المحاكمات والمحن في لبنان

تاريخ الإضافة الجمعة 31 كانون الثاني 2014 - 7:52 ص    عدد الزيارات 742    التعليقات 0

        

 

المحاكمات والمحن في لبنان
ديفيد شينكر
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين و مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
في 16 كانون الثاني/يناير، خضع الأشخاص الأربعة المتهمون باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 إلى المحاكمة أخيراً في لاهاي. وخلال الأشهر المقبلة سوف يُحاكم هؤلاء المتهمون - وجميعهم أعضاء في ميليشيات «حزب الله» المدعومة من إيران - غيابياً بسبب ضلوعهم في التفجير الذي أودى بحياة أربعة وعشرين شخصاً، من بينهم زعيم الجالية السُنيّة في لبنان، رفيق الحريري. ويدوّي صدى الإجراءات القضائية لهذه الجريمة الطائفية الواضحة في جميع أرجاء لبنان، الأمر الذي يزيد من التوترات في دولة تعاني من الحرب بين السنة والشيعة في البلد المجاور سوريا. ومما زاد الأمور تعقيداً هو تزامن المحاكمة مع المفاوضات المثيرة للجدل في بيروت بشأن تشكيل حكومة جديدة.
الخلفية
خلال الفترة من عام 1975 إلى عام 1990، خاضت لبنان حرباً أهلية وحشية أودت بحياة أكثر من 100,000 شخص. وفي النهاية، توسطت المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب من خلال "اتفاق الطائف" - وهو تفاهم سياسي أُعيد التفاوض حوله وتم دعمه من قبل الاحتلال السوري للبنان. وقد استمرت تلك التسوية المؤقتة بعد الحرب حتى عام 2004، عندما سعى الرئيس السوري بشار الأسد - في انتهاك للدستور اللبناني - إلى تمديد فترة ولاية الرئيس اللبناني المفضل لديه، أميل لحود. وقد عارض رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري تمديد فترة ولاية لحود لكنه رضخ في ظل مواجهته لتهديدات من دمشق. ثم ترك الحكومة في تشرين الأول/أكتوبر 2004، لكن ليس قبل إقراره لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، الذي دعا جميع القوات الأجنبية - بما فيها القوات السورية - إلى مغادرة لبنان. وفي 14 شباط/فبراير 2005، قُتل رفيق الحريري في انفجار ضخم بسيارة ملغومة في بيروت.
وقد أدى اغتيال الحريري إلى انطلاق "ثورة الأرز" التي أفضت إلى انسحاب القوات السورية، لكنها أدت كذلك إلى إعادة استقطاب المجتمع اللبناني إلى معسكرين: «تحالف 14 آذار» المناهض لسوريا برئاسة نجل الحريري سعد، و «قوى 8 آذار» الموالية لسوريا/إيران بقيادة «حزب الله». وعقب فوزه في الانتخابات البرلمانية عام 2005، بدأ «تحالف 14 آذار» في إثارة الموضوع الحساس وهو نزع سلاح «حزب الله»، مستهلاً بذلك حملة اغتيالات استمرت ثلاث سنوات زُعم بأنها ارتُكبت من قبل سوريا وحلفائها اللبنانيين ضد سياسيين وصحفيين ومسؤولين أمنيين. وفي عام 2007، أنشأت الأمم المتحدة "المحكمة الخاصة بلبنان" لمحاكمة المسؤولين عن اغتيال الحريري والاغتيالات السياسية اللاحقة.
تصاعد في أعمال العنف
في حين انحسرت قليلاً وتيرة الاغتيالات في لبنان بعد عام 2008، إلا أنه تم استئناف العنف عن طريق حملات انتقامية بعد قيام السوريين بثورة ضد نظام الأسد العلوي الشيعي عام 2011. وعلى مدى العامين الماضيين، وبينما أقر «حزب الله» بشكل متزايد بدوره العسكري في سوريا، انتشر العنف الطائفي في جميع أنحاء لبنان. فبالإضافة إلى المعارك الطائفية الروتينية القائمة حالياً بين السنة والعلويين في طرابلس والكمائن الحدودية ضد الجهاديين من السنة والشيعة الذين يسافرون إلى سوريا، وقعت مصادمات بين المقاتلين المتشددين من السنة اللبنانيين وقوات «حزب الله» في صيدا. كما شرع المتشددون السنة باستهداف الشيعة المحليين ومعاقل «حزب الله» بشكل مباشر، حيث تم تفجير "الضاحية" بالسيارات المفخخة أربع مرات - كان آخرها في 21 كانون الثاني/يناير - بل وصل الحد إلى مهاجمة السفارة الإيرانية في بيروت.
ويبدو أن «حزب الله» رد على تلك الأعمال بمهاجمة أهداف سنية في طرابلس واستئناف اغتيال كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين من السنة، ومن بينهم كاتم أسرار الحريري محمد شطح في 27 كانون الأول/ديسمبر. إن تواجد نحو مليون شخص معظمهم من اللاجئين السنة من سوريا لم يعمل سوى على مفاقمة التوتر الطائفي.
إرجاء تشكيل الحكومة
في آذار/مارس 2013، دفعت هذه التوترات رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي - غير المنتسب إلى «قوى 8 آذار» أو «تحالف 14 آذار» - إلى الاستقالة من منصبه. وبعدها بشهر، تم استبداله بتمام سلام البالغ من العمر ثمانية وستين عاماً والذي ليست له أي انتماءات سياسية. ومنذ ذلك الحين، ترأس سلام حكومة تصريف أعمال يحظر عليها القانون اتخاذ قرارات جوهرية. والأمر الذي لا يدعو للدهشة أن الحكومة لم تنجز سوى القليل حتى بالمعايير اللبنانية. ويقيناً أن بيروت اعتادت على أن تكون بدون حكومة فاعلة لفترات زمنية طويلة: ففي عام 1969 على سبيل المثال، استغرق الأمر تسعة أشهر لتشكيل حكومة من قبل رئيس الوزراء المعين رشيد كرامي. بيد أنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو المقبل - وحيث تتم عملية الترشيح لها داخل البرلمان - فإن الحاجة إلى تشكيل حكومة أصبحت أكثر إلحاحاً.
كان تشكيل الحكومة مسألة شائكة في لبنان منذ فترة طويلة، لكن الوضع الحالي يمثل صعوبة من نوع خاص. فـ «تحالف 14 آذار» منقسم بشأن المشاركة في حكومة تضم في صفوفها «حزب الله». ومثلما كان عليه الحال عام 2009، أشار سعد الحريري، زعيم "تيار المستقبل" أنه يميل إلى تشكيل حكومة "وحدة وطنية"، لكن حليفه المسيحي في التحالف، سمير جعجع من "حزب القوات اللبنانية"، يعارض المشاركة في الحكم إلى جانب الميليشيا الشيعية. ففي 13 كانون الثاني/يناير، صرح جعجع قائلاً إن "تشكيل حكومة تنطوي على تناقضات لا يمكن أن يفضي إلى أي شيء".
كما أن تخصيص المقاعد هو أمر مثير للجدل، رغم ما يبدو من أن التكتلات تقترب من القبول بنسب 8-8-8 بين «تحالف 14 آذار» و «قوى 8 آذار» والمقاعد التي يختارها الرئيس ميشيل سليمان. وبالمثل، ساند «تحالف 14 آذار» تعيين حكومة "تكنوقراط" أو حكومة غير حزبية، رغم أن «قوى 8 آذار» رفضت هذا الاقتراح.
وفي حين أن هذه الاختلافات ليست بالأمر الهين، إلا أنه بالإمكان التغلب عليها. وبالنظر إلى الأمام، فإن نقطة الخلاف الأكثر صعوبة ستتمثل في "البيان الوزاري"، الذي هو المصدر الرئيسي للتوجيهات السياسية للحكومة الجديدة. ويريد «حزب الله» أن تشمل الوثيقة على إشارة إلى عقيدة الدفاع الثابتة للجماعة، وجمع "الجيش والشعب والمقاومة (أي «حزب الله»)" في استراتيجية وطنية، وإضفاء الشرعية - وهذا ليس من قبيل الصدفة - على المخزون الكبير من الأسلحة التي تستخدمها الميليشيا ضد إسرائيل منذ فترة طويلة. وفي 17 كانون الثاني/يناير، أكد عالم الدين التابع لـ «حزب الله» محمد يزبك دعم منظمته لهذه الصياغة أثناء الاحتفال بمولد النبي محمد عليه السلام.
في عامي 2005 و2009، وافق «تحالف 14 آذار» على دمج عبارة مماثلة في "البيان"، لكن سيكون من الصعب فعل ذلك الآن، لا سيما في ظل الظروف المحيطة بـ "المحكمة الخاصة بلبنان". فعند اغتيال شطح الشهر الماضي، أصدر الحريري بياناً ألقى فيه باللائمة على«حزب الله» وأدان "انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة على حساب الدولة ومؤسساتها". وفي ظل تلك الخلفية، فإن تحرك «تحالف 14 آذار» في اتجاه «حزب الله» لن يكون مقبولاً لدى القاعدة السنية للحريري.
كما أشار «تحالف 14 آذار» إلى أنه من أجل المشاركة في حكومة مع «حزب الله»، فإنه سيحتاج إلى "بيان" يؤكد على دعم "اتفاق الطائف" ويتمسك بـ "إعلان بعبدا" من عام 2012 الذي تضمن تعهداً بعدم مشاركة لبنان في الحرب السورية ويحدد جدول زمني لانسحاب قوات «حزب الله» من سوريا. ورغم أن «حزب الله» و «قوى 8 آذار» قد قبلا بالفعل بمبادئ "اتفاق الطائف" و "إعلان بعبدا"- وإن لم ينفذاها - إلا أن سحب المقاتلين من سوريا هو خط أحمر لن يتجاوزه «حزب الله» بسهولة. وعلى أي حال، ووفقاً لما صرح به نائب برلماني لم يذكر اسمه ينتمي إلى «قوى 8 آذار» لصحيفة "الأخبار" اللبنانية اليومية في 14 كانون الثاني/يناير، فإن "البيان" هو من اختصاص رئيس البرلمان الشيعي نبيل بري ولا يمكن مناقشته "إلا بعد صدور القرار بتشكيل الحكومة".
الاحتمالات
إن الهجوم الذي وقع في الضاحية في 21 كانون الثاني/يناير والتفجير الانتحاري في 16 كانون الثاني/يناير ضد عملاء «حزب الله» في الهرمل، والقصف السوري الذي أودى بحياة العديد من سكان القرى السنيين في بلدة عرسال الحدودية في 17 كانون الثاني/يناير كلها أمور فاقمت من مخاوف حدوث مزيد من التدهور في الوضع الأمني في لبنان. وفي وسط هذا الارتفاع في وتيرة العنف، قد يحاول الحريري إقناع شركائه في «التحالف» بتقديم تنازلات والانضمام إلى حكومة تضم «حزب الله»، مثلما فعل في 2009. وبدلاً من ذلك، قد يحاول استغلال الانتخابات الرئاسية الوشيكة من خلال إقناع زعيم "التيار الوطني الحر" ميشيل عون، شريك «حزب الله» المسيحي في التحالف، بالترشح للرئاسة. ويجدر بالذكر أن عون، البالغ من العمر ثمانين عاماً، يطمح منذ فترة طويلة للفوز بالرئاسة وقد يستجيب لتلك الاقتراحات حتى لو كانت نوايا الحريري تقوم على استمالته وتقويض «حزب الله».
وبغض النظر عن الاتفاقات التي تُبرم وراء الأبواب المغلقة، فإنه حتى حكومة وحدة وطنية قد لا تكون قادرة على عكس مسار الانحدار للهاوية الذي تسير فيه لبنان. وعلى الرغم من أن الحريري وجعجع قد يكون لهما من النفوذ ما يمكنهما من السيطرة على دوائرهما، إلا أن الجهاديين السنة لا يظهرون أي ولاء تجاه «تحالف 14 آذار» ويبدو أنهم عازمين على الانتقام من أعدائهم الشيعة في لبنان، الذين ساعدوا وحرضوا على قتل عشرات الآلاف من السنة في سوريا. وفي الوقت ذاته، لم يظهر «حزب الله» الكثير من ضبط النفس عندما تعلق الأمر بالانتقام من أبناء وطنه السنة.
في نيسان/أبريل، حذَّر الأسد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن «المحكمة الخاصة بلبنان» "يمكن أن تُطلق العنان لصراع يتحول إلى حرب أهلية ويثير انقسامات بين السنة والشيعة من منطقة البحر الأبيض المتوسط وحتى بحر قزوين". ورغم أن المحكمة لم تؤدي إلى إثارة عدوى العنف من الحرب في سوريا التي طال أمدها، إلا أن المحاكمة الحالية من المرجح أن تفاقم الصراع الطائفي الخطير والمتزايد في لبنان. إن تحقيق العدالة والمساءلة في جريمة اغتيال رفيق الحريري أمر ضروري وحتمي وتأخر طويلاً. لكنه للأسف سوف يأتي أيضاً بثمن باهظ.
 

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 161,776,178

عدد الزوار: 7,213,529

المتواجدون الآن: 97