عبارة لم تتكرّر عبثاً في القرارات الدولية

تاريخ الإضافة الإثنين 16 آذار 2009 - 1:44 م    عدد الزيارات 902    التعليقات 0

        

بعد تحرير معظم الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي في 25 أيار 2000، تم التساؤل عن مدى شرعية إحتفاظ المقاومة اللبنانية بسلاحها وأنه آن الأوان لنزع هذا السِّلاح وفقاً لما نصَّ عليه إتفاق الطائف لعام 1989.
وتبلور هذا الرّأي بشكلٍ جلي عندما صدر القرار 1559 تاريخ 2 أيلول 2004 عن مجلس الأمن الدولي وما تبعه من قرارات لاحقة متعلِّقة بسلاح المقاومة.
لن نناقش في هذه المقالة شرعية سلاح المقاومة اللبنانية وفقاً للإتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا السِّلاح بشكل غير مباشر كاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 أو إتفاقية لاهاي المتعلقة بالحرب البرية لعام 1907 وإتفاقية الهدنة 1949، إذ تنص هذه الإتفاقيات على شرعية القوات غير النظامية وأفراد المقاومة، لذلك يُمكن تفسير بنود هذه الإتفاقيات بشرعية سلاح المقاومة طالما هناك حالة حرب بعكس القوانين اللبنانية المرعية الإجراء التي توجب حصر السِّلاح في القوات النظامية اللبنانية(1).
لكننا سنناقش شرعية هذا السلاح في ظل قرارات مجلس الأمن الدُّولي التي أشارت إلى نزع سلاح المقاومة اللبنانية أو استعماله، إذا اعتبرنا أنّ المقاومة ميليشيا.
والمقصود بالمقاومة اللبنانية مجموعة الأفراد اللبنانيين الذين قرّروا الكفاح المسلّح ضمن الحدود الدولية اللبنانية ضد جيش دولة أخرى احتلت الأراضي اللبنانية واعتبرتها الحكومة اللبنانيَّة قوّات إحتلال أو قوّات معادية. ومن المعلوم أن الدّولة اللبنانية حتى هذه اللحظة تعتبر القوات الإسرائيلية فقط قوّات معادية منذ عام 1948(2) ولا زال لبنان في حالة حرب مع إسرائيل(3).
يمكن تقسيم قرارات مجلس الأمن الدولي موضوع البحث إلى قسمين:

أولاً: القرارات المتعلقة بنزع سلاح المقاومة اللبنانية
في 2 أيلول 2004، صدر القرار 1559 وهو القرار الذي قسَّم اللبنانيين كما يقول رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي. فبالرَّغم من أنّ القرار أكد على القرارات السابقة المتعلقة بلبنان خصوصاً القرارات 425 و426 و520 وعلى سلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليّاً(4).
الا أن القرار ربط بشكلٍ واضح بين السيادة الناقصة للبنان وتواجد الميليشيات المسلحة(5). وأشار إلى "عزم لبنان على ضمان إنسحاب القوات غير اللبنانية من لبنان(6). لكنّ الفقرات التنفيذية للقرار 1559 ميّزت بين وجوب إنسحاب القوات غير اللبنانية من لبنان ووجوب نزع سلاح الميليشيات اللبنانية من خلال الصياغة، إذ نصت الفقرة المتعلقة بانسحاب القوات الأجنبية على كلمة "يطالب"(7) بينما نصّت الفقرة المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات على كلمة "يدعو" والفارق اللغوي والقانوني شاسع بين هاتين الكلمتين إذ أنّ كلمة "يطالب" توجب الإلتزام لتنفيذ موجب ما تحت طائلة الإكراه أحياناً حتى لو لم تقترن بآلية تنفيذ، أمّا كلمة "يدعو"(8) فهي تمنٍ للتنفيذ لكن يحتاج إلى آلية تنفيذ ليتحوّل إلى الإلزام وهذا ما لم ينص عليه القرار 1559. وهذا الإختلاف في الصياغة(9) لم يأتِ نتيجة خطأ في التعبير، وسيتضح هذا الإختلاف عندما يتم البحث في قرارات مجلس الأمن المتعلقة باستعمال سلاح المقاومة اللبنانية.
ومن قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان والتي نصت بشكل صريح على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية القرار 1680 الصادر في 17 أيار 2006. ويدعو القرار في مقدمته إلى إستكمال تنفيذ القرار 1559 خصوصاً البند المتعلق بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية. ورحب في الفقرة التنفيذية رقم 6 بالقرار الذي اتخذه الحوار الوطني بنزع سلاح الميليشيات الفلسطينية خارج المخيمات خلال 6 أشهر، و"يدعو" إلى بذل مزيد من الجهود لنزع سلاح الميليشيات اللبنانية(10)... القرار 1680 مماثل من حيث الصياغة للقرار 1559 في ما يتعلّق بنزع سلاح المقاومة اللبنانية إذ كرّر كلمة "يدعو"، لذلك سننتقل للبحث بقرارات مجلس الأمن المتعلّقة باستعمال سلاح المقاومة اللبنانية لعلّنا نجد آلية نصت عليها هذه القرارات بخصوص نزع هذا السلاح.

ثانياً: قرارات مجلس الأمن المتعلقة
باستعمال سلاح المقاومة اللبنانية
نصَّ القراران 1559 و1680 بشكل ملتبس على نزع سلاح المقاومة اللبنانية من خلال إستعماله عبارة "نزع سلاح الميليشيات اللبنانية". لنبحث الآن في مضمون قرارات مجلس الأمن التي صدرت كلّما كانت هناك معارك محدودة بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل أو حرب شاملة كما حدث في تموز 2006، وذلك منذ تحرير معظم الأراضي اللبنانية في 25 أيار 2000 بمعنى آخر سيتم البحث في القرارات اللاحقة لكل إستعمـال لسـلاح المقاومـة اللبنانيـة(11).
سيتم التركيز على بنود قرارات مجلس الأمن بعد عام 2000 والتي تهمُّ البحث لمعرفة البند التي تكرّر في جميع هذه القرارات وتأثيره على شرعية سلاح المقاومة اللبنانية.
جميع قرارات مجلس الأمن التي صدرت بسبب معارك محدودة أو حرب شاملة بين المقاومة اللبنانية أو إسرائيل تتضمّن بنوداً مشابهة أهمها: بسط سلطة الحكومة الفعلية(12) وإدانة جميع أعمال العنف وخرق الخط الأزرق(13).
لكن هناك عبارة لم ترد قط في أي قرار متعلّق بلبنان، بدأت ترد بعد عام 2000 في كل قرار يكون سببه معارك محدودة أو حرباً شاملة بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل وهذه العبارة هي "يؤكد أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، إستناداً إلى جميع قراراته ذات الصلة بما في ذلك قراراته 242 (1967).... و338 (1973)...(14) وتوسَّعت هذه العبارة في القرار 1701 (2006) إلى أن شملت القرار 1515 (2003) وهو القرار الذي أكد وجوب إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية.

ماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن مجلس الأمن(15) قد ربط شرعية إستعمال سلاح المقاومة اللبنانية بالحل الشامل في المنطقة وتطبيق القرارين 242 و338، والقرار 1515 أي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة. فهذه العبارة لم تكرّر عبثاً منذ عام 2001 وعبارة "السلام العادل والشامل" لم ترد في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالتمديد لقوات "اليونيفيل" إلاّ إذا سبقها معارك محدودة أو حرب شاملة بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل.
هنا يمكننا الرّبط بين كلمة "يدعو" التي تكرّرت في القرارات 1559 و1680 و1701 وعبارة "السلام العادل والشامل"، إذ كأنَّ مجلس الأمن قد ترك للفرقاء اللبنانيين الإتفاق حول مصير سلاح المقاومة اللبنانية حتى الحل الشامل في المنطقة وحتى ذلك الوقت ربما إذا لم يتم حل مسألة هذا السّلاح نكون أمام قرار وفقاً للفصل السابع من الميثاق.

1) راجع: "من يقرّر الحرب والسّلم في لبنان"، السفير في 8/10/2008 (صفحة قضايا وآراء).
2) من المعلوم أنّ الحكومة اللبنانية أصدرت المرسوم رقم 2705ك تاريخ 27 شباط 1945 معتبرة أنّ لبنان في حالة حرب مع ألمانيا واليابان ثم أقامت العلاقات الدبلوماسية معهما بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
3) عام 1988 أعلن العماد ميشال عون الحرب على سوريا باعتباره رئيساً للوزراء وبعد نفي العماد عون إلى فرنسا تم إقامة العلاقات المميزة مع سوريا التي نصّ عليها إتفاق الطائف من خلال إتفاقية الصداقة والتعاون عام 1991.
4) الفقرة الثانية من مقدمة القرار 1559.
5) ومن ضمن هذه الميليشيات حزب الله الركن الأساسي للمقاومة اللبنانية المسلحة ضد إسرائيل.
6) الفقرة الثالثة من مقدمة القرار 1559.
7) الفقرة التنفيذية الثانية من القرار 1559.
8) إستعمل إتفاق الطائف عبارة "الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية".
9) بين كلمة "يدعو" وكلمة "يُطالب".
10) الفقرة الثالثة من مقدمة القرار 1680.
11) أي القرارات الصادرة بين عام 2000 و2006 بسبب المعارك بين اسرائيل والمقاومة اللبنانية.
12) الفقرة 5 من القرار 1365 تاريخ 31/7/2001 والفقرة 5 من القرار 1461 تاريخ 30/1/2003.
والفقرة 6 من القرار 1614 تاريخ 29/7/2005. والفقرة 6 من القرار 1655 تاريخ 31/1/2006.
والفقرة 3 من القرار 1701 تاريخ 11/8/2006.
13) الفقرة 8 من القرار 1337 تاريخ 30/1/2001 والفقرة 9 من القرار 1365 تاريخ 31/7/2001 والفقرة 4 من القرار 1614 تاريخ 29/7/2005 والفقرة 4 من القرار 1655 تاريخ 31/1/2006 والفقرة 2 و3 من مقدمة القرار 1701 تاريخ 11/8/2006.
14) الفقرة 15 من القرار 1337 (2001) والفقرة 15 من القرار 6513 (2001) والفقرة 13 من القرار 1461 (2003) والفقرة 15 من القرار 1614 (2005) والفقرة 16 من القرار 1655 (2006) والفقرة 18 من القرار 1701 (2006).
15) كرّرت الفقرة 4 من البند 8 من القرار 1701 (2006) الدّعوة إلى التنفيذ الكامـل للقراريـن 1559 (2004) و1680 (2006)، كلمة "يدعو" لم تتغيَّر.
 

عارف زيد الزين      
(باحث قانوني)

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة..

 الخميس 17 تشرين الأول 2024 - 5:09 ص

محطات الصراع الإيراني - الإسرائيلي..من «حرب الظل» إلى المواجهة المباشرة.. لندن: «الشرق الأوسط».. … تتمة »

عدد الزيارات: 174,357,473

عدد الزوار: 7,755,481

المتواجدون الآن: 0