تقارير..مرسي والإسلاميون.....المعارضة المصرية: نظرة ثانية

إسرائيل تصرفت بناء على الخط الأحمر الذي رسمته، وعلى أوباما أن يحذو حذوها الآن

تاريخ الإضافة السبت 18 أيار 2013 - 7:08 ص    عدد الزيارات 1717    القسم دولية

        


 

إسرائيل تصرفت بناء على الخط الأحمر الذي رسمته، وعلى أوباما أن يحذو حذوها الآن
دينيس روس ....السفير دينيس روس هو مستشار في معهد واشنطن.
برهنت إسرائيل مرة أخرى على أنها عندما تضع خطاً أحمر بينها وبين جيرانها فإنها تعني ما تقول. وبعد أن أوضح الإسرائيليون أنهم سيمنعون وصول أي أسلحةٍ جديدة نوعياً من سوريا إلى «حزب الله»، عملوا -- دون أن يعترفوا علناً ​​بذلك -- على فرض ذلك بالقوة.
وتبرز في تلك المسألة نقطتان: أولاً، أن إسرائيل أصبحت قادرة على القيام بذلك مع اعتبار ضئيل للدفاعات الجوية السورية. ثانياً، أن أهدافها وأغراضها كانت واضحة وبينة. فإسرائيل لا تتدخل إلى جانب المعارضة السورية. كما أن قادتها يعتمدون على انشغال الأسد و «حزب الله» بحرب البقاء للنظام السوري -- مع إدراك هؤلاء الحليفَيْن أنهم لا يستطيعون أيضاً تحمل دخول إسرائيل في تلك الحرب. وربما تشعر إيران أيضاً، التي قدمت الكثير لبقاء الأسد، بأن أي رد فعل ينبغي أن يكون بشكل غير مباشر، لاسيما مع دولة تتصرف وفق خطوطها الحمراء.
هل يعطي التحرك الإسرائيلي درساً مجانياً لإدارة أوباما التي ما زالت تعصف ذهنها لاختيار طريقة للرد على الاستخدام السوري للأسلحة الكيميائية؟ ربما يجدي ذلك نفعاً لكن ينبغي أن يكون رد فعلها غير مبالغ فيه. أولاً، إن استخدام إسرائيل لصواريخ تعمل خارج نطاق الدفاعات الجوية قد أتاح لها الهجوم دون الدخول في المجال الجوي السوري. وبالتأكيد ربما تستفيد الولايات المتحدة من هذا الأمر، لكن الدرس الرئيسي هو أنه عليها أن تحدد هدفاً واضحاً، ذات أهمية ومغزى لضربه. لكن هل يمكن فرض منطقة حظر طيران بهذه الطريقة؟ ربما يتطلب الأمر بكل تأكيد إنشاء قوات جوية تكتيكية كبيرة في الدول القريبة (مثل تركيا والأردن) -- أو تحرك مجموعتين من حاملات الطائرات لمنطقة شرق البحر المتوسط لضمان استمرار أي عملية عسكرية جارية. ويمكن تبني هذا الخيار، لكنه ليس الوحيد الذي يمكن أن يُستمد من النموذج الإسرائيلي باستثناء أنه قد يعتمد إلى حد ما على صواريخ جو- جو وأرض- جو تعمل خارج نطاق الدفاعات الجوية.
تتمثل إحدى الخيارات -- التي قد تكون أكثر توافقاً مع النموذج الإسرائيلي -- في إبراز أن الولايات المتحدة ستستهدف بكل وضوح القوات أو الوحدات السورية التي تستعمل الأسلحة الكيماوية، أو الخيار الأكثر طموحاً وهو استهدافها للقواعد الجوية السورية التي يتم استخدامها في الهجوم على المدن والقرى بالقنابل التقليدية.
لكن هذا يسير نحو مشكلة أكبر. فالإسرائيليون يعملون وفق خطوطهم الحمراء، وسيتحتم على الرئيس أوباما أن يقوم بذلك أيضاً. ويُعرف عنه بأنه يرغب في القول بأنه ليس مخادعاً. لكن السؤال الحقيقي الموجه للإدارة الأمريكية هو ليس ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة الرد على تجاوز الخط الأحمر. يجب عليها الرد على ذلك. إن السؤال الأصح هو: هل هي بصدد اتخاذ إجراء فريد من نوعه تبين فيه أن الانتهاك السوري لخط واشنطن الأحمر لا بد له من ثمن، أم هل أنها بصدد استخدام بطاقة تغيير قواعد اللعبة السورية لتغيير اللعبة في سوريا؟
إن الإجابة ليست بديهية لأنه لا يستطيع أحد ضمان نتيجة جيدة في سوريا في هذه المرحلة. وقد قال ذات مرة وارن كريستوفر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق -- عندما كان في منصبه -- في تعبيره عن موقف الولايات المتحدة تجاه الصراع الدائر في البوسنة بأنه "مشكلة من الجحيم". ولسوء الحظ، فإن ما يحدث في سوريا اليوم يجعل ما حدث في الصراع البوسني أمراً بسيطاً بالمقارنة. كما أن المعارضة السورية لا زالت مفتتة، حيث بسطت الجماعات الإسلامية سيطرتها على مناطق واسعة ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الأسلحة والأموال الكثيرة التي انهالت عليها بقدر أكبر بكثير مما حصلت عليه القوات العلمانية. وربما يحظى بشار الأسد بجانب ضئيل من الحب من جانب الأقليات في سوريا، بيد تخشى هذه الأقليات مما ستفعله الأغلبية السنية في سوريا -- والجماعات الإسلامية -- بمجرد رحيل الأسد. هذا وقد تزايدت أعداد القتلى يومياً وتسببت في هروب الكثير من السوريين من منازلهم؛ وعلى المستوى الداخلي، تشرد ما يقرب من 3 إلى 4 ملايين سوري داخل البلاد، بينما على المستوى الخارجي، تم تسجيل نحو 1.4 مليون سوري بشكل رسمي كلاجئين -- وهو رقم أقل بكثير من العدد الحقيقي لللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان والعراق.
يشهد العالم كارثة إنسانية في سوريا تطرح أمام الولايات المتحدة تهديداً استراتيجياً. فلا تستطيع واشنطن تحمل مشاهدة الأسلحة الكيميائية تقع بين أيدي جماعات من نمط تنظيم «القاعدة» أو امتداد الحرب لتصل إلى الدول المجاورة -- وإجبار الولايات المتحدة على التدخل في ظل ظروف سيئة للغاية.
ولا تتمثل المشكلة في عدم وجود خيارات للولايات المتحدة لمعالجة الوضع في سوريا، لكن واشنطن لا تعلم ما إذا كان أي من خياراتها سيحدث نتيجةً مقبولة نوعاً ما. غير أنه بكل أسف، ربما تأخر الوقت بالفعل للتأثير على الحقائق على أرض الواقع في هذه المرحلة نظراً لحجم أعمال القتل والانقسام الطائفي وفقدان السلطة المركزية التي يُمكن إنقاذها وتفتت الدولة واستحالة تعزيز الانتقال السياسي طالما أن الأسد لا يزال موجوداً في سدة الحكم. إن المبادرة الأمريكية- الروسية الحالية ربما تستحق المحاولة، حيث تهدف إلى جمع ممثلي النظام السوري مع المعارضة، لكن في حالة عدم حدوث أي تغيير -- وانفصال روسيا عن الأسد قد يكون تغييراً لقواعد اللعبة السياسية -- فسيكون من الصعب رؤية أي تقدم في المفاوضات.
وإذا قبلت الولايات المتحدة بصحة كل هذا، فإنه لن يُترك لها خياراً سوى اتباع إستراتيجية الاحتواء لمنع الحرب من الانتشار وزعزعة استقرار الدول المجاورة لسوريا. ولكن قبل أن تختار واشنطن استراتيجية الاحتواء، ينبغي أن تفكر ملياً بشأن ما إذا كان من الممكن تقديم الحماية للشعب السوري بإنشاء منطقة حظر جوي محددة أو ما إذا كان توفيرالولايات المتحدة للمساعدات القتالية قد يقلب توازن القوة داخل المعارضة وبينها وبين النظام. غير أن استعداد واشنطن للعمل على أي خيار قد يكون له تأثير على الروس لإنهاء دعمهم لنظام الأسد.
وفيما يتعلق بتقديم مساعدات قتالية، قد يكون هذا رد الولايات المتحدة على انتهاك سوريا لخط واشنطن الأحمر. وكبديل عن ذلك، يمكن أن تقرر الولايات المتحدة استخدام هذا الانتهاك لمحاولة التأثير على المشهد في سوريا. وإذا كانت واشنطن جادة تجاه هذا الهدف الأكبر، سيتحتم عليها إقناع الآخرين بأنها عازمة الآن على الخروج من المأزق في سوريا حتى وإن تفكر في "اليوم التالي" بعد رحيل الأسد. إن ذلك سيتطلب منها بذل جهود كبيرة لدعم أولئك في المعارضة الذين تعهدوا بقيام سوريا غير طائفية وشاملة لجميع الأطياف، وسيعني هذا تقديم أسلحة وأموال وتدريبات وتنسيق مكثف بين حلفاء واشنطن، لاسيما السعوديين والقطريين، لضمان وصول الأسلحة عن طريق قناة واحدة فقط.
ولكي يحدث ذلك، يتعين على الرئيس أوباما الحصول على موافقة القادة الآخرين ثم اختيار مسؤول رفيع المستوى يعمل فقط للإشراف على هذه الجهود. ولأول مرة، ينبغي على واشنطن ضمان وجود واجهة واحدة للمعارضة وآلية واحدة لمن يساعدوهم -- وسيستغرق ذلك جهوداً حثيثة وصارمة لتنسيق جميع التحركات، بالإضافة إلى مركز لتبادل المعلومات من أجل مراقبة حركة الأموال والسلاح، وربما يتواجد عملاء المخابرات الأمريكية على الأرض لضمان حصول من تدعمهم واشنطن -- وليس الآخرين -- على الدعم المادي في الواقع واستخدامه كما هو متفق عليه.
إذا قضت واشنطن بصعوبة القيام بذلك، فسيكون من الأفضل للولايات المتحدة التركيز على استراتيجية الاحتواء وبناء حواجز داخل سوريا وحولها بالتنسيق مع حلفائها. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لكن يكون بسيطاً أو غير مكلف، إلا أنه سيكون في النهاية أقل تكلفة من فقدان السيطرة على الأسلحة الكيماوية أو السماح بزعزعة استقرار الدول المحيطة مثل الأردن.
 
مرسي والإسلاميون
الكاتب: شادي حميد.. مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة وزميل في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط,
معهد كارنيغي للشرق الأوسط..
إنّ العديد من الأمريكيين والمصريين ناقمون على الإخوان المسلمين. أما غيرهم، فيقولون بتعجرف، "لقد قلت لكم أنّ ذلك سيحدث". فمن وجهة نظر الليبراليين الأمريكيين والعرب على حد سواء، إنّ جماعة الإخوان المسلمين تدار من قبل إسلامين متعصّبين عازمين على فرض إرادتهم على الشعب المصري. غير أنّه وكما هي حال معظم الأشياء في الحياة السياسية، ذلك يتوقّف على ما تمّ المقارنة به. فبعد مضي أكثر من عامين على الثورات العربية، إذ بالإسلاميين يختارون بين التحرك بقوة أكثر لتنفيذ أجندتهم بدلاً من التحرّك بحذر في محاولة لتهدئة ناقديهم ومعارضيهم.
مما لا شك فيه أن الإخوان المسلمين قد انحرفوا إلى "اليمين". لكنّ الجدل الحقيقي داخل الجماعة هو حول ما إذا كانوا قد انحرفوا كثيراً. وفي حين أصبحت مصر أكثر استقطاباً من أي وقتٍ مضى، توقّفت "الجماعة" في الواقع عن الوصول إلى الليبراليين واليساريين، وركّزت في المقابل على رص الصفوف وحشد قاعدتها. في خلال السباق الرئاسي، اختار خيرت الشاطر مرشح الإخوان المسلمين الأساسي، مجموعة علماء من ذوي الميول السلفية لحضور أولى فعاليات حملته الانتخابية، حيث أكد أن تطبيق الشريعة هو هدفه الأول والأخير وأنه سيقوم بتشكيل لجنة من العلماء لمساعدة البرلمان في تحقيق هذا الهدف. بعد استبعاد الشاطر، شدّد محمّد مرسى – وهو مرشح أضعف وأقل إقناعاً - على رسالة الشاطر التي تنادي بالعودة إلى الأساسيات. وبحسب قول مرسي أنه حالياً المرشح الوحيد الذي يقدم مشروعاً إسلامياً واضحاً.
بعد فوزه بالرئاسة، حاول مرسي لفترة وجيزة أن يتخطى أصوله الحزبية. ولكن أحداث 4 ديسمبر المأساوية، عندما اشتبك محتجون مناهضون للإخوان مع أنصار الحكومة خارج القصر الرئاسي، جعلت هذه الجهود محل نقاش. فقد خلّف عنف تلك الليلة – والذي أثارته الإخوان عندما دعوا أنصارهم لمواجهة المتظاهرين - "شهداء" من الجانبين. بالنسبة للكثيرين في المعارضة، كانت هذه نقطة اللاعودة فلقد أريقت الدماء.
وبالنسبة للإخوان، كان لذلك التأثير عينه إلى حد كبير. وكما قال لي مسؤول إخواني، "بعد ذلك اليوم، كان هناك عودة إلى عقلية المحنة". وفي الأشهر اللاحقة قام مكتب الرئاسة بتشغيل أعضاء من الإخوان المسلمين بشكل مطرد. بالتالي، لم يعد للإخوان أحد - ولا حتى السلفيين – يلجئون إليه ما عدا الجماعة نفسها.
إلا أنّ التقوقع والأسلمة أمران مختلفان. فبعيداً عن الخطاب والمواقف، يبقى مرسي والإخوان حذرين كما كانوا دائماً. وبالرغم من السلطتين التشريعية والتنفيذية المهمتين، لم يمرروا أي تشريع "إسلامي"، باستثناء قانون الصكوك الإسلامية، الأمر الذي أثار غضب السلفيين المحافظين المتشددين أكثر من الليبراليين.
ليست "الأسلمة" بالشيء الذي يمكن القيام به بهذه البساطة. وفي الوقت الراهن، إنّ أولويات الإخوان بسيطة إلى حد ما - وهي البقاء والوصول الى الانتخابات المقبلة. وفي خضم صراع وجودي، جميع موارد الجماعة موجّهة لضمان عد سقوط مرسي وإسقاط الإخوان معه.
إنّ الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، لا يتصرفان مثل أي حزب حاكم تقليدي. فهم، بحكم وجودهم لأكثر من 80 عاماً في المعارضة، لا يزالوا يرون أنهم يقاتلون مجموعة من الأعداء - ولكن هذه المرة، يقاتلونهم من أعلى موقع في الدولة، وليس من الأسفل. وفي هذا الصدد، جاء عنوان مقال الباحث في أمور الشرق الأوسط ناثان براون كالآتي: "فقط لأن محمد مرسي مريض بجنون الإرتياب لا يعني أنّ ليس لديه أعداء".
يمكن للمرء الجدال حول ما إذا كانت عقدة الإسلاميين من الاضطهاد تستند إلى تهديدات مرسومة في خيالهم. ومع ذلك، فإنها تستند على حدث حقيقي يمكن القول إنه أسوأ "الخطايا الأصلية" للمرحلة الانتقالية – وهو حل أول برلمان للبلاد منتخب بشكل ديمقراطي. وجاء تحرك القضاء، المستند على تفاصيل ثانوية قانونية، تأكيداً على خوف الإسلاميين القديم: أن الفوز في الانتخابات – وفي حالة مصر، خمسة انتخابات في المجموع – ليس بالأمر الكافي، غير أن 20 عاماً قد مضي على إجهاض الانتخابات الجزائرية الذي أسقط البلاد في آتون حرب أهلية.
والأكثر إشكالية هو أنّ حل المحكمة للسلطة التشريعية قد خلق جموداً مؤسسياً في أعلى مستوى من الدولة. في غياب البرلمان، أُعطيت السلطة التشريعية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم إلى الرئيس مرسي، ومن ثم، أخيراً، إلى مجلس الشورى والذي لم يكن من المفترض أن تُنقل إليه هذه السلطة في المقام الأول. وبدون سلطة تشريعية شرعية، تباطأت عملية إصدار القوانين إلى حد كبير. وبتعبير آخر، لم يكن هناك جسم حقيقي يمكن أن يشكل نقطة الارتكاز للجدال، لحل الخلافات السياسية، ولاحتواء حالة الاستقطاب المتفاقمة في البلاد.
وفي الوقت نفسه، كان موالون لمرسي يشنون معركة داخلية للسيطرة على السلطة التنفيذية. أولئك الذين عملوا في مكتب الرئاسة يصفون المؤسسة بأنها كانت فارغة إلا من عدد ضئيل من الموظفين. وبحسب أحد مستشاري مرسي الكبار، كانت شبكة الإنترنت اللاسلكية في البداية غير آمنة ويمكن لأي أحد الولوج إليها من خارج أرض القصر.
وقال: "عندما دخلنا القصر، أعطونا ملاحظات مكتوبة بخط اليد بدلا من تصاريح الدخول المناسبة. ماذا يعني هذا لك؟"
مما لا شكّ فيه أن هذه الحرب المؤسسية المطوّلة تخدم الأخوان المسلمين جيدا وتسمح لهم بتجنّب الانتقادات حول فشلهم الجلي في الحكومة. كذلك، فهي تسمح للإسلاميين بتصوير أنفسهم على أنهم الديمقراطيون الحقيقيون الذين فازوا بالسلطة بصورة شرعية ولكنهم مُنعوا من استخدامها. ولكن وإن بدت الفكرة مناسبة للجماعة، إلا أنها لا تبدو خاطئة تماماً: إنّ مصر تعاني بالفعل تضخماً في البيروقراطية الفاسدة يعجّ بها نواب وزراء ومساعدون من عهد مبارك يشعرون بأنهم مهددون من قبل النخب الحاكمة الجديدة.
في حين يقول من هم خارج صفوف الإسلاميين بأن مرسي قد توسّع كثيراً في السلطة، غالباً ما يقول المسؤولون من الإخوان المسلمين العكس - أنّ الرئيس كان أظهر احتراماً كبيراً للدولة وأن عليه استخدام صلاحيات التعيين الخاصة به بقوة أكبر. يشيرون إلى أنّ أقل من ربع أعضاء مجلس الوزراء البالغ عددهم 35 كانوا من الإخوان في خلال الأشهر التسعة الأولى من رئاسة مرسي، وأن رئيس الوزراء هشام قنديل، هو تكنوقراطي عادي غير متميز عن الذين سبقوه في عهد مبارك. وحتى بعد التعديل الوزاري المثير للجدل في 7 مايو، والذي أدانته المعارضة بشدة لتمثيل الإخوان المسلمين الزائد، بقي أقل من ثلث الوزراء من حزب الحرية والعدالة.
وبعد الاشتباكات التي وقعت في أمام القصر في ديسمبر، جلب مرسي إلى المكتب الرئاسي مسؤولين من الإخوان المسلمين بشكلٍ متزايد (وكان معظمهم من ميسوري الحال والذين اختاروا عدم الاعتماد على رواتب موظفي الحكومة، والتي تقف عند مستويات منخفضة للغاية). ولكن كما أشار مسؤول كبير من الإخوان، "الأشخاص الجدد الذين يجلبهم يقعون على الفور في شِباك البيروقراطية."
قرر مرسي – والذي يصفه المقربون منه بأنه "يقوم بالأمور طبقاً للأصول" - العمل من داخل جهاز الدولة بدلا من محاربته، على الأقل في البداية. وكان هدفه تقوية السلطة ببطء وتدريجيا انتزاع بعض السيطرة من البيروقراطية: ساد التفكير أنّ كلما طال بقاء مرسي في السلطة، كلما زاد قبول مؤسسات الدولة له واحترامها له. سواء أكان مرسي هو الشخص المناسب للقيام بمثل هذا العمل المتوازن والدقيق أو لم يكن فهذه مسألة أخرى.
وحين تكون في حضرة مرسي، تجده شخصاً يفتقر للهيبة التي اعتدنا عليها في الرؤساء، غير أنّه يتسّم بنوع من الخشونة والعند يوحي أنّه ليس الخصم الضعيف كما يتخيّله معارضوه. وللتأكد، فهو يتشاور وينسق مع نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، وقادة آخرين من الإخوان. ولكن، سيكون من الخطأ، الافتراض أنّ مرسي هو مجرد إناء لأيا لما قد يتمنّاه الشاطر المعروف بقوّته وغموضه. مع إنّ مرسي يحتاج إلى الأخوان المسلمين أكثر من ذي قبل، غير أنهم لا يستطيعون تحمل فشله (أو سقوطه).
هذا الاعتماد المتبادل يعطي كلا الطرفين قوى تفاوضية كبيرة. وصف أحد أعضاء الجماعة الذي عمل مع مرسي والشاطر، واصفاً الأخير "بالثوري"، كما يبدو بالمقارنة مع شخصية مرسي البسيطة والبارعة والتي ينقصها التفكير الإستراتيجي. بالنسبة لمعجبي ومنتقدي الشاطر على حد سواء، فهو شخصية بارزة. كما وأنّه عملي وطموح، وهذه صفات تحمل الالتباس حول الطبيعة المحددة لأهدافه المطلقة.
لطالما عرّفت هذه الميزات عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي بدأت كجماعة لا ترمي إلى أقل من تحويل المجتمع والفرد. واستناداً إلى التعريف الذي سمعته يوماً من عصام الحداد، وهو حالياً مستشار مرسي للأمن القومي، الإخوان المسلمون هم "حركة تغيير اجتماعي ترمي إلى تقريب الناس أكثر فأكثر من معتقداتهم". وبقدر ما تبدو الفكرة حميدة غير مؤذية، لا يُعتبر تغيير معتقدات الناس أمراً سهلاً. وإن كانت هذه هي الغاية، وهي غامضة وغير محدد، فما هي إذاً الوسيلة؟ وبأي سرعة يمكن أن تسير الأمور؟
في كلّ من مصر وتونس، يناقش الإسلاميون هذه الأسئلة على الملأ. في تونس، سرعان ما وجدت حركة النهضة الإسلامية أنه رغم الفوز الساحق في انتخابات عان 2011، ستقاوم الأحزاب العلمانية والمجتمع المدني الحيوي أي محاولات لأسلمة الدولة، لاسيما حين يتعلق الأمر بوضع دستور جديد للبلاد. بعد حوار داخلي مهم عُقِد العام الماضي، قررت حركة النهضة سحب عددٍ من البنود المقترحة، بما فيها نبد يجعل من الشريعة "مصدر من مصادر" التشريع.
لكن رغم حرص الحزب على تجنّب التجاوزات، إلا أنّه واجه اتهامات بإيواء أجندة متطرفة. ففي خلال الزيارة الأخيرة التي قمت بها إلى تونس، لخصت المفكرة العلمانية البارزة نايلة سيليني رأيها قائلة: "نعرفهم، نعيش معهم. لا تعرف تماماً بما يفكرون. فتقع فريسة الجدال المزدوج!" كانت على حق: أراد الغرب أن يكون حزب النهضة أكثر اعتدالاً مما هو عليه اليوم.
لم تفعل تنازلات حزب النهضة الأيدولوجية والتطمينات العامة والبيانات حسنة النية فعلها ولم تترك الأثر المرغوب به. فقد تعرض رئيس الحزب رشيد الغنوشي للتجريح من قبل أعدائه كمرشح منشوري –علماً أن إدعاءاته بالاعتدال جعلت منه مرشحاً غاية في الخطورة. في غضون ذلك، تساءل مناصروه إن كان "الاعتدال" يستحق كلّ هذه المشاكل. صوّت عدد كبير من التونسيين لحزب النهضة لأنه حزب إسلامي، وهذا ما كانوا يرغبون به، فقد أرادوا للشريعة أن تؤدي دوراً أكبر في السياسة إلا أن آملاهم كانت تخيب في كلّ مرة كان حزب النهضة يتراجع.
وكان هذا الإحباط الذي أراد الشيخ حبيب اللوز - من أبرز "المحافظين" في الحركة – أن يوصله. عندما جلست معه على هامش جلسة برلمانية محتدمة بعد اغتيال السياسي العلماني شكري بلعيد، أصرّ أنّ الجميع في الحزب ملتزمون بالشريعة على حدّ سواء. قال لي: "كلنا نؤمن بحظر الكحول في يوم من الأيام، لكن ما نختلف عليه هو كيفية عرض أفكارنا الإسلامية والتعبير عنها بأفضل طريقة ممكنة".
في حين تطلع عدد كبير من الإخوان المسلمين المصريين إلى حزب النهضة، جاء انتقادهم مشابهاً للانتقاد الذي وجهه الشيخ حبيب اللوز. فقد بدا الحزب كحركة إسلامية بات همها الوحيد إرضاء الجميع من علمانيين والنظام القديم والمجتمع الدولي على حساب مناصريها. ما الفائدة من تقديم التنازل تلو الآخر إن كان خصمك سيكرهك مهما فعلت؟ وعلى حدّ قول أحد كبار المسؤولين في حزب الحرية والعدالة: "حاول الغنوشي أن يرضي الجميع إلا أنه لم يفلح قط في ذلك. لقد آلت به الأمور إلى قول أمور حتى الزعيم الليبرالي المصري محمد البرادعي يأبى أن يقولها، كحين صرّح أن قانون الأحوال الشخصية التونسي شكّل جزءاً من إطار عمل الشريعة بشكلٍ عام".
وأردف المسؤول في حزب الحرية والعدالة قائلاً: "لكن هل زاد هذا من شعبيته؟" وأضاف: "في كل مرة يقدّم فيها التنازلات، لا يكفيهم. يريدون المزيد، وهذا ما يغضب مناصريه."
تّعتبر تونس بجميع مشاكلها، أفضل قصص النجاح التي حققت في الربيع العربي. وأحد الأسباب هو أن تونس - على عكس مصر - استطاعت أن تأخذ وقتها. فقد كانت صياغة دستور تونس الجديد عملية بطيئة، لا بل شديدة البطء. غير أنّ البطء هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل الإجماع. وعند الانتهاء من هذه العملية، سيكون للتونسيين وثيقة دستورية تتمتع بدعم واسع من مختلف الأطياف السياسية والأيديولوجية.
ولكن، البعض من الأخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة يرون الأمر من منظار مختلف. قال لي أحد قادة حزب الحرية والعدالة، في خلال حديثي معه، أنّ العملية الانتقالية في مصر كان يجب أن تتم على نحو أسرع مما كانت عليه: "كان علينا أن ننهي كل شيء بحلول ديسمبر 2011 كي لا نسمح للنظام القديم أن يكتسب القوة."
في الواقع، يبدو أن الإخوان المسلمين يفتخرون بأن المرحلة الانتقالية في مصر شارفت على نهايتها. يقولون أنّ تمّ وضع دستور تمت الموافقة عليه عن طريق الاستفتاء، وأنّ هناك رئيس منتخب - وهو الأوّل في تاريخ مصر- وقبل نهاية هذا العام، سوف يكون هناك برلمان منتخب يترأسه رئيس وزراء من الحزب الأكبر (والذي من المحتمل أن يكون حزب الحرية والعدالة).
ولكن ما زال الأخوان المسلمون يفكرون على مراحل، وذلك بسبب حالة الارتياب التي رافقتهم في خلال المرحلة الانتقالية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإسلاميين في المعارضة يختلفون عما يكونون عليه في خلال عملية انتقالية سياسية – وكذلك، يختلف الإسلاميون في خلال فترة انتقالية عن إسلاميين متربعين على عرش السلطة بأمان. يمكن تلخيص ما يقلق الكثير من نقاد الإخوان على الشكل الآتي: ما يمكن أن تقوم به الجماعة ومناصروها لو استطاعوا؟
هذه هي الأسئلة التي لا أجوبة لها والتي تجعل من الحوار الحقيقي أمراً صعباً في دولة كمصر. إنّ بعض الأحزاب الإسلامية، على غرار حزب النهضة، على استعداد أكثر من غيرهم للتأقلم مع الديمقراطية الليبرالية. إلا أن جميعهم بالأساس ونظراً لكونهم إسلاميون هم إلى حدّ ما غير ليبراليين.
تعرضت التوجهات الإسلامية غير الليبرالية لقمع طوعي بالغ حتى الآن. لا يحتوي مشروع الدستور التونسي على أي شيء صريح يدلّ على توجهات "إسلامية". في حين أنّ الدستور المصري ليس مميّزاً (أو حتى متوسط الجودة)، إلا أنه لا يجسد أبداً ما كان في ذهن الإسلاميين حين حلموا "بالدولة الإسلامية". في مطلق الأحوال، لا يزال الوقت مبكراً: يطلب المحافظون داخل المجموعة الاسلامية من مناصريهم الذين نفذ صبرهم أن ينتظروا أكثر، ويشيرون إلى أن تطبيق الشريعة قد لا يكون ممكناً الآن إلا أنه سيكون كذلك في المستقبل (وأن المستقبل سيكون لهم بإذن الله). وفي الوقت عينه، لجأ الليبراليون إلى التهويل لأنهم يستشعرون هذا الطموح الكامن. بناءًا على ذلك، وعلى أمور أخرى، يبدو أنهم موافقون. المعركة الأيديولوجية الحقيقية لم تكن قد بدأت بعد فعلياً، إنها فكرة واقعية لا مفرّ منها.

 

 

 

المعارضة المصرية: نظرة ثانية
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
Thomas Carothers مقال تحليلي
Carothers is a leading authority on democracy promotion and democratization worldwide as well as an expert on U.S. foreign policy generally.
حالما تُذكر المعارضة السياسية في مصر في أي تجمع يناقش السياسة الخارجية في واشنطن، تُواجِه في الغالب كورساً من السخط والرثاء. وكما كتب جيمس تروب مؤخراً فإن "نظرة الإدارة الأميركية إلى المعارضة تشبه نظرة الجميع إليها تقريباً، فهي ضعيفة وعاجزة وكسولة وغير منظّمة، ويسعدها أن تتجهّم في القاهرة أكثر من أن تقوم بحملة انتخابية في الريف المصري". وفي الشهر الماضي، أشار توماس فريدمان إلى ضعف المعارضة في مصر باعتباره إحدى أكبر مفاجأتين في فترة مابعد الربيع العربي.
يتضمّن هذا الرأي التحليلي تهماً رئيسة عدة. فقادة المعارضة في مصر هم نخب تتمركز في القاهرة ممن لايمكن أن يكلفوا أنفسهم عناء تكريس الوقت والطاقة الضروريين لبناء قواعد شعبية وشبكات حزبية مستدامة. إذ هم حفنة منقسمة ومتخاصمة، يكرسون الكثير من الوقت لتشكيل وإعادة تشكيل عدد كبير من الأحزاب الصغيرة بدل أن يتحّدوا في بضعة أحزاب كبيرة. وقد فشل قادة المعارضة في طرح مقترحات ملموسة لحل المشاكل الملتهبة في البلاد، ولاسيما الوضع الاقتصادي الخطير. ويعيد مسؤولون ومحللون وصحافيون أميركيون هذه الانتقادات مراراً وتكراراً، حيث يشددون على تعليقاتهم هذه في كثير من الأحيان من خلال تنهّدات مسموعة تعبّر عن مدى إحباطهم.
 تُبرِز هذه اللازمة الدائمة والمؤلمة بشأن المعارضة المصرية الحقيقة المؤسفة أنه خلال السنتَين اللتين انقضتا منذ بدء الثورات السياسية في بلدان عربية عدة ، قلّما كان التحليل الغربي لهذه الأحداث المذهلة مطّلعاً ومتعمّقاً في منظورات مقارنة. في بدايات الثورة، عقد العديد من المعلّقين مقارنات مبسّطة ومضلّلة إلى حدّ كبير بين هذه الأحداث وبين سقوط جدار برلين، جنباً إلى جنب مع التحوّلات الديمقراطية التي أعقبت ذلك في أوروبا الوسطى والشرقية. وعندما تلاشت رواية الربيع العربي المأمول لتتحوّل إلى نقاش حزين عن "الشتاء العربي"، تحطّم وجه التشابه مع جدار برلين تدريجياً ولم تتحقّق النتيجة المرجوّة، ولم يترك ذلك النقاش مجالاً سوى للقليل من التفكير المقارن والشفاف. بدلاً من ذلك، تراجع العديد من المراقبين، الذين أثبطتهم العديد من الصعوبات التي واجهتها محاولات الانتقال في مصر وليبيا وتونس، إلى العادة القديمة المتمثّلة بالإيمان بسلبية سياسية عربية استثنائية تشي بأن الديمقراطية لن تنجح في العالم العربي.
 إن عدم وجود منظور مقارن أمر مؤسف من نواح عدة، ولكنه مؤسف بصفة خاصة في مايتعلق بفهم تطوّر الأحزاب السياسية. فمن شأن جرعة من التحليل المقارن أن تساعد، على الأقل، في تخفيف شيء عدم الارتياح الذي يشعر به كثير من المراقبين في الولايات المتحدة الآن بشأن الحياة السياسية الجديدة في مصر، وتساعد أيضاً على تجنّب بعض الأخطاء السياسية. ففي كتاب ألّفته منذ بضع سنوات وحلّلت فيه حالة الأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية الجديدة أو تلك التي تشقّ طريقها بصعوبة، "Confronting the Weakest Link"، أبرزت "الرثاء المعياري" الذي يسمعه المرء عن الأحزاب السياسية في بلدان حول العالم تحاول الابتعاد عن الحكم الاستبدادي:
    الأحزاب تنظيمات فاسدة وأنانيّة تهيمن عليها نخب متعطّشة للسلطة وتسعى فقط إلى تحقيق مصالحها الخاصة أو مصالح مموّليها الأغنياء، وليس مصالح المواطنين العاديين.
        الأحزاب لاتمثّل أي شيء، ولا توجد أي اختلافات حقيقية في مابينها. أيديولوجياتها رمزية في أحسن الأحوال وبرامجها غامضة أو لاقيمة لها.
        تضيع الأحزاب الكثير من الوقت والطاقة في التخاصم مع بعضها بعضاً حول قضايا حزبية تافهة من أجل الحصول على مزايا سياسية لامعنى لها، بدلاً من محاولة حلّ مشاكل البلاد بطريقة بنّاءة وتعاونية.
     تنشط الأحزاب في وقت الانتخابات فقط عندما تأتي للبحث عن صوتك، ولا تسمع منها شيئاً بقية الوقت.
         الأحزاب غير مستعدّة لحكم البلاد، ويكون أداؤها سيئاً عندما تتمكّن من استلام السلطة أو تحصل على مقاعد في الهيئة التشريعية الوطنية.
تنسجم المشاكل التي تواجهها أحزاب المعارضة المصرية مع هذا الرثاء القياسي في كل تفاصيله. وباختصار، هي ليست فريدة من نوعها بالنسبة إلى مصر. وهي في الواقع نموذج آخر لنمط أوسع بكثير.
الأسباب الشائعة
ما الذي يسبّب نقاط الضعف المشتركة بين الأحزاب في الأماكن التي تمر بمرحلة مابعد الاستبداد؟
 ثمّة أسباب متعددة لافتقار معظم الأحزاب التي انبثقت مؤخراً إلى وجود شبكة تنظيمية على المستوى الشعبي أو إلى وجود قاعدة. فتنظيم القاعدة الشعبية أمر صعب جداً في ظروف مابعد السلطوية، إذ عادة مايرتاب المواطنون الذين عاشوا عقوداً من الحكم القمعي من أي أحزاب سياسيةأو جميعها، وينظرون إليها في ضوء تجاربهم السلبية مع أي حزب مهيمن حكم في السابق. وعادة مايستغرق بناء هيكل حزبي محلي واسع سنوات عدّة حتى في أفضل الظروف. ومع ذلك تتعرّض الأحزاب التي تظهر بعد انهيار الحكم السلطوي لضغوط كي تنافس وتنجح في الانتخابات بسرعة كبيرة. وعادة مايمثّل الأداء السيّئ في الانتخابات الانتقالية المبكرة حكماً بالإعدام بالنسبة إلى الأحزاب الجديدة. وبالتالي فهي تركّز بطبيعة الحال على أسرع السبل لتصبح معروفة على نطاق واسع، وقبل كل شيء على ظهورها في وسائل الإعلام الوطنية، وخاصة على شاشات التلفزيون، وفي هذه الأيام الانتشار من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية.
 تبدو عملية التنظيم السريع للقاعدة الشعبية إشكالية حتى عندما تكون التعبئة الشعبية الكبيرة هي التي أدّت إلى إطاحة الحاكم المستبد. وغالباً مايكون الأشخاص الذين يندفعون إلى الشارع ويساعدون في طرد الدكتاتور، غير قادرين على ترجمة طاقتهم وقوتهم الظاهرة إلى عمل سياسي منظّم. كان هذا هو حال الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في إندونيسيا للمساعدة في طرد سوهارتو في العام 1998، وفي رومانيا عندما خاطر الآلاف بأرواحهم في احتجاجات الشوارع ضد تشاوشيسكو في كانون الأول/ديسمبر 1989. ولذا فإن ماكان بالنسبة إلى كثير من المصريين ومراقبي الأوضاع في مصر لغزاً محيّراً وكبيراً في السنتين الماضيتين - فشل احتجاجات ميدان التحرير الاستثنائية في كانون الثاني/يناير 2011 في التبلور إلى قوة سياسية فعّالة ومنظّمة في فترة مابعد مبارك - هو في الواقع متلازمة مألوفة.
 وعموماً فإن الفكرة الأساسية التي تقول إن الهياكل التنظيمية الشعبية ذات أهمية حاسمة لنجاح الأحزاب ليست صحيحة بالضرورة في عالم اليوم الذي يتميّز بالنزعة الفردية المتصاعدة، وانتشار وسائل الإعلام، والتغيّرات التكنولوجية التي تؤثّر على طبيعة المشاركة السياسية. إذ تحافظ الأحزاب السياسية في بعض الديمقراطيات الراسخة والأكثر استقراراً، مثل ألمانيا والسويد، على قواعد تنظيمية شعبية متماسكة جرى بناؤها قبل عقود في ذروة ازدهار الأحزاب السياسية التي تستند إلى قاعدة جماهيرية. ومع ذلك، فقد أصبحت الأحزاب السياسية في عدد متزايد من الديمقراطيات أقل تجذّراً في الهياكل التنظيمية المحلية، وهي تتأثرّ بصورة أكبر بالقيادة الشخصانية من أعلى. إذ تركّز على وسائل الإعلام الوطنية وعلى الانتشار عن طريق شبكة الإنترنت بدلاً من القيام بحملات شعبية. وليس من الواضح على الإطلاق إن كانت الأحزاب في معظم الديمقراطيات، صغيرة كانت أم كبيرة، سترجع إلى النموذج المثالي للتنظيمات القوية والمستقرّة المستندة إلى القاعدة الشعبية التي يصرّ المراقبون الغربيون على أنها هي النموذج المتوقّع بالنسبة إلى الأحزاب المصرية.
 بطبيعة الحال هذا لايعني أن على نشطاء المعارضة في مصر تجاهل القاعدة الشعبية. فقد تكون المعارضة مذنبة، بدرجات متفاوتة، بالنخبوية والميل إلى إهمال الاتصال المباشر مع المواطنين العاديين. لكن ينبغي ألا يتم الإصرار على هذا الانتقاد من دون النظر في بعض الحقائق الجديدة للتنظيم الحزبي حول العالم.
 انتشار الأحزاب والمشاكسات التي تحدث فيها - تكاثر عشرات الأحزاب الصغيرة كالفطر وعمليات التفكّك والاندماج المتكرّرة والخلافات المستمرة بين القادة الحزبيين – أمر طبيعي بعد الانفتاح السياسي المفاجئ. وبما أن الفضاء السياسي والسلطة السياسية الحقيقية اللذين تم فتحهما حديثاً أصبحا فجأة لقمة انتخابية سائغة، فقد سارع أصحاب المشاريع السياسية إلى التنافس عليهما. وتمثّل الأحزاب وسيلتهم للقيام بذلك. وليس لدى أصحاب المشاريع السياسية، وهم دائماً من الأفراد الطموحين للغاية والعنيدين، سوى قدر ضئيل من الميل الأولي لتصنيف تطلّعاتهم المتزايدة وتحويلها إلى مؤسّسات جماعية أكبر. إذ يتعيّن عليهم اجتياز فترة اختبار لطموحاتهم تجاه الحقائق السياسية المحلية قبل أن يبدأوا بالتحوّل باتجاه أساليب عمل أكثر تعاوناً.
 وبالتالي، فإن الأحزاب الجديدة في العادة هي تكوينات متسرّعة من المستوى الأعلى إلى الأدنى، بدل أن تكون منظمات تمثيلية تتم رعايتها ببطء من المستوى الأدنى إلى الأعلى. المشاكسات والمشاكل الداخلية عناصر طبيعية، وإن كانت مزعجة، من التطور الحزبي بدلاً من كونها علامات ضعف أساسية. كما أن عملية الغربلة تكون مطوّلة في كثير من الأحيان. ففي كرواتيا على سبيل المثال، التي أجرت انتخابات حرة ونزيهة بشكل معقول لأكثر من عشر سنوات، تم تسجيل 116 حزباً للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2011، وقد نجح اثنا عشر حزباً منها في الوصول إلى البرلمان.
 وفي مايتعلق بميل الأحزاب في البلدان التي تمر بمرحلة مابعد الحكم السلطوي إلى عدم وضع مقترحات ملموسة بشأن السياسة، تتمثّل المشكلة في بعض الأحيان بانعدام القدرة التنظيمية الأساسية. بيد أن هناك شيئاً أعمق هو الذي يؤثّر في كثير من الأحيان. وبسبب مقتضيات النظام المالي الدولي المعولَم، ضيّقت الحكومات في العديد من البلدان في مرحلة مابعد السلطوية خيارات السياسة الاقتصادية المتاحة. بالنسبة إلى الجزء الأكبر من هذه البلدان، التقشف هو السمة البارزة، وخصوصاً عندما تحاول التغلّب على الممارسات السيئة لرأسمالية مابعد المحسوبية، كما هو الحال في مصر. وكما لاحظ أستاذ العلوم السياسية البلغاري إيفان كراستيف بشيء من الفطنة، فإن المواطنين في العديد من الديمقراطيات التي تشقّ طريقها بصعوبة يحصلون في نهاية المطاف على السياسات الاقتصادية الأساسية نفسها بصرف النظر عمن ينتخبون. هذه الحقيقة تضعف حافز الأحزاب لبذل الكثير من الجهد بهدف وضع بدائل السياسات (كما تضعف حافز المواطنين للتصويت).
 فضلاً عن ذلك، لايقتصر الأمر على كون خيارات السياسة محدودة للغاية في العادة ، فهي نادراً ماتكون جذًابة جداً بالنسبة إلى معظم المواطنين، مايثبّط الأحزاب عن الخوض في التفاصيل المبرمجة. في حالة مصر، من الواضح أن هذا لايؤثّر على أحزاب المعارضة وحسب، بل أيضاً حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين أيضاً، والذي لم يظهر سوى القليل من التماسك في السياسات العامة بعد تولّيه السلطة.
 وكما هو الحال بالنسبة إلى مسألة تنظيم القاعدة الشعبية، لايقتصر هذا الأمر على سياقات مرحلة مابعد السلطوية. ففي انتخابات الرئاسة الأميركية التي أجريت العام الماضي، لم يقدم أي من الحزبين الرئيسين، رغم امتلاكهما القدرة على الوصول إلى موارد هائلة والقدرة على الاستفاضة في الحديث على المنابر السياسية، خطة جدّية تحظى بالصدقيّة لمواجهة التحدّيات المالية الرئيسة التي تواجه البلاد، أي كيفية التغلّب على مشاكل الميزانية في البلاد. فشل الحزبان في القيام بذلك لأنهما قدّرا أن أي خطة صادقة ستكون مؤلمة للغاية بالنسبة إلى كثير من الناخبين وتجعلهما يخسران من الأصوات أكثر مما يربحان على الأرجح.
 إذا كانت الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة تخشى طرح خطط اقتصادية متماسكة، فلماذا يبدو مستغرباً أن يتردّد صناع القرار المصريون، في بلد يواجه أساسيات اقتصادية أكثر إشكالية، في القيام بذلك؟
تساهلوا مع المعارضة
إذن، ينبغي على المراقبين الأميركيين وسواهم من المراقبين الخارجيين أن يتساهلوا، آخذين بعين الاعتبار هذه الحقائق النسبية، بشأن طقوس انتقادهم للمعارضة المصرية. إذ إن العزف على مواطن ضعف المعارضة كما لو أنها، بطريقة أو بأخرى، مجموعة قاصرة على نحو فريد من الأفراد والجماعات، يفتقر إلى المعلومات من الناحية التحليلية. بدل ذلك، يجب على المراقبين أن ينطلقوا من الفكرة الأساسية التي تقول إن ضعف أحزاب المعارضة في مصر (وإلى حدّ ما ضعف حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين) مثالي تماماً للأحزاب التي توجد في سياقات مرحلة مابعد السلطوية.
 والواقع أن المعارضة المصرية لاتبدو سيئة للغاية بالمقارنة مع قوى المعارضة السياسية في أماكن أخرى في لحظات تاريخية مماثلة، مثل أحزاب المعارضة الرومانية التي تميزت بالضعف في السنوات الأولى في فترة مابعد تشاوشيسكو، وأحزاب المعارضة الصربية التي كانت منقسمة إلى حدّ كبير في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، والمعارضة السياسية الأرجنتينية خلال السنوات العشر الماضية على الأقل. ثم إن المعارضة المصرية تضم العديد من السياسيين من ذوي المكانة الحقيقية، مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي، وآخرين أقل شهرة لكنهم يمتلكون طاقة سياسية وذكاء حقيقيين. إذ يتزايد التعاون بين العديد من أحزاب المعارضة بدلاً من أن يتناقص. وكان تشكيل جبهة الخلاص الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهي تحالف من أحزاب المعارضة، خطوة قيّمة في هذا الصدد، حتى لو انهارت في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية المقرّرة في وقت لاحق هذا العام. فبعض شخصيات المعارضة والأحزاب لديها دوائر انتخابية خارج القاهرة، وهم يبذلون جهوداً لبناء هياكل تنظيمية في أنحاء مختلفة من البلاد.
 قد لاتملك أحزاب المعارضة مجموعة ملائمة من البرامج السياسية المقترحة لمواجهة التحدّيات العديدة في مصر، ومع ذلك فهي ليست بائسة ومحرومة تماماً على صعيد السياسة. فعندما اجتمع البرلمان في النصف الأول من العام الماضي، شاركت بعض أحزاب المعارضة في جهود إصلاحية مهمة في مختلف اللجان البرلمانية، مثل لجنة حقوق الإنسان. وعموماً فإن المعارضة تظهر درجة منخفضة نسبياً من الديماغوجية أو الشعبوية المتهوّرة، ولاسيما بالمقارنة مع الحركات السياسية المختلفة أو الأحزاب في جنوب آسيا وأميركا الجنوبية وجنوب أوروبا ومناطق أخرى في العالم. 
 إضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن مدى الضعف والعجز الذي تظهره أحزاب المعارضة الجديدة في السنوات الأولى من عمليات الانتقال السياسي، فإن بعضها يتمكّن (وليس كلها بالتأكيد، كما توضح حالة الأرجنتين) مع مرور الوقت من أن يصبح أقوى ويفوز في الانتخابات. في أوائل تسعينيات القرن المنصرم، بدا أن أحزاب المعارضة الرومانية ميؤوس منها مقارنة بجبهة الخلاص الوطني ذات التنظيم والتمويل الجيدين والتي تولّت السلطة بسرعة بعد سقوط تشاوشيسكو وفازت بأكثر من 85 في المئة من الأصوات في أول انتخابات رئاسية في البلاد. ومع ذلك فقد فازت المعارضة في الانتخابات الوطنية في النصف الثاني من العقد نفسه. وقد أصاب اليأس أنصار المعارضة في صربيا أحياناً في أواخر تسعينيات القرن المنصرم خشية ألا يكونوا قادرين على تنظيم أنفسهم، حيث استغرقتهم تنافساتهم وإحساسهم بالشلل والعجز من كونهم ضحايا. ومع ذلك، تولّوا إدارة البلاد بأسرع مما توقّع الجميع. ليس بالضرورة أن تداوي الأحزاب التي تكون ضعيفة جداً في البداية عيوبها المؤسّسية الرئيسة بسرعة، بيد أن العديد منها يتعلّم كيفية إدارة حملة انتخابية فعّالة ويستبدل القادة الأقل قدرة بآخرين أكثر قدرة. كما يتعرّف عليها المواطنون العاديون تدريجياً وعلى نحو أفضل.
 شبكة القاعدة الشعبية القوية لجماعة الإخوان المسلمين وتماسك قيادتها النسبي قد يمكنّانها من أن تصبح سلطة حاكمة مهيمنة لفترة طويلة في مصر مابعد مبارك. ومع ذلك، في البلدان الفقيرة ذات الموارد الطبيعية القليلة، مثل مصر، ترث أي جماعة سياسية أو حزب يتولّى السلطة بعد انهيار الدكتاتور المشكلة الشاقّة والمثبطة المتمثلة بتلبية توقعات كبيرة بشكل غير واقعي من المواطنين حول إدخال تحسينات سريعة وكبيرة في جوانب كثيرة من حياتهم اليومية. وهناك بعض البلدان في مرحلة مابعد السلطوية تستقرّ على حكم الحزب المهيمن لفترات زمنية متواصلة، ومع ذلك، يمرّ العديد منها بفترات تناوب متكرّرة على السلطة حيث يجرّب الناخبون الذين يشعرون بالإحباط على نحو متزايد خياراً تلو الآخر، بما في ذلك الأحزاب التي كانت تبدو هامشية في البداية.
 تغذّي وجهات نظر المعارضة المصرية القاسية أكثر مما ينبغي، جنباً إلى جنب مع عدم الإدراك أن العديد من الجهات الفاعلة المعارضة التي كانت ضعيفة في السابق في البلدان الخارجة من الحكم الاستبدادي قد كسبت الانتخابات، الفكرة التي لافائدة منها والتي تقول إن جماعة الإخوان المسلمين هي القوة السياسية الوحيدة التي يرجّح لها أن تحكم قبضتها على السلطة في مصر في المستقبل المنظور. وبدورها تشجع هذه الفكرة الاعتقاد الإشكالي الذي بدا واضحاً في سياسة الولايات المتحدة في العام الماضي، والذي يقول إنه من المرجح ألا يكون هناك بديل عملي للإخوان لسنوات عديدة، والميل الناجم عن ذلك للتقليل من أهمية العيوب السياسية الكبيرة لجماعة الإخوان المسلمين.
 يتعيّن على الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ألا تجعل مهمتها تقتصر على دعم المعارضة بنشاط. لكن ينبغي عليهم على الأقل مقاربة المشهد السياسي الجديد في مصر بعقل مفتوح ومطّلع من خلال تجارب من أماكن أخرى.
 عند الاستماع إلى مسؤولين ومحللين سياسيين أميركيين وهم يشهّرون بالمعارضة المصرية، من الصعب ألا نتساءل عما يعطي المراقبين الأميركيين الكثير من الثقة بالنفس على صعيد الحكم التقييمي. فالولايات المتحدة تتوفّر على أكثر من مئتي سنة من التاريخ الديمقراطي، وأرقى مؤسّسات التعليم العالي في العالم، وواحداً من أعلى مستويات المعيشة، ومع ذلك، أفرزت البلاد في انتخابات الرئاسة الأميركية التي أجريت في العام الماضي، قائمةً من الشخصيات السياسية المعارضة التي لاتقارَن إيجاباً، كمجموعة، بقادة المعارضة الأساسيين في مصر من حيث الذكاء أو النزاهة أو القدرة.
 لقد حان الوقت لأن يضع المراقبون الأميركيون وغيرهم من المراقبين الغربيين جانباً المقارنات القائمة على المُثُل المُتخَيَّلة لنوعية وسلوك المعارضة. بدلاً من ذلك، عليهم أن يحاولوا وبشكل مدروس وأكثر واقعية فهم الحياة السياسية الجديدة في مصر ومستقبلها السياسي المحتمل.
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,564,246

عدد الزوار: 6,996,161

المتواجدون الآن: 71