بين حربي لبنان وغزة.. المقارنة الظالمة

تاريخ الإضافة الخميس 22 كانون الثاني 2009 - 7:08 ص    عدد الزيارات 863    التعليقات 0

        

محمد الضيقة
لحظة مباشرة اسرائيل عدوانها على قطاع غزة، استنفرت المحطات الفضائية العربية، استضافت خبراء ومحللين سياسيين وعسكريين. من أجل تقديم قراءة الحدث بأبعاده السياسية والعسكرية وتداعياته فلسطينيا واقليميا ودوليا. أجمع الخبراء والمحللون ان ما يحصل في غزة هو تكرارا لسيناريو حرب تموز في لبنان عام 2006، وحددوا في سياق تحليللاتهم عنصرين اساسيين في مقاربتهم للحربين.
    الأول: أن المقاتلين الفلسطينين يعتمدون في مواجهتهم للقوات الإسرائلية الأسلوب الذي اعتمده "حزب الله" في جنوب لبنان من خلال شبكة أنفاق واسعة على تخوم المدن والمخيمات تستخدمها المقاومة الفلسطينية في عملياتها ضد القوات الإسرائلية وفي اطلاق الصواريخ على المدن الإسرائلية جنوبي القطاع و شماله.
   الثاني:  ركز الخبراء وأجمعوا أن القوى الدولية والإقليمية كما ماطلت وراوغت خلال حرب تموز بشأن وقف اطلاق النار إفساحًا للمجال أمام اسرائيل لتحقيق أهدافها، تكرر اليوم السيناريو نفسه في حرب غزة.
   ان متابعة دقيقة للحدث الفلسطيني وبعيدا عن العواطف والمشاعر، تظهر أنه من الظلم اجراء مثل هذه المقارنة باعتبار أن ما جرى في حرب تموز وما يجري الآن في الحرب على غزة من الصعب مقارنتهما ببعضهما البعض للأعتبارات التالية من النواحي السياسية والعسكرية:
  1 - ان حزب الله وحلفاءه في المنطقة هم الذين قرروا لحظة فتح المعركة ضد اسرائيل عندما عمدت المقاومة الى ابدال ميدان عملياتها من منطقة شبعا المتنازع عليها الى منطقة عيتا الشعب، لقد أثبتت مجريات حرب تموز منذ اليوم الأول أن المقاومة كانت جاهزة وبالتالي فوتت على اسرائيل الضربة الأولى في حين فاجأت الحرب حركة حماس منذ اليوم الأول عندما تمكنت اسرائيل من قتل المئات من كوادر حماس العسكرية أثناء حفل تخريج ضباط في الشرطة.
 2- لقد كشفت حرب تموز أن "حزب الله" قد حضر نفسه جيدا خلال السنوات الفاصلة بين التحرير عام 2000 وبداية الحرب في 2006. لقد استفاد "حزب الله" من الهدنة التي كانت قائمة مع اسرائيل فأنشأ محميات عسكرية وسلسلة أنفاق كبيرة في منطقة تمتاز بتضاريسها الجغرافية، في حين لم يتسن لحماس الوقت الكافي من أجل تحضير مسرح العمليات جيدا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن تشبيه جنوبي لبنان بقطاع غزة من النواحي كافة سواء لجهة المساحة أو لجهة جغرافية المنطقتين فمساحة القطاع لا تتجاوز 450 كلم مربع وجغرافيته خالية من التضاريس في حين يمتاز الجنوب بهضابه ووديانه وكبر مساحته.
 3- خلال حرب تموز وعلى مدى 33 يوما حافظ حزب الله على خطوط إمداده سواء مع الداخل (البقاع وبيروت) أو مع سوريا التي أخذت على عاتقها تزويد المقاومة يوميا وتعويضها ما تخسره خلال المواجهات. وهذا يعني أن المقاومة كانت قادرة بعد أن تمكنت من تحييد سلاح المدرعات من المعركة وإجبار الجيش الإسرائيلي على المواجهة البرية في حين أن ما يجري في غزة حتى الآن مختلف تماما، سواء لجهة نوعية السلاح المتوفر في أيدي المقاومة الفلسطينية اذ لا يمكن مقارنته بالسلاح الذي استخدمه "حزب الله" في الجنوب من ناحية فعاليته وتأثيره في مجريات المعركة. المقاومة الفلسطينية لم تستخدم حتى الان أي سلاح يوحي انه تم تزويدها من ايران أو حزب الله بأسلحة متطورة كما كان يظن البعض.
   ان كل صاروخ تطلقه المقاومة من غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية لا يمكن لفصائل المقاومة الفلسطينية تعويضه بسهولة، عكس ما كان يحصل في حرب تموز وكل رصاصة تطلقها المقاومة في غزة فان تعويضها سيكون صعبا جدا في ظل اقفال المعابر خصوصا تلك التي تربط غزة بالاراضي المصرية.
وهنا يمكننا طرح سؤال كبير أمام حماس. كيف ستخوض معركة بهذا الحجم ضد اسرائيل وهي على خلاف مع مصر؟ وسؤال اخر لماذا هذا التصعيد من "حزب الله" وقيادته ضد مصر التي تشكل شريان الحياة لغزة؟ كما شكلت سوريا شريان الحياة للمقاومة في لبنان... لقد أدركت حماس الخطأ الذي ارتكبته بقطع اتصالاتها مع مصر وعملت على تداركه، لكن كما يبدو ان ما فات قد فات، ولن يصلح العطار (حماس) ما أفسده الدهر (حزب الله) وترميم العلاقة بين حماس ومصر ستدفع المقاومة الفلسطينية ثمنه غاليا.
 4- خلال عدوان تموز 2006 تمكنت المقاومة من اخلاء منطقة المواجهات من السكان المدنيين الى مناطق آمنة (بيروت، جبل لبنان، الشمال، سوريا) في حين اخفقت حماس في هذا السياق فالسكان المدنيون لا سبيل أمامهم سوى اللجوء الى مدارس الاونروا التي تتعرض بدورها للقصف، كما ان قدرة هذه المدارس على استيعاب المهجرين من منطقة المواجهات محدودة جدا فكل قذيفة من الجيش الإسرائيلي سواء كانت كبيرة أو صغيرة فانها غدت مجزرة.
 5- تكرر اسرائيل الخطأ الذي ارتكبته خلال حرب تموز. في غزة عندما سمحت لوسائل الاعلام بنقل ما يجري في الميدان وفي المدن التي كانت تقع بها صواريخ "حزب الله". فإسرائيل منذ لحظة انطلاق العمليات العسكرية أحكمت الحصار على وسائل الأعلام كافة حتى الإسرائلية باعتبار ان المشاهد التي كانت تنقلها وسائل الأعلام خلال حرب تموز كان لها تأثير فعال وحاسم في الرأي العام الإسرائيلي وبالتالي على معنويات الجيش الإسرائيلي. هذه المشاهد لم نر منها شيئا حتى الآن ما نراه فقط المجازر التي ترتكب بحق الأطفال والنساء في غزة.
 6- ان حرب تموز جرت في ظل استقرار سياسي داخلي في اسرائيل. ففي حين تجري الحرب مع غزة وسط اضطراب سياسي وعشية اجراء انتخابات نيابية، يحاول كل طرف اسرائيلي أن يزايد على الآخر وميدان هذه المزايدة غزة وأطفال فلسطين ونسائها.
 7- خلال حرب تموز كان هناك تناغم بين الدولة والمقاومة. رغم كل الخلافات التي نشأت بين الطرفين خلال الحرب، وهذا الأمر لا نراه في غزة بين السلطة وحماس. فكل طرف يتهم الآخر بالتأخر على القضية منذ اليوم الأول للمواجهات. يبقى أن هناك عاملًا وحيدًا يجمع بين ما يجري الآن في غزة وما جرى في حرب تموز2006.
  ان الضجيج الذي تحدثه التظاهرات الشعبية، تظاهرات عارمة ذكرتنا بتلك التي جرت خلال حرب تموز، شعارات تطالب حماس بالصمود والثبات، هذه التظاهرات مهمة ولا يمكن التشكيك بصدقية منظميها الا أنها لا تشكل عاملا اساسيا في أي معركة. وهذا الخيار قد تم اختياره منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 فالشارع العربي تظاهر ضد وعد بلفور وعقب مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 وضد معارك الأردن عام 1970.
وأثناء حرب تموز لا يمكن الركون الى هذه التظاهرات ودورها هامشيا وسيبقى هامشيا ما دامت عاجزة في التأثير في سلوك الأنظمة تجاه ما يجري في غزة. وهذا ما حصل خلال العقود الماضية حيث لم تتمكن التظاهرات الشعبية من املاء وجهة نظر الشارع في أي مواجهة على النظام الرسمي وسيستمر هذا الأمر في المستقبل. من الصعب التكهن بتداعيات حرب غزة على مستوى المنطقة وعلى القضية الفلسطينية الا أن الأكيد أن هذه الحرب عندما تنتهي ستفاجئ مقاتلي المقاومة عندما يخرجون من خنادقهم وأنفاقهم! لن يجدوا غزة كما تركوها قبل المعركة سيجدوا غزة أخرى تشبه تلك التي كانت عام 1956. لقد دحرت آلة الحرب الإسرائلية، البنى التحتية كافة، والمؤسسات الإجتماعية والإقتصادية والعسكرية لم تترك اسرائيل شيئًا تم بناؤه بعد اوسلو الا ودمرته. وكأنها تريد أن تقول ان ما سمحنا في بنائه بعد اتفاق اوسلو سندمره اذا ما فكرتم بالخروج عن هذا الإتفاق.
لقد صمدت المقاومة في لبنان في حرب تموز، أجهضت الأهداف الإسرائيلية، لكن لم نر أية تداعيات اقليمية بدلت الواقع العربي الرسمي كما الشعبي. بل على العكس فان النظام الرسمي العربي اندفع اكثر عقب حرب تموز باتجاه انجاز تسوية للصراع العربي الإسرائيلي كيفما كان.
والآن ستصمد حماس في حربها ضد اسرائيل وقد تنتزع اعترافا دوليا بوجودها وقد تتحول مرجعية للشعب الفلسطيني، الا ان الحرب لن تنتهي الا بقرار دولي قد يكون غير القرار 1860 وأي قرار دولي جديد سيأخذ في الإعتبار تقييد عمل المقاومة في غزة. توطئة لتسوية ترتقبها المنطقة مع الإدارة الأميركية الجديدة. تسوية ستكون شروطها قاسية على العرب والفلسطينيين ستدعم القوى الدولية العرب على تقديم مزيد من التنازلات خصوصا ان نجحت اسرائيل منفردة في شل قدرة المقاومين اللبنانيين من خلال القرار 1701 والفلسطينيين من خلال قرار مرتقب. وهذا يعني أن المقاومين في فلسطين ولبنان قد يفقدون أي تأثير لهم في أي عملية تسوية في المستقبل.

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,388,582

عدد الزوار: 7,756,012

المتواجدون الآن: 0