برنامج بناء الدولة الفلسطينية "الميداني"

تاريخ الإضافة الجمعة 25 شباط 2011 - 7:07 ص    عدد الزيارات 978    التعليقات 0

        

برنامج بناء الدولة الفلسطينية "الميداني"

- زيادعسلي – اوكسفورد

 اقتصرت العملية السياسية طوال عقود على التفاوض حول مسائل الوضع النهائي التي غالباً ما تتكرّر هي نفسها. عُلِّقت آمال ثم تبدّدت في المفاوضات المتقطِّعة والمطوَّلة، والمؤتمرات الدولية المتعدّدة، ومن خلال التعليقات التي يدلي بها السياسيون والنقّاد عبر شاشات التلفزة، وهي لم تحقّق كلها أي تقدّم مجدٍ نحو تسوية النزاع.
لم يُعَر الكثير من الاهتمام لما يجري على الأرض وتأثيره وتداعياته على عملية السلام، والحاجة إلى إعادة بناء المجتمع الفلسطيني بعد عقود من الاحتلال ولا سيما عقب التأثير المدمِّر للانتفاضة الثانية، والسبيل لإعداد هذا المجتمع وتحضيره لإقامة الدولة. يُحاط برنامج بناء المؤسسات في حكومة السلطة الفلسطينية الذي يعالج هذه المسائل، بالكثير من الإرباك وسوء الفهم. وقد يكون ذلك ناجماً عن طبيعة البرنامج: إنه مشروع سياسي يستند إلى الجوانب التقنية لبناء الأمة.
للوهلة الأولى، يبدو البرنامج تقنياً وحسب، فهو يركّز بقوة – وهذا ما يجب أن يفعله – على تنمية القطاع الأمني، وإصلاح الحكم، والسياسات الاقتصادية. بالفعل، ما يُميّزه إلى حد كبير ويجعله مختلفاً جداً عن وعود الإصلاح الفارغة التي اعتادت معظم الحكومات العربية إطلاقها هو أنه وفّر حتى الآن أمناً محسَّناً وحكماً أفضل ونمواً اقتصادياً. إنه أمر لافت أن برنامج الإصلاح العربي الأكثر نجاحاً وذا النطاق الأوسع يحدث في المكان الأقل توقّعاً. لقد اكتسبت فلسطين التي تعيش في ظل الاحتلال وتملك ثقافة سياسية تعكس ذلك الواقع، والتي ركّزت تقليدياً على التحرير على حساب الحاكمية، هذه العناصر التي تبني القوة الوطنية.
قيل وكُتِب الكثير عن برنامج حكومة رئيس الوزراء فياض. لكنني أودّ فقط التركيز على وجوب استمرار الجهود الحكيمة الآيلة إلى الإصلاح من أجل تحقيق كامل طاقات البرنامج. إنه برنامج سياسي بامتياز لناحية أهدافه القصوى وتأثيره وما هو ضروري لمؤازرته. وهذه التأثيرات السياسية بالتحديد هي التي يجب أن تحفّز العالم على منح الفلسطينيين الدعم المالي والتقني الضروري لتطبيق الإصلاحات على أكمل وجه.
منذ البداية، كان البرنامج الكامل لبناء المؤسسات الفلسطينية ودولة فلسطينية سيّدة واضحاً وصريحاً بشأن هدفه: يبني الفلسطينيون مؤسساتهم تحت الاحتلال بهدف إنهاء هذا الاحتلال في نهاية المطاف. إذا أصبح المشروع – أو اعتُبِر بأنه أصبح – أداة للإبقاء على الاستاتيكو وتجميل الاحتلال، فسوف يتخلّى عنه الفلسطينيون إنما أيضاً القادة أنفسهم الذين أطلقوه.
إنه برنامج ملِهم وطموح تستند صدقيّته إلى بناء وقائع ملموسة ومنهجية على الأرض فيما يستقطب الدعم أيضاً. وقد مارس تأثيراً سياسياً لا يمكن إنكاره في الداخل بين الفلسطينيين وفي مجال السياسة الخارجية على السواء.
داخلياً، يساهم البرنامج في تحويل الثقافة السياسية الفلسطينية من شعور الضحية المفهوم، إنما الذي يهزم صاحبه في نهاية المطاف، إلى شعور بالتمكين الذاتي حيث يُنظَر إلى العداوة بأنها تطرح تحدّيات لا بد من رفعها. بما أن البرنامج أُطلِق في آب 2009، فإن الألفَي مشروع التي طُبِّقت حتى الآن تقدّم دليلاً واضحاً على أن جزءاً كبيراً من مصير الفلسطينيين يكمن في أيديهم. يُحدِث هذا التحوّل النموذجي الجاري تغييراً في ما يتوقّعه الفلسطينيون من أنفسهم ومن نخبهم الحاكمة، ويُدخل معايير سياسية جديدة للحكم على نجاح الفاعلين السياسيين أو فشلهم.
ادّعى النقّاد أن هذا البرنامج لم يقدّم شيئاً جديداً، وليس سوى مجرّد مسرحية سياسية. لا يصمد هذا التأكيد أمام اختبار الواقع، وهذا ما يشهد عليه كل من تردّد بانتظام إلى الضفة الغربية خلال العقد المنصرم. كما أنه لا ينسجم مع تقويم المنظّمات الدولية على غرار البنك الدولي الذي اعتبر مسار الإصلاح كافياً لإرساء أسس دولة فلسطينية قابلة للحياة.
يطالب المواطنون العرب في مختلف أنحاء المنطقة بالإصلاح الحكومي، وليس الفلسطينيون باستثناء. لم يعد الناس يقبلون من قادتهم إطلاق الاتهامات والشكاوى والأقوال بدلاً من الأفعال. يجب تلبية حاجة الشعب إلى حاكمية رشيدة تقوم على المحاسبة والكفاءة على السواء. يتوقّع الناس تعيين وزراء يتمتّعون بالمؤهّلات اللازمة لتلبية هذه الحاجات، وكذلك إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية.
على صعيد السياسة الخارجية، أتاح تعزيز الأمن استئناف مفاوضات السلام إنما ليس استكمالها. تنظر إسرائيل أكثر فأكثر إلى برنامج بناء الدولة والمؤسسات بأنه تهديد لها بعدما كان قد حصل على بعض الدعم منها في البداية لأنه اعتُبِر بأنه يتلاءم مع ما سُمّي "السلام الاقتصادي". بيد أن شريحة كبيرة في الجيش والمؤسسة الأمنية في إسرائيل بدأت تدافع عن البرنامج داخل الإستابلشمنت الإسرائيلي بعدما لمست عقيدة جديدة ومتجذّرة ودرجة من الاحترافية لدى قوى الأمن الفلسطينية.
يحتاج بناء الدولة والمؤسسات إلى قرارات سياسية لحمايته. في ما يتعلّق بالفلسطينيين، تتمثّل العوائق الأكبر أمام تطبيقه في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، في المقاومة من بعض الأشخاص داخل الإستابلشمنت القديم لحركة "فتح" والتحدّيات الأمنية التي تطرحها حركة "حماس". ينبغي على حركة "فتح" أن تُدرك أن نجاح هذا البرنامج، وعلى الرغم من أنه قد يقوِّض شبكات محسوبياتها، يعني نجاح المشروع الفلسطيني الوطني العلماني ويعود بالفائدة على كل المعتدلين.
أما إسرائيل فعليها أن تُدرك أن مثل هذا المشروع يولّد الاستقرار والأمن. ومن أجل تحقيق مشروعها الوطني المعلَن عنه، أي إرساء دولة ديموقراطية تكون وطناً لليهود، عليها أن تُقلع عن عادة منع الفلسطينيين من الولوج إلى الأراضي وتكفّ عن تشديد قبضتها على الأرض والناس. يجب أن يكون بناء المؤسّسات محصَّناً من الخلافات الديبلوماسية المصاحِبة للمفاوضات، وذلك من خلال اتّخاذ قرارات سياسية حاسمة والإشراف بواسطة الرباعية وأعضائها. والأهم من ذلك، يجب أن يولّد البرنامج مكاسب سياسية كي يكون قابلاً للاستدامة.
يجب أن يشعر الفلسطينيون أنهم يتقدّمون في اتّجاه إنهاء الاحتلال والحصول على دولتهم الخاصة. وإلا تصبح عملية بناء المؤسسات عرضةً للاتهامات بتجميل الاحتلال. ولا يمكن الرد على هذه التهم إلا من خلال تحقيق نتائج سياسية ملموسة في مقدّمها عملية سلام ذات صدقية. لكن حتى في المراحل التي تشهد مأزقاً ديبلوماسياً علنياً ومطوّلاً، يمكن تحقيق تقدّم من خلال بسط السلطة الفلسطينية بصورة مطّردة على مناطق أوسع في الضفة الغربية، وكذلك كبح عمليات توغّل القوات الإسرائيلية في المدن والبلدات الفلسطينية ثم وقفها بالكامل. في غضون ذلك، تُظهر الإحصاءات أن أعداد الفلسطينيين الذين يعودون للعيش في فلسطين أكثر بقليل ممّن يغادرونها – وهذا تبدّل مهم في نزعة استمرّت سنوات طويلة.
يجب أن يتعامل المجتمع الدولي مع هذا البرنامج بأنه أكثر من مشروع إنمائي تتولاّه وكالات تنموية. إنه مكوّن أساسي من مكوّنات صنع السلام ويقتضي دعماً مالياً وسياسياً على أعلى مستويات صنع السياسة الخارجية. لقد ولّد تحديد أفق زمني لمدّة عامَين، وتحقيق إنجازات ملموسة في الأمن والحكم والاقتصاد، وكذلك الديبلوماسية الفلسطينية الناشطة، شعوراً عالمياً بأن الدولة الفلسطينية أمر محتوم.
أظهرت الأحداث الأخيرة في تونس ومصر وأماكن أخرى أن الجمهور العربي لم يعد مستعداً للتغاضي عن الفساد وسوء الإدارة والحاكمية السيئة. يجب أن يتعلّم المجتمع الدولي أنه لا يمكن الحفاظ على الاستقرار على حساب الحكم المسؤول الذي يستند إلى سيادة القانون والمؤسسات التي تقوم بوظائفها كما يجب، وإلى اقتصادات حيوية. يبدو أن الفلسطينيين استبقوا ذلك من خلال برنامج ريادي يجعل فلسطين أقرب إلى الاستقلال حتى فيما لا يزال في بداية مرحلة تحسين الحاكمية. لا يزال البرنامج يسعى إلى تثبيت قدميه، لكن يجب تعزيزه لأنه يحمل وعداً كبيراً للفلسطينيين والمنطقة. سيكون أمراً مأسوياً أن ننظر إلى هذه المرحلة في المستقبل ونأسف لأننا أهدرنا فرصة أخرى.
 
النص قدم في جامعة اوكسفورد وترجمته عن الانكليزية نسرين ناضر
 


(رئيس "فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين".)

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,439,794

عدد الزوار: 7,758,076

المتواجدون الآن: 0