هل مات «اليسار الصهيوني»؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 كانون الثاني 2016 - 6:07 ص    عدد الزيارات 335    التعليقات 0

        

 

هل مات «اليسار الصهيوني»؟
إياد مسعود
هذا هو السؤال الذي تطرحه بإلحاح الدوائر السياسية في تل أبيب، والذي تعكسه بوضوح الصحافة العبرية، وهي تحاول أن تتلمس دوراً مفقوداً للتيار السياسي المسمى بلغة الإسرائيليين «اليسار الصهيوني»، خاصة في ظل تزايد الانزياح نحو اليمين واليمين المتطرف. ولا يفوت هذه الصحافة أن تلاحظ أن البلاد باتت محكومة في القبضة السياسية لعدد من شخصيات اليمين على اختلاف ألوانه، من بنيامين نتنياهو، إلى يعلون، إلى بينت، إلى درعي، إلى ليبرمان، إلى شالوم وباقي أقطاب الحكومة. حتى صفوف المعارضة، كما يلاحظ خلت من الدور الفاعل لأحزاب «اليسار الصهيوني»، وبشكل خاص، حزب العمل وحركة ميريتس، وباتت مفتوحة على مصراعيها للأحزاب العربية، يقابلها من موقع النقيض ليبرمان وآخرون، ممن ينتمون إلى اليمين. كما لا يفوت هذه الصحافة أن تلاحظ أن العمل (وميرتس) فشل، منذ العام 1996 في الوصول إلى رئاسة الحكومة بالانتخابات التشريعية، سوى لفترة قصيرة تولاها إيهود باراك، ثم باتت حكراً على الليكود، أو كاديما. كذلك فشل حزب العمل في تقديم شخصيات ذات جاذبية شعبية، بعد أن غادر المسرح اسحق رابين (اغتيالاً) وشمعون بيريس (بلحاقه بحزب كاديما تحت مظلة شارون). وفشلت كل الشخصيات التي تولت قيادة العمل من بيرتس، إلى بورغ، إلى بحيموفتش، إلى هرتسوغ في تقديم شخصية كاريزمية، تعيد لليسار الصهيوني ألقه السياسي الذي احتكره منذ قيام دولة إسرائيل حتى العام 1977، حين خسر الحكومة لصالح مناحيم بيغن. ولولا الفترة «الذهبية» التي نجح فيها رابين في إعادة الألق لحزبه، وقدم نفسه في منعطف تاريخي حاسم، تمثل بتوقيع اتفاق أوسلو، لقلنا إن العام 1977 شكل بداية النهاية لحزب العمل.

هنا لا يفوتنا أن نربط بين المسار الذي تأخذه الخارطة الحزبية في إسرائيل، وبين تطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبالتالي لا نستطيع أن نفصل بين «الدور التاريخي» الذي لعبه رابين في الحياة السياسية لإسرائيل وبين دوره في دفع المفاوضات مع الفلسطينيين ومع السوريين للوصول إلى حل ما للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

وأياً كان موقفنا، من اتفاق أوسلو، فإن رضوخ رابين للتفاوض مع م.ت.ف، شكل خطوة تاريخية لا يمكن التقليل من أهميتها في الحسابات الإسرائيلية، وبخاصة بعد أن كانت المنظمة عنوان الإرهاب العالمي، في حسابات تل أبيب، ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة أحدثت هزة داخل إسرائيل، أفقدت الكثير من الأحزاب، خصوصاً الليكود توازناتها. من أثار هذه الهزة وتداعياتها، اغتيال رابين نفسه على يد أحد المتطرفين اليهود.

كذلك لا يمكن التقليل إطلاقاً من أهمية ما وصف في الخطاب الأميركي بـ «وديعة رابين» التي كشف عنها الرئيس الأميركي كلينتون، لشمعون بيريس، بعد اغتيال رابين ، والذي عجز، كما أكدت الوقائع، عن «تثمير» هذه الوديعة، رغم كل ما قيل آنذاك أن بيريس هو الذي كان يدفع برابين للتقدم خطوات إلى الأمام، في مسيرة الحلول السلمية مع الأطراف العربية، خاصة الفلسطينيين وسوريا.

ويمكن لنا أن نقرأ ثلاث محطات لعبت دوراً مهماً في حالة الانحطاط التي أصابت حزب العمل وانعكست تالياً على عموم التيار «اليساري» في الحركة الصهيونية.

المحطة الأولى: حين غلّب بيريس مصالحه الحزبية على ضرورات الحل مع الفلسطينيين، فعطل في العام 1996 اطلاق مفاوضات الحل الدائم (كما تفترض رزمانة اتفاق أوسلو)، بعد أن وضع هذه العملية في تعارض مع المعركة الانتخابية التي أدت في حزيران من ذلك العام إلى خسارته رئاسة الحكومة لصالح خصمه اليميني نتنياهو.

منذ أن تحولت العملية التفاوضية، في حسابات العمل، إلى قضية تكتيكية، ولم تعد قضية استراتيجية، أي منذ أن بدأ حزب العمل يتراجع عن استعداده للوصول إلى حل دائم مع الفلسطينيين، تحت وطأة عملية اغتيال رابين، واتهام الحزب بالتخلي عن «أرض إسرائيل»، بدأ الحزب يتراجع، لأنه وقف في موقع الوسط الحائر، لا هو مع الحل، ولا هو ضده، يحاول أن يمسك العصا من الوسط، دون جدوى.

المحطة الثانية: هي فشل الحزب برئاسة إيهود باراك في الوصول إلى «حل» مع الفلسطينيين في كامب ديفيد (تموز 2000). هذا الفشل أثبت للإسرائيليين إن إمكانية الوصول إلى «الحل الوسط» مع الفلسطينيين، وفقاً لمعايير كلينتون، أمر مستحيل. وأن «مغامرة» باراك السياسية أكدت فشله في قراءة الحالة قراءة سليمة. وهو الأمر الذي انعكس على شعبية الحزب، وانتج بالتالي المحطة الثالثة.

المحطة الثالثة: حين انهزم باراك أمام شارون، عام 2001، وأعلن هذا مشروعه للحل على مراحل، وانسحب من حزب الليكود ليشكل حزباً لليمين الوسط، هو كاديما، استطاع أن يستقطب إليه أركان حزب العمل أنفسهم، وعلى رأسهم شمعون بيريس الذي آمن بحلول شارون: الحل على مراحل، لا يتم الانتقال إلى المرحلة الجديدة قبل التيقن من نجاح المرحلة السابقة وبما يخدم المصالح الإسرائيلية.

عندها وقف حزب العمل يتيماً يبحث لنفسه عن قيادة بديلة لقيادته التاريخية. ويبدو أنه مازال حتى الآن يعيش أزمة هذا البحث المضني. ولعل واحدة من علامات الأزمة التي مازالت تتحكم بحزب العمل هي فشله في تقديم «حل بديل» لما يقدمه اليمين الإسرائيلي.

وما قدمه أخيراً حابيم هرتسوغ في مشروعه الأخير، يؤكد حجم الإفلاس السياسي الذي يعانيه الحزب. فقد دعا هرتسوغ إلى تبني نسخة أخرى من حل يجمع بين مشروع شارون «الانكفاء من جانب واحد خلف جدار الفصل من دون اتفاق مسبق مع الفلسطينيين، بسبب من استحالة الوصول إلى هذا الاتفاق»، وبين مشروع نتنياهو للحل الاقتصادي أي «تخفيف الإجراءات الأمنية ضد الفلسطينيين، وتعزيز إجراءات تسهيل الحياة الاقتصادية، بما يولد في صفوف الفلسطينيين حالة من الرخاء، تقلل من أرقام البطالة، وترفع من مستوى المعيشة، وتبعدهم عن التأثر بخطابات التحريض ضد إسرائيل». مشروع هرتسوغ يؤكد مرة أخرى افتقار العمل، ممثلاً لليسار الصهيوني، إلى رؤية خاصة به، تعيده إلى الحلبة السياسية كطرف مؤهل لاستقطاب الشارع الإسرائيلي. وإلى أن تحين تلك اللحظة، سيبقى نتنياهو، كما يبدو، هو الزعيم الأقوى في صفوف اليمين واليمين المتطرف، والزعيم الأقوى في الحالة الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن أعيد انتخابه على رأس الليكود، بالتزكية، لعدم وجود منافس له، حتى داخل الليكود نفسه.
 

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 161,804,472

عدد الزوار: 7,214,820

المتواجدون الآن: 100