تقارير..هل عاد التنظيم السري لإخوان مصر؟..سيرة إخفاق «الإخوان المسلمين» في إدارة الدولة للباحثة كاري ويكمان

روحاني غورباتشوف إيران؟..أسباب الصعوبة البالغة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران...الاتفاق النووي الإيراني: خطوة أولى في رحلة طويلة...تقارب تركي ـ إيراني حول الأزمة السورية، البلدان يدعوان لوقف النار في سوريا.. الخوف من «القاعدة» يتملّك نشطاء في «المناطق المحررة»

تاريخ الإضافة الجمعة 29 تشرين الثاني 2013 - 6:17 ص    عدد الزيارات 2069    القسم دولية

        


 

سيرة إخفاق «الإخوان المسلمين» في إدارة الدولة للباحثة كاري ويكمان
الحياة...مارك لينش ** مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون بواشنطن، عن «ديمكراسي جورنال»، صيف 2013، إعداد منال نحاس
في حزيران (يونيو) 2012، انتخب محمد مرسي رئيساً للجمهورية بعد معركة انتخابية كاد يخسرها، وأصبح أول رئيس منتخب في مصر بعد حسني مبارك. وأعقب تولي مرسي الرئاسة موجة انتخابية إسلامية كاسحة حملت المصريين والمراقبين الأجانب على التدقيق في مسائل كانت على الدوام مضمرة، تتناول التوفيق أو «الاتصال» بين الإسلاموية السياسية والديموقراطية. وتلاحظ كاري روزيفسكي ويكمان، أستاذة العلوم السياسية في جامعة إيموري بأتلانتا، في كتابها «الأخوان المسلمون: تطور حركة إسلاموية» (برينستون يونيفرسيتي برس، 2013) – أن مناقشات اليوم في مصر والعالمين العربي والإسلامي شغلت الجماعات الإخوانية ومجتمعاتها قبل بلوغها الحكم عقوداً طويلة. وأدت سياسة مبارك دوراً حاسماً في تجنيب «الإخوان» تحديات الاضطلاع بالحكم ومباشرة وظائفه ومهماته، والكشف عن نواياهم ومقاصدهم، إلى حين سقوطه، وخلافتهم على الحكم من بعده. فظهرت إذذاك تناقضاتهم.
وحين سنحت الفرصة لهم لم يترددوا، فأقدموا ودللوا على فاعلية آلتهم الانتخابية. وانقسم المسرح السياسي قطبين، قطب «الإخوان» وقطب خصومهم على اختلافهم وتفرقهم. فساد التعصب وعنف الشارع. وظنت كثرة المصريين الظنون في تبييت «الإخوان» الاستيلاء على «عجلات» الدولة ومرافقها من غير استثناء، وترئيس مناصريهم ومحازبيهم على هذه المرافق، وهو ما سمي «أخونة» الدولة. وقلبت هذه السياسة، على قول صحافة أطنبت في الموضوع، «الربيع العربي» «خريفاً إسلامياً». وعمَّ وصف «الإخوان» بـ «الجهاديين» و «الفاشيين»، وكانت هذه التسميات إلى أمس قريب، وقفاً على الجماعات الإسلاموية المتطرفة. وأبدى الثوريون، «شباب الثورة»، وغيرهم، رغبتهم في تدخل العسكريين ومبادرتهم إلى عزل «الإخوان»، بعد أن كانوا نددوا بـ «حكم العسكر»، وقاموا عليه.
وترجع كاري ويكمان إلى المراحل التي سبقت بلوغ «الإخوان» السلطة، وتربعهم فيها. وتتعقب «ميزان القوى بين التيارات الداخلية وتوزيع السلطة بين قطاعات (الحركة) الإدارية، وسيرورات اتخاذ القرار، وخطط التنسيب والتعبئة الاجتماعية، ومناهج الضبط المسلكي والاعتقادي». وهي استثمرت في هذا العمل 20 سنة من دراسة دور «الإخوان» في الحياة السياسية المصرية، ومئات الحوارات والمقابلات، وتحليلاً دقيقاً للوثائق العربية المنشورة والخاصة. فخرجت من هذا إلى حقيقة الخلافات في صفوف «الإخوان»، على مسائل الديموقراطية، وسبل تصريف السلطة والحكم، والوفاء بالالتزامات التي قطعت للمجتمع المدني. وبعض «الإخوان» انتهى إلى بلورة «مذهب» سياسي أكثر تسامحاً وقبولاً لتعدد الآراء من المبادئ الأولى. وتلاحظ ويكمان أن هؤلاء الإصلاحيين أو الوسطيين خسروا على الدوام المعارك الداخلية مع (أو ضد) خصومهم المتشددين، واضطروا إلى ترك التنظيم.
وتتناول ويكمان بالوصف ضياع «الإخوان» وتشتتهم أثناء الثورة وبعدها. وتقوِّم ثمن تسلمهم السلطة المضطرب والمتعثر، فتراه فادحاً وباهظاً. ويقع الذين خمنوا في حركة «الإخوان» نوازع ديموقراطية كامنة ما يحقق تخمينهم وتعويلهم. لكن قراءة الكتاب إلى آخره تخلف إحساساً يخالف الإحساس الأول ويحمل القارئ على التشاؤم بطاقة «الإخوان» على التحرر من ماضيهم وأداء دور إيجابي في تفتح ديموقراطية مصرية فعلية.
فالجماعة التي أسسها، في 1928، حسن البنا، وهو مدرس حاز ثقافة إسلامية متوسطة ويتمتع بعبقرية تنظيمية مرنة وتحدوه رؤيا إلى النهضة الإسلامية في مواجهة الاستعمار البريطاني قوية، سرعان ما انتشرت دعوتها، وجندت أثناء العقد الأول من عملها حوالى نصف مليون نصير ومريد. وكانت أقوى الجمعيات المصرية نفوذاً في العقد الرابع من القرن الماضي. وأنشأ البنا مثالاً اجتماعياً إسلامياً لم يترك وجهاً من وجوه حياة المسلمين إلا واقترح له «حلاً» استقاه من الدين وسننه وتقاليده. فنشر مخيمات الأولاد والشبان، ودعا الأهل إلى إرسال أولادهم إليها في العطل المدرسية. وموَّل عيادات متعددة الاختصاصات وفتح مدارس تولت الجمعية إدارتها، والتدريس فيها، واستقبال المعوزين. وعزم البنا، في 1942، على الترشح إلى الانتخابات، لكنه عزف عن الأمر بعد أن دعي إلى تركه. وعاد فترشح في 1944، وخسر في إعادة مزورة، شأن معظم الانتخابات يومها. وإلى ذلك، رعى تنظيم «الإخوان» جناحاً عسكرياً سرياً كان مثار خلاف وطعن.
وتدل أبحاث جديدة على أن للإخوان يداً في استيلاء جمال عبد الناصر على السلطة في 1952. لكن هذا انقلب على منافسيه الأقوياء المحتملين، وزج بالآلاف منهم في السجون، حيث عذبوا من غير شفقة ولا تحفظ. وهرب كثيرون من مصر إلى الخارج، وأسسوا في مهاجرهم فروعاً للجمعية. وغداة اغتيال حسن البنا، في 1949، اضطلع سيد قطب، وهو أحد مفكري الجمهور الإخواني (ومرجع «القاعدة» الفعلي لاحقاً) بصياغة نظريته.
وزرعت أفكار قطب خلافاً عميقاً في صفوف الجمعية المنقسمة والمحبطة. فتركها بعض الناشطين والمناصرين، واتجهوا صوب صور عمل متطرفة وعنيفة حسبوا أنها تخدم التغيير السياسي الذي ينشدونه على نحو أنجع من الابنية الإخوانية التقليدية. وردت الجمعية، بقلم مرشدها حسن الهضيبي، على سيد قطب في كتاب «دعاة لا قضاة» نشر بعد 15 سنة على «معالم في الطريق» (1962). ويقوم الرد مقام مرجع العقيدة الإخوانية الرسمية منذ صدوره.
ويشغل عهدا السادات ومبارك قلب كتاب ويكمان. ففي العقود الأربعة التي توليا الحكم أثناءها نزلت بالإخوان نوازل قاسية، وعانوا انشقاقات فادحة وكثيرة، وفي الوقت نفسه صنعوا جهازاً سياسياً متماسكاً ودقيقاً، وخاضوا مناقشات إيديولوجية بالغة الأثر في العمل السياسي. وفي ضوء تناول هذه السياقات كلها، تلاحظ كاري روزيفسكي ويكمان منعطفاً أيديولوجياً حقيقياً، اضطلع به «الجيل الوسيط» من «الإخوان»، وتوثق مقالاته ووقائعه. ولا تغفل عن تشخيص المقاومة التي اعترضت سيرورات التجديد، وقادها المحافظون، وحالوا دون بلوغ التجديد غاياته. وتعزو ويكمان نزعات التجديد إلى مشاركة «الإخوان» في الانتخابات الطالبية والنقابية في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. وبلورت المشاركة مصالح استراتيجية جديدة، وبعثت مناقشات داخلية تطرق إلى تعريف غايات التنظيم الأخيرة، وامتحنت موارد «الإخوان» الدعوية والتنظيمية والمالية وأبرزت غالباً تفوقها.
فعادت هذه التجربة على الناشطين باختبارات ميدانية وعملية تخالف تماماً معرفة قيادات الاجهزة بمصر، وصورتهم عنها. فتعلم الناشطون الذين اختلطوا بأنصار المنظمات الأخرى، وناقشوهم، وعملوا جنباً إلى جنب وإياهم تشكيل التحالفات. واضطروا إلى تقييد طموحهم، والنزول عن شطر من المقاعد أو البنود في مقابل مكاسب من باب آخر. ومن الأمثلة التي تتبعتها ويكمان انتخابات رابطة الطب الحيواني. فهم خاضوا انتخابات الرابطة بشعارات دينية خالصة، وجنوا خسارة قاسية، واقتنعوا بأن لمصالح المهنة قسطاً من الاهتمام لا يجوز إغفاله. فحين تخفف «الإخوان»، أو حملوا على التخفف من المسؤوليات والتبعات عن خططهم وبرامجهم، وهذه حالهم في مجلس الشعب، انساقوا من غير تحفظ إلى الخطابة المسرحية. وكانت المسائل الثقافية والدينية مضمارهم الأثير، فخطب رئيس كتلتهم النيابية في مجلس الشعب، في كانون الثاني (يناير) 1988 قائلاً: «إما أن تطبقوا شرع الله وإما أن تتركوا تطبيقه، ولا توسط في الأمر».
والخلافات على أشكال المشاركة باعدت الهوية الأيديولوجية بين أجيال الأنصار والمحازبين الإخوانيين. وتطاولت الخلافات إلى دلالة الشريعة، وعلاقتها بالقوانين المدنية، وإلى مشروعية الديموقراطية، ومواطنة غير المسلمين الكاملة وغير المنقوصة، وأحوال النساء. وبينما غلب النازع الإصلاحي على مقالات النقابيين، بقيت الكلمة الفصل لرجال مسنين ومحافظين. ودعا قادة إصلاحيون بين منتصف التسعينات، إلى إنشاء حزب يتولى حمل لواء عقيدة «الإخوان»، وطعنوا في الحذر السياسي المفرط والمركزية المتشددين اللذين ينتهجهما مكتب الإرشاد. وعندما رفضت القيادة دعواتهم تركوا التنظيم في 1996، وأسسوا حزب الوسط. ولم يرخص نظام مبارك للحزب الوليد، وطردت الجمعية من انضموا إليه، فبقي معلقاً.
وأمعن مكتب الإرشاد، في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، في تهميش القيادات الجديدة، بينما بدت المشاركة النيابية في دورتي 2005 (88 نائباً) و2010 من غير جدوى، ولم تحل دون قمع السلطة التنظيم ومحاصرته. فانتخب هذا إلى مكتب الإرشاد، في 2008، 5 من أشد المحافظين، وخسر إصلاحيان مقعديهما في السنة التالية. وحل محمد بديع (ولد في 1943) محل محمد عاكف. وعندما انفجرت ثورة 2011، كان على رأس «الإخوان» قيادة «قطبية» لكنها مغرقة في المحافظة والتحجر والتسلط والتناقض.
 
روحاني غورباتشوف إيران؟
ستيفن كوتكين *
*الحياة...استاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، عن «فورين أفيرز» الأميركية، 24/11/2013، اعداد منال نحاس
 لا شك في أن المقارنات التاريخية من قبيل التساؤل عما إذا كان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، سيسلك درب ميخائيل غورباتشوف، الرئيس السوفياتي الإصلاحي الذي رفع القيود عن نظام بلاده السياسي ونزع فتيل التوتر بينها وبين الغرب، هي غير يسيرة وغير موفقة. والسؤال الأبرز لم يلق جواباً بعد: هل إبرام اتفاق نووي بين ايران والولايات المتحدة هو في محله؟
لا أوجه شبه بين غورباتشوف وروحاني. فالأول إصلاحي أراد تجديد النظام السوفياتي وكان على رأس نظام سياسي مركزي، والثاني بلغ الرئاسة جراء الشقاق في طهران وتذرّر الجناح اليميني فيها. وهذا الشقاق عبّد الطريق أمام فوز روحاني المفاجئ في حزيران (يونيو) الماضي. وليس في مقدور الرئيس الإيراني أو أي مسؤول إيراني ولا حتى المرشد الأعلى إرساء إصلاحات معمقة، والتذكير المزمن بسلطة خامنئي العليا هو دليل على هشاشتها.
ثمة أوجه شبه بين بنية الدولة الإيرانية وبنية الاتحاد السوفياتي الآفل. فالنظامان ولدا من رحم ثورة، الأول أدى إلى تكريس سلطة السلك الديني، والثاني إلى تكريس سلطة الحزب الشيوعي، وكلاهما قوّض مؤسسات الدولة، أي البرلمان والقضاء وسلك الخدمة المدنية. وفي ايران، ألمت الشيخوخة بالثورة، كما الحال في الاتحاد السوفياتي في الثمانينات. والإيمان بالعقيدة الثورية في أوساط القادة والشعب يخبو. وطموحات ايران التوسعية الجيواستراتيجية تفوق قدراتها، والدول التي تقع في شراكها هشة. وإثر انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يخفِ محللو جهاز الاستخبارات («كي جي بي»)، أسفهم على إبرام الاتحاد أحلافاً مع أنظمة كانت في حال يرثى لها. والصناعة اليتيمة في هذه الدول هي الحرب الأهلية من أفغانستان إلى أنغولا وصولاً إلى كوبا واليمن أو كوريا الشمالية. والتقرب منها كان يثير استياء واشنطن، لكنه لم يخدم مصالح الاتحاد الاقتصادية والأمنية ولم يصبغه بالاحترام. وحال تحالفات ايران الخارجية، على تواضع حجمها، من حال نظيرها السوفياتي. فالأميركيون أدركوا أن تدخلهم في العراق (حرب العراق الثانية)، ساهم في خدمة مصالح طهران الجيواستراتيجية. ويرى محللون كثر أن إخفاق الولايات المتحدة في التدخل في سورية عزّز كذلك مكانة إيران، ولكن يبدو عسيراً تحديد ما كسبته طهران في العراق أو سورية. فـ «نجاحاتها» الإقليمية لم تحسّن أمن مواطنيها ولا مستوى معيشتهم. ودعم ايران أعمالاً تخريبية إقليمية أبرز هشاشة النظام وسلّط الضوء على إخفاقاتها الداخلية المشابهة لإخفاق الإسلاموية السياسية.
والنزاعات الإقليمية التي نجمت عن عدد من العوامل - منها حدود الدويلات التي خطّها المسؤولون الفرنسيون والبريطانيون، وإفلاس القومية العربية، والنزاعات بين الأنظمة الديكتاتورية والمعارضة (الاستبدادية بدورها)، والتقسيم الراسخ في الأمر الواقع - هي وراء نزاعات معقدة لا يسع أي قوة خارجية تذليلها. وسياسة أميركا في الشرق الأوسط هي على صورة هذه المنطقة المضطربة، وهذه حال السياسة الإيرانية. وعائدات تدخل طهران في دول الجوار تدخلاً سلبياً لا يعتد بها على الأمد الطويل. والأمر يصح قبل جولة المفاوضات الأخيرة وبعدها- وهذه تكللت بالنجاح لأن روسيا والصين لا تستسيغان أن تشاركهما ايران في إزعاج أميركا وبروزها قوة «مُراجَعة». وفاقمت سياسة ايران في دول الجوار العداء لها. وتعاظم آلامها جراء عزلتها الدولية والتضخم المرتفع وانهيار العملة.
وإيران في هذه المرحلة لن تخسر سوى قيودها إذا تعاونت مع الغرب وأرست إصلاحات. لكن الحاجة إلى الإصلاح والتخفّف من القيود شيء، وإمكان النزول عليها سياسياً شيء آخر. فالجهاز الإيراني السياسي لم يعد العدة لمنعطف كبير في العلاقة بـ «الشيطان الأكبر»، والبنى التي كانت جسر التحالف الإيراني- الأميركي في الحرب الباردة تداعت.
وانفراج العلاقات بأميركا، ولو كان متواضعاً وضئيلاً تحتاج إليه طهران حاجة ماسة، يقتضي إرساء تغيرات داخلية. وعلى خلاف روحاني، وسّع غورباتشوف المبادرة إلى الإصلاح ورفع لواء تجديد النظام، وكان خبيراً في التكتيكات السياسية في إطار النظام السوفياتي الشيوعي، وأمر بترقية محافظين قليلي الحيلة إلى مناصب بارزة على رأس الحزب الشيوعي المركزي والمؤسسة العسكرية السوفياتية وجهاز «كي جي بي». وبُعد بصيرة الرئيس الأميركي يومها لا يستخف به ومواقفه ساهمت في منح غورباتشوف هامش مناورة في الداخل.
ولا يخفى أن روحاني أظهر مهارات «غورباتشوفية». فهو اقتنص لحظة سياسية، وفاز بالانتخابات ولمّح إلى إمكان مفاوضات نووية وبادر إليها. وهو يسعى إلى شق صفوف الأصوليين واستمالتهم إليه، لكنه لن يلقى محاوراً بارعاً في واشنطن قادراً على إبرام صفقة وترسيخها أثناء بدء طهران إصلاحات لمؤسسات كبيرة. والتحدي الأبرز الذي يواجهه روحاني هو الإصلاح من غير زعزعة النظام. وقد تكون جعبة الرئيس الإيراني خاوية من إصلاحات، وقد يقتصر مشروعه على تخفيف العقوبات على بلاده وفك عزلتها.
ولم يرفع غورباتشوف لواء كسر احتكار الحزب الشيوعي، فالاحتكار تداعى اثر رفع الحظر عن المنظمات السياسية وتخفيف قيود الرقابة وإجازة الانتخابات التنافسية. لكن أخطار الإصلاحات هذه لم تنجم عن المواجهة مع المعارضة المحافظة، بل جراء استحالة إصلاح النظام، على خلاف زعم غورباتشوف إمكانه (الإصلاح). وقد يستخف المراقبون بإجراءات روحاني الاقتصادية والسياسية ويطعنون في أهميتها، إذا بادر إلى مثل هذه الخطوات. لكن ثمة مؤشّرين إلى «جدية» أي إصلاحات أو إلى بدء عملية تنفلت من كل عقال، أولهما هو تعاظم غضب المحافظين وثانيهما هو بروز تطورات اجتماعية- اقتصادية أو سياسية تبلغ مبلغاً يتجاوز أهداف الإجراءات الإصلاحية.
 
أسباب الصعوبة البالغة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران
مايكل آيزنشتات
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.
ناشيونال انترست
لا ينبغي أن يفاجأ المرء من أن المحادثات بين إيران و"مجموعة الخمسة زائد واحد" في جنيف منذ أسبوعين انتهت بدون اتفاق مرحلي لبناء الثقة - ومن الواضح أن ذلك يرجع إلى أن الجمهورية الإسلامية لم تستطع قبول مشروع اتفاق معدّل لا يعترف "بحقها في التخصيب". لقد كانت المفاوضات مع إيران دائماً أمراً صعباً ومطولاً - وفي هذه المرة، أصبحت أكثر توتراً بسبب الخلافات بين فرنسا والدول الأخرى الأعضاء في "مجموعة الخمسة زائد واحد". كما تعقدت الجهود الدبلوماسية بصورة أكثر جراء حقيقة أن إيران تأمل في استخدام المفاوضات لتأكيد (إن لم يكن لإضفاء صبغة شرعية) على وضعها كدولة تجاوزت العتبة النووية، مع الحفاظ على درجة من الغموض بخصوص قدراتها الفعلية - وهي نتيجة لا يرجح أن تتفق عليها "مجموعة الخمسة زائد واحد"، أو لا ينبغي لها ذلك على الأقل. إن إيجاد سبيل لتجاوز هذه الأمور الشائكة سيكون عاملاً رئيسياً لنجاح الدبلوماسية النووية مع إيران.
ما الذي تتناوله المفاوضات فعلياً
رغم أن دبلوماسيي إيران لا يزالون يؤكدون على أن مصلحة الجمهورية الإسلامية في التكنولوجيا النووية تنبع بصفة رئيسية من رغبتها في إنتاج الطاقة النظيفة، إلا أنه بإمكان المرء أن يحصل على رؤية أفضل للعوامل التي تحفز برنامجها النووي من انفوجراف حول الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي يصف طريقة تفكير صانع القرار النهائي في النظام حيال هذا الأمر.
واستناداً إلى تحليل محتوى 44 خطاب لخامنئي حول هذا الموضوع منذ عام 2004، فإنه يحدد اثني عشر إنجازاً كبيراً لسياسة إيران القائمة على "المقاومة النووية". ويتعلق إنجازان منها بإنتاج الكهرباء وتحرير النفط الإيراني للتصدير؛ أما العشر إنجازات المتبقية فتصف كيف أسهم البرنامج النووي في استقلال إيران ومكّنها من مقاومة الجهود المزعومة من قبل الغرب لإبقاء العالم الإسلامي ضعيفاً ومتخلفاً وعزز سلطة الجمهورية الإسلامية وهيبتها ونفوذها في العام الإسلامي وما وراءه. ويوضح الانفوجراف أن النظام يعتبر البرنامج النووي عاملاً رئيسياً في مستقبل البلاد كقوة عظمى إقليمية طموحة.
إن برنامج إيران النووي في واقع الأمر ليس له سوى علاقة ضعيفة نسبياً بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية. بيد، لم تشيّد إيران سوى محطة طاقة نووية واحدة تعمل بشكل متقطع، كما لم تستثمر سوى القليل في البنية التحتية اللازمة لبرنامج طاقة نووية مصمم لأغراض حسنة. وبدلاً من ذلك، يرتبط برنامجها النووي بشكل أكبر بمكانة إيران في العالم، في حين أن المفاوضات النووية تتعلق بمدى القدرات النووية الكامنة (بمعنى الاقتراب من تصنيع قنبلة) التي لدى المجتمع الدولي استعداد لتقبلها في الجمهورية الإسلامية. ولا ينبغي أن تكون هناك أية أوهام حول ذلك.
أهداف برنامج طهران النووي
تنبع هذه القراءة لطموحات طهران النووية من رحم أفعالها، التي توفر رؤى ثاقبة حول استراتيجيتها النووية. فأعمال البحث والتطوير التي قامت بها في الماضي (والتي وثقتها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية") وإنشاؤها لمنشأة تخصيب تحت الأرض في نطنز (قبل الكشف عن وجودها في عام 2002) تشير إلى أن إيران كانت تنفذ برنامجاً نوويا سرياً موازياً في ذلك الوقت. ولو استطاعت طهران سراً صنع قنبلة بدون كشفها، فربما كانت قد فعلت ذلك بالفعل ولن تكشف عنه إلا في حالة ظهور أزمة أو وقوع حرب. (وربما كانت جنوب أفريقيا نموذجاً لذلك، حيث أنتجت سراً ست أجهزة نووية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بغرض الاحتفاظ بها سراً. ولم يظهر هذا البرنامج للنور إلا بعد نهاية الاضطهاد العنصري).
وفي مفاوضاتها المبكرة مع دول الاتحاد الأوروبي الثلاث التي بدأت عقب الكشف عن محطة نطنز، كان هدف طهران هو الحد من الضغط عليها، ومنع اتخاذ عمل عسكري وقائي (حيث كانت تؤمن بأنها لن تتعرض للهجوم طالما أنها تتحدث مع الغرب) وكسب الوقت لإكمال منشآتها الحيوية المطلوبة لتمكينها من تجاوز العتبة النووية.
ثم حاولت إيران في وقت لاحق بناء منشأة تخصيب سرية أخرى تحت الأرض في فوردو، كشفت الولايات المتحدة عن وجودها في عام 2009. وبعد أن لُدغت من نفس الجحر مرتين، استنتجت طهران أن البرنامج السري الموازي ليس خياراً قابلاً للتطبيق في هذا الوقت، رغم وجود مؤشرات على استمرار بعض أعمال أبحاث وتطوير الأسلحة. لكن لا توجد مؤشرات محسوسة تبين أن طهران تبني منشآت سرية في مكان آخر في هذا الوقت، رغم أنها أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 أنها سوف تبني عشر منشآت إضافية تحت الأرض مثل المنشأة الكائنة في فوردو. والواقع أنه سيكون من باب الحماقة أن تفعل ذلك في ظل المفاوضات الحالية وما يكتنفها من مخاطر عالية.
وبالتالي، يرجح أن يكون هدف طهران هو الاستمرار في توسيع بنيتها التحتية النووية وتحديثها حتى لو قررت تصنيع قنبلة، وسوف تكون بنيتها التحتية النووية هائلة ومنتشرة ومحمية بحيث لن يكون بالإمكان حينها توجيه ضربة إسرائيلية أو أمريكية فعالة. إن مثل هذا البرنامج النووي المحصن سوف يجعل إيران دولة تقف على العتبة النووية ولديها القدرة على تجاوز تلك العتبة بشكل سريع، مما يسمح لها فعلياً بإنجاز "ردع نووي بدون قنبلة" (حيث إن الولايات المتحدة وغيرها سوف تتحرك ببطء في كل مرة تظهر فيها أزمة مع إيران، خشية أن تمارس الأخيرة حقها النووي) - أو ردع نووي مع القنبلة لو قررت في النهاية الخروج من "معاهدة حظر الانتشار النووي".
المنطق الإستراتيجي لدبلوماسية طهران النووية
لقد وُضعت الخطوط الحمراء النووية لإيران بعناية من أجل تعزيز هذا الهدف. والأمر الأكثر أهمية من هذه هو إصرار طهران على أن تعترف "مجموعة الخمسة زائد واحد" بما تطلق عليه "حقها الأصيل في التخصيب". (وهذا الحق غير موجود رسمياً في "معاهدة حظر الانتشار النووي"، والذي يتحدث عن "الحق الأصيل...لتطوير الأبحاث والإنتاج واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية"). إن الإقرار "بهذا الحق المفترض في التخصيب" سوف يضفي الشرعية على جهود إيران لتطوير قدرات تخصيب متقدمة وامتلاك مخزون كبير من اليورانيوم المخصب. (كما أنه قد يقوض من جهود حظر الانتشار النووي من خلال التحفيز على نشر تقنيات التخصيب إلى البلدان التي تحاشت تلك القدرات حتى الآن - مثل الإمارات العربية المتحدة).
إن تصريح وزير الخارجية محمد جواد ظريف في نهاية الأسبوع الثاني من تشرين الأول/نوفمبر الذي قال فيه "إننا لا نرى فقط أن حق إيران في التخصيب لا يمكن التفاوض عليه، ولكننا أيضاً لا نرى هناك حاجة للاعتراف بذلك على أنه 'حق'، لأنه حق أصيل وعلى جميع الدول احترامه"، لا يغير من النقطة الأساسية بأن أي قرار يصدر عن "مجموعة الخمسة زائد واحد" بالرضوخ لقدرات التخصيب الإيرانية سوف تفسره طهران على أنه اعتراف ضمني بذلك الحق.
وفي حين أعربت إيران في الماضي عن رغبتها في التخلي عن جزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب في مقابل وقود المفاعل، إلا أنه قبل الجولة التي سبقت الأخيرة من المفاوضات في جنيف، رفض كبير المفاوضين عباس عراقجي مطالب بأن تشحن إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد وذكر "أننا سوف نتفاوض فيما يتعلق بالشكل والكمية والمستويات المختلفة للتخصيب، لكن شحن تلك المواد إلى خارج البلاد هو خطنا الأحمر". لذا يُرجح أن تُصر إيران على الاحتفاظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب - وهو مكون ضروري في أي مسعى لإنجاز قدرات تجاوز العتبة النووية الكامنة.
لقد ألمح المسؤولون الإيرانيون كذلك أن الجمهورية الإسلامية قد تقبل قيوداً على عدد أجهزة الطرد المركزي ومستوى التخصيب. بيد أنه من غير المرجح أن تقبل قيوداً على نوع وجودة أجهزة الطرد المركزي التي بإمكانها نشرها. هناك أجهزة طرد مركزي مستخدمة في أماكن أخرى تزيد فعاليتها مائة ضعف عن أجهزة طهران، وربما ترغب في النهاية في إنتاج تلك الأجهزة المتقدمة. وهذا من شأنه أن يمكنها من تعويض أي حد أقصى لعدد الأجهزة الذي توافق عليه من خلال استبدال الجودة بالكمية. ولو طورت إيران أجهزة طرد مركزي أكثر فاعلية، فسيكون أيسر كثيراً أن تنشئ محطات تخصيب سرية صغيرة يصعب اكتشافها.
ولتهدئة هذه المخاوف، عرض الرئيس روحاني "شفافية أكبر" كإجراء لبناء الثقة، رغم أن مسؤولين آخرين مثل رئيس "هيئة الطاقة الذرية" الإيرانية علي أكبر صالحي عرض ذلك مع تحذير بأن: تكون جميع أنشطة المراقبة متسقة مع اللوائح والقوانين والمعاهدات الدولية الحالية، والموافقة عليها من قبل البرلمان الإيراني. لذا، ففي حين أن إيران قد توافق في النهاية على تطبيق "البروتوكول الإضافي" لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" (والذي يعتبره العديد من المفتشين النوويين السابقين غير كافٍ)، إلا أنه من غير المرجح أن تقبل المزيد من ترتيبات المراقبة التدخلية والمفصلة لها خصيصاً والتي ترى أنها تعكس ازدوجاً تمييزياً للمعايير تجاه إيران. (وهذا هو موقف إيران منذ فترة طويلة تجاه ترتيبات المراقبة في المفاوضات السابقة للسيطرة على الأسلحة). إن نظام المراقبة الذي يوفر شفافية كافية لإبلاغ مدى السرعة التي تستطيع بموجبها إيران تجاوز "المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي"، لكنه لا يكفي لكشف تجاوز العتبة النووية في الوقت المناسب على نحو يسمح بإيقاف ذلك التجاوز، سوف يقوض الثقة بدلاً من أن يبنيها - رغم أنه سوف يعزز هدف إيران بأن ينظر إليها على نطاق واسع بأنها دولة تقف عند العتبة النووية.
والمفارقة أن هذه هي المسألة التي لا يكاد يأتي أحد على ذكرها والتي يرجح أن تفضي إلى إفساد أي اتفاق: رفض إيران التعاون مع مساعي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" للتحقيق في الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي. لقد قدمت طهران مراراً وتكراراً عروضاً ذات هامش شفافية أعلى بشأن أنشطتها النووية الحالية وإقرارات تنكر فيها أي مصلحة في امتلاك أسلحة نووية (كما هو الحال مع الفتوى النووية للمرشد الأعلى)، كبديل عن التعاون في هذه المسألة. ولا يصعب إدراك السبب من وراء ذلك: فأي إقرار من جانب إيران بأنها تمتلك برنامج للأسلحة النووية سوف ينسف الرواية النووية التي صاغها النظام بعناية: بأن المزاعم حول برنامج الأسلحة النووية الإيراني هي جزء من مؤامرة أمريكية صهيونية لعزل إيران والإبقاء على العالم الإسلامي ضعيفاً وتابعاً للغرب.
والأمر كله بالنسبة للنظام يتعلق بإدارة الروايات والصور، والاعتراف بأن مخاوف المجتمع الدولي ليست خاطئة وما يترتب على ذلك من فضح لروايتها النووية سوف يمثل صفعة مدمرة للنظام. كما أن ذلك سيزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق - رغم أنه من الصعب تصور اتفاق موثوق ومستدام دون تسوية هذه القضية. وأي اتفاق يغض الطرف عن مماطلات إيران السابقة سوف لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من المماطلة من جانب الإيرانيين في المستقبل.
الاستنتاجات
لجميع هذه الأسباب، سيكون من الصعب تلبية متطلبات إبرام اتفاق موثوق ومستدام - والتي تشمل الوضوح بشأن الأنشطة النووية السابقة، والشفافية الحقيقة بشأن الأنشطة النووية الحالية والمستقبلية، وفرض حدود ذات مغزى على التخصيب وإعادة المعالجة - في ظل هدف الجمهورية الإسلامية الذي يؤكد على مكانتها كدولة تقف عند العتبة النووية مع الحفاظ على درجة من الغموض بشأن قدراتها. وسوف يتطلب الأمر ما هو أكثر من "المرونة البطولية" (إذا جاز لنا أن نستخدم عبارة آية الله خامنئي) لإنجاز مثل هذا الاتفاق. وبدلاً من ذلك، لن يتطلب الأمر أقل من أن تتبنى إيران فعلياً هدف امتلاك طاقة نووية لأغراض سلمية، من خلال التأكيد على التزامها المعلن لهذا الهدف بالأفعال. فمن شأن ذلك أن يكون حقاً تغييراً يمكن تصديقه.
 
الاتفاق النووي الإيراني: خطوة أولى في رحلة طويلة

 

مجموعة الأزمات الدولية ...بروكسل/جنيف، |   25 نوفمبر 2013
مجموعة الأزمات الدولية ترحب بقوة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر بين إيران ومجموعة الـ 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا). يشكّل الاتفاق ـ الذي دعت مجموعة الأزمات إلى توجهاته الرئيسية منذ بعض الوقت ـ دليلاً على فعالية الدبلوماسية عندما تجري في مناخ إيجابي.
رغم أن الاتفاق يشكّل خطوة أولى، إلاّ أنه ينطوي على مضامين هامة. ينص الاتفاق بشكل خاص على تجميد نواحٍ جوهرية من أنشطة إيران النووية ـ مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب؛ عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة؛ والعمل في منشأة آراك التي تعمل بالماء الثقيل؛ وقف عمليات التخصيب على مستويات أعلى من التركيز؛ ووضع آليات تفتيش صارمة. والنتيجة النهائية هي فعلياً إلغاء أي احتمال لتحول البرنامج إلى برنامج عسكري دون الكشف عن ذلك. إيران من جهتها حققت مكاسب اقتصادية وإنسانية ملموسة على شكل رفع جزئي للعقوبات، والتزام بعدم تعرضها لإجراءات عقابية إضافية في الوقت الراهن وقبول ضمني بوجود برنامج تخصيب يورانيوم شفاف ومقيّد على أراضيها.
سيكون التوصل إلى اتفاق شامل عملية أكثر صعوبة وتعقيداً. سيكون التنفيذ الكامل للإجراءات قصيرة الأجل التي تم الاتفاق عليها؛ والالتزام بالأهداف بعيدة المدى التي اتفق عليها الطرفان؛ وبذل الجهود للمحافظة على المناخ الحالي جميعها ضرورية لتعظيم فرص النجاح في الشهور القادمة.
يشير منتقدو الاتفاق إلى أن ثمة مخاطرة بانهيار نظام العقوبات، وأن إيران قد نجحت في ترسيخ برنامج تخصيب اليورانيوم وأنها ستشعر بدرجة أكبر من الجرأة للتوسع في أنشطتها الإقليمية. إلاّ أن هؤلاء لا يقدمون بديلاً عملياً؛ ففي غياب مثل هذا الاتفاق، كان من شبه المؤكد أن برنامج إيران النووي سيتسارع، وفي هذه الحالة سيكون الخيار إما القبول بتوسّعه أو الاندفاع إلى مواجهة عسكرية سيكون لها تبعات خطيرة ويصعب التنبؤ بها.
إلاّ أن هذا لا يبرر الانخراط في الأوهام. رغم التركيز الشديد على البرنامج النووي، فإن جوهر المسألة ليس تقنياً، أو مسألة سيطرة على التسلّح بقدر ما هي قضية جيوسياسية واستراتيجية، أي دور إيران ومكانتها في المنطقة. وهنا يكمن أكبر التحديات بعيدة المدى، وهنا تكثر أيضاً الأطراف التي يمكن أن تفسد الاتفاق، سواء في إسرائيل، أو الخليج، أو أوروبا، أو الولايات المتحدة، أو في إيران نفسها طبعاً.
في المحصلة، فإن اتفاقاً نووياً شاملاً بين إيران والغرب سيكون مستداماً فقط إذا كان مصحوباً بتقدّم يتم تحقيقه على الجبهة الاستراتيجية الأوسع، وخصوصاً تسوية مختلف الصراعات التي تهدد الشرق الأوسط. ولا يبدو هذا أكثر أهمية أو إلحاحاً مما هو في سورية، حيث عمّقت إيران من انخراطها العسكري. في النهاية، فإن صفقة يتم التوصل إليها في الشأن النووي لن تفضي بحد ذاتها إلى وضع حد للتوترات الإقليمية؛ بل ينبغي أن يتم التخفيف من حدة هذه التوترات بالتوازي مع التقدم الحاصل في المفاوضات حول البرنامج النووي. هذه مهمة بالغة الصعوبة، لكنها ضرورية إذا كان لهذه الخطوة الجديرة بالثناء أن تمهّد الطريق نحو تقدّم أكثر ديمومة.
 
 تقارب تركي ـ إيراني حول الأزمة السورية، البلدان يدعوان لوقف النار في سوريا.. ومسؤول تركي: طهران هي التي اقتربت من موقفنا

جريدة الشرق الاوسط... إسطنبول: ثائر عباس .. أنتجت زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى طهران «صفحة جديدة» في العلاقات بين البلدين وصلت إلى حد إعلانهما التزام التعاون لحل الأزمة السورية، فيما كان لافتا ما نقل عن داود أوغلو من أن إيران هي «ضمانة لاستقرار المنطقة».
وأبان الناطق باسم الخارجية التركية ليفنت جمركجي لـ«الشرق الأوسط» وجود «توافق تام على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين»، مشيرا إلى «محادثات إيجابية حول سوريا»، كاشفا عن «توافق تام على التزام التعاون بين البلدين لحل الأزمة في سوريا ووقف شلال الدم فيها».
وردا على سؤال عما إذا كانت ثمة خارطة عمل تنفيذية لدعوة الوزير التركي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف إلى وقف للنار في سوريا قبل مؤتمر جنيف 2، قال جمركجي: «ليس بعد، لكن الجانبين سوف يعملان، كل بوسائله الخاصة، على استكشاف إمكانية تشجيع الأطراف (السورية) على ذلك».
وفي الإطار نفسه أكد مصدر دبلوماسي تركي لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقات التركية - الإيرانية سوف تشهد تطورات أكثر إيجابية في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن هذه العلاقات لم تنقطع في أوج الاختلاف مع طهران حول الملف السوري. وأكد المصدر أن أنقرة «لا تقايض» مع طهران حول الملف السوري، مشددا على «الموقف المبدئي» حيال الأزمة في جارة تركيا الجنوبية. وأوضح المصدر أن البلدين توافقا منذ البداية على تحييد تداعيات الموقف السوري عن العلاقات بين البلدين لجهة الاتفاق على الاختلاف في هذا الملف، لكنه أكد وجود أرضية مشتركة في هذا الملف سمحت بالدعوة إلى وقف النار في سوريا. وشدد المصدر على أن الموقف الإيراني هو الذي اقترب من الموقف التركي في هذا المجال لا العكس، مشيرا إلى أن البلدين أكثر قدرة الآن من أي وقت مضى على التعاون في الملف السوري، لكنه رأى أنه ما يزال هناك الكثير لعمله قبل تبلور موقف مشترك.
وأوضح المصدر أن البلدين اتفقا على القيام بما في وسعهما لتخفيف هدر الدماء السائد في سوريا، وتشجيع كل محاولات الحل السلمي «الذي يحقق للشعب السوري ما يستحقه من استقرار وأمان». وأشار إلى أن كلا من الطرفين سيستغل علاقاته من أجل هذا الهدف.
وأكدت مصادر تركية وجود «قنوات اتصال مفتوحة» بين البلدين، مشيرة إلى «رغبة مشتركة» في التقارب بين البلدين على خلفية الملفات المفتوحة في المنطقة، وخصوصا الملفين المصري والسوري. وأشارت المصادر إلى «دور بارز» لمدير الاستخبارات التركية هاكان فيدان في بعض جوانب التواصل الأميركي - الإيراني، مشيرة إلى الاتهامات الإسرائيلية التي أطلقت أخيرا بحق فيدان الذي عدته إسرائيل مهندس العلاقات مع طهران، واتهمته تل أبيب بكشف غطاء 10 جواسيس إسرائيليين لطهران.
وكان وزيرا خارجية تركيا وإيران دعَوَا إلى وقف إطلاق النار في سوريا أمس. ونقلت وكالة مهر للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله في مؤتمر صحافي في طهران مع نظيره التركي أحمد داود أوغلو: «نركز كل جهودنا على إنهاء الصراع ووقف إطلاق النار إن أمكن حتى قبل عقد مؤتمر جنيف 2». وقال داود أوغلو: «ينبغي ألا ننتظر هذين الشهرين» الباقيين قبل عقد مؤتمر السلام. وأضاف: «الشعب السوري في وضع متدهور».
ويرى الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية في أنقرة علي حسن باكير، أن ثمة «محاولات إيرانية وأميركية حثيثة أخيرا لاستمالة تركيا مقابل تسهيل بعض المصاعب الإقليمية التي تعترض طريقها». ويشير إلى أنه من الواضح أن لإيران دورا في دفع (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي ليكون أكثر انفتاحا على تركيا، ناهيك عن تطرق طهران لملفات تحظى باهتمام في السياسة الخارجية التركية كالعمل على تخفيف حدة التوتر الطائفي في المنطقة ومحاربة ما يسمى الإرهاب، وهو ملف حساس في تركيا أخيرا، وذلك كمدخل للتعاون المشترك، وربما لاحقا لتسهيل لأخذ مصالح أنقرة في الاعتبار فيما يتعلق بسوريا أو الحد على الأقل من الخسائر التي قد تنجم عن استمرار الأسد خلال الفترة القصيرة المقبلة.
ويعرب باكير عن اعتقاده أن إيران تهدف من خلال ذلك إلى استقطاب تركيا وعزل دول الخليج فيما يتعلق بالوضع الإقليمي، وكذلك الحصول على غطاء «سني» للاتفاق الأميركي - الإيراني الذي رأى فيه كثيرون تكريسا للنفوذ الإيراني، سيما مع تراجع الدور الإقليمي المصري وامتعاض السعودية بشكل قوي من التوجه الأميركي فيما يتعلق بالموقف من سوريا أو الاتفاق النووي أو غيرها من ملفات المنطقة.
إلى ذلك نقلت وكالة أنباء فارس عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن الجميع قلقون حيال استفحال العنف في المنطقة، معلنا في الوقت نفسه عن عزمه القيام بجولة في الخليج تشمل دول الكويت وعمان والسعودية في المستقبل القريب.
وتابع قائلا: «إننا نتفق مع تركيا حول استحالة الخيار العسكري لحل الأزمة السورية». وأضاف: «كما أن لدى البلدين وجهات نظر مشتركة حول ضرورة تعاون جميع الأطراف المعنية لحض الجميع على الخيار الدبلوماسي». كما أعلن وزير الخارجية الإيراني عن إطلاق تعاون مشترك بين الهلال الأحمر الإيراني والتركي لتقديم المساعدات الإنسانية إلى السوريين على أعتاب فصل الشتاء.
يذكر أن الزيارة أثمرت أيضا الاتفاق على زيارة قريبة سيقوم بها الرئيس الإيراني محمد حسن روحاني إلى أنقرة ستمهد لزيارة يقوم بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران.
 
الخوف من «القاعدة» يتملّك نشطاء في «المناطق المحررة»
بيروت - رويترز
حين كان عبدالله يدعو إلى الثورة في سورية ويحض أبناء وطنه على الانتفاض على الرئيس بشار الأسد كان يخشى أن يطرق رجال المخابرات بابه في منتصف الليل.
والآن بعدما اندلعت الانتفاضة في بلدته قرب حلب لم يفارق الخوف الناشطين المطالبين بالديموقراطية... لكن زوّار الليل هذه المرة لا يكلّفون أنفسهم حتى عبء الطرق على الأبواب.
منذ عامين حين انقطع عبدالله عن دراسته ليقود حملة ضد الأسد على وسائل التواصل الاجتماعي احتجزه رجال الأمن وعذّبوه. وتكرر الحدث نفسه هذا الصيف لكن من جانب مسلحين إسلاميين موالين لـ «القاعدة» اقتحموا منزل أسرته وحطموا كل شيء فيه واقتادوه إلى زنزانة حيث عصبت عيناه مرة أخرى وتعرّض للضرب. وقال عبدالله لـ «رويترز» في تركيا التي فر اليها بعد محنته الأخيرة: «المؤسف أن من يفعلون هذا ليسوا من شرطة الأسد بل مقاتلون من المفترض انهم يقاتلون من أجل الحرية... حريتنا. وقتها وصفوني بالخائن لأني أطالب بالحرية وعذبني هؤلاء المسلحون أيضاً لأني أطالب بالحرية».
وباتت هذه الرواية مألوفة في شمال سورية حيث تهيمن مجموعة ميليشيات متناحرة على أجزاء منه. والقوة الصاعدة هي رؤية متشددة للإسلام ورجال يرون الديموقراطية من عمل الشيطان أو من صنع الغرب الذي يتعارض نظامه مع آمالهم في دولة يحكمها الدين.
وتكشف أيضاً تجربة عبدالله حالة التشرذم التي تعانيها المعارضة السورية والتي تعقد الجهود الدولية الجديدة لإنهاء الحرب الأهلية التي قتلت أكثر من مئة ألف شخص.
وتحدثت «رويترز» مع 19 سورياً يصفون أنفسهم بأنهم ناشطون مطالبون بالديموقراطية. وكلهم تحدثوا عن تجارب مماثلة لأعمال عنف وترويع على يد اسلاميين متشددين في مناطق بشمال سورية لم تعد خاضعة لأجهزة «مخابرات» الأسد. كان غالبيتهم طلبة حين اندلعت احتجاجات الربيع العربي في سورية في آذار (مارس) عام 2011. وكلهم شاركوا في نشر أنباء التظاهرات وتوثيق ما تعرضوا له من قمع على أيدي قوات الأسد على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع انتشار الحرب باتوا ينشرون صوراً وتقارير ليطلع عليها السوريون ووسائل الإعلام العالمية.
بعضهم، مثل عبدالله، اضطر الى الفرار كي ينجو بروحه. ويقول الذين فروا هم والذين بقوا في سورية إن الاسلاميين المتشددين بدأوا حملة لإخراسهم واسكات حرية التعبير بشكل عام. وفي الشهر الماضي قتل ناشطان اعلاميان بالرصاص في وضح النهار في حلب كبرى المدن السورية. واعتقل البعض واختفى آخرون.
 
الخوف من «القاعدة»
بعضهم تحدث عن الخوف الذي تبثه «الدولة الاسلامية في العراق والشام» على وجه الخصوص. فالجماعة التي يهيمن عليه مقاتلون أجانب خاضوا حروباً أخرى من ليبيا الى العراق وأفغانستان، لا يتغاضون عن الانتقاد. وقال رامي جراح الذي أدار محطة اذاعية في مدينة الرقة حتى اوائل تشرين الأول (اكتوبر) حين أغلقها مسلحو «الدولة الاسلامية» واعتقلوا أحد زملائه: «مستحيل أن أذهب إلى سورية الآن. أنا مطلوب من النظام ومن القاعدة».
يعيش جراح الآن في تركيا حيث تواصل محطة «أنا» بثها إلى سورية. واشتهر جراح كناشط إعلامي عام 2011 واستفاد من دراسته بالانكليزية ليحقق شهرة دولية كمدون من داخل دمشق حيث تقيّد السلطات السورية دخول وكالات الأنباء الأجنبية. كان يكتب باسم مستعار هو «صفحة الكسندر» وحين فشل ذلك في اخفاء هويته فر من البلاد لكنه عاد لاحقاً إلى مناطق «محررة» في شمال سورية حيث ساهم في انشاء محطة اذاعية في الرقة. وقال إن المحطة أخطأت حين فتحت أمواج الأثير أمام المتصلين هاتفياً الذين كانوا يصبون جام غضبهم على الإسلاميين. وتابع: «كان الناس يتصلون ويقولون إن الدولة الإسلامية في العراق والشام فعلت هذا وذاك. يقولون (اغلقوا متجري) أو (تعدوا على زوجتي وأجبروها على ارتداء الحجاب)». واتهمه الإسلاميون الذين كانوا يستخدمون الانترنت بالإلحاد ورصدوا جائزة لمن يأتي برأسه.
وكثيراً ما يواجه الصحافيون شكوكاً ومضايقات من جانب مقاتلين ومسلحين يجبرونهم على وقف التصوير ويصادرون أحياناً معداتهم أو يهاجمون شققاً أو مقاهي أنشأوا فيها «مراكز اعلامية» لنشر وتوزيع التقارير والتسجيلات المصورة.
لكن في الأشهر القليلة الماضية أخذت الأحداث منعطفاً أخطر... إذ اختفى بعض من يعملون في حلب. وفي بعض الحالات عُثر على جثثهم ملقاة في الشوارع وبها علامات تعذيب وطلقات رصاص. وقال أصدقاء وأقارب ناشطين آخرين إن متشددين أبلغوهم أن ذويهم اعتقلوا.
ويصف حازم داكل من إدلب ما يعنيه هذا. بدأت محنة داكل - الذي يعيش أيضاً في تركيا الآن - حين أرغم رجلان يستقلان دراجة نارية سيارته على التوقف بينما كان يصوّر في منطقة تديرها «الدولة الإسلامية في العراق والشام». احتجزوه في منزل واتهموه بمناهضة الإسلام. كان سعيد الحظ وتمكن من الفرار من نافذة.
تبدد أي شك في ما كان سيحدث له لو لم يهرب بعد اتصال هاتفي بين أحد محتجزيه وقريب له ما زال في سورية. قال: «كانوا يعتزمون اعدامي في الليلة نفسها التي هربت فيها. كانوا سيقتادوني إلى مصنع مهجور يعدمون الناس فيه».
 
تحت المراقبة
نجح الاسلاميون المتشددون في كسب احترام السوريين في شمال البلاد بسبب إما لحماستهم للقتال أو لقدرتهم على فرض النظام بعد اندلاع صراعات بين ميليشيات متناحرة وإما لقدرتهم على توفير الإمدادات من الغذاء والدواء. لكن هذا لا يبرر اخفاقاتهم في أعين الناشطين المطالبين بالديموقراطية.
قال جراح: «مشكلتنا معهم أيديولوجية. يريدون فرض ايديولوجيتهم من دون أن يسألونا عن رأينا». وأضاف: «النظام حرمنا من حرية التعبير وهم يفعلون الشيء نفسه. أي ليبرالي أو من لا يرونه مسلماً بالدرجة التي تتفق مع معاييرهم سيعتقل. يريدون أن تبث كل الاذاعات المحلية من مركز يسيطرون عليه».
وقال جراح إنه يعرف ما لا يقل عن 60 ناشطاً اعتقلهم مسلحو «القاعدة» أو اختفوا في ظروف غامضة.
ووصف رجل ما زال يعيش في منطقة يسيطر عليها المقاتلون قرب مدينة حماة في وسط سورية حال الخوف التي ما زالت تتملكه وتجبره على اخفاء هويته مثلما كان يحدث حين كان نظام الأسد يسيطر على المنطقة. قال: «أعيش في منطقة محررة من البلاد قرب حماة... أسير وأنا أتلفّت حولي طوال الوقت... كأننا عدنا إلى الأيام التي كنا نهرب فيها من المخابرات. لكننا الآن نهرب من اخواننا المسلمين».
وقال الناشط - الذي يفضّل هو شخصياً وجود دولة إسلامية - إن ادانته على الانترنت لعمليات قتل طائفية تعرض لها مدنيون من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الأسد قوبلت بتحذيرات من إسلاميين متشددين طالبوه بأن يصمت.
ومثلما كانت تفعل أجهزة الأمن الحكومية تتابع الجماعات الإسلامية عن كثب ما يقوله الناشطون على الانترنت. وقال ناشط من دير الزور: «يعرفون كل شيء. كلمة واحدة يمكن أن تكون سبباً لقتلك أو اختفائك... ينظرون في اسمائنا وفي ما نقوله لهذه الصحيفة أو تلك المجلة. يراقبوننا كالصقور. وبعدها يتحركون».
وأدين رامي جراح وناشطون آخرون علناً في موقع على الانترنت تحت عنوان «عملاء الغرب في الرقة وسورية عموماً أم نشطاء ديموقراطيون؟ وهل الفرق معتبر شرعاً؟».
وفي خضم حرب أهلية لا تنحسر على رغم الخطط الدولية لعقد مؤتمر للسلام في جنيف في كانون الثاني (يناير) لا يجد السوريون سبيلاً للتصدي للجماعات المسلحة. ويقول جراح إن من دعوا إلى حرية التعبير يجب أن يتحملوا قدراً من اللوم. ويضيف: «كنا نقول حسناً إنهم يؤمنون بالله ويقاتلون على الجبهة... وتجاهلنا الانتهاكات التي ارتكبوها».
ويقول عبدالله الناشط الذي فر من محافظة حلب إن تجربة الوقوف في وجه عائلة الأسد بعد 40 عاماً من القمع ستجعل السوريين يحطمون سريعاً «حاجز الخوف» ويعلنون معارضتهم لـ «القاعدة».
وظهرت مؤشرات على تظاهرات مناهضة للاسلاميين. وصوّر بعض الناشطين مسيرة نظموها هذا الشهر أمام مبنى في حلب يعتقدون أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحتجز فيه زملاء لهم. وأظهر فيديو على موقع يوتيوب نحو 30 ناشطاً وهم يرددون «يا للعار يا للعار مخطوف بأرض الثوار... يا للعار يا للعار مخطوف بأرض الأحرار».
ومثلما يتهم الأسد معارضيه بأنهم عملاء لقوى أجنبية، يقول اسلاميون متشددون في سورية إنهم لن يستمعوا إلى شكاوى «خونة». ونفى مدوّن سوري مقرب من «جبهة النصرة» - وهي جماعة أخرى مرتبطة بـ «القاعدة» - ما يردده ناشطون عن حدوث قمع وترويع ويقول إن هناك مبالغة القصد منها «ارضاء الغرب» بالنيل من الإسلاميين. وقال: «من يتهمون الاسلاميين بارتكاب انتهاكات يتبعون أجندة غربية».
 
 
هل عاد التنظيم السري لإخوان مصر؟
الحياة...عزمي عاشور *

إذا كان «الإخوان» أول من دشن فكرة الإسلام السياسي في شكلها المضاد للسلطة الحاكمة أياً كانت، على يد مؤسس الجماعة حسن البنا في عام 1928، ما قادهم للاصطدام مع الواقع، فإنه يُحسب لهم السبق في ترسيخ فكرة الاغتيالات السياسية والتصفيات المباشرة للخصوم في أربعينات القرن الماضي على يد تنظيمه السري؛ بدءاً باغتيال علي ماهر باشا عام 1945 والقاضي أحمد الخازندار عام 1948 والنقراشي باشا، رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، ثم محاولة قتل جمال عبد الناصر عام 1954.

وعلى رغم نفي الجماعة أن تكون لديها أجهزة سرية للاغتيالات، إلا أن واقعة مقتل ضابط الأمن الوطني المصري محمد مبروك أخيراً، تحمل دلالات قوية ضد «الإخوان» في إعادة نهج التصفيات الجسدية. فهذه الجريمة الأخيرة تشابهت إلى حــد بعيد في النهج والدوافع مع الحوادث السابقة المشهورة، ما يدلل على عودة نشاط التنظيم السري للجماعة بعد مرور ستين عاماً على آخر أشهر عمليات الاغتيالات التي كان يقوم بها.

كما يفسر الكثير من حوادث العنف والقتـــل التي حدثت على مدار السنوات الثلاث المــاضية والتي ظهرت علناً بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في أشكال متنوعة ما بين الاعتداء على المنشآت العامة وقطع الطرق وحرق الكنائس والمتاحف، فضلاً عن عمليات التعذيب والقتل والتمثيل بالجثث على طريقة ما حدث في مدينة كرداسة.

 الانتقام الفوري

ويمكن هنا تحليل علاقة «الإخوان» بالعنف والقتل على مستويين؛ الأول مرتبط بالنهج الانتقامي الفوري. في هذه الحال يغيب العقل الذي يدفع التنظيم السري ليقوم بعمليات على نهج ما حدث في عهد مؤسس الجماعة والذي راح ضحية لهذه الأعمال، فكان تصرفهم يضعهم في مأزق كبير مع السلطة السياسية، فقد تم حظر تنظيمهم في عهد الملك فاروق، ثم جرى حله في عهد جمال عبد الناصر على خلفية الاغتيالات والتصفيات المباشرة. والواقعة الأخيرة ربما تكون أكثر بروزاً في دلالتها كونها جمعت في شكل الفعل والدافع للحالات السابقة، إلا أنها تميزت بأن خيوط الاتهام هذه المرة تتركز وتتجمع أكثر على الجماعة وتؤكد استمرار تفاعلهم السلبي مع السلطة السياسية ليأخذ شكل الاغتيالات المباشرة.

المستوى الثاني يتعلق بالرابطة الفكرية التي تجمعهم بالجماعات الراديكالية التي خرج معظمها من عباءتهم، ولعل قصة التنظيم السري الذي ينفون وجوده حتى الآن، تؤكد أن ما يقولونه ليس دائماً عنوان الحقيقة. فهم طالما استفادوا من نتائج أعمال عنف ارتكبتها الجماعات الجهادية، من دون أن يظهروا في الصورة. وسلوكهم هنا يتشابه مع ما حدث في ثورة 25 يناير التي اندمجوا فيها، ليس حباً في مبادئها، وإنما لكونها قد تحقق هدف إسقاط النظام.

والسؤال الآن: إذا كانت عمليات الإرهاب التي تستهدف أفراداً من الجيش والشرطة لها سوابق في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي للجماعات الإسلامية، فإن توظيفها بهذا الشكل المكثف عقب سقوط محمد مرسي يؤكد ارتباط هذه التنظيمات بالإخوان أو بأطراف داعمة من الخارج.

مقتل الضابط محمد مبروك، وقبله الضابط محمد أبو شقرة، يؤكد عودة التنظيم السري الذي استخدمه الإخوان من قبل في تنفيذ اغتيالات سياسية في إطار صدامهم مع السلطة.

ومن ثم فإن مصر باتت الآن في مواجهة تيارين للعنف يخدمان الهدف نفسه، الأول يتمثل في الجماعات الجهادية والثاني في التنظيم السري لجماعة الإخوان الذي بدأت تظهر ملامحه في الاغتيالات الخاصة لمسؤولين عن ملفاتهم في جهاز الأمن الوطني. فهل يكون ذلك انتحاراً لجماعة خدمتها ثورة يناير في الوصول إلى الحكم، وداعماً في الوقت نفسه لعوامل قادت إلى ثورة 30 يونيو التي نظرت إلى تلك الجماعة باعتبارها جماعة استئصالية لا يمكن أن تقبل بغير تنظيمها على الساحة؟

 * كاتب مصري

 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,770,726

عدد الزوار: 7,002,874

المتواجدون الآن: 71