تقارير..إذن، ما هو رد فعل السعوديين؟ .. الإجابات على بعض الأسئلة الرئيسية سوف تقرر نجاح الاتفاق مع إيران من عدمه...استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف العنيف الناشئ في الداخل

استنتاجات إسرائيلية بشأن الاتفاق النووي....هل بدأت "حماس" مراجعتها النقدية؟!...أمن إيران من لا أمن لبنان، أم العكس؟

تاريخ الإضافة السبت 30 تشرين الثاني 2013 - 6:49 ص    عدد الزيارات 1689    القسم دولية

        


 

أمن إيران من لا أمن لبنان، أم العكس؟
منى فياض.. استاذة جامعية
لا نشك بالنية الحسنة للسفير الايراني، خصوصاً أنه نجا بأعجوبة من الانفجار الانتحاري اخيرا، في أنه يرغب بالحفاظ على أمن لبنان. لكن الأمر لا يتعلق بالتمنيات ولا بالرغبات، بل بالوقائع والأوضاع العامة وتطور الأحداث في لبنان وسوريا والمنطقة عموماً.
فبماذا تنبئنا الوقائع وتسلسلها؟
لا أكشف أو أكتشف شيئاً عندما أشير إلى أن لإيران حلما ازليا في الوصول الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط؛ منذ أيام داريوش والاسكندر المقدوني.
ولا أتجنى على أحد، وبالتالي لا داعي للتعجيل بوسمي بالعنصرية، إذا استذكرت العداء او المنافسة أو الصراع، بحسب المرحلة واللاعبين، بين العالم العربي والعالم الفارسي. ولي تجربتي في إيران و معاينتي، على الأقل، لعدم "الاستلطاف" بين العربي والايراني وبعدم الاحترام الكافي للعربي و"حضارته البدوية".
ولا أخترع أي بارود عندما أذكّر بإرادة النظام الايراني الاسلامي في نشر ثورته الاسلامية وتوزيعها على العالم أجمع، بدءاً من الجيرة القريبة والمسلمة.
من هنا نلاحظ أن إيران، منذ انتصار الثورة الايرانية، عملت بجهد على إيجاد امتداد عضوي لها في لبنان؛ عبر تأسيسها لـ"حزب الله" ومدّه بكل ما يلزم لتقويته ودعمه وإيجاد الروابط بينه وبين بيئته الحاضنة، أي محيط الطائفة الشيعية، وتمتينها، وفرضه لاحقاً على المجتمع اللبناني عبر حصر المقاومة اللبنانية في يده وتنحية المقاومات الأخرى مع مساعدة النظام الأسدي وتواطئه.
وهذا ما سمح باستخدام لبنان، ومنذ مطلع الثمانينات، كساحة وكصندوق بريد لنقل وتنفيذ إرادات النظام الإسلامي الإيراني وما يفيد سياساته والدفاع عنه سواء عبر تفجير المارينز او القوات الفرنسية او خطف الرهائن الأجانب في موازاة ما كان يحصل في طهران ومعها.
ولقد ساهمت إيران بالطبع في مساعدة لبنان مشكورة، عبر مساعدتها لـ"حزب الله" ومقاومته وعبر نظام الأسد، على تحرير لبنان وهذا ما لا ينكره أي لبناني يتمتع بالحس الوطني السليم.
لكن هل المقاومة وسيلة ام غاية؟ وهل غاية المقاومة تحرير لبنان؟ أم غايتها تقديس نفسها وتأبيدها وتحويل لبنان كله الى مقاوم للأبد؟ وكإستنتاج مما تلا التحرير ماذا نجد؟!
أنه بدل أن يصبح لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً ويبدأ ببناء نفسه للتعويض عن سنوات الاحتلال، قيل انه لم يتحرر بعد. فشبعا محتلة (ويبدو أنها لم تعد محتلة الآن!). وعليه يجب أن تبقى المقاومة وسلاحها. ثم حصل تحوير لمهمات المقاومة ووجهتها فحوّلت نشاطها وسلاحها إلى الداخل السياسي اللبناني - بعد أن كانت الساحة الداخلية متروكة لحركة أمل - وأدّى كل ذلك إلى الإمساك بمفاصل لبنان ووضع اليد عليه بالتدريج الممل والانتقال الى أخذه رهينة للدفاع عن سياسات إيران وبرنامجها النووي وهي التي تستخدمه كوسيلة للاستقواء به لفرض هيمنتها على المنطقة، الحلم الايراني الأزلي!!
فماذا يحصل منذ حرب 2006 التي "فوجئ" السيد نصرالله بها وأطلق جملته الشهيرة "لو كنت أعلم"؟
حرب 2006 تزامنت مع إرادة المجتمع الدولي زيادة الضغط على إيران! فانشغل العالم بالحرب اللبنانية وترك إيران تتفرغ لإنجاز برنامجها النووي. وهنا يجب أن أؤكد أن لا اعتراض خاص على امتلاك إيران لهذه القدرة النووية بالمطلق، وأن من يريد إيقاف إيران عن التسلح النووي عليه على الأقل العمل على جعل المنطقة، وخاصة إسرائيل، منزوعة السلاح النووي. لكن الاعتراض على أخذ الشعب اللبناني والشعب السوري وسيلة ورهينة للدفاع عن النظام الإيراني وبرنامجه النووي.
النظام الإيراني المعرّض للانهيار من الداخل تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، وهو الذي يحارب من أجل بقائه وتوسيع نفوذه في المنطقة – العراق وسوريا ولبنان - ومنخرط في الدفاع عن النظام السوري المنهار، ألزم "حزب الله" بالانخراط في حرب مفتوحة على الشعب السوري، تحت شعار مكافحة التكفيريين لحماية لبنان!! الأمر الذي ورّط كل لبنان وخصوصاً الطائفة الشيعية التي أصبحت مثلها مثل لبنان "كبالع الموسى"، غير آبهين بمصلحة لبنان أو اقتصاده أو سلامه أو أمنه.
والآن ذهبت إيران إلى جنيف للتخلص من عبء العقوبات الغربية التي تثقل كاهل النظام عبر وزيرها الذي يفهم العقلية الغربية، بعد أن جاءت بروحاني للرئاسة، من أجل تخفيف القيود عن الشعب الايراني الذي أعطته بعض "الحريات الشخصية" كي ترضيه في الداخل وتؤخر التهديد بثورة قد تكون مقبلة على الأرجح؛ فتتفرغ للحرب في سوريا. إذن في الوقت الذي تنفتح فيه إيران وتخفف من غلواء تشددها نجد أن النائب محمد رعد يكتشف أن "لبنان الملاهي والفلتان" انتهى لأنه يريد أن يفرض "لبنان المقاوم" الأبدي على الأرجح!!
وكأن خالد علوان منفذ عملية الويمبي كان شيخاً معمماً لا يترك فرض صلاة ولا يعرف الملاهي!!
أليس لبنان الحريات والمقاهي والملاهي والسياحة هو نفسه لبنان المقاوم؟ وحريته وديموقراطيته هما اللتان سمحتا ببروز ظاهرة "حزب الله"؟؛ ولبنان المقاوم هو لبنان الكوسموبوليتي المنفتح على العالم وليس لبنان المنغلق والفارغ من السياح وذا الاقتصاد المتهاوي والأزمة الاجتماعية المتفشية؛ وليس لبنان الخائف من تفجيرات "القاعدة" التي استدعاها تدخله في سوريا. لبنان الذي يُفرض حالياً هو ضد – مقاوم. المقاوم يجب أن يكون حراً. ولبنان كله مستعبد. المقاوم يجب أن تكون كرامته محفوظة. واللبناني يشعر أنه من دون كرامة.
كيف تحمي إيران لبنان إذن؟ عبر فرضها لهذا اللبنان؟ لبنان المتأرجح بين عنف التفجيرات والخوف من التفجير المذهبي وتهديد شخصيات "حزب الله" واستبداده وحربه على الشعب السوري؟ فهل حقاً أمن لبنان من أمن إيران؟ أم أن شرط أمن إيران هو هذا الوضع اللبناني السائد؟ وهل لبنان أكثر أمناً مع الأجندة الإيرانية والحزب اللهوي أم من دونهما؟
طبعاً لن تغير الكتابة الوقائع على الأرض ولا سياسات الدول. لكننا نقول إننا شهود زور فقط لا غير.
 
 
هل بدأت "حماس" مراجعتها النقدية؟!
النهار..معتصم حمادة... كاتب فلسطيني
ليست هي المرة الأولى التي تدعو فيها "حماس" القوى الفلسطينية لمشاركتها في إدارة الشأن العام في غزة. سبق أن قدمت عرضاً مماثلاً منذ فترة لم يلق قبولاً، إذ رأت فيه هذه القوى محاولة من "حماس" لإدامة الانقسام مع الضفة الفلسطينية، والإيحاء، في المقابل، بقيام إطار بديل للمصالحة الوطنية الشاملة.
من الطبيعي أن ينفي اسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس"، أن تكون مبادرته ناجمة عن إحساس بالأزمة. لكن هذا النفي لا يحجب عنا القدرة على رؤية المتغيرات التي لا تسير لمصلحة "حماس".
فإلى جانب الأزمة الاقتصادية والبيئية الخانقة في القطاع، تعاني "حماس" صعوبة في ضبط علاقاتها مع القوى الإسلامية في غزة، خاصة ان القاهرة، تتهم هذه القوى بالمشاركة في الأعمال "الإرهابية" في شبة جزيرة سيناء ضد النظام الجديد. كما لا تتردد في اتهام "حماس" نفسها بغض الطرف عن تحركات هذه القوى، وقد زاد في صعوبة الأمر أن "حماس"، وضعت، في بعض الوسائل الاعلامية المصرية على مستوى العدو الخارجي.
ولا تقتصر خيبة أمل "حماس" على التطورات في القاهرة، بل تمتد إلى أكثر من عاصمة عربية وإقليمية تشهد تطورات لا تسير وفق الهوى الحمساوي.
فالدوحة، بعد التغيير في رأس السلطة، شهدت انعطافة إقليمية بارزة، من دورها المشارك في صناعة الحدث الإقليمي بما في ذلك دعم حركة "حماس"، في إطار السياسة المحورية التي كانت تتبعها قطر. كذلك تشعر "حماس" أن رهانها على دور إقليمي فاعل ومؤثر لحكومة أردوغان، لم يحقق مكاسبه المأمول منه، خاصة بعدما انشغل أردوغان وحكومته بالشأن التركي الداخلي.
الأمر ذاته ينعكس على العلاقة مع دمشق. حين انحازت "حماس" إلى أحد أطراف الأزمة، ولم تلتزم الموقف الفلسطيني الوطني الجامع، القائم على "الحياد الإيجابي" الداعي إلى عدم الزج بالحالة الفلسطينية في الأزمة السورية، وتجنيب هذه الحالة ويلات الحرب، والدعوة الصادقة، إلى حل سلمي للأزمة السورية، ووقف العنف، ووقف التدخل الأجنبي لأنه يصب الزيت على نار الأزمة. التطورات الميدانية أخيراً في سوريا، أظهرت أن حسابات "حماس" (وغيرها) لم تتلاءم مع مجريات الأمور، وأن الوضع، خاصة بعد حل مشكلة السلاح الكيميائي، يسير في الاتجاه الذي لم يكن البعض يرغب به.
ولا يستبعد، من خلال قراءة متأنية لبعض أحاديث رئيس حكومة "حماس" إسماعيل هنية، أن تكون الحركة في إطار مراجعة محدودة ومجزوءة. فهي تدرك أن انتماءها إلى حركة الإخوان المسلمين، سيبقى عامل توتير في العلاقة مع القاهرة، وعامل تعطيل لأية محاولة للبحث في إمكان استعادة علاقة ما مع دمشق. لذلك بدأت تعيد توصيف نفسها باعتبارها جزءاً من حركة التحرر الفلسطينية، لها ما لهذه الحركة وعليها ما عليها؛ وإن كانت لا تتنصل من خلفيتها الفكرية الإسلامية.
من هنا بدأ البعض يسأل ما إذا كانت "حماس" قد بدأت بمراجعة نقدية لسياساتها الإقليمية، وعلاقاتها الوطنية، وما إذا كانت قد بدأت بوضع مسافة بينها كجزء من حركة التحرر في فلسطين، وبين كونها في الوقت نفسه الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين. هذه المراجعة، إن كانت قد بدأت فعلاً، لا تتطلب تغييراً محدوداً بالتكتيكات، بل ربما تحتاج إلى رسم إستراتيجية وطنية فلسطينية جديدة لحركة "حماس".
 
استنتاجات إسرائيلية بشأن الاتفاق النووي
النهار..انطـوان شلحـت - عكا
بعد أن تلاشت "الصدمة" في إسرائيل من اتفاق جنيف بين مجموعة الدول 5+1 وإيران والتي أجّج أوارها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراؤه وأبواقه، جاء دور الاستنتاج الذي يسعف في مواجهة الآتي.
وبالإمكان ملاحظة عدد من الاستنتاجات التي تم استخلاصها وتبدو لافتة:
أولاً، أنه بعد أن أسقط في يد إسرائيل في كل ما يتعلق بمنع التوصل إلى اتفاق مع إيران يقصي احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري لكبح مشروعها النووي، فإن المهمة الآن هي الحرص على أن يتطوّر الاتفاق المرحلي لاحقاً إلى اتفاق شامل يمنع تحوّل إيران قوة عظمى إقليمية وربما قوة عالمية ذات قدرة نووية.
ثانياً، أن الواقع المستجدّ في العالم الذي يشي بتبلور نظام عالمي جديد متعدّد القطب أقوى كثيراً من نتنياهو، بما يلزمه أن يعيد النظر في سياسته في حلبات أخرى غير الحلبة الإيرانية، في مقدمها الحلبة الفلسطينية التي يتعرّض فيها أيضاً إلى ضغوط خارجية.
ثالثاً، لا بديل لإسرائيل كسند خارجي من الولايات المتحدة التي من دون دعمها "لا تغدو الحياة في إسرائيل حياة" كقول أحد المعلقين.
وفي نطاق هذا الاستنتاج كتبت تحليلات كثيرة تدعو إسرائيل إلى أن تعود لحجمها الحقيقي وتكف عن التمسك بوهم أن "واشنطن تلعب في مسرح دمى إسرائيلي"، وهو وهم معشش أيضاً في بعض الرؤوس العربية.
كما أنه في نطاقه بدأت تعلو أصوات لا تكتفي بنقد انكفاء الدور الذي تقوم به منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كما أشرنا في مقام سابق، بل تحذّر من وجود "لوبي أميركي" في إسرائيل يفضل المصالح الأميركية على المصالح الإسرائيلية القومية، ولا بُدّ من محاولة تفكيكه عبر كشفه وشجبه.
أخيراً، كان هناك استنتاج فحواه أن التلويح بالخطر الإيراني كان أشبه بفزّاعة استمرأها نتنياهو وساعدته في أن يصرف أنظار الرأي العام في إسرائيل عن مجموعة كبيرة من المشكلات الداخلية التي يعانيها وأخفقت حكومته الحالية في تقديم حلول لها.
وينشغل بعض أصحاب هذا الاستنتاج بالتحذير من مغبة مشكلة واحدة منها هي تصاعد العنف داخل المجتمع الإسرائيلي، إلى درجة أن أحد كبار علماء الاجتماع الإسرائيليين جزم بأن إرهاب هذا العنف ليس أقل خطورة من "الإرهاب الإسلامي".
ورأى أديب إسرائيلي أن انصراف نتنياهو إلى مكافحة "الخطر الإيراني" وغض الطرف عن مخاطر مشكلات إسرائيل الداخلية يجعله خطراً على إسرائيل لا يقل عن خطورة النووي الإيراني.
 
استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف العنيف الناشئ في الداخل
جورج سليم, ج. توماس مانغر, هدية ميراحمادي, و ماثيو ليفيت
أعد هذا الملخص المقرر جوناثان بروهوف.
"في 13 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2013، خاطب ماثيو ليفيت، هدية ميراحمادي، جورج سليم، و جي. توماس مانغر منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد. والسيدة ميراحمادي هي زميلة زائرة في المعهد ورئيسة "المنظمة العالمية لتنمية الموارد والتعليم". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما؛ وتظهر تصريحات سليم ومانغر بشكل منفصل باللغة الانكليزية."
ماثيو ليفيت
عندما يتعلق الأمر بمكافحة التطرف العنيف، نجد أن هناك مشكلتين إحداهما تصورية والأخرى هيكلية. وتشمل المشكلة التصورية تحديد من سيكون قادراً - بشكل مريح في حدود القانون - على إحداث طفرة ملحوظة بحيث يمكن مجابهة المتطرفين الذين يلجأون للعنف في وقت مبكر، بدلاً من الانتظار إلى حين اعتناقهم للفكر المتطرف والتفكير في ارتكاب أعمال عنف. ومن جانبهم فإن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" ووكالات إنفاذ القانون الفدرالية غير مجهزين للانخراط في مثل تلك المشاركة المبكرة. ولا ترغب أي وكالة فدرالية في أن يُنظَر إليها على أنها شُرطة للتحكم في الأفكار، كما أن مسؤوليها ليسوا مدربين على أن يكونوا أخصائيين اجتماعيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ثمة تحدٍ مركزي يتعلق بكيفية تحديد الأفكار التي تدفع الأشخاص إلى التطرف العنيف بدلاً من التركيز على دين معين. وهذا النوع من التفكير يجب كذلك أن يضع في الاعتبار العوامل الاجتماعية والثقافية التي قد تؤثر على حساسية تعرض الشخص للأفكار المتطرفة.
أما بالنسبة للمشكلة الهيكلية المتعلقة بمكافحة التطرف العنيف، فيمكن إرجاعها إلى عدم قدرة البيروقراطية الأمريكية على العمل على المستوى المحلي. ولا توجد أي "إدارة فدرالية للمجتمعات والحكم المحلي"، كما أن الحكومة الفدرالية، وبصراحة، لا تفعل ما يكفي لمعالجة هذا القصور. وليس الغرض من ذلك الانتقاص من الجهود العديدة الحالية، وبعضها فعالة إلى درجة كبيرة، لمكافحة التطرف العنيف سواء على الإنترنت أو في الخارج. وفي الحالة الأولى، لدى الولايات المتحدة استراتيجية تواصل مبتكرة بين الوكالات تتحدى رواية تنظيم «القاعدة» على برامج التواصل الاجتماعي تصل إلى آلاف المشاهدين. بيد أن الأشياء الغائبة على المستوى الفدرالي هي التنسيق والإشراف على استراتيجية شعبية شاملة لمجابهة التطرف العنيف الناشئ من على الأراضي الأمريكية.
وبتفويض عبر "خطة التنفيذ الاستراتيجية للبيت الأبيض"، فإن مكاتب النائب العام الأمريكي مسؤولة عن تنسيق الجهود الفدرالية لمكافحة التطرف العنيف، لكن الزيارات مع مختلف المسؤولين في مختلف أنحاء البلاد تظهر أنه، في بعض الحالات، لا يتم فعل الكثير أو أن ما يتم فعله ضئيل للغاية. إن العمل الرائع الذي يقوم به "مكتب التحقيقات الفدرالي" لمنع الهجمات على يد المتطرفين محليي النشأة الذين يمارسون العنف يركز على الأفراد الراديكاليين بالفعل - ويوفر القليل من التوجيهات حول كيفية منع حدوث التطرف في المقام الأول.
إن التوترات بين السنة والشيعة، التي تغذيها الأحداث في الخارج، ولا سيما في سوريا، أسهمت في وقوع بعض الحوادث داخل الولايات المتحدة وكندا - والتي تُصنف ضمن جرائم الكراهية وليس الإرهاب - وأثارت المخاوف لكل من مسؤولي إنفاذ القانون المحليين والفدراليين. ومع استمرار الحرب الأهلية في سوريا واستمرار ارتفاع وتيرة التوترات الطائفية في أماكن مثل باكستان، فبإمكان مثل هذه الحوادث أن تعقِّد بشكل أكبر من جهود منع التطرف على المستوى الشعبي.
وفي ضوء الخلل الحالي، ينبغي على الحكومة الفدرالية أن تنظر في أمر تطبيق نموذج محلي ناجح ومبتكر على غرار "مجموعة عمل المجتمع المتدين في مقاطعة مونتغُمري" على المستوى الشعبي. إن تجنيد الجاليات للتعامل مع مشاكلها الخاصة من شأنه أن يسمح بتطبيق نهج منظم ومرن لمعالجة هذه المشكلة المعقدة. ويستطيع المسؤولون الفدراليون، بالشراكة مع الحكومة المحلية، تسهيل العملية من خلال توفير التدريب والموارد والتوجيهات التي يجب على مسؤولي الولايات والمسؤولين المحليين اتباعها. أما الباقي فينبغي تركه للجاليات نفسها.
هدية ميراحمادي
إن نموذج مقاطعة مونتغُمري لمكافحة التطرف - وهو عبارة عن شراكة بقيادة مجتمعية بين القطاعين العام والخاص تقوم جذورها على التعاون بين الأديان - تم تدشينه قبل شهر من تفجيرات بوسطن في نيسان/أبريل. ويعتمد هذا النموذج كثيراً على أجندة قادة الجالية القائمة على الإيمان ومصالحهم ودعمهم وتجمعاتهم. إن المدارس ومكتب المسؤول التنفيذي بالمقاطعة ومسؤولي إنفاذ القانون والزعماء الدينيين ومسؤولي الخدمات الصحية والإنسانية وفريق إدارة الطوارئ جميعها تلعب دوراً في مكافحة التطرف العنيف ومواجهة القضايا المحلية الأخرى.
يمكن وصف البرنامج على أفضل ما يكون بأنه يتألف من ثلاثة أجزاء. العنصر الأول يشمل التثقيف ونشر الوعي بين الجمهور وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص حول مختلف العوامل التي ينطوي عليها التطرف العنيف. ويشمل ذلك توفير تدريب محدد لقوات إنفاذ القانون، استناداً إلى نفس العوامل التي تساهم في التطرف مع التأكيد على الارتقاء بالوعي الثقافي. وفيما يتعلق بالعوامل ذاتها، يوجد إلى جانب الأيديولوجية صراعات مرتبطة بتبني الثقافات الأجنبية والغربة الاجتماعية وعدد من الحالات النفسية. وفي الوقت نفسه يركز الجزء الثاني من البرنامج على غرس خبرة التدخل داخل المجتمع. ويتحقق ذلك من خلال تحديد العلماء الاجتماعيين والعلماء النفسيين وأخصائيي الصدمات ورجال الدين الذين يستطيعون تقديم التوجيهات والإرشادات المطلوبة لردع الأفراد عن سلوك مسار العنف. أما المرحلة الثالثة فهي تطوير هذه الكفاءات المهنية لتطبيق الخبرات المكتسبة عندما يتلقى البرنامج إحالات من كل من القطاعين الخاص والعام. ورغم أن الهدف من التدخلات يكون تحقيق النجاح دائماً، إلا أن حالات فشل التدخل تبرز ضرورة وجود علاقات قائمة على التواصل والتبادل مع وكالات إنفاذ القانون.
هناك نماذج أخرى للتدخل في مقاطعة مونتغمري، مثل "مشروع كندي كلاستر"، والذي يوفر خدمات لعائلات الأطفال أصحاب الأداء السيئ في المدرسة أو الذين يواجهون مشاكل انضباطية أخرى. وتجتمع وكالات أصحاب المصلحة كل أسبوعين لمراجعة القضايا وتقييم احتياجات الأسرة للحصول على مساعدات في مجال الإسكان والخدمات العقلية والصحية الأخرى، إلى جانب تقديم المشورة. ويمكن وضع حالات مكافحة التطرف العنيف ضمن نماذج كتلك الواردة أعلاه أو في نظام موازٍ قائم على أساس مذكرات تفاهم مناسبة.
وعلى الجانب العام، فإن "مجموعة عمل المجتمع المتدين" التي انطلقت من مكتب المسؤول التنفيذي بالمقاطعة كانت تهدف إلى زيادة المشاركة الدينية في جميع مناحي الحياة في المقاطعة، بدءً من مسائل انعدام الأمن الغذائي وحتى دعم القوانين الدينية لاستغلال الأراضي أو التأهب للكوارث. إن مكتب التنسيق بين الأديان، الذي يتولى تسهيل بناء العلاقات، يساعد على جمع الشركاء غير التقليديين ويعمل كقوة توحيد شاملة لهذه الجهود. وعلى الجانب الخاص، نجد قادة يمثلون جميع الأديان التوحيدية، إلى جانب فئة كبيرة من الجالية البوذية في المقاطعة، بمشاركة السيخ والمجوسيون وأعضاء الديانة البهائية.
وبعد تفجيرات بوسطن، اشتركت "مجموعة عمل المجتمع المتدين" في رئاسة اجتماع بدار بلدية أظهرت فيه جميع الجاليات الدينية التضامن مع الجالية المسلمة مع الإعراب عن رغبتهم في التعاون على منع العنف في المستقبل. وقد وقّع المشاركون الأصليون في اجتماع دار البلدية ليصبحوا أول أعضاء في "مجموعة عمل المجتمع المتدين".
وقد تشكلت لجنة فرعية تركز بصفة خاصة على التدخل ومنع العنف، مع اختيار كلمة "العنف" لتشمل جميع المواضيع التي قد تؤثر على "التطرف العنيف". وفي الاجتماع الأول للجنة الفرعية، طُلب من أعضاء الجالية المسلمة أن يعرضوا وجهات نظرهم حول كيفية تأطير المناقشات حول التطرف العنيف. ورغم أن مصطلحات من قبيل "إسلامي"، "سلفي"، "سلفي متطرف"، و"جهادي" تعد مفيدة في السياقات السياسية والأكاديمية إلا أنها مسببة للخلافات على المستوى المجتمعي ومن ثم تم استبعادها. ومن المهم أن نلاحظ أن معظم أعضاء الجالية المسلمة لم تكن لديهم أية معرفة بالمواد الراديكالية التي حددها "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" ووزارة الأمن الداخلي. كما أن معظم أئمة الجالية، الذين تلقوا تدريبهم على الأيديولوجية الإسلامية الرئيسية، لم يقرؤوا مطلقاً الكتابات التي أعدها جهاديون بارزون، وصُدموا جراء ما تضمنته. ومن ثم انبثقت مصطلحات متفق عليها عن موضوعات مثل الأيديولوجية والتظلم وعلم الاجتماع الذي يكمن وراء العنف داخل المجموعات وخارجها والجهود الرامية للحد من العنف وزيادة التماسك الاجتماعي والحد من الشعور بالغربة، فضلاً عن العوامل النفسية، لا سيما الصدمة.
أما اللجنتان الفرعيتان الأخريان، وهما وضع برامج التضامن واستجابة علماء الدين، فهما تسعيان إلى تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال الحد من الغربة التي تشعر بها جماعات الأقلية، سواء كانت حقيقية أو متصورة. وقد عقدت هاتان اللجنتان الفرعيتان اجتماعات مثل رحلة خلوية لبناء الصداقة وجلسة التأهب للكوارث التي تتعرض لها دور العبادة وفعالية لتبادل الأفكار مع المسؤول التنفيذي بالمقاطعة. وتهدف هذه الجهود إلى بناء العلاقات التي تسهل بناء الثقة والاحترام المتبادل. وقد تم إنشاء اللجنة الفرعية لاستجابة علماء الدين على نحو خاص كمورد لاحق للأزمات، حيث تهدف إلى تزويد ضحايا العنف بالمشورة والأدوات فضلاً عن إمداد ضباط الشرطة وغيرهم من المسؤولين الذين يتعاملون مع الأزمات في المقاطعة بالرؤى الثاقبة.
وبالنسبة لأي فعالية تعاونية تقيمها "مجموعة عمل المجتمع المتدين"، يشترك أصحاب المصلحة من القطاع العام وأعضاء من الجاليات الدينية في مراحل التخطيط والتنظيم والتنفيذ وكذلك في الإسهام بالموارد. إن تجنيد التمويل الخاص للبرامج يساعد على تعزيز برامج المقاطعة المقيدة بالميزانية ويمنح المجموعة المرونة لتحديد الفعاليات التي تود دعمها.
 
 الإجابات على بعض الأسئلة الرئيسية سوف تقرر نجاح الاتفاق مع إيران من عدمه
مايكل سينغ
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
واشنطن بوست
يمثل اتفاق "الخطوة الأولى" بشأن برنامج إيران النووي وقتاً مستقطعاً وليس انفراجة. فبموجب الاتفاق، سوف تتوقف إيران مؤقتاً عن إحراز المزيد من التقدم في برنامجها النووي لكنها لن تتراجع عن أي تقدم أحرزته، وسوف يفعل الغرب الشيء ذاته فيما يتعلق بالعقوبات.
يشار إلى أن النقاش الناشئ - حيث يؤكد النقاد أنه كان ينبغي مطالبة إيران بالمزيد؛ ويرد المدافعون عن الاتفاق بأن هذا أفضل ما تستطيع الولايات المتحدة تحقيقه وأن البديل لم يكن التوصل إلى اتفاق أفضل وإنما خوض صراع عسكري - ذلك النقاش يمثل أهمية كبيرة، لكن بعد توقيع الاتفاقية يأتي دور المسائل الأكثر أهمية.
سوف تحدد ثلاث مسائل تتعلق بما إذا كانت هذه الاتفاقية ستحرز تقدماَ في نهاية المطاف من عدمه أو ما إذا كانت ستفضي إلى انتكاسة في مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
وتتعلق المسألة الأولى بتنفيذ الاتفاق. فقد تعثرت الاتفاقات النووية السابقة مع إيران، مثل تلك الموقعة بين طهران والاتحاد الأوروبي في 2003-2004، خلال التنفيذ وليس خلال المفاوضات. وفي مرحلة ما خلال الستة أشهر القادمة، قد تنخرط إيران في أنشطة تنتهك نص الاتفاق أو جوهره.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يغطي اتفاق جنيف سوى واحداً من ثلاثة عناصر من البرنامج النووي الإيراني، ألا وهو: تصنيع الوقود. أما العنصران الآخران، وهما بحوث التحويل إلى الأسلحة وتطوير أجهزة إطلاق الصواريخ، فهما محظوران بموجب قرار من الأمم المتحدة لكن لم يتم تناولهما في الاتفاق وربما يستمر الأمر على هذا المنوال.
يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إعداد خطط طوارئ للرد على أي خداع إيراني بشأن الاتفاق ومعاقبة الأنشطة الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي والتي لم يتناولها الاتفاق. يجب أن نتذكر أنه عندما تجاوز الأسد الخط الأحمر الذي وضعه أوباما بشأن الأسلحة الكيميائية، وجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في حيرة وتخبط لصياغة رد مناسب. إن هذا النوع من السياسة الارتجالية لا يمكن تكراره مع إيران.
أما السؤال الثاني فيتعلق بالوضع النهائي للبرنامج النووي الإيراني. فالاتفاق المرحلي يسمح لطهران بالاحتفاظ بجميع قدراتها النووية دون مطالبتها بالإفصاح عن الأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية، سواء كانت في الماضي أو الحاضر. وهذه صيغة تنطوي على خطورة كبيرة. فبدون وجود رؤية ثاقبة حول النطاق الكامل لأنشطة إيران النووية السرية، لا يمكن لأي قدر من المراقبة والتفتيش أن يوفر ثقة فعلية في أن إيران لا تمتلك برنامجاً موازياً بعيداً عن أعين المفتشين.
يجب أن يعمل أي اتفاق نهائي على تقليص القدرات النووية التي لم تمسها هذه الخطوة الدبلوماسية الأولى كما يجب أن يطالب إيران بالإفصاح عن النطاق الكامل لأنشطتها النووية الماضية والحالية من جانب كافة الكيانات الإيرانية. ولجعل الأمر واضح لطهران فيما يتعلق بالبديل لتلك الشروط، ينبغي أن تهدد إدارة أوباما بفرض عقوبات إضافية في حالة عدم التوصل إلى اتفاق ويجب أن تتخذ خطوات لتعزيز مصداقية خياراتها العسكرية.
وهذه ليست فقط سياسة جيدة لكنها تعكس نهجاً عملياً: فأي اتفاق نهائي أو حتى تجديد لفترة الستة أشهر المرحلية "من خلال الموافقة المشتركة" كما يسمح به اتفاق جنيف، سوف يتطلب تعاوناً من الكونغرس. لقد كان من الصعب جداً الحصول على موافقة الكونغرس لرفع العقوبات عن ليبيا بعد أن وافقت تلك البلاد على تفكيك برنامجها النووي والتخلي عن دعمها للإرهاب. إن الحصول على موافقة الكونغرس بشأن أي اتفاق ينص على مطالب أقل بكثير من إيران هو أمر غير واقعي.
والمسألة الأخيرة، بل والأكثر أهمية، أن الاتفاق يثير تساؤلات حول الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إذ يرى حلفاء واشنطن بالفعل أن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة؛ ومن المرجح أن يعزز اتفاق جنيف من تلك الرؤية حيث إنه يضفي صفة قانونية على الأنشطة النووية التي عارضتها الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي على مدار العقد الماضي. ووفقاً لذلك، سوف يرى كثيرون أن هذا مؤشر على أن مغازلة الخطوط الحمراء الأمريكية يجلب معه مكافآت - وهو للأسف نفس الدرس الذي استفاده كثيرون من سياسة عدم التدخل التي انتهجتها الولايات المتحدة في سوريا.
إن مقاومة هذا الانطباع سوف يتطلب جهوداً قوية واستباقية، على نحو يتناقض مع النهج المتردد الذي اتبعته واشنطن تجاه الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة. وسيكون من بين العناصر الهامة التنفيذ الفعّال للعقوبات التي لا تزال إيران تواجهها بشأن برنامجها النووي إلى جانب تلك المرتبطة بالإرهاب وحقوق الإنسان وقضايا أخرى. يجب على واشنطن أن تردع الدول والشركات عن العودة في وقت سابق لأوانه إلى مزاولة الأنشطة التجارية على نحو طبيعي مع طهران.
وعلاوة على ذلك، وفي سبيل بعث إشارات لكل من إيران وحلفاء واشنطن بأن الولايات المتحدة لا تبحث عن مخرج لكنها تظل ملتزمة تجاه المنطقة، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن ينسقوا مع حلفاء واشنطن بشأن محتوى أي اتفاق نهائي بدلاً من مواجهتهم بالأمر الواقع. وبعيداً عن المسألة النووية، يتعيّن على واشنطن مواصلة العمل على إحباط السياسات الإيرانية المعادية وأن تدافع عن مصالحها والمصالح التي تشاطرها مع حلفائها، وأن تعمق من ناحية أخرى المشاركة الأمريكية في المنطقة.
لقد وُصف اتفاق جنيف بجدارة على أنه "خطوة أولى". إن الوقت وأفعال واشنطن سيحددا وحدهما ما إذا كانت تلك خطوة تجاه نزع السلاح النووي الإيراني أم صعود البلاد كقوة نووية، إن كانت خطوة تجاه تراجع الولايات المتحدة أم إعادة تأكيد وتوطيد القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط.
 
 'لن يهنأ أي شخص في المنطقة بالنوم'
سايمون هندرسون
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
ذي أتلنتيك
إذن، ما هو رد فعل السعوديين؟ هذا هو السؤال الذي يتردد على لسان العديد من الناس الآن بعد أن توصلت القوى العالمية إلى اتفاق نووي مع إيران. إن الإجابة البسيطة هي أنهم على الأرجح مرتبكون كحالنا جميعاً بينما يدرسون ما وافقت عليه الأطراف وما تنازلت عنه. لكن عندما تجلس في الناحية المقابلة للخليج العربي من إيران - وهو فاصل يعكس الانقسام بين الإسلام السني والشيعي في المنطقة - تجد الأشياء مختلفة عما عليه الحال عند مناقشة المحادثات وأنت جالس حول آلة القهوة في الولايات المتحدة. ويرى السعوديون أن المفاوضات مع القوى العظمى تمخضت عن مباراة صفرية. فالانتصار المتصور لإيران، حتى حصولها على مهلة من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، لا يصب في صالح المملكة.
ويُرجح أن العاهل السعودي الملك عبد الله يشعر بغضب بالغ جراء الاتفاق واحتفاء إدارة أوباما به. كيف لي أن أعرف ذلك؟ لأن الملك غادر الرياض يوم الاثنين متوجهاً إلى الواحة الصحراوية روضة خريم. وهو المكان الذي يذهب إليه عندما يحتاج إلى الاسترخاء. فإذا نظرنا إلى عمر الملك الذي يناهز 90 عاماً، سنعرف أنه يشعر بالتعب والإجهاد بسهولة لكنه أمضى الأسبوعين الماضيين لكي يستميل كل شخص يزوره - من بينهم الرئيس المؤقت لمصر وأمراء الكويت وقطر - حول المخاطر التي تمثلها إيران، وهو الأمر الذي، حسب رأيه، لن يكون مقبولاً إذا حققت تصور كونها قوة نووية، حيث إن ذلك التمييز سوف يمنح طهران هيمنة ليس فقط في الخليج بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط أيضاً. وفي مطلع هذا الشهر، وبعد انهيار الجولة الأولى من محادثات جنيف مع إيران، وجه الملك شكاوى لوزير الخارجية جون كيري استمرت حسب بعض الروايات لمدة ساعتين.
لقد اتضح النهج السعودي الرسمي حول الاتفاق النووي يوم الاثنين عندما عقد مجلس الوزراء السعودي اجتماعه الأسبوعي. فقد تمت كتابة تقرير حول الأحداث، نشرته "وكالة الأنباء السعودية"، بالصيغة النثرية المهدئة المعتادة لذلك المنفذ الإعلامي، "استعرض مجلس الوزراء عدداً من التقارير حول تطور الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية"، وأضافت نقلاً عن [وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، قوله]: "حكومة المملكة ترى بأنه إذا توفرت حسن النوايا، فمن الممكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني، وخصوصاً إذا أدى إلى إزالة كافة أسلحة الدمار الشامل، من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي". وأعربت المملكة عن أملها "أن يستتبع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى المزيد من الخطوات المهمة والمؤدية في النهاية إلى ضمان حق كافة دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية".
إن الجملة المؤثرة هي "إذا توفرت حسن النوايا". المشكلة لدى الملك عبد الله وغيره من أفراد آل سعود، فضلاً عن معظم السعوديين، أنهم لا يثقون بإيران من الناحية الدبلوماسية ولا يثقون بالشيعة من الناحية الدينية.
إن السعوديين لديهم حساسية كافية لحسن الخلق الغربي بما يتيح لهم تحاشي ذكر ملاحظات مناهضة للشيعة باللغة الإنجليزية (وإن في الملأ على الأقل). لكن نظراً لخوف المسؤولين السعوديين من وقوع الأسوأ في محادثات جنيف، فإنهم أمضوا الأيام القليلة الماضية يثيرون القلق في نيويورك وواشنطن ولندن.
وفي "مقابلة نهاية الأسبوع" المستفيضة مع شخصية بارزة في صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر، قال الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز إن دولته "تضغط بكل قوة الآن على الولايات المتحدة لئلا ترضخ للكلام الناعم من جانب الرئيس الإيراني". وحاجج رجل الأعمال الملياردير، الذي لا يحصل عادة على رخصة من الرياض للحديث في المسائل السياسية، قائلاً "يجب أن تكون للولايات المتحدة سياسة خارجية. واضحة المعالم والهيكل. وتلك السياسة غائبة الآن للأسف. إن الأمر يتسم بالفوضى والارتباك الكاملين. فلا ثمة سياسة. أقصد إننا نشعر بذلك. لدينا إحساس بذلك، كما تعلمون".
ويصور الأمراء والمسؤولون السعوديون إسرائيل في كثير من الأحيان على أنها شيطان الشرق الأوسط، حيث يلمحون بل غالباً ما يقولون ذلك صراحة إنه لولا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكان كل شيء في المنطقة على ما يرام. وقد تجاهل الأمير وليد بن طلال هذه الحجة تماماً وقال بدلاً منها "للمرة الأولى، تكاد مصالح المملكة العربية السعودية وإسرائيل أن تكون متوازية. إنه أمر لا يُصدق".
إن التشكك هو أيضاً كلمة جيدة لتلخيص المشاعر التي سيطرت في اجتماع المائدة المستديرة في واشنطن العاصمة حضرْتُه قبل أيام قليلة، عندما طرح المسؤولون وضباط الجيش والمفكرون الأمريكيون أسئلة على شخصية سعودية بارزة أخرى. فعند توجيه سؤال حول ما ستفعله المملكة في حال تحليق طائرات إسرائيلية فوق المملكة العربية السعودية في طريقها لتفجير المنشآت النووية الإيرانية، رد السعودي، الذي كانت ملاحظاته غير رسمية، قائلاً: "لا شيء. لماذا سنفعل أي شيء؟ إنهم سوف يفعلون ما نريد أن يحدث". وبعد توقف برهة أضاف قائلاً "لكننا سنصدر تصريحاً عاماً قوياً ندين فيه مثل ذلك الاعتداء على المجال الجوي عندما ينتهي كل شيء".
وفي يوم الجمعة الماضي الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، حصلت صحيفة "التايمز" اللندنية على مقابلة نادرة مع السفير السعودي في لندن، الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، الذي قال إن "جميع الخيارات متاحة" إذا فشلت القوى العظمى في كبح البرنامج النووي الإيراني. ولم يُنقل عن لسانه أي تصريح منذ ذلك الحين، لكن يمكننا أن نفترض ونحن مطمئنون أن مشاعره لم تهدأ بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف. وفي غضون ذلك، أصدرت سفارته تأشيرة إلى محرر صحيفة "الغارديان" - اليسارية اليومية التي غالباً ما تنتقد سياسات المملكة - في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعكس حاجة ماسة تقريباً لنقل رسالتها.
إذن ما الذي سيفعله السعوديون الآن؟ في يوم الأحد، نقلت الصحيفة السعودية "عرب نيوز" التي تصدر باللغة الإنجليزية عن عبد الله عسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي (وهو جزء من النظام الملكي الحاكم لمناقشة الأمور أكثر من كونه هيئة شبه برلمانية) قوله إن "حكومة إيران أثبتت الشهر تلو الآخر أن لديها أجندة قبيحة في المنطقة، وفي هذا الصدد، لن يهنأ أي شخص في المنطقة بالنوم ويفترض أن الأمور تسير على ما يرام". وعند سؤاله عما إذا كان الاتفاق قد فشل في منع إيران من صنع قنبلة وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى نشوب سباق أسلحة نووية في المنطقة، رد عسكر قائلاً "أعتقد أن المملكة العربية السعودية سوف تمضي قدماً لو مضت إيران قدماً [وحصلت على سلاح نووي]. أعتقد أن مصر، وربما تركيا، وربما دولة الإمارات العربية المتحدة، سوف تمضي قدماً وتحصل على نفس التقنية".
ويشعر السعوديون بالإحباط جراء عدم قدرتهم على حجب ما يرونه عودة إيران إلى الاحترام على الساحة الدبلوماسية ونهج واشنطن التصالحي تجاه طهران. كما ينتابهم القلق من بقاء نظام الأسد في سوريا، الأمر الذي يمنح إيران انتصاراً استراتيجياً بدلاً من الانتكاسة التي تحاول الرياض تنسيقها من خلال دعمها لمقاتلي المعارضة الجهاديين في البلاد. وفي الشهر الماضي، أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، حذر من أن المملكة سوف تبتعد عن الولايات المتحدة لأنها لا تشعر بالانسجام مع إدارة أوباما. وقد سخر المطلعون على بواطن الأمور في واشنطن من هذه الفكرة، حيث قالوا إن الرياض ليس أمامها مكان آخر تتوجه إليه. ويمكن اختبار هذه الفكرة قريباً جداً.
وبين أودية روضة خريم، وهي الآن وارفة بالخضرة بفعل أمطار الشتاء، سوف ينظر الملك عبد الله في الخيارات المتاحة أمامه. سوف تكون هذه استراحة عمل. وقد اصطحب معه بعض من أقرب مستشاريه، ومن بينهم نجله، الأمير متعب بن عبد الله، وصهره المفضل الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، والنائب الثاني لرئيس الوزراء، الأمير مقرن بن عبد العزيز. إن الملك يشتهر بالتحدث عما يدور في ذهنه. بيد أنه حتى الآن، كان أتباعه هم من تحدثوا علانية نيابة عنه. ربما أننا على وشك أن نسمع من العاهل السعودي نفسه.
 
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,712,202

عدد الزوار: 7,001,138

المتواجدون الآن: 67