الأحوال النفسية للأولاد والشباب بعد حرب تموز ٢٠٠٦: عينة من ٦٦٣٢ طالباً تظهر الآثار النفسية والاجتماعية والاضطرابات...

تاريخ الإضافة الأربعاء 28 كانون الثاني 2009 - 4:40 م    عدد الزيارات 1000    التعليقات 0

        

صرت أشرح للناس أن الأم هي أم، الأم تبكي على أولادها أينما كانوا، وهؤلاء الذين تشاهدونهم على التلفزيون كيف لا يكونون مقهورين«، هذه شهادة معلمة في مدرسة خاصة في الضاحية الجنوبية، بعد نحو تسعة أشهر على انتهاء حرب تموز ٢٠٠٦ على لبنان. ففي الوقت يلتزم فيه القرن الواحد والعشرون بتعميم التعليم للجميع، تلقى الأطفال والشباب في لبنان، ومثلهم في غزة، درساً في تعميم التدمير على الجميع، خلال حرب ضارية استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً على لبنان، أسفرت عن أضرار جسيمة، وقد استخدمت إسرائيل خلال هذه الحرب معدات حربية فتاكة، أدت إلى استشهاد نحو ١٢٠٠ مواطن لبناني، ثلثهم من الأطفال، وإصابة نحو ٤٤٠٠ شخص بجروح معظمهم من المدنيين، ونزوح مليون شخص هرباً من فظاعات الحرب الإسرائيلية. وبالتالي فإن سكان لبنان ولا سيما الأطفال والشباب منهم تعرّضوا خلال حرب تموز لعدد من الحوادث المحددة المرتبطة بالحرب.
وتأتي دراسة »الأحوال النفسية للأولاد والشباب في لبنان بعد حرب تموز ٢٠٠٦«، والتي أعدّتها »الهيئة اللبنانية للعلوم والتربية« بالتعاون مع »الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية«، وصدرت مؤخراً، لتنطلق من السؤال عن كيف عاش الأطفال والشباب أحداثاً صارمة على قدر غير مسبوق من العنف والاتساع، مع العلم بان أحداً لم يكن بمنأى عن الحرب، حتى من كان يعيش في المناطق التي لم تكن مستهدفة.
والغاية من الدراسة تتمثل في فهم آثار التعرض المتعدد لهذه الحرب على صحة الضحايا (الأطفال والشباب) النفسية، حيث تقول معلمة في شهادة ثانية »عانيت مع ابنتي التي يبلغ عمرها أربع سنوات أول فترة الحرب، كانت تقول ماما شو هيدا فرقيع؟ ونقول لها نعم، فهي كلما سمعت القصف كانت تخاف حتى جاء وقت تقول »أجا العو، ما بدي نام وصارت تظل معنا«.
تطوير أداة قياس للصدمات... ويشير منسق الدراسة والمشرف عليها الدكتور عدنان الأمين وعضو اللجنة العلمية في إعداد الدراسة وصياغتها الدكتورة ماريا يابري في المقدمة، إلى أن الهدف منها كان تقييم الوضع النفسي للأطفال والشباب في لبنان بعد حرب تموز، وعلى ضوء العبر المستخلصة تطوير أداة قياس تسمح بتقييم أنواع التعرض لصدمات الحرب ومداه. وهكذا بلغ عدد الأدوات التي استخدمت في الدراسة سبع أدوات، واحدة تقيس مدى التعرض للحرب وست تقيس الأحوال النفسية للأطفال والشباب في المراحل التعليمية المختلفة. وتقرر ان يكون الجمهور المستهدف هو تلامذة المدارس من صف الروضة الى الصف الثاني عشر (الثانوية العامة)، وبلغ العدد الإجمالي للذين شاركوا في هذه المراحل التجريبية ٦٦٣٢ طالباً وطالبة من كل لبنان. وتعتبر هذه الدراسة من بين الأوسع في العالم في هذا النوع من الاستقصاءات.
ويرى د. الأمين أن »الدراسة تغطي مدى تأثير حرب تموز على لبنان كله، لأن مفهوم تعرض الأطفال والشباب واسع ويطاولهم من خلال تعرضهم إلى حوادث عدة، منها سماع قصف من مسافة بعيدة أو حتى مشاهدة مشاهد عنيفة عبر التلفزيون أو سماع أخبار عنيفة على لسان الجيران وما شابه، وهذا قد يؤثر بدرجة ما على الحال النفسية عند الأطفال والشباب«. وعن الدراسة يقول: »انطلقنا في تشرين الثاني ٢٠٠٦ وبدأ العمل الميداني في ربيع .٢٠٠٧ نشأت فكرة إعداد هذه الدراسة من حيث الحاجة إلى معلومات دقيقة عن الأحوال النفسية للأطفال والشباب بعد حرب تموز ٢٠٠٦«.
تأثير الإعلام... ويرى د. كمال أبو شديد في الفصل الثاني من الدراسة »صور التعرض للحرب بأعين الأطفال والشاب وأهاليهم«، أن تعرض الاطفال بشكل منتظم للتغطية الإعلامية الخارجية بعيداً عن أي قيود لحوادث العنف، وعلى الأخص على الشبكات التلفزيونية التي تتعمد بث مشاهد وحشية وشديدة القسوة عن الحرب إما لاستنهاض التعاطف الوطني والدولي أو للإشارة بالاتهام الى العدو، إنما يشكل مصدراً محتملاً للتعرض للعنف، خصوصاً إذا كان ضحايا مشاهد العنف هذه يمتون بصلة الانتماء إلى الاطفال المشاهدين عندها قد تخلق صدمات عن بعد من خلال الإعلام، حيث يشعر المشاهدون أنهم مستهدفون ومعرضون، لأن يكونوا ضحايا بدورهم، وهو ما ينطبق على حالة الأطفال اللبنانيين في حرب تموز.
وأفاد أنه »في ما يتعلق بمتابعة الأخبار التي كانت تغطي وقائع العدوان على مدار الساعة عبر البث المباشر للمحطات التلفزيونية الأرضية والفضائية وشبكة الانترنيت، انه كان لافتاً أن نسبة ٨٩,٤ في المئة من المجيبين شاهدوا صوراً حية عن الحرب في وسائل الإعلام في حين أفاد ٣٢ في المئة منهم أنهم تابعوا الأخبار يومياً لمدة تفوق الست ساعات و ٧٨,٣ في المئة أنهم تابعوا أخبار الحرب في شكل متواصل عبر الاستماع إلى أحاديث الأهل والأصدقاء«.
ومن الأمور التي كشفتها الدراسة العدد الخارج عن المألوف للحوادث المرتبطة وغير المرتبطة بالحرب التي تعرّضت لها العينة، فقد بيّنت أن عدد الصدمات عندها تراوحت بين صفر و٣٦ حادثاً، بمعدل ١٢ صدمة للطفل أو الشاب الواحد.... وفي ما يتعلق بالمنطقة الجغرافية ـ المحافظة، فقد سجلت محافظة النبطية أعلى متوسط حسابي في عدد حوادث التعرض تليها محافظتا جنوب لبنان والبقاع. وبالنسبة لقطاع التعليم، فقد تبين باستمرار أن أفراد العينة من تلامذة المدارس الرسمية كانوا أكثر عرضة لحوادث من تلامذة المدارس الخاصة والمجانية.... وظهر من خلال البيانات التي جمعتها وحللتها كل من الدكتورتين ماريا يابري وفوزية هادي أن عدداً كبيراً من الاطفال واليافعين يعانون من أعراض الانزعاج النفسي التي يمكن إذا لم تعالج أن تؤثر في نموهم وتعرضهم لخطر مواجهة المشكلات عندما يصبحون بالغين.
وسجل د. مروان غرز الدين، »نسباً عالية من الأطفال والشباب يعانون عوارض ضغط ما بعد الصدمة، وهي تتراوح ما بين ٢٧,٧ في المئة من التلامذة الملتحقين بالصفوف من الأول الى الخامس و ٢٦,٤ في المئة من التلامذة الملتحقين بالصفوف من السادس إلى الثاني عشر.
أطفال الروضات في ما يخصّ الصحة النفسية لأطفال الروضات تشير خلاصة الفصل السادس الذي أعدّته الدكتورة كوزيت معيكي من خلال الزيارات الميدانية لإعداد الدراسة أنه تبين من خلال قراءة النتائج بروز مظاهر قلق الانفصال: الطفل لديه خوف مستمر من الانفصال عن الأم أو عمن يوليه الرعاية الأولية ويظهر غالباً تعلقاً مفرطاً بالأخرى. تغيرات مفاجئة في المزاج من الصعب ضبطها كالانفجار في الغضب والبكاء، الصراخ والارتجاف خوفاً، وتعبيرات الوجه الدالة إلى الخوف. تغيرات سلوكية مفاجئة مثل الجمود أو الحركة بلا هدف. وأخيراً في السلوك النكوصي مثل مصّ الإبهام، التبول الليلي اللا إرادي والخوف من الظلام.
وتخلص الدراسة بحسب د. الأمين إلى أن نسباً عالية من الأطفال والشباب تعاني من أعراض ضغط ما بعد الصدمة، ونسب معتدلة من التلامذة تعاني من أعراض القلق الذي يشمل الخوف والتوتر والعصبية. كما أن نسبة مرتفعة باعتدال تعاني من الضغط المدرك الذي يتمثل في اعتبار المستطلعين عدداً من المواقف التي واجهوها خلال الشهر السابق مسببة الضغط. وان اضطرابات الخوف والهم كانت أكثر انتشاراً بين العينة. أما في المشكلات السلوكية فقد بلغت نسبة الحالات العيادية بين التلامذة ١٤,٢ في المئة وهي من أعلى النسب التي سجلت في مشكلات الصحة النفسية في قائمة الشخصية للأطفال والشباب.
وبالنظر إلى النتائج التي أظهرتها الدراسة، توصي بضرورة التركيز على أهمية توسيع نطاق التدخل النفسي، والنفس اجتماعي لتشمل ميادين الصحة النفسية كافة، ونوعي التدخل الفردي والمجتمعي، خصوصاً أن الأعراض أو الاضطرابات التي تنجم عن التعرض للحرب لا تعدو كونها تعبيرات عن واقع واحد يشكل القلق قاعدته الأساسية، وتحمل كلها عناصر تعطيل التكيف النفسي ـ الاجتماعي، وهي متصلة بصورة أو بأخرى بعضها البعض، أشارة إلى أن هذه الدراسة انطلقت من طموح آخر، وهو إنشاء مركز لتقديم خدمات الدعم النفسي في لبنان. وأن دراسة الجدوى أعدت في أيار ٢٠٠٧ لإنشاء هذا المركز، ويتوقع أن يكون مقره في منطقة بيروت الإدارية. وتجري مراسلات بين الجهات المانحة لتأسيس المركز وأهمها صندوق الكويت للتنمية أو الحكومة اللبنانية للمضي قدماً في المشروع الذي يترقب أن يتعاون مع وزارة التربية لتوفير خدمات عدة في التثقيف والتوعية وكشف شروط الصحة النفسية للتلامذة، والتشخيص والتقويم والتدخل والعلاج والتدريب وإعداد الدراسات.

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,388,819

عدد الزوار: 7,756,019

المتواجدون الآن: 0