المبادرة السعودية: مصالحة عربية لمواجهة أوباما وإضعاف إيران واللبنانيون يرفضون "انتصارات" "حزب الله" و"حماس"

تاريخ الإضافة الأربعاء 28 كانون الثاني 2009 - 4:35 م    عدد الزيارات 946    التعليقات 0

        

 من حقيبة "النهار" الديبلوماسية...
بقلم عبد الكريم أبو النصر 
    
"أطلق الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة الكويت بشكل مفاجئ مبادرة المصالحة العربية لتصحيح مسار العمل العربي المشترك وتدعيمه ولإضعاف المحور السوري – الايراني وتقليص نفوذ الجمهورية الاسلامية السلبي في المنطقة، وللتعامل مع ادارة الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما بموقف عربي موحد، ولتعزيز قدرات العالم العربي على مواجهة الاخطار والتهديدات الاسرائيلية المختلفة، ولانهاء وجود دولة "حماس" المسلحة المستقلة في قطاع غزة ولحماية الفلسطينيين واللبنانيين من المواجهات المستمرة والحروب غير المدروسة وغير المتفق عليها وطنيا والتي تجلب الدمار والخراب من دون ان تحقق لأصحابها اي مكاسب او انجازات وتضعف العرب عموما، لكن هذه المصالحة لها شروطها ومقوماتها، وهي لن تحقق فعلا ما لم تتغير جذريا وبشكل محدد سياسات نظام الرئيس السوري بشار الاسد وتوجهات حلفائه الفلسطينيين واللبنانيين فتتلاقى حينذاك مع سياسات الدول المعتدلة بقيادة مصر والسعودية والمدعومة من غالبية الدول العربية والهادفة الى منع تكرار حرب غزة وحرب لبنان لعام 2006 عبر العمل الجدي لانهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بين الفلسطينيين تدعيما للسلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية وتوحيدا للقرار الفلسطيني، وعبر تعزيز مقومات الاستقرار والامن والوحدة الوطنية والسلم الاهلي والدولة والامن في لبنان، وعبر التعاون الجدي بين مختلف الدول العربية لتسوية النزاعات والمشاكل سلميا بما يؤمن المصالح العربية الحيوية بعيدا من نزعات الهيمنة والتسلط ومحاولات فرض المطالب والشروط بقوة السلاح وبوسائل العنف والضغط المختلفة".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية عربية في باريس وثيقة الاطلاع على الجهود السعودية. واوضحت ان الرياض، مدعومة من الدول العربية المعتدلة، تنطلق من الهزيمة السياسية والاستراتيجية التي أصيبت بها "حماس"، ومعها المحور السوري – الايراني نتيجة حرب غزة المدمرة ونتيجة عدم قدرة هذا المحور على مساعدة حليفته التي شجعها على جر اسرائيل الى المواجهة المسلحة عبر رفض تمديد التهدئة الامنية معها واطلاق الصواريخ عليها، وذلك بهدف دفع نظام الاسد الى التخلي عن سياساته الحالية الخطرة والابتعاد عن تحالفه الوثيق مع ايران الساعية الى محاولة الهيمنة على المنطقة بوسائل مختلفة.
وضمن هذا الاطار كشفت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع ان اسرائيل اعتمدت، في سعيها الى استعادة قدراتها الحربية الرادعة، استراتيجية استندت الى ثلاث لاءات: لا خطوط حمر امام القوات الاسرائيلية المهاجمة التي تستطيع ان تفعل ما تريد في غزة، لا رأفة بالمدنيين ولا رحمة بالتعاطي معهم، ولا اهتمام بقرارات مجلس الامن اذا كانت تلجم القدرات الحربية التدميرية لاسرائيل واذا كانت تتعارض مع متطلبات الدولة العبرية وخططها وحساباتها المختلفة.
"الانتصار" والخراب..... وشددت المصادر الاوروبية المطلعة على ان لبنان يستطيع ان يستخلص اربعة دروس اساسية من حرب غزة ويفيد منها في تعامله مع مشكلة سلاح "حزب الله" وهي الآتية:
اولا، "حماس" لم تعتمد المقاومة الوطنية الحقيقة المدروسة جيدا والقائمة على اساس حسابات الربح والخسارة في التعاطي واسرائيل بل اكتفت بتحدي الدولة العبرية، من دون ان تتحسب لنتائج هذا التحدي، حيث رفضت من طرف واحد تمديد التهدئة مع اسرائيل واطلقت الصواريخ عليها لتحقيق مكاسب ذاتية ذلك ان المقاومة الحقيقية تفقد مبرراتها اذا لم تحقق اي مكاسب لشعبها او اي انجازات له واذا ما جلبت له الهزائم والمآسي والمعاناة وألحقت الاضرار بقضيته كما حدث ويحدث في غزة.
ثانيا، ان استخدام "حماس" خيار المواجهة المسلحة غير المتكافئة مع اسرائيل من اجل محاولة تكريس وتثبيت سلطتها وحكمها في غزة وتعميق الانقسام الفلسطيني خدمة لمصالح المحور السوري – الايراني واهدافه بدلا من التجاوب مع الجهود المصرية المدعومة عربيا لتوحيد الموقف الفلسطيني والقرار الفلسطيني، ان ذلك كله ساهم الى حد كبير في النكبة الجديدة التي اصابت الفلسطينيين واضعفت الموقف الفلسطيني بشكل عام.
ثالثا، ان اقدام "حماس" على فرض خيار المقاومة المسلحة فرضا على الفلسطينيين كخيار وحيد للتعامل مع اسرائيل بدلا من ان تكون هذه الحركة جزءا من قيادة فلسطينية شرعية موحدة تعتمد استراتيجية ذكية وواقعية ومرنة في التعامل مع الدولة العبرية بما يؤدي الى تأمين المصالح والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني – ان هذا التوجه الذي اعتمدته "حماس" اثبتت الوقائع والاحداث انه انتحاري وخطر لانه اوصل اهالي غزة الى وضع كارثي ليس له سابق منذ 1948. ولن تخفف الادانات الواسعة للحرب الاسرائيلية وما رافقها من مجازر من فداحة مأساة الفلسطينيين الجديدة.
رابعا، تحاول "حماس"، ازاء حجم النكبة الجديدة، اقناع الفلسطينيين بانها انتصرت في المواجهة مع اسرائيل لانها تحدت الدولة العبرية، وصمدت امام آلتها الحربية الضخمة، وقاتل رجالها ببسالة جنود الاحتلال. كما تحاول اقناع الفلسطينيين بان انتصارها هذا هو انتصار لهم ولخيار المقاومة المسلحة، لكن الواقع نقيض ذلك تماما، اذ ان هذا "الانتصار الذاتي" ألحق الخراب والخسائر البشرية والمادية الهائلة بغزة وبأهلها ولم يؤمن ايا من المصالح والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بل اضعف الفلسطينيين و"حماس" ذاتها بوضعها امام خيارين قاسيين: امام وقف القتال والتراجع عن انقلابها والعودة الى حضن السلطة الوطنية الشرعية وقبول الحل السلمي للنزاع مع اسرائيل، واما مواجهة المزيد من الضربات لها ولاهل غزة الذين تسيطر عليهم وتتحكم بهم، الى ان تفقد سلطتها عليهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية المقبلة. وهذا ما سيحصل في اي حال.
مصير لبنان أهم من مصير شبعا.... واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ذاتها، في ضوء دراسة تقويمية اجرتها لحرب غزة الحالية ولحرب لبنان صيف 2006، ان لبنان سيواجه اخطارا كبرى اذا ما اعتمد "حزب الله" استراتيجية مشابهة لاستراتيجية "حماس" بتشجيع من المحور السوري – الايراني وحاول تكرار الاخطاء التي ارتكبها صيف 2006 في تعامله مع اسرائيل. وركزت المصادر الاوروبية في هذا المجال على الامور والمسائل الاساسية الآتية:
ان "حزب الله" لا يزال يتصرف حتى الآن كما تتصرف "حماس" التي تعطي فعلا الاولوية لتثبيت دولتها في غزة، فالحزب لا يزال يعطي الاولوية لحماية دولته المسلحة وتأمين مصالحه ومصالح حلفائه، وليس حماية وتعزيز الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية والوحدة الوطنية والسلم الاهلي، اذ ان ذلك يتطلب منه حينذاك وضع سلاحه في تصرف الجيش والتخلي عن قرار الحرب مع اسرائيل للدولة وسلطتها الشرعية، كما هي الحال في سائر دول العالم بما فيها سوريا. ووعود الحزب ليست كافية وحدها لطمأنة اللبنانيين الى انه لن يجرهم الى مواجهة عسكرية جديدة مع اسرائيل، اذ انه قدم وعودا مماثلة الى عدد من القادة اللبنانيين مطلع صيف 2006 ثم جر لبنان الى الحرب بعد اسبوعين من تقديمه هذه الوعود حيث اعطى اسرائيل ذرائع لضرب هذا البلد نتيجة اقدامه على مهاجمة دورية عسكرية اسرائيلية داخل الاراضي الاسرائيلية وخطف اثنين من افرادها.
- ان "حزب الله" لا يزال يتصرف كحركة "حماس" التي تقول انها منتصرة في حربها الحالية مع اسرائيل على رغم كل ما اصاب قطاع غزة واهله، وما لحق بالفلسطينيين عموما. فالحزب يؤكد، الى اليوم، ان حرب 2006 انتصار كبير له وللبنان، وان ما يجري في غزة يؤكد صواب خيار المقاومة المسلحة. والواقع ان حرب 2006 كانت انتصارا للحزب بالذات لانه تمكن من توجيه ضربات قاسية الى الجيش الاسرائيلي ومعنوياته. لكن هذه الحرب ألحقت في المقابل دمارا هائلا ليس له سابق بالجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وبمناطق اخرى، وسقط خلالها اكثر من 1200 قتيل و4 آلاف جريح، وتكبد لبنان نتيجتها خسائر مادية تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار، من دون ان يتمكن "حزب الله" من استعادة شبعا او اي جزء من الاراضي التي لا تزال محتلة ومن دون ان ينجح في اطلاق الاسرى او في تحقيق اي مكاسب للبنانيين. اضافة الى ذلك اكد "حزب الله" آنذاك ان اسرائيل لن تجرؤ بعد اليوم، ونتيجة هزيمتها في حرب 2006، على مهاجمة لبنان او اي بلد آخر، لكن حرب غزة تثبت خطأ حسابات الحزب وحلفائه.
وقال لنا ديبلوماسي اوروبي بارز: "ان اللبنانيين لم يعودوا راغبين في تسجيل انتصار ثان آخر كهذا على اسرائيل لانهم دفعوا باهظا ثمن انتصار 2006 الذي لم يحقق لهم اي مكاسب".
- وكما تجاهلت "حماس" موقف الفلسطينيين الرافضين في غالبيتهم خيار المواجهة المسلحة مع اسرائيل، وهو ما يعكسه انتخابهم محمود عباس رئيسا، وتؤكده استطلاعات الرأي العام المختلفة، فان حزب الله يفعل الشيء ذاته اذ يتجاهل، حتى الآن، وجود غالبية واسعة من اللبنانيين تمثلهم القوى الاستقلالية ترفض اعتماد الخيار العسكري في التعامل مع اسرائيل وتؤيد اعتماد الوسائل الديبلوماسية لاستعادة المنطقة الصغيرة التي لا تزال محتلة ولتأمين الحماية لهذا البلد من اي تهديدات اسرائيلية محتملة.
- ليس ثمة بلد واحد في العالم يلجأ الى الحرب لاستعادة حقوقه المشروعة اذا كان قادرا على تحقيق ذلك بالوسائل الديبلوماسية والسلمية. وليست ثمة حركة تحرير وطني حقيقية تفضل اللجوء الى الحرب اذا كانت قادرة على تأمين مطالب شعبها المشروعة بالوسائل السلمية والديبلوماسية. لكن "حزب الله" يريد ان يكون لبنان هو الاستثناء في العالم اذ انه يريد ان يفرض على اللبنانيين خيارا واحدا في التعامل مع اسرائيل هو خيار المواجهة المسلحة، على رغم ان لبنان ليس تحت الاحتلال الاسرائيلي، وان "حزب الله" لم يستطع تأمين اي نوع من الحماية للبنانيين من الهجمات الاسرائيلية خلال حرب 2006 المدمرة.
والواقع ان الحزب يريد، عبر موقفه هذا، ايجاد تبريرات "شرعية" لاحتفاظه بسلاحه وبدولته المسلحة وذلك من اجل محاولة تحقيق مكاسب له ولطائفته وللمحور السوري – الايراني ولو دفع اللبنانيون ثمنا باهظا بشريا وماديا، لهذه التوجهات الخطرة.
- سلاح "حزب الله" هو في الدرجة الاولى، في خدمة مشروع اقليمي هو المشروع السوري – الايراني، وليس في خدمة المصالح الحيوية المشروعة للشعب اللبناني، والا لكان الحزب وضع سلاحه في تصرف الجيش وتخلى عن قرار الحرب للدولة وللسلطة الشرعية. وليست للبنان اي مصلحة ان يكون جزءا من المحور السوري – الايراني الذي يخوض معركة مع الدول العربية المعتدلة ومع الدول الغربية البارزة والمؤثرة والداعمة كلها لبنان المستقل المتحرر من الهيمنة السورية.
- لبنان المستقل يتمتع بحماية المجتمع الدولي نتيجة الدعم الدولي والعربي الواسع له ولاحترامه قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية. فاذا ما ادخل "حزب الله" لبنان في مواجهة عسكرية جديدة مع اسرائيل من اجل تحرير اراض يمكن استعادتها بالوسائل الديبلوماسية كما تفعل سوريا، فان ذلك سيشكل انتهاكا لقرارات مجلس الامن وخصوصا للقرار 1701، مما يعرض هذا البلد مجددا للدمار والخراب من دون ان يتمكن من تحقيق اي مكاسب، كما يضعه في حال مواجهة مع المجتمع الدولي من اجل خدمة مصالح المحور السوري – الايراني. وليس ثمة خيارا اسوأ من هذا الخيار بالنسبة الى لبنان واللبنانيين.
وفي هذا المجال اكد لنا مسؤول عربي بارز: "ان الامر الملفت للانتباه هو انه لم يتحدث اي من الزعماء العرب في قمة الكويت عن انتصار "حماس" بل عن نكبة غزة وعن مأساة الفلسطينيين ومعاناتهم. وهذا هو الواقع بقطع النظر عما تقوله قيادة "حماس" وخصوصا ان الزعماء العرب يعرفون تماما ما جرى وما يجري في  غزة. والاستراتيجية الصحيحة الملائمة التي يجب ان يعتمدها الفلسطينيون واللبنانيون بعد حربي 2006 و2009 تقوم على المعادلة الآتية: ان مصير فلسطين اهم من مصير حكم "حماس" في غزة، وان مصير لبنان اهم من مصير منطقة شبعا الصغيرة وما تبقى من اراض محتلة، اذ يمكن استعادتها بالوسائل السلمية الديبلوماسية، وهذا ما تفعله سوريا، وبمساعدة الامم المتحدة والدول الصديقة. ومن الضروري والحيوي ان يعتمد اللبنانيون استراتيجية دفاعية حقيقية تتضمن صيغة واقعية وقابلة للتطبيق لضبط سلاح "حزب الله" ومنع استخدامه ضد اسرائيل من طرف واحد، ووضع هذا السلاح في تصرف الجيش، ولدفع الحزب الى التخلي عن قرار الحرب للدولة بحيث يتم اعطاء الاولوية لحل المشاكل العالقة بين لبنان واسرائيل بالوسائل السلمية والديبلوماسية".

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,388,230

عدد الزوار: 7,756,007

المتواجدون الآن: 0