بعد ترهّل "فتح": هل تستطيع "حماس" إستيعاب العلمانيين؟

تاريخ الإضافة الخميس 15 كانون الثاني 2009 - 5:40 ص    عدد الزيارات 834    التعليقات 0

        

ساري حنفي
(كاتب فلسطيني - استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت) 
 
خلال الاسبوعين الماضيين كثرت القراءات لاسباب الحرب على غزة وتداعياتها. وقد اثار انتباهي مناقشة موضوع صواريخ حركة المقاومة "حماس" ورد الفعل الاسرائيلي عليها في قراءات ذات طابع عسكري وجيوسياسي، وخرج البعض باختزال معتبرا ان "حماس" قد ارتكبت خطأ استراتيجيا في تعليق الهدنة ودفع اسرائيل للرد عليها. سأحاول في هذا المقال ليس فقط ان اتناول مبررات الحرب على غزة بل ايضا تحليل هذا الصمت الدولي الرهيب القاتل والبلاده الاخلاقية للنظام الدولي والعربي الرسمي امام ما يحصل في غزة. وأبدأ بالتساؤل كيف يمكن اسرائيل ان تقتل 13 مدنيا من عائلة القائد الحماسي نزار الريان وتقصف مدرستين بحيث تقتل 44 مهجرا مدنيا فلسطينيا بدون ان تكون هناك اية ادانة واضحة من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؟
سألقي الضوء هنا على ثلاثة سياقات: عالميا، وإقليميا وعربيا. عالميا لقد اعتبرت الحرب على غزة جزءاً مما سمي بالحرب على الارهاب. في هذه الحرب قامت الولايات المتحدة ومعها اوروبا بتقسيم العالم سياسيا الى من هو الصديق ومن هو العدو، قبل تعريفهم بشكل اخلاقي إلى من هو الصالح ومن هو الطالح. وقد تم سحب ليس فقط الشرعية ولكن الانسانية ايضا عمّن عُرِّف على انه الطالح. ما نجده اليوم هو نفسه ما كتب عنه الفيلسوف الألماني كارل شميت إبان الحرب العالمية الثانية عن الحاكم الذي يقرر في أي لحظة يريدها حالة الاستثناء ويقرر تعليق القوانين وذلك لتحويل "العدو" الى أفراد مجردين من ذاتهم الانسانية والسياسية.
وهكذا تحولت غزة الى فضاء الاستثناء والى معسكر اعتقال كبير علقت فيه كل القوانين الانسانية العالمية وقوانين حقوق الانسان (حق الانسان في العيش وفي المقاومة والتحرك) وتحوّل الغزاوي الى جسد للاطعام والايواء من قبل المنظمات الانسانية. لقد ساهمت الحرب على الارهاب بشكل اساسي في عزل بعض المناطق عزلا كليا لتطبيق حالة الاستثناء عليها: المعازل هي سجن غوانتنامو - باي وغزة وقندهار والفالوجة...الخ... لقد اصبح شرط تأمين الاتصال بين جزر العالم "المتحضر" هو وجود هذه المعازل. ويجب أن تكون هذه المعازل تحت السيطرة والمراقبة الدائمة، وإلا يجب تدميرها واستباحة اهلها. لقد فقد خطاب الامم المتحدة وبعض منظمات حقوق الانسان صدقيته لانه تحول الى خطاب تقني يعد الصواريخ ولا يهمه على الاطلاق ان كان هناك احتلال. تستخدم بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية المعايير القانونية – البيروقراطية لتحليل انتهاكات حقوق الإنسان عبر العالم. لقد أخفى هذا الخطاب الاعتبارات السياسية وقوى الضغط وتوازنات القوى داخل هذه المنظمات. التوصيات غالبا ما تكون تقنية جدا تتناول تداعيات العنف الفوري بدون اسبابه، وكمثل على ذلك البيان الصحافي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الأميركية في 3 كانون الثّاني 2009 والمعنون: "إسرائيل: يطرح الهجوم الأرضي على غزة مخاوف عدم احترام قوانين الحرب. على الطرفين أخذ كل الإجراءات لحماية المدنيين".
 ولكن هل ما حصل في غزة هو فقط من فعل العالم الرسمي الاميركي - الاوروبي - الاسرائيلي؟ اعتقد لا. لقد ساهمت الاطراف الاقليمية والمحلية في خلع الشرعية عن حركة حماس وخلع الانسانية (dehumanization) عن سكان غزة. لقد نظرت مصر الى مشكلة غزة على انها مشكلة داخلية. فقد نظر النظام المصري الى أن وجود "حماس" بصفتهم حركة تحرر ثورية وحركة اسلامية على حدودها باعتباره دعماً للمعارضة المصرية وخاصة الاخوان المسلمين. وقد قام هذا النظام بعمل أي شيء لاستعادة حركة فتح سيطرتها على القطاع. مصر كانت تعرف كل شيء عن دور محمد دحلان والعتاد العسكري والاموال التي دعمته بها المخابرات الأميركية. الامر نفسه يمكن ان ينطبق على الاردن. انظروا كيف تعاملت الحكومتان المصرية والاردنية مع "حماس"؟ لقد نظر الى "حماس" باعتبارها مجموعة عسكرية خارجة عن الاجماع الدولي (جزء من الطالحين) وليس بصفتها ممثلاً منتخباً ديموقراطيا وتم مقابلة وفودها من قبل قيادات أمنية وليس سياسية... لقد لعب جزء مهم من حركة "فتح" دورا أيضا في هدر دم غزة، فقد فضلوا التعامل مع المخابرات الاميركية الموجودة بشكل شرعي في الاراضي الفلسطينية والتآمر على حركة "حماس”. ومع الأسف فقد لعبت "حماس" أيضا بشكل جزئي دورا في حالة الاستثناء بتصوير الصراع على أنه ديني وأن هناك مؤامرة دولية منذ الازل على فلسطين.
ما العمل؟...... كيف نقلب توازن القوى لمصلحة القضية الفلسطينية ونذكّر العالم بأن اسرائيل مشروع كولونيالي يهدف الى استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية؟ بما أن العلاقات الدولية هي انعكاس لمصالح سياسية وإقتصادية فلا بد من القيام بمقاطعة كل اقتصادات الدول الداعمة للمشروع الكولونيالي الاسرائيلي وربط شدة المقاطعة بمدى هذا الدعم. من هنا المطلوب ايجاد مقياس (index) للمواقف الرسمية وعقلنة المقاطعة. فنحن لا نقاطع الشركات اليهودية بل الشركات الداعمة لإسرائيل. والمطلوب تفعيل الحركات الشعبية الاحتجاجية الضاغطة على الانظمة العربية المتخاذلة. واخيرا المطلوب من السلطة الوطنية الفلسطينية اخراج جميع المسجونين السياسيين وطرد ممثل المخابرات الأميركية دايتون من الضفة الغربية، ليكون ذلك مقدمة للوحدة الوطنية الفلسطينية. وهنا سوف أتوقف مليا حول هذه النقطة.
اعتقد ان على حركة "فتح" ان تعترف بأخطاء كثيرة ارتكبتها في الماضي بتحالفات قياداتها مع الأنظمة المتسلطة العربية على مرأى من الشعوب العربية. لقد افتقدت "المنظمة" للقدرة على اقناع الجماهير العربية بنزاهتها الثورية. وقامت حركة "حماس" بسد هذه الثغرة وتوجهت إلى الجماهير العربية والإسلامية بخطاب ديني استطاع تعبئة شرائح واسعة شعبية تضامنية في المنطقة.
اذن نحن أمام نموذجين: نموذج خطاب "فتح" والتنظيمات اليسارية الذي اتسم في الماضي بتطلعه التحرري وبربط نضال الشعب الفلسطيني بحركات التحرر العالمية وخطاب حركة "حماس" ذي الطابع الديني الذي استطاع عمل استقطاب إقليمي ولكن بدون قدرة على الولوج الى العالمي. فالسؤال الذي يطرح نفسه في ظل ترهل المشروع الوطني الفلسطيني: هل يمكن الثورة الفلسطينية ممثلة في تنظيماتها كلها بما في ذلك "حماس" أن تطرح خطاباً عالمياً وإقليمياً ومحلياً في آن واحد و ذا بعد إنساني؟ وهنا الإنساني ليس بالضرورة مناقضاً للديني، وخاصة عندما ينفتح الديني على الآخر ويصاغ بلغة يفهمها القاصي والداني. إذا المطلوب إعادة صياغة الخطاب ليستوعب الآخر... تشهد الساحة الفلسطينية تجاذبات واستقطابات راديكالية بين ما هو مشروع تحرري علماني وآخر تحرري إسلامي. وتوجهت بعض الايديولوجيات العلمانية من اتجاه لتنظيم علاقة الدولة مع الدين إلى اتجاه متطرف ليصبح دينا دنيويا ضد الأديان السموية. لقد تجلى ذلك في بعض الأصوات الفتحاوية التي اعتبرت "حماس" "طالبان”. ويستخدم بعض الإسلاميين خطابا طائفيا إقصائيا لايحترم التعددية الثقافية والاجتماعية في فلسطين. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن نتصور نشوء تيار توفيقي، حتى لو كان بعض الأحيان تلفيقياً، يؤسس للحوار بين المشروعين التحررين السالفي الذكر؟ لقد دافع أحد القيادات الاسرائيلية عن حق اليهود في الأرض المقدسة قائلا: "إن الله غير موجود، ولكنه قد وعدنا بهذه الأرض". فهل يمكن الفلسطينيين أن يصلوا إلى هذا النوع من رحابة الصدر لتقبل هؤلاء الذين لايؤمنون بالله أو أولئك الذين يعتبرون المشروع التحرري مشروعا دينيا؟ وهناك تجارب كثيرة عالمية تظهر كيف حوّل الثوريون الدين ليكون لاهوت الأرض والتحرير.
يعتبر ذلك برأيي أحد أهم رهانات المشروع الوطني الفلسطيني والذي بدون المحافظة على أبعاده الإقليمية والعالمية سيصبح مشروعاً مغرق بالمحلية وغير قادر على تحقيق أهدافه في التحرير وعودة اللاجئين.

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,409,619

عدد الزوار: 7,756,384

المتواجدون الآن: 0