تحليل سياسي

السياسة التركية من منظور عربي: أي دور لأنقرة في صحوة المجتمعات العربية؟

تاريخ الإضافة السبت 7 أيار 2011 - 7:47 ص    عدد الزيارات 2575    القسم دولية

        


ميشال نوفل

احتضن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس (IFRI) وهو المركز الرئيس للأبحاث والمناظرات المتخصص لتحليل المسائل الدولية في فرنسا، مؤتمراً حول دور تركيا إزاء العالم العربي تناول عودة تركيا الى الشرق الأوسط، وتركيا والملفات السياسية الاقليمية، وتركيا بوصفها "نموذجاً" للتحول في العالم العربي. وشارك في محاور النقاش التي توزعت على 3 طاولات مستديرة باحثون وصحافيون خاضوا في التحديات التي يطرحها "الربيع العربي" على ديبلوماسية أنقرة، وأبعاد التقارب السوري التركي، ومستقبل التفاهم التركي الإيراني، ومكانة الشرق الأوسط في السياسة الخارجية "الجديدة" لأحمد داوود أوغلو. هنا ملخّص لورقة الكاتب التي ركّزت على الديبلوماسية التركية من منظور عربي:

لقد حالت ظروف الحرب الباردة في العقد الماضي دون أي جهد جاد لتسوية القضية الفلسطينية. وكان من المتوقع مع انتهاء هذه الحرب، أن تصبح البيئة الدولية الجديدة موأتية لإنجاح اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ولكن ورغم التوصل الى اتفاقات أوسلو ، فإن الأحداث واصلت مسارها المضطرب ، لتؤشر بكل وضوح على أن المنطقة لا تزال تعيش تحت وطأة هذه القضية المركزية للعرب، ناهيك بالصراعات الدينية والعرقية الكامنة التي قد تنفجر في أي لحظة (العراق والسودان، على سبيل المثال) ، وتؤدي الى توترات تهدد السلام والاستقرار اقليميا ودوليا. ذلك أن مشكلات الشرق الأوسط مترابطة ومتشابكة ولها تداعياتها في جميع بلدان المنطقة (احتلال القوات الاميركية للعراق وتبعاته) ، ما ينتج ثورات (كما في تونس ومصر) تطرح على بساط البحث نظام التوازن الإقليمي وقد تؤدي إلى التدخل المباشر أو غير المباشر للاعبين الدوليين الكبار على الساحة الدولية.
من المسلم به ان تركيا باتت اليوم لاعبا سياسيا مهما متقدما باستمرار، يتقن ممارسة سياسة ايجابية لها ترجمتها بنظر الجمهور العربي من خلال التوجهات الجديدة لدبلوماسيتها. غير ان هناك محددين رئيسين يحكمان هذا المسار :
1ـ إرادة استقلال تركيا عن إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة:
ظهرت هذه الإرادة التركية وأصبحت واضحة من خلال رفض أنقرة في العام 2003 نشر القوات الأميركية لفتح جبهة ثانية ضد صدام حسين في العراق انطلاقاً من أراضي الأناضول.
هذا الموقف لم يؤكد مصداقية تركيا كقوة مستقلة فحسب، بل ساهم في الوقت نفسه في ترسيخ المصالحة بينها وبين العالم العربي بعد فترة قطيعة طويلة، وهي الفترة التي ظهرت فيها في مرآة النخب العربية وكأنها "حصان طروادة" للغرب. لكن لاحقا، وعندما برزت الحاجة الى تركيا قادرة على الاضطلاع بدور في تحقيق الاستقرار في عراق ما بعد صدام، لبّت تركيا توقعات العرب، ودعمت وشاركت في بناء الدولة العراقية الجديدة سياسيا واقتصاديا، وساندت المصالحة بين الطائفة السنية والسلطة الشيعية العراقية وتمكنت حتى من اقناع السنة العراقيين على بالمشاركة في الانتخابات. هذا الدور لتركيا كان مطلوبا بالحاح من جانب المؤسسة الحاكمة العربية لا سيما مع تزايد النفوذ الايراني في العالم العربي الذي وجد دعما له في الاطاحة بصدام حسين ، وصعود القوة الشيعية في لبنان ودعم حماس في السلطة في غزة. من هنا بات ينظر الى انه يمكن لدبلوماسية تركية تتسم بالكفاءة والفعالية ان توازن فعلا النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط.
2ـ تغير السلوك والخطاب تجاه إسرائيل
بعد حرب غزة (2008-2009)
لقد كانت مواقف حكومة حزب العدالة والتنمية، وانتقاداتها للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتنديدها بالحرب الضارية ضد غزة، كافية لكي يؤتمن على تركيا بلقب "زعيم العرب". وبدت السياسة التركية الرامية إلى وضع حد للإملاءات الإسرائيلية على تناقض صارخ مع عجز رؤساء الدول العربية وأظهرت اردوغان كأنه "عبد الناصر جديد" حريص على الدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وجاء الاعتداء الذي قام به الجيش الإسرائيلي ضد اسطول السلام التركي في المياه الدولية (2010) ليعجل في المواجهة بين الطرفين وليؤدي الى دخول تركيا الدراماتيكي في نار الصراع العربي الإسرائيلي. وكانت حالة السخط والغضب التي أخذت تركيا قوية الى درجة ان الوضع وصل الى حد القطيعة الاستراتيجية بين انقرة وتل ابيب عقب فترة من البرودة تضاعفت فيها نقاط التوتر بين الطرفين، خاصة وانه كان من الصعب على اسرائيل رؤية هذا الوافد الجديد على منطقة الشرق الأوسط، الذي طوّرت معه في الماضي القريب علاقات تعاون وثيقة عسكريا واستخباراتيا على وجه الخصوص، يغير في موازين القوى وقواعد اللعبة.
ومن الواضح الآن أن الدبلوماسية التي تنتهجها قوة إقليمية كبرى مثل تركيا في العالم العربي والاسلامي يمكن أن تؤدي فعلاً الى انقلاب التحالفات إذا كان مصحوبة بالتزام جاد وتموضع جديد تجاه قضايا الشرق الأوسط. علما أن الجيوبولتيكا التركية اختارت، لهذا الهدف، "البوابة" السورية من جهة، و"البوابة" الفلسطينية من جهة اخرى.
ولتحقيق هذا الهدف ايضاً، جرى الدفع بالعلاقات التركية السورية التي ما انفكت تتطور وتتعزز منذ أزمة عام 1998 حتى تحقيق التحالف الاستراتيجي، في وقت كانت العلاقات التركية الإسرائيلية تدخل تدريجيا في مرحلة من البرود ، تلتها مرحلة توتر حاد وتدهور للعلاقات نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006.
على الصعيد الفلسطيني، كانت الانتهاكات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين خلال العمليات العسكرية ضد قطاع غزة وسياسة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس قد عمقت أزمة العلاقات التركية الإسرائيلية بحيث أدت في النهاية الى انكسار الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين ، وهو وضع له عواقبه الوخيمة ليس فقط بالنسبة لكلا الطرفين ، ولكن أيضا على الصعيد الدولي، كما اتضح من القرار التركي منع إسرائيل من المشاركة في مناورات " عملية نسر الأناضول "في تشرين الاول/ أكتوبر 2009. بل ان وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو، ولتجنب أي غموض في تفسير هذا القرار، وجه في ذلك الوقت من حلب في سوريا (13 نوفمبر 2009) تحذيرا قويا للسلطات الإسرائيلية لحضها على "إنهاء المأساة الإنسانية في غزة واحترام المسجد الأقصى".
وعلى المنوال نفسه، يبدو أن التغيرات النظامية الراهنة في العالم العربي وانعكاساتها المحتملة والتي تشغل إلى اليوم الكثير من المحللين وصناع القرار تعزز مصداقية ومكانة تركيا باعتبارها نموذجا للحكم الرشيد، الأمر الذي قد يدعو بالتالي إلى التفكير في امكانية اعتبار هذا الدور بمثابة العامل والمحرك الداخلي المحتمل لتطور النظام الإقليمي العربي. وعلاوة على ذلك، فإن تركيا لم تكتف، في ضوء التفاعلات الملازمة للصحوة العربية، بدعوة بعض رؤساء الدول العربية الى الانحناء امام إرادة شعوبها والتخلي عن السلطة (تونس، مصر، اليمن) ، بل ايدت ايضا المطالبة بالتغيير الديمقراطي من خلال زيادة الضغط على الحكومات بطرق مختلفة: من خلال التواصل مع النخب ، بما في ذلك النخب الإسلامية ، واستقبال بعض الجهات التي اكدت علناً وعالياً على خيارها في التحول الديمقراطي على المثال التركي (الغنوشي في تونس، والإخوان المسلمين في مصر وسوريا)، وانتقلت أحيانا الى مواقع الاحداث لتكون على بينة من التغييرات (زيارة رئيس تركيا عبد الله غول الى القاهرة).
وفي المقاربة التركية للانتفاضات في المجتمعات العربية، يجب أن نحسب أيضا مصالح انقرة وأولوياتها وتحالفاتها، أي أن نأخذ في الاعتبار الدور المعقد لتركيا في الجغرافيا السياسية العربية. ويعني ذلك بالنسبة إلى السياسة الواقعية لتركيا التوفيق بين المبادئ (التغيير السلمي ولكن مع الحفاظ على الاستقرار ورفض حالة الاضطراب والفوضى) وامكانات الواقع والقيود التي يفرضها على الإستراتيجية والدبلوماسية. والدليل، التعقيد البالغ للدبلوماسية التركية تجاه الأزمة الليبية ومحاولتها التوصل في البداية الى تسوية سلمية للنزاع بين المعارضين والسلطة، عبر دفع معمر القذافي إلى الرحيل على أن يسمي هو بنفسه زعيم المرحلة الانتقالية، ورفضها التدخل الغربي واي تدخل لحلف شمال الأطلسي؛ ثم سعيها الى تدبير الاتصالات بين الطرفين (بنغازي وطرابلس) والموافقة على إجراء محادثات مع ممثلي القذافي لوقف إطلاق النار على الرغم من القتال والضربات الجوية، وسعيها في الوقت نفسه إلى المشاركة في حماية السكان المدنيين من خلال المساعدات الإنسانية والتقنية في مجالات إدارة الموانئ والمطارات وغيرها.
على وجه الإجمال وفي شأن البلدان العربية، فإن الاستراتيجية التي اعتمدتها الدبلوماسية التركية، كما تم تعريفها من قبل داوود اوغلو، هو الدفع في اتجاه تغيير الأنظمة العربية الموروثة من حقبة الحرب الباردة، مع تفادي العنف والفوضى. هذه الاستراتيجية لا تنطبق على الأزمة في سوريا، بحسب داوود اوغلو، لأن سوريا بشار الاسد في رأيه تشكل استثناء مقارنة بالدول العربية الأخرى كون الرئيس بشار الاسد ليس قادماً من مرحلة الحرب الباردة، وحيث إن التمسك بقوة بمطلب التغيير والإصلاح ينبغي ألا يحجب حقيقة أن زعزعة الاستقرار في سوريا يمكن أن تهدد حجر الزاوية في الجيوستراتيجية التركية في الشرق الأوسط. فسوريا تشكل بالنسبة لتركيا، كما سبق وذكرنا، البوابة الى العالم العربي. ومع ذلك ، يمكن للحدود المشتركة بين البلدين الممتدة على طول 800 كم ان تلعب دوراً في إرباك تركيا نفسها في حال تجدد عمليات حزب العمال الكردستاني وتكرار سيناريو تدفق اللاجئين، ولكن هذه المرة ، من سوريا.

برنامج تركيا المعاصرة
يقترح "برنامج تركيا المعاصرة" الذي تديره دورتي شيمث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، مقاربة الواقع التركي بعيون جديدة بغية تلمّس اللاعبين الجدد وعوامل التعبئة وخطوط الصدع التي تصنع تركيا المستقبل.
ويهدف البرنامج الى توفير معطيات معلوماتية لصناع القرار والجمهور حول التغييرات الجارية في تركيا.
وشحذ أدوات تحليل جديدة لمقاربة الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا المعاصرة.
والبحث عن محاورين جدد قادرين على الإحاطة بالخيارات المستقبلية لتركيا الجديدة.


المصدر: جريدة المستقبل

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,727,924

عدد الزوار: 7,040,440

المتواجدون الآن: 95