتى الاعتداء عليهم. وثمة نزعة متصاعدة من الحوادث الإجرامية والشجار في الشوارع. يمكن تلمّس درجة أكبر من العداء والشكوك في أوساط الشيعة والمسيحيين. في المناطق ذات الأغلبية الشيعية التي تشهد الآن وصول أعداد من اللاجئين، يعبّر العديد من السكان المحليين عن مخاوفهم من أن الأعداد يمكن أن ترتفع، في حين يخشى حزب الله من أن تشكّل مشاعر اللاجئين المعادية للنظام مقدمة لحراك ضد الحزب نفسه. العديد من المسيحيين باتوا يشعرون أنهم أكثر هشاشة ويشعرون بالرعب حيال التوازن الديموغرافي الذي يزداد رجحاناً ضدهم. تعيدهم الموجة البشرية الراهنة إلى تجربتهم مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تحوّل استقرارهم قصير الأجل نظرياً إلى وجود عسكري كبير، وطويل الأمد، وسني على الأغلب. كما يغذي هذا اعتقاداً عاماً بأن الطائفة السنية في لبنان ـ خصوصاً الإسلاميين فيها ـ يحظون بمزيد من التمكين، ويركبون مداًّ إقليمياً تصعب مقاومته.
تعتبر قضية اللاجئين وجهاً واحداً فقط من تحدٍ أوسع يواجهه لبنان نتيجة الصراع السوري. إن الديموغرافيا السياسية للمنطقة التي تضم البلدين تشهد تحوّلاً مع زيادة قابلية الحدود للاختراق. المنظمات الإسلامية اللبنانية التي تشكلت لمساعدة السوريين تشكّل أيضاً أداة للتعبئة الاجتماعية، حيث تهدد بإنتاج جيل راديكالي من السوريين، وذلك بزرع أفكار متشددة ومعادية للشيعة والعلويين في أوساطهم. يقوم المتشددون الإسلاميون السنة في لبنان بتهريب الأسلحة والانضمام إلى صراع أخوتهم السوريين، والذي أصبح المقصد المفضل للجهاديين. وهناك دائماً مخاطرة نشوء مسار عكسي؛ فحالما ينتهي عمل هؤلاء في سورية، قد يتوجهون بأنظارهم مرة أخرى إلى وطنهم.
أما انخراط حزب الله فهو أكثر حدّة. ما بدأ بوصفه مساعدة متواضعة نسبياً للنظام تنامى واتسع بمرور الوقت إلى ما يبدو أنه أصبح حالياً دعماً عسكرياً مباشراً، وشاملاً، وكاملاً وغير مخفي على نحو متزايد. الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة (غير المؤكدة رسمياً) ضد أهداف في سورية ـ والتي يقال إنها استهدفت شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى الحزب الشيعي ـ والخطاب التصعيدي لحزب الله تعكس احتمالات متزايدة لتشابكات إقليمية يكون لبنان طرفاً فيها. بشكل عام، وحتى مع تمسك بيروت بسياسة النأي بالنفس، فإن اللاعبين خارج أجهزة الدولة بالكاد يشعرون بأن ذلك يقيّدهم. لقد تم تجاهل آمال لبنان بأن يكون منيعاً على الصراع من قبل أطراف داخلية تعتبر حصيلة هذا الصراع بالنسبة إليها ذات أهمية شبه وجودية.
تاريخياً، ارتبط مصير لبنان دائماً، وأكثر بكثير من مصير أي جار آخر، وبعمق، بمصير سورية. مع توجه سورية وبشكل أكثر ثباتاً نحو الكارثة، فإن هناك كل ما يبرر شعور اللبنانيين، على اختلاف مشاربهم، بالقلق على بلدهم، وضرورة أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك. للأسف، قد يكون الأوان قد فات على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى سياسة عدم التدخل في الحرب السورية. لكن إذا كانت القوى السياسية المختلفة في البلاد لا تستطيع الاتفاق على ما ينبغي القيام به في سورية، فإن في وسعها على الأقل الاتفاق على مقاربة عقلانية حيال مأساة اللاجئين. إن تدفق هذا العدد الهائل من الناس سيشكل مشكلة جسيمة في أي مكان من العالم. أما في لبنان ـ بمؤسساته وبنيته التحتية الهشة؛ وتوازناته السياسية والمذهبية الدقيقة؛ ونسيجه الاجتماعي المتوتر؛ واقتصاده المتراجع؛ وهي عوامل أدت أزمة اللاجئين إلى مفاقمتها جميعاً ـ فإن هذه المشكلة تصبح كابوساً.
التوصيات:
إلى الحكومة اللبنانية القادمة:
1. التركيز على أزمة اللاجئين وذلك من خلال:
 أ. جعلها أولوية للبرنامج الوزاري القادم؛
 ب. السعي للحصول على تمويل غربي وعربي إضافي.
2. القيام فوراً بتخصيص أية موارد مالية أو بشرية متاحة لمعالجة تدفق اللاجئين، حتى مع انتظار وصول مثل تلك المساعدة.
3. التأكيد على الالتزام بسياسة لبنان الترحيب باللاجئين.
4. وضع خطة طوارئ للتعامل مع تدفق جديد للاجئين، خصوصاً من دمشق، وذلك من خلال:
أ. التخطيط مع جميع الأحزاب السياسية لإقامة مخيمات لاجئين صغيرة؛
ب. تخصيص مناطق بعيدة عن الحدود يمكن أن تقام مثل تلك المخيمات عليها؛
ت. استكشاف وسائل ضمان سلامة المخيمات مع السلطات الأمنية والعسكرية من دون فرض إجراءات مفرطة في التدخل بشؤونهم؛
ث. التنسيق مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية المضيفة بشأن إقامة هذه المخيمات وتخصيص الأموال لتحسين البنية التحتية في المدن والبلدات المعنية.
إلى حلفاء النظام السوري:
5. الامتناع عن إطلاق التصريحات السياسية المعادية للاجئين.
6. الموافقة من حيث المبدأ على إقامة مخيمات اللاجئين.
إلى حلفاء المعارضة السورية:
7. الموافقة على معالجة التداعيات الأمنية المحتملة لمخيمات اللاجئين.
إلى مجتمع المانحين:
8. تزويد لبنان، ووكالات الأمم المتحدة وشركائها بنحو مليار دولار أميركي، وهو المبلغ الذي قدرت هذه الجهات بأنه ضروري لمعالجة أزمة اللاجئين حتى كانون الأول/ديسمبر 2013.
إلى بلدان الخليج، والولايات المتحدة والدول الأوروبية:
9. تسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول للسوريين الهاربين من الصراع من أجل تخفيف الضغوط على البلدان المجاورة، وخصوصاً لبنان.
إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية:
10. منح المساعدات الإنسانية للأسر اللبنانية الأكثر حرماناً في مناطق الوجود المكثف للاجئين والأسر التي تستضيف اللاجئين، من أجل منع مزيد من التدهور في العلاقات بين اللاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم.
11. إشراك المجتمعات المحلية اللبنانية في دعم اللاجئين السوريين وذلك بتنظيم برامج الإغاثة التطوعية.
بيروت/بروكسل 13 أيار/مايو 2013

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,955,461

عدد الزوار: 6,973,075

المتواجدون الآن: 76