أخبار وتقارير...دور إسرائيل المتنامي في جنوب سوريا...القتال غير الحاسم بين الثوار في سوريا يصب في مصلحة النظام...عن "حماية الأقليات" والمسيحيين في المسألة السورية

«اشتباك» أميركي - روسي في ميونيخ....مؤتمر ميونيخ: قوة أوروبا وأميركا تتطلب «نهضة عبر الأطلسي»....هيغل: السياسة الخارجية الأميركية ستقدم الدبلوماسية على القوة العسكرية والجيش يعاني ضغوطا بسبب الحروب الطويلة في أعقاب هجمات سبتمبر...المعارضة الأوكرانية ترفض عرضا أمميا بالتوسط في الأزمة السياسية واستمرار الخلافات بين روسيا و«الناتو»

تاريخ الإضافة الإثنين 3 شباط 2014 - 7:45 ص    عدد الزيارات 1677    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

دور إسرائيل المتنامي في جنوب سوريا
إهود يعاري
إهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.
بينما يحتدم القتال في سوريا، استمرت إسرائيل في التحرك بحذر بل وغالباً بتردد نحو لعب دور متواضع نوعاً ما في الحرب الأهلية - بتقييد تحركها في المناطق الواقعة على طول الخط الحدودي لمرتفعات الجولان. وما بدأ كخطوة إنسانية بحتة - وهي تقديم المساعدات الطبية الطارئة للجرحى والمرضى السوريين من القرى المجاورة - قد تحوّل الآن وفقاً للتقارير المُتناقَلة إلى آلية متطورة جيداً لتقديم مجموعة كاملة من العناصر، بدءاً من الأدوية وحتى الأغذية والوقود والملابس والسخانات وغير ذلك الكثير. وعلى المرء أن يفترض أن نفس التفاهمات التي سمحت بإجلاء ما يزيد عن 600 جريح سوري لتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية - بما في ذلك إحدى المستشفيات الميدانية العسكرية الخاصة على هضبة الجولان - هو أيضاً ما يُسهّل صوراً أخرى من المساعدة. وهناك عملية هامة من هذا النوع توحي بوجود ثمة نظام من الاتصالات والتواصل المتتابع قد تأسس مع مليشيات الثوار المحلية في سوريا، حيث يبدو أن إجلاء الجرحى وعودتهم إلى سوريا يجري على نحو كامل.
وهذه التطورات تعيد إلى الأذهان إنشاء "السياج الجيّد" على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي. ولكن القوات الإسرائيلية التي تشارك في جهود المساعدة الحالية المتمركزة في الجولان هي - بخلاف ما حصل في لبنان - حريصة جداً على ألا تعمل داخل الأراضي السورية أو تتولى المسؤولية عن القرى المذكورة - المأهول معظمها بمزيج من السنة والدروز والشركس إلى جانب فصائل مسلحة مختلفة.
لقد اختارت إسرائيل في البداية النأي بنفسها عن أنهار الدماء السائلة في سوريا. حتى إنها قبلت دون احتجاج استبعادها عن مؤتمر "جنيف 2" الأخير للسلام، على الرغم من المصلحة الكبيرة لإسرائيل في كيفية تسوية النزاع وفي الاتفاق الثنائي الطويل الأمد الذي أبرمته مع سوريا - أي "اتفاقية فك الاشتباك بين القوات" عام 1974 التي لا تزال سارية المفعول. ولكن المخاوف الإسرائيلية تفاقمت من تبعات الحرب إثر ظهور فروع تنظيم «القاعدة» وغيرها من الميليشيات الإسلامية المتطرفة التي برز نجمها بين وحدات الثوار في أجزاء كثيرة من وسط وشمال سوريا. ويبدو أن إسرائيل قد تشعر مضطرة لاتخاذ تدابير غير معلنة تهدف إلى منع تحرك هؤلاء المقاتلين إلى أراضي جنوب دمشق أو حتى إبطاء هذا التحرك، ولا سيما أولئك الذين يمثلون فروع تنظيم «القاعدة» مثل "جبهة النصرة" و «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وتمتد هذه المنطقة موضع البحث من حدود الجولان حتى جبل الدروز في الشرق وبين الضواحي الجنوبية لدمشق ومدينة درعا، التي انطلقت فيها الشرارة الأولى للثورة السورية عام 2011. وتُصَنّف المليشيات المحلية المُشكّلة في قرى هذه المنطقة بأنها حائل فعال محتمل ضد أي محاولة للاستيلاء من جانب أتباع «القاعدة». وعلى الرغم من أن "جبهة النصرة" قد وضعت لها قدماً بالقرب من درعا وقرب نقطة تلاقي نهري الرقاد واليرموك أيضاً، إلا أن الموقف بشكل عام في الجنوب لا يسير على النحو الذي شهدناه في أجزاء أخرى من سوريا، حيث غرس المتطرفون أنفسهم في طليعة الثوار.
على سبيل المثال: كان للقادة العسكريين الكلمة الفصل في أجزاء أخرى من البلاد، ولكن غالباً ما تخضع الميليشيات الجنوبية لتوجيهات المدنيين الأكبر سناً. وبدأ العديد منهم يرى إسرائيل كحليف مؤقت في ظل الظروف الراهنة. وقد حاربت هذه الميليشيات قوات من الألوية 90 و61 من نظام الأسد المتمركزة في هذه المنطقة وذلك لتحمسها بفعل اعتقادها بأن قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" سوف تحمي ظهرها بشكل غير مباشر. فعندما أطلقت مدفعية النظام النار على تشكيلات الثوار على طول حدود الجولان وانحرفت قذيفة تائهة دون قصد ونزلت على الجانب الإسرائيلي من خط الحدود، كانت قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" سريعة في الواقع للرد بصاروخ تموز واحد موجه إلى الموضع الذي أُطلقت منه هذه القذيفة. ومع ذلك، تمتنع قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" عن أي تدخل حتى لو حدثت الاشتباكات على مقربة شديدة من المواقع الإسرائيلية، حيث كانت دبابات النظام تتحرك في بعض الأحيان على بعد أمتار من الحدود.
وتكمن مصلحة الرئيس الأسد الأساسية في الجنوب في ضمان سلامة الطريق السريع الرئيسي الموصل بين دمشق ودرعا وبسط سيطرته على أجزاء من المدينة الأخيرة. كما أمر قادته بالاحتفاظ بالقنيطرة - عاصمة المقاطعة الواقعة على الحدود مع إسرائيل - فضلاً عن امتداد قرى الدروز في الشمال على طول المنحدرات الشرقية لجبل حرمون. وحتى الآن، تمكن النظام من تحقيق هذه الأهداف ولا يبدو أنه قلقاً بشأن انفكاك قبضته عن بقية المنطقة التي لا تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لما يتمخض عن الصراع الحالي.
ويحرص النظام أيضاً على إبعاد مجتمع الدروز الجنوبي عن المعركة. فبإمكان هذا المجتمع المتمركز في الأساس على جبل الدروز شرق درعا أن يؤدي دوراً كبيراً في تشكيل الوقائع على الأرض في جنوب البلاد. وفي الوقت الراهن، نراه يترقب حتى تتضح بوادر بقاء الأسد. ومع ذلك، تجمع الدروز السوريين على مر التاريخ روابط خاصة مع البلاط الهاشمي وكان يُنظر إليهم ذات مرة من قبل الاستراتيجي الإسرائيلي الجنرال يغآل ألون كحلفاء طبيعيين في المستقبل للدولة اليهودية.
ومن جانبهما، تربط إسرائيل والأردن مصالح مماثلة في جنوب سوريا؛ فالملك عبد الله الثاني ليس أقل قلقاً من إسرائيل من الظهور المحتمل للعديد من متشددي «القاعدة» على طول الحدود مع بلاده. ومن ثم تقوم عَمان باستقطاب مجموعة واسعة من الميليشيات المحلية القريبة من الحدود الطويلة مع سوريا مستفيدة من واقع انتماء العديد من سكان جنوب سوريا وشمال الأردن إلى نفس القبائل. وهناك أيضاً العديد من التقارير - التي تم نفيها من قبل السلطات الأردنية مراراً وتكراراً - عن "غرفة عمليات" سرية في عَمان ينسق فيها مسؤولو الجيش والمخابرات في الأردن المساعدات العسكرية لمجموعات الثوار المحلية إلى جانب مستشارين من السعودية والغرب. وإن صحت هذه الأخبار، فإنه يلزم النظر إلى الجانب الذي تبذله إسرائيل من الجهود باعتباره مكملاً للمسعى الأردني ولكن ليس بالضرورة تنسيقاً معه.
ووفقاً لجميع الاحتمالات، فإن عدم تمكن فروع تنظيم «القاعدة» من الظفر بقصب السبق في الجنوب لا يرجع فقط إلى ما يُذكر عن التدخل الإسرائيلي والأردني المزعوم، بل يعود أيضاً إلى انشغال الجهاديين في الحرب الدائرة في الشمال حيث تخوض «الدولة الإسلامية في العراق والشام» اشتباكات في الأسابيع الأخيرة مع "الجبهة الإسلامية" والجماعة المنافسة "جبهة النصرة" (المدعومة من قبل زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بالإضافة إلى مقاتلة النظام. بيد أن قوة كل من «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و "جبهة النصرة" قد زادت كثيراً - فوفقاً لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية يبلغ إجمالي عدد مقاتليهما 40000 رجلاً. وإن شرعوا في بذل جهد مركز لتمديد مواضع أقدامهم إلى الجنوب، فسوف يمثلون اختباراً كبيراً للمليشيات المحلية التي لم تواجه تحديات صعبة حتى الآن. وإن حدث هذا السيناريو، سوف يتوجب على إسرائيل والأردن أن تقررا فيما إذا كانتا ستجلسان مكتوفتا الأيدي في الوقت الذي تتخندق فيه «القاعدة» على طول حدودهما أم لا.
وفي ظل هذه المخاوف، بات منع توسع الجماعات الإسلامية المتطرفة نحو الجنوب يحظى بأولوية أكبر في تناول المشكلة السورية برمتها. فإذا أمسكت فروع «القاعدة» بزمام المناطق المتاخمة لإسرائيل والأردن، فسوف تنشأ تهديدات إرهابية جديدة، وربما تمتد أنهار الدماء السائلة في سوريا إلى جيرانها. ومثل هذا التطور سوف يعطي تنظيم «القاعدة» حرية في التصرف في منطقة شاسعة تمتد من غرب بغداء حتى جنوب سوريا. وبمعنى آخر، سوف يصل هذا التنظيم إلى هدفه الذي ظل يسعى وراءه مدة طويلة، ألا وهو: خلق جبهة مع إسرائيل.
 
القتال غير الحاسم بين الثوار في سوريا يصب في مصلحة النظام
جيفري وايت
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.
يمثل القتال الشرس الذي اندلع في مطلع هذا الشهر، بين متشددين جهاديين وتحالف فضفاض من فصائل الثوار الأكثر اعتدالاً، مرحلة قد تكون خطيرة في الصراع السوري. فهذه الحرب التي تُشَن داخل حرب أخرى تعكس التعقيد الفعلي - بكل مافي الكلمة من معنى - الذي يكتنف صراع الثوار الأوسع نطاقاً ضد نظام الأسد: ويشمل ذلك مشاركة العديد من الجماعات المختلفة في الحرب، ووجود علاقات غامضة ومتغيرة بين الفاعلين، وشن معارك مربكة ذات نتائج غامضة، واختلاط القوات على الأرض. وفي الوقت ذاته، يستمر القتال بين الثوار وقوات النظام، وأحياناً يكون ذلك فعلياً على نفس الأرض بشكل متزامن. إن الصراع بين الثوار هو التطور العسكري الأكثر أهمية في الحرب منذ تدخل «حزب الله» المباشر في ربيع 2013. ولا يتضح كيف ومتى سينتهي هذا الصراع - ويبدو حالياً أن الأمر سيطول وسيكون مكلفاً وسيحقق أكبر مصالح للنظام. لكن لا يزال بوسع الولايات المتحدة التأثير على النتيجة بشكل إيجابي من خلال مساعدة العناصر المعتدلة التي تقاتل المتطرفين.
من الذي يحارب، ولماذا؟
في 3 كانون الثاني/يناير، اندلعت مواجهات طاحنة بين الجماعة الجهادية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [تنظيم «داعش»] المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» وتحالف ارتجالي يضم بعض الفصائل الأكثر اعتدالاً. ويشمل التحالف الأخير مقاتلين من "الجبهة الإسلامية" - منظمة مظلية ثورية تشكلت في أواخر العام الماضي - فضلاً عن جماعة "جيش المجاهدين" ومجموعة مظلية أخرى هي "جبهة ثوار سوريا". وفي واحد من العديد من التفاصيل المختلطة، قاتلت بعض القوات على الأقل من الجماعة الجهادية "جبهة النصرة" - التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة داعمة للإرهاب - إلى جانب "الجبهة الإسلامية" أيضاً.
بالنسبة للفصائل الإسلامية الأكثر اعتدالاً وحلفائها العلمانيين، تمثل المصادمات أول محاولة جادة لكبح جماح تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وتجاوزاتها في الشمال، كما تمثل فرصة لإعادة الثورة إلى مسارها الأكثر اعتدالاً. بالنسبة لـ تنظيم «داعش» وأنصاره، يشكل القتال فرصة لإنزال هزيمة ساحقة بخصومهم المسلحين في المعارضة. وبالنسبة للنظام، فهي بداية يتعين استغلالها - أي فرصة لإنزال المزيد من الخسائر بقوات الثوار واستعادة المزيد من الأراضي التي خسرها.
لقد كان السبب المباشر لاندلاع القتال هو سلسلة من الإجراءات المحددة التي اتخذتها جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والتي اعتبرتها "الجبهة الإسلامية" وحلفاؤها غير مقبولة؛ على سبيل المثال قتل تنظيم «داعش» قادة ومسؤولين من جماعات منافسة وأطلق النار على متظاهرين مناهضين له. وقد وقعت هذه الأمور على خلفية زيادة مساعي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لفرض قوانين إسلامية صارمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ولهذا فإن القتال يتعلق كذلك بالصراع على تعريف الثورة على طول خطوط إسلامية متطرفة أو أكثر اعتدالاً: إذ يرغب تنظيم «داعش» في توسيع رؤيته الجهادية بين صفوف الثوار، بينما يأمل معارضوه في كبح جماح سلطة التنظيم وتجاوزاته.
طبيعة الاشتباكات
وقع معظم القتال عبر منطقة واسعة خاضعة لسيطرة الثوار في شمال وغرب سوريا، بما في ذلك محافظات إدلب وحلب والرقة، مع اندلاع حالات قتال محلية صغيرة في محافظات أخرى مثل حماة واللاذقية. والأمر يفتقر إلى جبهات واضحة، حيث تختلط القوات بشكل كامل على الأرض وتقع المصادمات في أماكن عديدة. وفي بعض الأماكن (مثل القلمون والحسكة)، تواصل جماعات الثوار المقاتلة التعاون في الإجراءات ضد قوات النظام حتى في ظل قتالهم لبعضهم البعض، وذلك اعتماداً على الظروف المحلية وشبكات القرابة والولاء والعلاقات الشخصية بين الوحدات والقادة.
ويبدو أن القتال نفسه يتكون في الغالب من إجراءات لوحدات صغيرة - عشرات من الرجال بدلاً من مئات - تقاتل من أجل السيطرة على المعابر الحدودية، والمدن والقرى الرئيسية، وقواعد ومراكز الوحدات، ومواقع تخزين الأسلحة. وتشمل الإجراءات المُبلغ عنها حتى الآن نصب الكمائن، وهجمات على نقاط تفتيش، وقطع خطوط الاتصالات، وفرض الحصار، وشن الهجمات على المواقع والمنشآت. ويستخدم كلا الجانبين أسلحة ثقيلة تم الاستيلاء عليها من النظام، بما في ذلك الدبابات ومدافع الهاون والأسلحة المضادة للطائرات. كما استخدمت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة للهجوم على خصومها، بل أفادت التقارير أنها شكلت وحدات انتحارية خاصة. وفي خريطة نشرتها مواقع المعارضة الإلكترونية في 18 كانون الثاني/يناير ظهر خمسون موقعاً تقريباً لهجمات انتحارية أفادت التقارير أن تنظيم «داعش» قد نفذها ضد مدنيين ومتمردين من جماعات منافسة.
وفي بعض الحالات، كانت المصادمات قوية، وأدت إلى وقوع العديد من الضحايا. وقد أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بأنه أثناء العمليات القتالية، قُتل 426 شخصاً من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و 760 آخرين من "الجبهة الإسلامية" وحلفائها. وليس هناك شك من إصابة كثيرين آخرين بجراح، وأفادت التقارير بأن كلا الجانبين قد نفذ أيضاً حكم الإعدام ببعض السجناء.
وفي غضون ذلك، ينخرط كلا الطرفين في عمليات استخباراتية لتقويض ولاء الوحدات المنافسة وجذب الدعم من السكان. وقد حقق كل فصيل بعض النجاح في هذا الصدد، مما أدى إلى وقوع انشقاقات وظهور إعلانات الدعم والتأييد وتنظيم مسيرات جماهيرية لصالح كل طرف. والأمر الذي زاد الأمور تعقيداً أن المقاتلين تفاوضوا كذلك على عمليات وقف إطلاق نار محلية في بعض المناطق، فضلاً عن تبادل الأسرى والمرور الآمن للأفراد عبر خطوط العدو.
النتائج
لم يخرج أي من الطرفين منتصراً بوضوح من القتال. وفي البداية، حققت "الجبهة الإسلامية" وحلفائها مكاسب ضخمة ضد قوات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المتفرقة على نطاق واسع وغير المستعدة على ما يبدو. وقد أظهر ذلك أن بإمكان إنزال الهزيمة بـ تنظيم «داعش» بفعل الإجراءات الصارمة. ومنذ ذلك الحين، تعافت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بعض الشيء، حيث حشدت قواتها وأعادت نشرها واستعدت لقتال طويل. وبالإضافة إلى شن حملة تفجيرات انتحارية، حققت الجماعة سيطرة كاملة على مدينة الرقة والمناطق الرئيسية الأخرى في محافظة الرقة، التي تعتبر مركز قوتها. ومع تطور القتال، بدا أن "الجبهة الإسلامية" وحلفاءها أكثر قوة في محافظة إدلب، وإلى درجة أقل في محافظة حلب، بينما تنظيم «داعش» هو الأكثر قوة في الرقة فضلاً عن أنه قادراً على الاعتماد على مزيد من الدعم من دير الزور. وتظهر الخرائط التي نُشرت على مواقع المعارضة الإلكترونية وضعاً شديد الارتباك على الأرض، حيث تتغير السيطرة على المواقع المتنازع عليها كل يوم.
وبعيداً عن النتائج غير المؤكدة، كانت المصادمات باهظة التكلفة بالنسبة للمعارضة. فجميع الخسائر تقع في صفوف الثوار الذين كانت مهمتهم الأساسية في السابق هي قتال النظام - وفي حالة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، من الناحية الإسمية على الأقل. كما أن الثوار يُهدرون الذخيرة والأسلحة، وهي موارد لم تتاح لهم بوفرة أبداً. فكل خسارة في صفوف الثوار وكل رصاصة تُطلق في هذا الصراع الثانوي تصب بشكل مباشر في مصلحة النظام. ويفضي هذا القتال إلى تدفقات للاجئين أيضاً، ويشرد أولئك الذين هم مشردين بالفعل.
وباختصار، يمثل القتال بين الثوار تشتيتاً خطيراً للجهود، حيث يعيق العمليات ضد النظام ويقلل الضغط على مواقع النظام في مناطق مثل الرقة. وتفيد التقارير أن جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» انسحبت من بعض المواقع الدفاعية من أجل التركيز على خصومها، كما أن المصادمات المميتة سمحت لقوات النظام على ما يبدو بتحقيق مكاسب في حلب. وهناك أيضاً العديد من التقارير والإشاعات التي تفيد بأن تنظيم «داعش» وقوات النظام تتعاون بشكل صريح أو ضمني. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يصب هو الآخر في مصلحة النظام، سواء من الناحية العملياتية أو من حيث زرع بذور الشك بين قوات الثوار.
الدلالات والتوقعات
هناك الكثير الذي سيعتمد على نتائج القتال وسرعة تحققها. فبعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أسابيع على اندلاع المصادمات، لا تلوح في الأفق أي نتيجة حاسمة: فـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مهيمنة في بعض المناطق، بينما تهيمن "الجبهة الإسلامية" وحلفاؤها في مناطق أخرى. إن الفوز الحاسم من قبل أي من الجانبين سوف يكون له أثر كبير في تقرير المسار المستقبلي للثورة، ولكن القتال المطول وغير الحاسم - وهو الأمر الأكثر احتمالاً على ما يبدو - سوف يصب في صالح النظام على المدى الطويل ويدعم روايته للحرب. لدى دمشق كافة المحفزات لاستمرار هذا الصراع ويرجح أنها ستفعل ما بوسعها لاستمراره.
ورغم أن تحقيق أي من الطرفين لانتصار شامل أمر غير محتمل، إلا أن فوز "الجبهة الإسلامية" وحلفائها في النهاية سيكون بمثابة هبة للمعارضة الإسلامية المعتدلة والعلمانية. كما سيخفف ذلك من بعض الضغوط المفروضة على السكان المدنيين جراء العنف الذي تمارسه «الدولة الإسلامية في العراق والشام». بيد أنه حال هيمنة تنظيم «داعش»، فإن الدعم الخارجي للثورة سوف يتضاءل بصورة أكبر، وستزداد صعوبة محنة المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار.
وفي مثل هذا الوضع، فإن مساعدة الثوار الأكثر اعتدالاً - الذين يُحتمل أن يكون من بينهم بعض الإسلاميين - في قتالهم ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تبدو أمراً منطقياً. ويمكن أن تؤدي تلك المساعدة إلى النتيجة التي تصب في صالح الولايات المتحدة وحلفائها وهي: فوز الثوار المعتدلين ضد المتطرفين، وربما في النهاية ضد النظام.
 
«اشتباك» أميركي - روسي في ميونيخ
الحياة..برلين - اسكندر الديك
شهد مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ تراشقاً حاداً بالكلمات بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف حول أسباب أزمة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أوكرانيا، والمستمرة منذ أكثر من شهرين، فيما حذر زعيما المعارضة الأوكرانية فيتالي كليتشكو وأرسيني ياتسينيوك في اجتماعات عقداها مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين على هامش المؤتمر، من «نية الجيش الأوكراني استخدام القوة لتفريق المتظاهرين».
واتهم لافروف الدول الأوروبية بـ «تشجيع المتظاهرين في أوكرانيا على اللجوء إلى العنف»، وسأل: «هل يرتبط التحريض على الاحتجاجات العنيفة ومهاجمة الشرطة وحرق مبانٍ حكومية بالديموقراطية؟ ولماذا يشجع سياسيون أوروبيون هذه الأعمال، فيما لا يترددون في معاقبة أي انتهاك للقانون بشدة في بلادهم؟».
أما كيري، فأكد دعم واشنطن المتظاهرين الأوكرانيين، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقفان إلى جانب الأوكرانيين في «معركتهم» للتقارب مع أوروبا، وقال: «يناضل هؤلاء لتحقيق التقارب مع شركاء سيساعدونهم في تحقيق تطلعاتهم، ويعتبرون أن مستقبلهم لا يعتمد على دولة واحدة»، في إشارة إلى روسيا. وحض موسكو على «عدم اعتبار الأحداث في أوكرانيا تهديداً لمصالحها».
وكان لافتاً اعتراف كيري بوجود «عناصر مشاغبة في شوارع كييف»، لكنه استدرك أن «الغالبية الساحقة من الأوكرانيين تريد العيش بحرية في بلد آمن ومزدهر».
واستبق قادة المعارضة الأوكرانية لقاءً جمعهم مع كيري في ميونيخ ووصفته موسكو بأنه «سيرك»، بتحذير الأوروبيين من أن تدخل الجيش الأوكراني لتفريق المتظاهرين «بات مرجحاً جداً»، مشيرين إلى أن فتح أجهزة الاستخبارات الأوكرانية أول من أمس تحقيقاً في «محاولة للاستيلاء على السلطة» استناداً إلى وثائق ضبطتها الشرطة في مقر حزب تيموشنكو في كانون الأول (ديسمبر) الماضي «تحضير لفرض الطوارئ».
وكان الجيش طالب في بيان أصدره أول من أمس، الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بـ «اتخاذ تدابير عاجلة لمنع تصعيد حركة الاحتجاج الذي يهدد وحدة البلاد»، وذلك بعدما صوّت البرلمان على قانون يربط العفو عن معتقلين بانسحاب المتظاهرين من أماكن عامة خلال 15 يوماً، وهو ما يرفضونه.
ووصف المعارض ياتسينيوك بيان الجيش بأنه «محاولة ترهيب بلا جدوى»، فيما هددت مجموعة من المعارضين المتطرفين بالعودة إلى العنف ضد قوات الأمن والسلطة في حال عدم إطلاق المعتقلين، وإذا لم تستأنف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة.
 
مؤتمر ميونيخ: قوة أوروبا وأميركا تتطلب «نهضة عبر الأطلسي»
الحياة...برلين - اسكندر الديك
اتفق القادة الأوروبيون والولايات المتحدة المجتمعون في مؤتمر الأمن الدولي بميونيخ والذي ينتهي اليوم، على أن «أي بلد بمفرده لا يمكن أن يجد حلولاً» لبؤر الأزمات المتنامية في العالم.
وهيمنت أحداث أوكرانيا على أجواء الدورة الخمسين للمؤتمر، لكن حيزاً مهماً خصص لمناقشة الحرب الأهلية في سورية والأزمة النووية في إيران، إلى جانب تداعيات فضيحة التجسس الأميركية في أوروبا، ومواضيع أخرى.
وكانت المفاجأة مشاركة أول رئيس ألماني في المؤتمر منذ عام 1963، إذ ألقى الرئيس يواخيم غاوك خطاباً شاملاً كسر التقليد المتبع حول بقاء الرئيس بعيداً من الشؤون السياسية اليومية. ويشارك حوالى 20 رئيس دولة وحكومة في المؤتمر و50 وزير دفاع وخارجية، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، وأكثر من 90 وفداً حكومياً.
وفيما شهد المؤتمر تراشقاً كلامياً حاداً بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف حول أسباب الوضع المتفجر في أوكرانيا، أكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أهمية العلاقات مع روسيا، وذكّر المشاركين بـ «وجود نزاعات لا يمكن حلها بلا روسيا مثل الصراع الدائر في سورية».
وأضاف في السياق ذاته: «فقط مع روسيا يمكن أن ينجح التوافق مع إيران. ومن الخطأ تشكيل مستقبل أوروبا بلا أخذ روسيا في الاعتبار، فيما يجب أن تحدد موسكو تحديد التحديات المشتركة أمام الجانبين».
وعلى غرار الرئيس الألماني غاوك ووزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين، أكد شتاينماير استعداد بلاده للاضطلاع بدور أكبر في السياسة الدولية، مشدداً على أنها «أكبر من أن تقف على الهامش لتتابع ما يجري على الساحة الدولية».
وبعدما أكد ضرورة أن تكون ألمانيا «مستعدة للتدخل في السياسة الخارجية بحزم وموضوعية»، أعلن استعداد برلين «كي تكون المبادر الأول لرسم سياسة أوروبية أمنية ودفاعية مشتركة». لكنه شدد على أن التدخلات العسكرية «ستبقى دائماً الحل الأخير للحكومة الألمانية».
وكان حلفاء ألمانيا، خصوصاً واشنطن، انتقدوا مرات في الأعوام الماضية تهرب برلين من اتخاذ التزامات عسكرية أوروبية ودولية. ورد الوزير الأميركي جون كيري على تصريحات المسؤولين الألمان بأن «الكلام الجيد وحده في ميونيخ لا يكفي، ولا بدّ من البدء بالأفعال».
أما وزير الدفاع الأميركي شاك هاغل فتكلم بلجهة أعنف قائلاً: «عندما لا يكون للدفاع عن بلدك أية قيمة فثمة خطأ ما في القيادة السياسية، وعلى الأوروبيين أن يساهموا بما عليهم».
وأكد هاغل أن «ازدهار الغرب وأمنه جزء واحد لا يتجزأ»، معتبراً أن تحديث الجهاز العسكري في الصين وروسيا بالتزامن مع تراجع موازنات الدفاع على جانبي الأطلسي يهدد تقدمنا التكنولوجي وشراكاتنا الدفاعية في العالم».
وأكد كيري أن «أميركا تحتاج إلى أوروبا قوية وأوروبا تحتاج إلى أميركا ملتزمة، ما يتطلب نهضة عبر الأطلسي»، علماً أن التعاون بين الأوروبيين والأميركيين مهم في تفكيك الأسلحة الكيماوية السورية، أو في إطلاق مفاوضات مع إيران لتجميد برنامجها النووي.
 
 هيغل: السياسة الخارجية الأميركية ستقدم الدبلوماسية على القوة العسكرية والجيش يعاني ضغوطا بسبب الحروب الطويلة في أعقاب هجمات سبتمبر

ميونيخ: «الشرق الأوسط» ...
أكد وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، أمس، أن إدارة الرئيس باراك أوباما تعتزم التحول في سياستها الخارجية؛ من التركيز على القوة العسكرية إلى الدبلوماسية. وقال هيغل، الذي كان يتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن، إنه ووزير الخارجية جون كيري «عملا معا على إعادة التوازن إلى العلاقة بين الدفاع والدبلوماسية الأميركية». وشدد هيغل، في تصريحات معدة سلفا، على أن الولايات المتحدة تخرج من حرب استمرت 13 سنة، بينما تضع الحرب في أفغانستان أوزارها.
وتسعى واشنطن إلى تفادي الدخول في صراعات عسكرية أخرى في الخارج. وتعكس تصريحات هيغل ما ذكره أوباما في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الذي ألقاه الأسبوع الماضي وقال فيه إنه لم يعد في استطاعة الولايات المتحدة أن تعتمد على القوة العسكرية وحدها، ووعد بألا ترسل واشنطن الجنود الأميركيين للقتال في الخارج إلا عندما تكون هناك ضرورة حقيقية لذلك. وأبدت الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية حماسا تجاه إنهاء الحرب في أفغانستان وفي العراق، حيث اضطلع الجيش بأنشطة تؤديها هيئات مدنية عادة مثل مساعدات التنمية. وحرص المسؤولون الأميركيون أيضا على تفادي التورط مباشرة في أي تحرك عسكري جديد في أماكن مثل سوريا وليبيا. وقال مسؤول عسكري أميركي كبير، طلب عدم الكشف عن اسمه، «على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، كان الطابع العسكري يطغى بقوة على السياسة الخارجية». وأضاف: «حان الوقت لأن نضطلع بدور داعم عندما يتعلق الأمر بتنفيذ السياسة الخارجية الأميركية». وتابع قائلا: «السياسة الخارجية للدولة يجب أن تقودها وزارة الخارجية بدعم كامل من وزارة الدفاع.» وتضطلع وزارة الخارجية الأميركية بدور قيادي في عدد من قضايا السياسة الخارجية الرئيسة ذات الأولوية للبيت الأبيض، بما في ذلك جهود الوساطة للتوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين ووقف برنامج إيران النووي.
لكن تصريحات وزير الدفاع الأميركي تظل لافتة للنظر. فالإنفاق على الدبلوماسية والمساعدات الخارجية تقل كثيرا عن الميزانية العسكرية الأميركية حتى بعد التخفيضات التي فرضتها الأزمات المتكررة للميزانية الأميركية.
لكن الجيش الأميركي يعاني ضغوطا بسبب الحروب الطويلة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وسحبت واشنطن كل قواتها من العراق نهاية عام 2011، وتسعى أيضا إلى إنجاز اتفاق أمني مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يسمح للولايات المتحدة بالإبقاء على قوة صغيرة في أفغانستان بعد عام 2014.
 
المعارضة الأوكرانية ترفض عرضا أمميا بالتوسط في الأزمة السياسية واستمرار الخلافات بين روسيا و«الناتو» خلال محادثاتهما في مؤتمر ميونيخ

ميونيخ: «الشرق الأوسط»... رفضت المعارضة الأوكرانية بصورة مبدئية عرضا من الأمم المتحدة بالتوسط في الأزمة السياسية الحالية في البلاد. وفي أعقاب لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على هامش مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، قال وزير الخارجية الأوكراني السابق أرزني يازينوك أمس في ثاني أيام المؤتمر «في اللحظة الراهنة، يتعين علينا أن نحل المشكلة في أوكرانيا عبر اتصالات مباشرة بين أوكرانيا والشركاء الغربيين».
في الوقت نفسه، قال السياسي الأوكراني المعارض لوكالة الأنباء الروسية (إنترفاكس) إن إرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة أو منظمة الأمن والتعاون مسألة يجدر التفكير فيها عندما يصبح أنه ليس هناك «مخرج من الوضع الراهن». واتهم يازينوك روسيا بإجراء مفاوضات سرية مع القيادة السياسية في أوكرانيا.
من جهة أخرى، استمرت الخلافات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشأن القضايا المهمة في السياسة الأمنية وذلك خلال المحادثات التي أجراها الجانبان في إطار فعاليات مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن.
وانضم زعيم المعارضة الأوكراني فيتالي كليتشكو إلى مظاهرة في ميونيخ أمس دعما لاحتجاجات كييف ضد الحكومة هناك. وكان كليتشكو يحضر مؤتمر ميونيخ الأمني، وغادره لبرهة قصيرة لمخاطبة مئات من الأنصار المتجمعين، وحذر كليتشكو من أن عدم استقرار أوكرانيا ربما يكون له أثر سلبي في سائر أنحاء أوروبا. وأبلغ صحافيين قائلا: «في المؤتمر الأمني تحدثنا عن أوكرانيا، فأوكرانيا آمنة تعني أمنا لأوروبا، والجميع يفهم ذلك، عدم استقرار أوكرانيا قد يتسبب في عدم استقرار في أوروبا»، وألقى خطابا في الحشد مشيدا بهم لسعيهم لـ«حياة أفضل ومستقبل آمن».
وكانت الاحتجاجات في معظمها سلمية حتى منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما أطلق محتجون غاضبون من قوانين حظر التظاهر الجديدة اشتباكات عنيفة مع الشرطة.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في ثاني أيام المؤتمر على وجود خلافات بين بلاده من جهة والاتحاد الأوروبي والغرب من جهة أخرى بشأن الوضع في أوكرانيا.
من جانبه، أبدى أندرس فوج راسموسين الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عدم رضاه عن العلاقات بين الحلف وروسيا وذلك في مستهل نقاش جرى في ثاني أيام المؤتمر. وأشار الأمين العام لحلف الأطلسي إلى أن أفق العلاقة مع روسيا ليس مستغلا بشكل كامل في الوقت الراهن، وأضاف أن القائم حاليا ما هو إلا «تعاون بارد» بين الجانبين وليس «عملا بناء» بين روسيا والحلف. وأعرب راسموسين عن قلقه «لأننا لا نزال بعيدين كثيرا عن بعضنا البعض في قضايا مهمة وأشعر بالقلق عندما أسمع عن إقامة أنظمة أسلحة هجومية وليس دفاعية في بيلاروس مثل الطائرات الحربية وعندما أسمع عن نصب صواريخ إسكندر في جيب كاليننغراد وإرسال المزيد من القوات المسلحة إلى القطب الشمالي». واتهم راسموسين موسكو بأنها تصف «على نحو خاطئ» الخطط الخاصة بإنشاء درع صاروخية في أوروبا بـ«الهجومية». في المقابل قال لافروف إن الحلف يوسع من نطاق بنيته العسكرية التحتية عند الحدود الشرقية لروسيا ويقوم بمناورات غير بعيدة عن الحدود الروسية يجري التدريب خلالها على التصدي لهجوم روسي. ووصف لافروف الدرع الصاروخية بأنها جزء من الترسانة الاستراتيجية للولايات المتحدة، «وإذا أضيفت الدرع النووية للسيف النووي فهذه محاولة كبرى للاستفادة من القدرة الدفاعية والأمر هنا يتعلق بالقدرات وليس بالنيات».
من جانبه، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه على الرغم من كل الخلافات، فإن «علينا أن نبحث عن نقاط مشتركة مع روسيا ننطلق منها نحو تشكيل علاقات بناءة وتعاونية أكثر». وطالب الوزير الألماني بالعمل بشكل مشترك من أجل حل الأزمة السياسية في أوكرانيا، وقال «عندما يلتهب فتيل برميل البارود فمن الخطر الكبير جدا اللعب على عنصر الوقت». واتهم راسموسين روسيا بأنها لا تحترم حق بلد في أن يبت في تحالفاته وطالب بإتاحة الحرية لأوكرانيا لتسلك الطريق الأوروبي من دون ضغوط أجنبية. في المقابل، قال لافروف إن مسألة تعليق كييف للتوقيع على اتفاقية الانتساب مع الاتحاد الأوروبي أمر متعلق بقرار حر من أوكرانيا. وأضاف أن حلف الناتو كان قرر في 2007 انضمام أوكرانيا للحلف يوما ما، كما أن رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي كان قد تحدث عن أن مستقبل أوكرانيا موجود في الاتحاد الأوروبي، «وهنا الإجبار على اختيار بعينه، ولم تتدخل روسيا بشيء تجاه هذا الأمر على الإطلاق». وتابع الوزير الروسي حديثه قائلا إن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ضمنت حق التظاهر لكن «ما دامت المظاهرات لا تنتهك القانون».
من ناحيته، قال فان رومبوي إن اتفاقية الانتساب مع أوكرانيا ليست موجهة ضد «الجارة الكبرى في الشرق والتي تتقاسم معها أوكرانيا التاريخ والثقافة». وأضاف أن «العرض ما زال قائما ونحن نعرف أن الوقت في صالحنا».
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه من الضروري ألا يتحدد مستقبل أوكرانيا من خلال الإرغام. وشدد كيري خلال مؤتمر ميونيخ للأمن على ضرورة ألا تنظر روسيا للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على أنه مكسب للتكتل وخسارة لها.
وبدأت احتجاجات المعارضة هناك في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد رفض الحكومة توقيع اتفاق انتساب مع الاتحاد الأوروبي، وتوقيعها بدلا من ذلك اتفاقيات تجارية مع روسيا التي تحاول إبقاء أوكرانيا داخل مجال تأثيرها.
 
عن "حماية الأقليات" والمسيحيين في المسألة السورية
المستقبل..نجيب جورج عوض
منذ اندلعت الثورة السورية ودخلت سوريا في جحيم الحرب والنار والدمار، تعالت أصوات العديد من السوريين، ومن المراقبين للمأساة السورية، بالحديث عن مصير الأقليات في سوريا. ترافق هذا مع تزايد حديث المجموعات السوسيولوجية غير السنية في سوريا، مسيحيين (وعلويين) بشكل أساس، عن مصيرها لا بصفتها جماعات من الشعب السوري، ولكن بصفتها "أقليات" تحديداً، وحصرياً في بعض الأحيان. صار مصطلح "أقليات" مع الوقت هو الأداة التعريفية الأولى والأكثر استخداماً من قبل السوريين، سواء المؤيدين للنظام أو المؤيدين للثورة. بدأنا نلمس تنامي هذه الظاهرة في ضوء ثلاثة معطيات:
1) بدأ النظام بتسويق دعاية أن سقوطه سيؤدي إلى اضطهاد الأقليات وقمعها في سوريا، وأنه هو الحامي الوحيد للأقليات.
2) بدأ الشارع السياسي اللبناني، في ما يشبه عملية استحضار إرث لبناني يعود للحرب الأهلية هناك، بالحديث عن "حلف الأقليات"، ذاك الخطاب الذي تبناه معسكر مسيحيي (العوني تحديداً) له من يتأثر ويقتدي به في أوساط مسيحيي سوريا.
3) وبدأ، أخيراً، بعض أطياف الساحة العامة في الغرب يتحدثون عن ضرورة عمل حكوماتهم على حماية الأقليات في الشرق، والدفاع عنها، في وجه مد إسلاموي لطالما عاش الغرب الأوروبي (وليس المشرق العربي) تحديداً حالة من الفوبيا العميقة تجاهه.
خلافاً لحالة الامتناع عن الحديث عن أنفسهم على أنهم "أقليات" في سوريا في العقود الماضية، وفي ضوء تأثير العوامل الثلاثة المذكورة في الأعلى، بدأنا نرى المسيحيين السوريين يختزلون أنفسهم، وبشكل محموم لا سابق له، إلى "أقلية" تحتاج إلى حماية، وتبحث عن حقوق مسلوبة، وتسعى لتجنيب نفسها اضطهاداً وتصفية باتتا تبدوان لها وكأنهما أمر محتوم في حال سقوط النظام. واليوم، يستطيع من يتابع تعليقات شريحة كبيرة من المسيحيين السوريين (بخاصة بين المؤيدين للنظام، أو الذين لا يؤيدونه، ولكنهم يعيشون حالة رعب من البديل المحتمل عنه في المستقبل) على شبكات التواصل الاجتماعي أو في داخل سوريا (الساحل السوري وحلب، مثلاً) أن يرى أنهم باتوا لا يتحدثون عن أنفسهم سوى تحت تسمية "أقليات". وبات الغرب والدول العربية المؤيدة للثورة بدورهم لا يتحدثون عن المسيحيين (والعلويين) في سوريا إلا بصفتهم "أقليات"، ويختزلون شؤونهم ووضعهم المستقبلي بمفهوم "الحماية" حصراً. وما ردة الفعل العارمة الأخيرة على قول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بأن الغرب سيعمل على حماية الأقليات في سوريا ويضمن أمنهم، سوى مؤشر واحد من مؤشرات عدة عن هذا الهوس والحديث المحموم عن السوريين، الذي لا ينتمون للمجموع السوسيولوجي السني باسم "أقليات".
أود في مقالتي هذه أن أتأمل قليلاً في المعاني والدلالات المحتملة في مصطلح "أقليات" المستخدم في هذا السياق بالتحديد. سأشارك القارئ بهاجس استحوذ علي بقوة وأنا أراقب بتأنٍ هذا الازدياد المشحون عاطفياً ووجودياً للحديث عن "الأقليات"، وبرضوخ أطياف ملحوظة من المسيحيين في سوريا لظاهرة تسميتهم بـ"الأقليات" وقيامهم هم أنفسهم بالحديث عن مصيرهم في المستقبل على أنه مصير "أقليات". ما لاحظته من مراقبتي تلك أن لا أحد من المتبنين لهذا المصطلح يريد في الحقيقة أن يقول لنا ما هو المقصود بكلمة "أقليات"، وما هي المعاني والدلالات الممكنة لهذا المصطلح في استخدامه في السياق السوري. يبدو لي أن الجميع يرطن بهذه المفردة مفترضاً، أو مفترضة، بأن معناها مفهوم بديهياً ومسبقاً للجميع، ناهيك عن افتراضه وافتراضها، كما يبدو، بأن معنى المفردة واضح له ولها بشكل بديهي أيضاً، وكأن لكلمة "أقليات" معنى واحد وحيد. لست متأكداً من هذا الوضوح في الحقيقة، ولست متأكداً بأن من يتحدثون عن "أقليات"، في السياق السوري، يعرفون فعلاً أن لهذه المفردة العديد جداً من المعاني والدلالات في حقول الفكر السياسي والسوسيولوجي والقانوني والفلسفي. قد يبدو ما سأشارك القراء به هنا نظرياً وتجريدياً. لكنه برأيي أساسي كي أقول لأهلي (من المسيحيين على الأقل) في سوريا: إن عرفتم دلالات ومعاني مفردة "أقليات" في استخداماتها السياسية والسوسيولوجية والفلسفية، هل ستستمرون فعلاً في تسمية أنفسكم بالأقليات، أم ستقولون لكل من يطلقها عليكم (من الأطراف الثلاث المذكورة في الأعلى) أنها لا تنطبق في الحقيقة عليكم؟
في علم الاجتماع (السوسيولوجيا) وعلم الإناسة (الانثربولوجية)، يمكن لمفردة "أقلية" أن تُعرَّف من خلال عدة نفاذات: إثنية وعرقية، جنسية (المثليين وغير المثليين) وجندرية (ذكر وأنثى)، عمرية (شيوخ أو شباب) وجسدية (ذوي الاحتياجات الخاصة)، وكذلك فردية وخاصة. هناك أيضاً معانٍ ودلالات مختلفة لمفردة "أقليات" حين نستخدمها في حقول السياسة، وعلاقات الأديان وفي التشريع والدسترة (من دستور) وكذلك في الفلسفة. وفي حقل الفكر الفلسفي المعاصر، لم يكتب عن فكرة "أقلية" مثلما كتب عنها كل من جيل دولوز وفيلكس غوتاري، إذ يبين الفيلسوفان بأن صفة "أقلية" ليست بالمعطى الانطولوجي الجامد، الذي يُخلَق الناس فيه، وكأنه حالة وجود أو هوية قائمة بحد ذاتها. يتحدث دولوز وغوتاري عن فكرة "أقلية" بصفتها شيئاً حدثياً ذات سيرورة، شيئاً يتحول الناس إليه أو يصلون إليه بسبب عوامل معينة "تأقللهم": حالة الأقللة (minoritization) هي حالة أخلاقية بطبيعتها، يستحيل الإنسان إليها حين يرفض حالة مضادة ذات طبيعة أخلاقية معاكسة. وبعيداً عن الجانب الفلسفي، من التعريفات المستخدمة لمصطلح "أقليات" في الأوساط والأدبيات العلمية والثقافية الأكاديمية ما يلي: "تطلق تسمية "أقلية" على أي شخص أو أي شيء يعبر عن حالة وجود مخالفة لحالة الوجود المعبرة عن العرف القائم"، "الأقليات هي جماعات مرؤوسة أو خاضعة أو تابعة يفتقر أعضاؤها بشكل جدي لأي سلطة أو سيطرة على حياتهم مقارنةً بأفراد جماعات أخرى حضورها طاغٍ وقدراتها أكثر سطوة"، "الأقلية هي جماعة من الناس تختبر في حياتها حالة الافتقار إلى فرص عادلة للنجاح والرفاه والغنى والتعليم والعيش، ولا تنال الفرص نفسها التي تنالها جماعات وأفراد آخرين في المجتمع ذاته".
لن استفيض أكثر في التعاريف والمفاهيم النظرية والتعريفية لمفردة "أقليات" (سأعكف على دراسة علمية مستفيضة عن هذا المسألة في الشهور المقبلة). أود فقط أن أطرح الآن الأسئلة التالية على السوريين (المسيحيين خصوصاً) الذين بدأوا يكررون تسمية أنفسهم "أقليات" في سوريا: هل ينطبق أي تعريف من التعاريف السابقة على ما تريدون قوله حين تسمون أنفسكم "أقليات"؟ وهل إذا ما عرفتم أن مصطلح "أقليات" في استخداماته العلمية والأكاديمية لا يتطرق لمسألة العدد حصراً ولا يدور في الواقع حول أي تصنيف طائفي المنطق في معناه العام، هل ستقولون فعلاً أنكم أقليات، أم أنكم ستعيدون النظر في مسألة من يمثل أقلية ومن لا يمثل أقلية في الواقع السوري؟
لنلاحظ معاً بأن التعاريف السابقة تشير إلى أن ما يحدد انطباق حالة "أقلية" على مجموع بشري سوسيولوجي ما، هو مسألة تمتع هذا المجموع بسلطة وقدرة على التواجد والتفرد والاختلاف في قلب حالة من الأعراف المهيمنة، وقدرة أفراد هذه المجموعة على نيل فرص نجاح وازدهار ووجود تعادل فرص أولئك الذين يسيرون وفق العرف العام السائد. في ضوء هذا الانتباه لمسألة القدرة والسلطة، سنبدأ بالتفكير جدياً في ما إذا كان افتراضنا بأن المسيحيون والعلويون أو من هم من غير المسلمين السنة، هم من ينطبق عليهم حالة "أقلية"، لمجرد أنهم الأقل عدداً في المشهد السوري. من يعرف الوضع السوري السوسيولوجي والسياسي والدولتي في العقود الماضية سيقول إن صفة "أقلية" بالمعنى المفاهيمي، الذي أشرت إليه في الأعلى، تنطبق في الواقع على الغالبية العظمى من الشعب السوري بمختلف إثنياته وطوائفه وأديانه وجماعاته السوسيولوجية. لا بل ولو أردنا الحديث عن الأقليات بالمعنى الجندري والجنسي لقلنا إن المرأة والمثليين جنسياً هم أقليات، من حيث حرمانهم لحقوق وشروط عيش وازدهار وسلطة تقرير مصير تعادل الحقوق والشروط والسلطة المعطاة للرجل ولغير المثليين جنسياً. الواقع السياقي المميز لسوريا في العقود الأربعة الماضية يقول لنا، في الواقع، إن كل من لم ينضوِ تحت مظلة الخضوع للنظام والطاعة لقمعه وطغيانه والتورط معه في منظومة فساده وعقد شراكة منظمة معه فيها، ومن كل الطوائف والأديان والأثنيات والشرائح المجتمعية، تم حرمانه من مقومات القدرة والسلطة والتمتع بشروط الازدهار، والوجود، والعيش والفرص المتكافئة والعادلة والمطلوبة لتمتعه بتفرده واختلافه الحر، والطوعي، عن الأعراف العامة التي فرضها النظام، وأعاد تشكيل سوريا وفقها. بات كل من رفض أن يشكل حياته وقيمه وفق عرف النظام القائم "أقلية" في سوريا. وبات كل من لم ينضوِ تحت مظلة النظام ولم يبجّل ويبرر قمعه وفساده وطغيانه الفظيع، محروماً من أن يتمتع بأي نوع من أنواع القدرة على العيش العادل. وكي نستعير مفردات دولوز وغوتاري، نقول إن النظام بمنظومته تلك إما "أقلل" (minoritized) تلك الأغلبية الطاغية المتألمة والمعانية من وجوده أو دفعها كي "تأقلل" نفسها بنفسها، حين اختارت أن تقف أخلاقياً على طرف نقيض رفضي مع المنظومة الأخلاقية التي شكلها النظام (منظومة قوامها: أنت معي إذاً أنت وطني ومخلص. أنت ضدي، إذاً أنت مجرم وعميل وتستحق الاضطهاد)، فوجدت نفسها إما تعيش على هامش الحياة في البلد أو معتقلة ومراقبة أو صامتة وتعيش في حالة شبحية أو أنها هاربة خارج البلاد. يمكننا في ضوء هذا النفاذ السوسيولوجي والسياسي والدولتي أن نتحدث عن تاريخ من "الأقللة" الممنهجة والممأسسة في سوريا كان ضحيته كل من لم يرض أن يكون جزءاً من منظومة النظام الفكرية والعملانية والمصالحية والقيمية، وهؤلاء كانوا من كل أطياف المجتمع السوري وشرائحه، بما فيهم العلويين والمسيحيين أيضاً.
في السياق السوسيولوجي والسياسي والفكري السوري الواقعي، الذي عاشت فيه سوريا والذي دفع الناس إلى الثورة، لا يأخذ مفهوم "أقلية" في الحقيقة أبعاداً دينية أو طائفية أو إثنية، بل يأخذ في الحقيقة أبعاداً سوسيولوجية وتسلطية تصنيفية تعمل على أقللة كل من يقف ضد النظام وأكثَرَة (من أكثرية) (majoritization) كل من يدعم منظومة السلطة ويرضخ لها. حين ندرك هذا البعد، نفهم السبب الموضوعي الذي جعل الكثير من القرى والشرائح المجتمعية العلوية في الساحل السوري، على سبيل المثال، تعاني من الفقر والحرمان ويتعرض الكثير من أبنائها للقمع والاعتقال والملاحقات في العقود الماضية بسبب انتقادهم للنظام، ورفضهم الانخراط في منظومته، مع أنهم ينتمون لطائفته. والفهم ذاته لعملية "الأقللة" يجعلنا نفهم سبب دعم المؤسسة الدينية السنية الرسمية والحكومية للأسد ونظامه ووقوفها إلى جانبه في الصراع، بالرغم من أنها تنتمي للغالبية العددية السنية في البلد. في سوريا، مفهوم الأقلية ليس مفهوماً عددياً ولا هو مفهوم ديني أو طائفي. هو مفهوم مجتمعي خاضع للعبة "الأقللة - الأكثرة" التي فرضها النظام الحاكم والبنية السياسية والدولتية، التي أنتجتها تلك اللعبة في السيوسيولوجيا السورية. كل من افتقر وما زال إلى حقوق وقدرات وشروط عيش ووجود عادلة وحقيقية ومتكافئة في سوريا، هو بهذا المعنى "الأقلية" الحقيقية والفعلية في سوريا. هذه الأقلية هي أكثرية في العدد وأكثرية في الوجود. لكنها "أُقلِلَت" بصرف النظر عن خلفياتها الدينية والطائفية والإثنية.
واليوم، حين يقول البعض إنهم "أقلية" وأنهم يتوخون الحماية للمسيحيين وسواهم في سوريا، ما الذي يعنونه بالضبط؟ هل ينظرون لأنفسهم على أنهم أقلية بسبب وقوفهم أخلاقياً على طرف نقيض من منظومة قيم النظام؟ هل يقولون إأنهم أقلية لأنهم تعرضوا للأقللة بسبب رفضهم الانضواء تحت قبة النظام والتورط في منظومته؟ إن كان هذا هو المقصود، فهم بطريقة أو بأخرى يقدمون أنفسهم على أنهم يقفون مع القيم والمبادئ التي دعت إليها الثورة السورية الشعبية. أما إن كان المقصود هو أنهم أقلية لمجرد أنهم ينتمون لدين معين أتباعه عددهم أقل من أتباع دين آخر، فهم بهذا ينتقلون من منطق الانتماء الوطني لسوريا، بمعزل عن المعتقد الديني، إلى منطق الانتماء الضيق لهوية دينية تفتيتية، لن تحول سوريا إلا إلى دولة طوائف وعصبيات تناقض في كل بنيتها أي سوريا، هم أصلاً يقولون إنهم يدعون لها ويقولون إنهم سيحرمون منها إذا ما سقط النظام. من جهة أخرى، حين يدعوا من يسمون أنفسهم بالأقليات في سوريا إلى "حماية الأقليات"، ما الذي يدعون له؟ إن كان ما يعنوه هو حمايتهم من الأقللة، فهم إذاً يطلبون الحماية من النظام الأسدي، وأي نظام آخر يماثله في ممارسة عملية "الأقللة" المنظمة ضد شعبه. في سوريا، الديموقراطيون والعلمانيون والأحرار هم الأقلية. وهم من يجب حمايتهم والعمل على أكثرتهم في سوريا المستقبل. واليوم في العالم العربي المتجه نحو ربيع مأمول، العلمانية والديموقراطية والليبرالية هي الأقلية الفعلية. وهي أقلية عابرة للأديان والطوائف والعقائد والأثنيات بامتياز. سوريا ليست بحالة مختلفة، فهناك أيضاً، الديموقراطيون والليبراليون والعلمانيون هم الذين يتعرضون للأقللة، لا لانتماءاتهم الدينية ولا لقناعاتهم العقائدية ولا لهوياتهم الطائفية، بل لأنهم يحاولون تطوير منظومة قيم وخيارات عيش ومفاهيم وجود تختلف عن الأعراف السائدة.
إلى كل من يصرون على النظر لأنفسهم كأقلية، انطلاقاً من منطق عددي أو طائفي أو ديني، من بين المسيحيين، وباقي الشرائح المجتمعية في سوريا، أود من مقالتي هذه أن أوجه أنظاركم إلى أن مفردة الأقلية التي يبدو أنكم تستخدمونها، أو تستسهلون استخدام الآخرين لها لتوصيفكم، ملتبسة ولا تعبر عن الواقع الحقيقي السياقي السوري. وما لم ننطلق من فهم دقيق لما نقوله، سيتحول هذا الأخير إلى نقمة علينا وسجن يحرمنا مما نصبو إليه: سنكون كمن يأقلل نفسه بنفسه. إن كان هناك أقلية في سوريا فهي غالبية الشعب السوري الثائر ضد نظام القمع والإجرام. وإن كان هناك عملية أقللة تجري في سوريا، فهي ضد كل من يقول "لا" لما هو سائد".... فهل أنتم من هذه الأقلية؟؟؟؟
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,657,963

عدد الزوار: 7,037,545

المتواجدون الآن: 69