يجب أن نبتهج...

تاريخ الإضافة السبت 19 آذار 2011 - 5:03 ص    عدد الزيارات 855    التعليقات 0

        

يجب أن نبتهج...

 - إليزابيث رودينيسكو

قال روبسبيار عام 1792 "عندما تُرغَم أمة ما على اللجوء إلى حق التمرّد، تعود الى حالة الطبيعة حيال المستبدّ. كيف يستطيع الأخير الحديث عن الميثاق الاجتماعي؟ لقد دمّره. (...) لا يحكم الناس مثل المحاكم القضائية؛ لا يُصدِرون أحكاماً، يُطلقون العنان لغضبهم وحسب". ليس هناك ما هو أكثر دقّة في وصف ولادة عملية ثورية. ومنذ المؤتمر الافتتاحي الذي ترأسه [المؤرّخ الراحل] إرنست لابروس (كيف تولد الثورات) خلال الاحتفالات بالمئوية الأولى لثورة عام 1848، نعرف أن الثورة هي محطة قصيرة، حدث عاصف، ودموي أحياناً، ندرك بعد وقوعه أن حدوثه كان محتوماً.
"الأسباب" الشهيرة التي تعود إلى زمن بعيد، ولا تنبثق من البروز المفاجئ وغير المتوقّع لواقع ما، كثيرة: تكوُّن طبقة متنوَّرة، أزمة اقتصادية واجتماعية، قطيعة بين الشعب وأميره – ملك، مستبدّ، ديكتاتور - على خلفية استحالة تحقيق الأخير أي إصلاح من دون أن يؤدّي ذلك إلى تجريده من سلطته: لقد فات الأوان. نعرف التتمّة: يحاول الشعب المتحالف مع النخبة أن يوفِّق، من خلال حلول نظام ديموقراطي ودولة قانون، بين الحرية (الفردية) والمساواة (الاجتماعية والاقتصادية). هذا هو الأمثل في أي ثورة ماضية ومستقبلية، الذي يُطمَح إليه دائماً ويتحقّق أحياناً...
في فرنسا، منذ الاحتفال عام 1989 بالمئوية الثانية لثورة 1789 انطلاقاً من المعنى المعاكس لما قاله لابروس، وعبر ادّعاء إلغاء قوّة الحدث في ذاته لأنه ليس في جوهره سوى مقدّمة للإرهاب وحمامات الدم، ساهمنا في أن نحذف من الضمائر فكرة أنها ربما كانت ثورة مرغوباً فيها. وواجهناها بالمبدأ المُسمّى "واقعي" عن "نهاية تاريخ" محتملة من دون أن ندرك أن هذه العبارة التي اخترعها ألكسندر كوجيف هي هوامة وليست واقعاً كما أراد أن يوحي لنا فرانسيس فوكوياما، المفكّر الأميركي المنتمي إلى المحافظين الجدد. كان المؤرّخ فرانسوا فوريه (مؤلّف Penser la Révolution Française "التفكير في الثورة الفرنسية"، غاليمار 1978) وكذلك أنصار فكرة أن "الغولاغ موجود داخل هيغل وماركس" من بشّروا بهذه اللحظة الاحتفالية الغريبة التي سمحت لمؤيّدي عودة الملكية ومحترفي اليأس المبرمَج الآخرين بأن يكرهوا الثورة بدلاً من انتقاد مسيرتها. وبالتزامن، أثنوا على سقوط الشيوعية في الشرق، لكنهم أساؤوا فهم معناه واعتقدوا أنه يضع حداً نهائياً لكل أمل ثوري. وكأن الفشل الجذري لمثل أعلى ما يقود الشعب حكماً إلى التخلّي عن كل المثل العليا.
لقد رفضوا أن يروا أن هذه الثورات تتبع النموذج عينه لثورات القرن التاسع عشر: ربيع الشعوب. منذ عام 1789، لم ينجح أي نظام منبثق عن إعلان حقوق الإنسان في التوفيق بين الحرية والمساواة. وفي هذا الصدد، كانت الديموقراطية الليبرالية بعد مئة عام أفضل من وجه الستالينية القبيح. ولهذا السبب، تنبّهت شعوب الشرق – من الاتحاد السوفياتي إلى الصين – إلى مأزق الاشتراكية الحقيقية وانقلاب المثل الأعلى الثوري رأساً على عقب ليصبح النقيض تماماً. لا شيء يجيز القول بأن في ذلك إنكاراً لمختلف أشكال الرغبة الثورية.
الأسوأ هو إدانة الأمل مسبقاً باسم انحراف محتمل
ما يجري اليوم في العالم العربي ويجب الابتهاج به هو عودة هذا المثل الأعلى، الرغبة في التخلّص من الطاعون والكوليرا: التخلّص من الديكتاتوريات كما من الإسلاموية السياسية. ولو لم يكن هذا رأي بعض مفكّرينا الهلِعين الذين ينزعون إلى التفكير في أن الشريعة والبرقع والرجم بالحجارة والعادات الهمجية الأخرى، والغريبة في مختلف الأحوال عن إسلام الأنوار، هي جزء من طموحات المعارِضين. هذه الرغبة حملها الشباب ووسائل الاتّصال الحديثة والنساء والشعب، ووُجِّهت ضد كل من لم يكفّوا، من زاوية إلى أخرى في الكرة الأرضية، عن الخوف من مستقبل أكثر إشراقاً.
لا شك في أن الهمجيين موجودون، لكن خطورتهم تعود أيضاً إلى أن الديكتاتوريات الفاسدة اضطهدتهم – ولم تقاتلهم – وهي نفسها تحظى بدعم بعض ممثّلي الديموقراطيات الغربية، وأسوأ من ذلك، دعم مسؤولين إسرائيليين يطبّقون سياسة انتحارية لإسرائيل وشعبها واليهود في مختلف أنحاء العالم، سياسة مناقضة لمثل الحرية العليا التي تحملها صهيونية ثورية ما، تجسّدها اليوم أقلية من المثقّفين التقدّميين الراغبين في العيش بسلام مع فلسطينيين تتقاذفهم الأحلام وخيبات الأمل نفسها. لا ثورة من دون مخاطر، ولا يستطيع أحد أن يتوقّع كيف سيكون الغد. الأسوأ هو إدانة الأمل مسبقاً باسم انحراف محتمل قد نطمح إليه في نهاية الأمر من شدّة الاستمتاع بالخوف منه. روح الثورة يتقدّم. سوف يأتي يوم ينتشر فيه من إيران إلى الصين مروراً بمجمل العالم العربي. وكذلك سيعود إلى فرنسا، بأشكال مختلفة، في الوقت الذي سيُخيَّل إلينا بأننا استأصلناه نهائياً من الضمائر. وخير دليل على ذلك، في مؤشّر يحمل تباشير المستقبل، هو النجاح الهائل الذي حقّقه كتيّب تحت عنوان Indignez-vous! (اغضبوا) لم يتخيّل مؤلّفه، ستيفان هيسل، الديغولي والديموقراطي-الاجتماعي، وهو مقاوم ومبعَد سابق ومسالم لا يحبّذ العنف في الشارع، أنه سيمارس كل هذا التأثير. وهكذا كان دالٌّ معيّن كافياً ليعطي من جديد وعلى الفور قيمة لمثل أعلى ثوري في مجتمع يقوِّضه حكم سيّئ.
ما يحصل اليوم، وسوف يحصل في عالم الغد المعولَم، هو الحلم بعالم آخر غير محدّد المعالم بعد وسوف يحمل الاسم الجديد للثورة: مانديلا بالأمس، واليوم بوعزيزي والياسمين والنيل.
كان كليمنصو يقول "الثورة كل متكامل". يجب تذكّر ذلك من أجل قيام مشروع تغيير اجتماعي لا يقضي على الحريات الأساسية ويتيح محاربة الظلامية والتعصّب المتّحدي.

"الموند"
ترجمة نسرين ناضر


( مؤرّخة في علم النفس.)      

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,451,385

عدد الزوار: 7,758,493

المتواجدون الآن: 0