السماك: هجرة المسيحيين خسارة لصيغة العيش المشترك

تاريخ الإضافة الخميس 4 آذار 2010 - 5:02 ص    عدد الزيارات 3205    القسم محلية

        


أكد الأمين العام لـ"اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي في لبنان" محمد السمّاك ان "المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط محكومون أن يختاروا العيش المشترك، ولا يوجد هناك صفة ثالثة لتوصيف هذه الحالة، فإمّا أن يختاروا العيش معاً وإما أن يُفرض عليهم العيش معاً". وشدد على انه على "المسلمين ان يحموا المسيحيين في الشرق الأوسط بجفون عيونهم"، معتبرا ان "هجرة المسيحيين خسارة للمسلمين وخسارة لصيغة العيش المشترك الاسلامي ـ المسيحي".
وقال في مقابلة الى وكالة "زينيت"، على هامش مشاركته في اللقاء الذي نظمته جماعة سانت إيجيديو الاثنين في 22 الشهر الماضي في مقرها الرئيسي في روما تحت عنوان "المستقبل هو أن نعيش معاً، مسلمون ومسيحيون في حوار": "أن العيش معاً بين المسيحيين والمسلمين ليس قضاء وقدراً وإنما هو خيار. عندما نبني الحياة المشتركة على أساس أننا نختار هذه الحياة فإننا نبني أصول الحياة المشتركة على قاعدة أن نعترف بأن ثمة اختلافات فيما بيننا وأن نوجد ثقافة مبنية على احترام الاختلافات وتقبلها والعيش معها. ولكن لا يستطيع أيّ منا أن يلغي هذه الاختلافات ولا أن يفرض نسق حياته على الآخر. التنوع والتعدد في مجتمعاتنا العربية المسيحية الإسلامية هو مكوّن أساسي ومكوّن تاريخي وهو صيغة المستقبل إذا كان لهذه المنطقة من مستقبل".
وأكد ان "لا مستقبل للمنطقة العربية من دون العيش المشترك الاسلامي ـ المسيحي. وما يجري الآن في المنطقة من تراجع الحضور المسيحي من حيث العدد ومن حيث الدور هو كارثة ليس على المسيحيين وحدهم بل على المسلمين أيضاً، لأنه يؤدي الى تفسّخ هذا المجتمع والى افتقاره الى هذا الغنى في التنوع والى الكفاءات العلمية والاقتصادية والفكرية والثقافية التي تهاجر من المسيحيين. فالهجرة ليست خسارة للمسيحيين، هي خسارة للمسلمين في نفس الوقت وهي خسارة لصيغة العيش المشترك الاسلامي المسيحي".
وعن خطر زوال المسيحيين من الشرق الأوسط، قال: "يجب أن أعترف بأن حجم القلق المسيحي الآن على المستقبل هو أكبر من حجم الوعي الإسلامي لهذا الخطر. وهنا يتحتم علينا أن نوسع دائرة المعرفة الإسلامية بمعنى الهجرة المسيحية، بخطورة هذه الهجرة المسيحية على الإسلام في المنطقة وفي العالم، لأن الهجرة المسيحية تحمل رسالة غير مباشرة للعالم بأن الإسلام لا يتقبل الآخر ولا يعيش مع الآخر وبالتالي فإن العالم الآخر أي العالم الغربي بشكل عام، من حقه عندئذ أن يقول، وبموجب هذا المنطق، أنه إذا كان المسلمون لا يتقبلون الوجود المسيحي فيما بينهم وهو وجود أصيل وتاريخي فكيف نتقبلهم في مجتمعاتنا؟!. وهذا ينعكس سلباً على الوجود الإسلامي في العالم، ولذلك فإن من مصلحة المسلمين، من أجل صورة الإسلام في العالم ومن أجل مصالح المسلمين المنتشرين في العالم أن يحافظوا على الوجود المسيحي في العالم العربي وأن يحموه بجفون عيونهم، ليس منّة أو تحبباً بالمسيحيين ولكن لأن ذلك هو حق من حقوقهم كمواطنين وكسابقين للمسلمين في هذه المنطقة".
وعن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وأسبابها والحلول لها، اوضح ان "بعض هذه الأسباب ربما يعود الى ظروف تاريخية قديمة موروثة في الثقافة الغربية التي تنظر بسلبية الى المسلمين، وهي متأصلة في الأدبيات، ويعكسها الإعلام يومياً بشكل أو بآخر. لكن مما يغذي هذا الأمر، سلوك بعض المتطرفين الإسلاميين في المجتمعات الغربية. وعندما أتحدث عن سوء السلوك، لا أتحدث بالضرورة فقط عن الإرهاب، وهو شيء خطير وسلبي وكارثي، إنما أتحدث عن الخلط لدى هؤلاء بين الدين والتقاليد".
اضاف: "التقاليد ليست ديناً، وبعض هؤلاء الناس، مع الأسف، يأتون من مجتمعات إسلامية، ويأتون بتقاليد وعادات محلية يعتقدون بأنها جزء من الدين وهي ليست كذلك وربما تكون مناقضة للدين ويتصرفون في المجتمعات الغربية متمسكين بهذه التقاليد التي يعبّرون فيها عن شخصيتهم المستقلة. يأتون الى مجتمعات غربية لا تتقبلهم، يختلفون عنها في الثقافة، في اللغة، في الدين، في المأكل، في الحلال والحرام الخ... فيشعرون بأنهم على هامش هذه الحياة، ومن أجل بلورة شخصيتهم يتمسكون بالتقاليد التي كانوا يمارسونها في بلدانهم ويقدسونها أي يعطونها مستوى قدسية الدين، الأمر الذي يعطي انطباعاً لدى الغربيين بأنه إذا كان هذا هو الإسلام فكيف نستطيع أن نعيش معه؛ وهو ليس الإسلام، هو تقاليد محلية من دول افريقية، من باكستان، من افغانستان، من الهند، من شمال افريقيا الخ... فالخلط بين ما هو ديني حقيقيةً وما هو تقاليد اجتماعية تعطى هوية دينية، يؤدي الى انتعاش هذه الإسلاموفوبيا بمعنى كراهية الإسلام عن جهل به، لأن الجهل بالإسلام مصدره أمران: الأمر الأول هو سوء تفسير بعض المسلمين للإسلام، والأمر الثاني هو سوء فهم بعض غير المسلمين للإسلام. السلوك الاجتماعي الذي يمارسه بعض المسلمين المهاجرين من مجتمعات متخلفة أو فقيرة أو غير مثقفة، أساسُه أن هؤلاء الأشخاص لا يجهلون التقاليد الاجتماعية الغربية في المجتمعات التي هاجروا إليها وحسب، ولكنهم يجهلون كذلك وبصورة أساسية الكثير من الثوابت الإيمانية ويعكسونها بصورة سلبية، الأمر الذي يؤدي الى هذه الحالة".
وعن تأثير نمو التيارات المتطرفة الإسلامية على المسيحيين في الشرق، اعتبر ان "هذه الحركات تجاوزت مرحلة النمو وربما نشهد الآن مرحلة بداية التراجع والاضمحلال. بلغ هذا النمو القمة منذ فترة ولكن بدأت الآن عملية العد العكسي في التراجع. وإن تأثير هذه الحركات ليس فقط على مسيحيي الشرق، بل إنها تؤثر على المسلمين بشكل أساسي ومباشر. التطرف هو محاولة احتكار الحقيقة، محاولة احتكار الله واحتكار المقدَّس، وتفسير الدين وفقاً لمصالح ولمفاهيم حركات معينة؛ وبالتالي يأتي التصرف مع المسيحيين على أساس هذه التفاسير المعينة والتي يذهب ضحيتها الإسلام والمسلمون والمسيحيون أيضاً. ولذلك فإن عملية تصحيح للمفاهيم من خلال الأعمال الثقافية والتربوية أصبحت ضرورية،" ورأى أن "الدول العربية وعت هذا الأمر بعد أن دفعت ثمناً غالياً جداً من اتساع رقعة التطرف، بدأ هذا التطرف ينحسر بسبب المراجعات والخطوات الجريئة التي قامت بها عدة دول كالسعودية والأردن ومصر والجزائر وغيرها من الدول. كلها قامت بإعادة نظر جريئة لإعادة طرح خط السلوك الإيماني والممارسة الإيمانية بشكل إيجابي وصحيح".
وعما ينتظره مسلمو الشرق الأوسط من سينودس الأساقفة المقبل الذي سينعقد في أكتوبر 2010، اشار الى انه شارك في السينودس الماضي "وكنا مدينين لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني لأنه ليس فقط حرص على دعوة المسلمين الى السينودس ولكن لأنه أصرّ على أن تكون الدعوة للمشاركة وليس للحضور كمراقبين. وانا شخصياً كنت عضواً في لجان العمل، وهذا شيء لا سابقة له لا في تاريخ السينودس ولا في تاريخ مشاركة إسلامية في أي مؤتمر مسيحي، أن يكون مسلماً شريكاً في لجان عمل تابعة للسينودس".
واعتبر أن "السينودس المقبل مهم جداً لأنه سوف يطرح موضوع مسيحيي الشرق، وهذا الموضوع ليس موضوعاً مسيحياً فقط، بل إنه موضوع يهم المسلمين بالقدر نفسه لأنه يتعلق بمصيرهم الواحد في الشرق. ما يصيب المسيحيين في الشرق يصيب المسلمين. ولذلك فإننا معنيون بشكل مباشر وحقيقي بما سيحدث وما سيتقرر في السينودس المقبل"، مشيرا الى انه "حتى الآن لم نتلق دعوات للمشاركة"، وتمنى"أن يتم ذلك وأن تكون المشاركة الإسلامية بنفس المستوى التي كانت عليه خلال السينودس حول لبنان، لان هذه المشاركة تلقي مسؤولية على المسلمين لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه في السينودس من أجل مسيحيي الشرق، كما كان السينودس حول لبنان مسؤولية مسيحية إسلامية مشتركة؛ نحن قلنا ذلك مراراً لأننا معنيون ومسؤولون في تنفيذ الشقّ الوطني من بيان السينودس. لا بد أن تصدر عن السينودس المقبل وثيقة مماثلة ولا بد أن تحمِّل المسلمين مسؤوليةً في تنفيذها؛ وحتى يتحملوا هذه المسؤولية لا بد أن يكونوا شركاء في العمل بقدر معين."
وعما اذا كان يرى في بنيدكتوس السادس عشر استمرارية لما بدأه يوحنا بولس الثاني على صعيد الحوار بين الأديان، اعتبر أنه "عندما أعاد البابا بنيدكتوس السادس عشر تشكيل المجلس الحبري للحوار بين الأديان بعدما كان قد تُبِّع للمجلس الحبري للثقافة، فإنه بذلك اتخذ القرار في أن يعود الى خط الحوار مع الأديان الأخرى بما في ذلك المسلمين".
اضاف: "قد رأينا في الحقيقة كيف تعامل قداسة البابا مع المبادرة الإسلامية "كلمة سواء"، حول الحب في الإسلام والمسيحية، والتي لي الشرف في أن أكون أحد الموقعين الأوائل عليها. لقد فتحت زيارة البابا الى فلسطين والأردن والاتصالات التي جرت بين قداسته وجهات إسلامية، آفاقاً جديدة وواسعة لإعادة انطلاق عمل الحوار الذي أطلقه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في عام 1986 من أسيزي، ونحن واكبنا هذا العمل ونعتبر بأنه من أهم المهمات التي يقوم بها الفاتيكان في ما يتعلق بالعالم الإسلامي. نلاحظ ماذا يجري في بعض دول إسلامية كنيجيريا وإندونيسيا وحتى في ماليزيا. هناك مظاهر مرضية في العلاقات الإسلامية المسيحية لا يمكن معالجتها إلا من خلال ثقافة الحوار وثقافة احترام الاختلاف، ومن هنا دور الفاتيكان في عملية الانفتاح على العالم الإسلامي لتشجيع هذه الثقافة وتأصيلها في المجتمعات الإسلامية."
وعن اعلان الحكومة عيد سيدة البشارة عيداً وطنياً، قال: "هذه المناسبة هي من الإنجازات التي نعتز بها والتي عملنا عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات. ومنذ ثلاث سنوات، نحن ننظم في 25 مارس، لقاء إسلامياً مسيحياً حول السيدة مريم، تُتلى فيه آيات من الإنجيل المقدس وآيات من القرآن الكريم عن السيدة مريم، ونبرز هذه المضامين الإيمانية المشتركة في الإسلام والمسيحية حول هذا الأمر المقدس الكبير. في العام الماضي أعلنت شخصياً من منبر رئاسة الحكومة بعد لقاء مع رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، أعلنت الاتفاق وموافقة رئيس الحكومة على أن يكون 25 مارس عيداً للمسلمين والمسيحيين لا تتوقف فيه المدارس والمؤسسات عن العمل لأن رئيس الحكومة السابق كان دائماً يقول "أنا أريد اللبنانيين أن يعملوا يوماً إضافياً آخر وليس أن يعطلوا. أوافق على العيد ولكن بدون تعطيل العمل". وافقنا على الأمر لأننا أردنا أنا وإخواني في اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي ـ المسيحي، باعتباري أمين عام للجنة أن نثبِّت وأن نكرّس هذا اليوم يوماً إسلامياً مسيحياً بأي صيغة كانت. كانت الموافقة، وأعلناها رسمياً ولكن لم يصدر مرسوم حكومي رسمي بذلك. اجتمعنا برئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وطرحنا الموضوع عليه فتبنى الفكرة فوراً، وبعد 48 ساعة صدر المرسوم بإعلانه يوماً وطنياً ويوم عطلة رسمية، يوم عمل إسلامي ـ مسيحي مشترك."
 


المصدر: جريدة المستقبل

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,255,201

عدد الزوار: 6,984,384

المتواجدون الآن: 75