أردوغان وجولة النصر في الشرق الأوسط: اعتبارات الداخل التركي

تاريخ الإضافة الجمعة 23 أيلول 2011 - 6:04 ص    عدد الزيارات 555    التعليقات 0

        

أردوغان وجولة النصر في الشرق الأوسط: اعتبارات الداخل التركي
بقلم ستيفن أيه كوك

جولة اردوغان على مصر وتونس وليبيا بثت الحرارة في قلوب ملايين الاتراك القوميين الأباة الذين يستمتعون برؤية رئيس وزرائهم "ملكا للشارع العربي" بحسب تعبيرهم.
استقبلت أربع لوحات إعلانية ضخمة عليها صور لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مواطني القاهرة الذين سلكوا الأوتوستراد هذا الأسبوع. وإلى جانب العلمَين التركي والمصري، حملت اللافتات العبارة الآتية "بأيادٍ موحّدة نحو المستقبل". تشكّل زيارة أردوغان تطوّراً جريئاً في القيادة التركية في المنطقة. وقد عزّز استقبال الأبطال الذي حظي به في المطار النظرة الشعبية: تركيا قوّة إيجابية، وتحتل موقعاً فريداً لتوجيه التحوّل الجاري في الشرق الأوسط.
من نواحٍ عدّة، يبدو أن لتركيا أردوغان الكثير لتقدّمه لمصر (وتونس وليبيا اللتين زارهما لاحقاً خلال الأسبوع). يتمتّع "حزب العدالة والتنمية" الذي يقوده أردوغان، بجاذبيّة شديدة للإسلاميين والعرب الليبراليين على السواء. فهو يُقدِّم للإسلاميين أمثولة حول السبيل إلى تجاوز الحواجز أمام المشاركة السياسية وإعادة صنع مجال عام كان معادياً لهم من قبل. أما بالنسبة إلى الليبراليين، فهو إثبات على أنه حتى الحزب الديني يستطيع تبنّي مبادئ ليبرالية وترويجها. وهكذا يحلّ "حزب العدالة والتنمية" إحدى المشكلات السياسية الأساسية في العالم الإسلامي: غالباً ما يُضطرّ المواطنون إلى الاختيار بين سلطويّة الأنظمة السائدة والثيوقراطية المحتملة للإسلاميين الذين قد يحلّون مكانها.
إذا ظهرت نسخة مصرية أو تونسية أو ليبية عن "حزب العدالة والتنمية"، فقد يتيح ذلك للمواطنين تخطّي النصف الثاني من هذه المعضلة. لا شك في أن "الإخوان المسلمين" في مصر أظهروا حذراً في البداية من "حزب العدالة والتنمية"، فقد اعتبروه ليبرالياً وقومياً أكثر من اللازم. لكنّهم أبدوا مودّة حيال الحزب بعدما دعا أردوغان الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى التنحّي، وذلك قبل وقت طويل من معظم القادة الآخرين. وقد أعلنت بعض الأحزاب المنبثقة عن "الإخوان المسلمين" – مثل حزب "التيار المصري" الذي يتألّف من ناشطين في العقود الثالثة والرابعة من العمر – صراحةً أنها تريد أن تقتدي بنموذج "حزب العدالة والتنمية". ووصف عبد المنعم فتوح، المرشّح الرئاسي الذي كان قيادياً في جماعة "الإخوان المسلمين"، نفسه بأنه "أردوغان المصري".
أبعد من نظرة الحزب الحاكم إلى الشؤون العالمية والتي تتمتّع بجاذبية شديدة، تستطيع تركيا أن تساعد الشرق الأوسط الجديد على مستوى أكثر عملانية. واشنطن مفلسة، وأفكارها مشتَّتة بالحملة الرئاسية المقبلة، وترزح تحت وطأة الأزمات الراهنة والمحتملة. وأوروبا مثقلة بالديون مثل الولايات المتحدة، وتعجز عن التأثير في الأحداث في المنطقة منذ تخلّت باريس ولندن عن مستعمراتهما ومحميّاتهما هناك في ستّينات القرن العشرين ومطلع السبعينات.
لكن بإمكان تركيا، مع نموّها الاقتصادي السريع وروح المبادرة التي تتمتّع بها، أن توفّر للمصريين والتونسيين والليبيين ما يريدونه ويحتاجون إليه أكثر من أي شيء آخر، ألا وهو الاستثمار. قدّمت دول الخليج الفارسي المليارات لمصر، لكن مبلغاً ضئيلاً جداً وصل إلى وزارة المال. فضلاً عن ذلك، يبدي المصريون حذراً من "المشروطية الناعمة" للمساعدات السعودية والقطرية والإماراتية. أما الأتراك فيُفترَض بهم أنهم يستثمرون لأجل الربح فقط.
لكن صحيح أيضاً أن أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" لا يمكن أن يكونا بالجودة التي يبدوان عليها، ولا سيما في منطقة مثل الشرق الأوسط. فعلى الرغم من تألّق رئيس الوزراء التركي كسياسي، حجبت أسطورته أحياناً أخطاء سياسية واستراتيجية.
يُخفي تفوّق أردوغان عثرات خطيرة في لحظات حاسمة خلال الانتفاضات العربية. لا شك في أنه أحسن التعاطي مع مصر، لكنه تعثّر بشدّة في ليبيا، فأبدى في البداية معارضة قويّة للحملة التي قادها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحماية المدنيين من همجيّة معمر القذافي.
إنه القذافي نفسه الذي منح الشركات التركية عقوداً بقيمة 23 مليار دولار في الإنشاءات ومشاريع أخرى، وسلّم رئيس الوزراء التركي جائزة تكريماً لمساهمته في حقوق الإنسان. يفرض المنطق السليم أن تكون الجائزة الآن في مكب للنفايات في ضواحي أنقرة، بيد أن المصالح الاقتصادية التركية تفسّر، جزئياً على الأقل، المماطلة التي أظهرتها أنقرة في البداية في التعبير عن موقفها من التمرّد الليبي.
وبدا أيضاً أن أنقرة تتمسّك بمصالحها السياسية والديبلوماسية والاقتصادية في سوريا. مجدداً أساء أردوغان قراءة الأوضاع، واعتقد أن بإمكانه إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالإصلاح. وحتى عندما صعّد أردوغان لهجته عن حمّام الدماء في سوريا في أواخر الصيف، أبقى الباب مفتوحاً دائماً أمام استمرار الأسد في السلطة.
إنه لأمر مؤسف في السياسة الشرق الأوسطية أنه لا أحد في العالم العربي سيمارس ضغوطاً علنية على أنقرة بشأن تناقضاتها. فالخلاف التركي العلني والبغيض إلى حد ما مع إسرائيل وموقفها الثابت حول الاعتراف بدولة فلسطينية يمنحانها حصانة. تظاهر عدد قليل من الشجعان ضد أردوغان عندما تحدّث أمام الجامعة العربية في 13 أيلول الجاري، لكن هذا الاحتجاج يبدو باهتاً جداً أمام استقبال النجوم الذي حظي به في المحطّات الباقية من الرحلة.
في الواقع، قد يكون الشرق الأوسط مهماً للسياسة الداخلية التركية أكثر من أهمّية تركيا بالنسبة إلى السياسة الداخلية الشرق الأوسطية. في حزيران الماضي، جدّد "حزب العدالة والتنمية" أكثريّته البرلمانية مع 49.95 في المئة من الأصوات – وهو نصره الانتخابي الثالث على التوالي. وقد استنتج بعض المراقبين الغربيين والأتراك أن أردوغان لا يُمَس. لكن لو كان أردوغان آمناً إلى هذه الدرجة، لما كان بحاجة إلى إلقاء كلمة أمام الجامعة العربية لتلميع موقفه السياسي الذي يحظى أصلاً بالشعبية. في الواقع، يعي رئيس الوزراء جيداً التاريخ التعيس للأحزاب الإسلامية السابقة في النظام السياسي العلماني التركي، ولذلك يخوض حملة مستمرّة.
بثّت جولة أردوغان على مصر وتونس وليبيا الحرارة في قلوب ملايين الأتراك القوميين الأباة الذين يستمتعون برؤية رئيس وزرائهم "ملكاً للشارع العربي" بحسب تعبيرهم. أكّدت وضعيّة أنقرة في الشرق الأوسط – وتقبّل العالم العربي الواضح لها – ببساطة ما يردّده أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" على مسامع الأتراك منذ بعض الوقت: تستطيع تركيا مزدهرة ونافذة وديموقراطية أن تؤثّر في العالم من حولها.
يميل المراقبون إلى التقليل من شأن الانعكاس الوثيق الذي تمارسه الضوابط والفرص السياسية الداخلية التي يواجهها القادة على السياسة الخارجية. لم تنطلق زيارة أردوغان إلى الشرق الأوسط فقط من حاجاته السياسية الداخلية والحاجة الملحّة إلى إخفاء الأخطاء التي ارتكبتها أنقرة في البداية في الموضوعَين الليبي والسوري – على الرغم من أن هذه الاعتبارات كانت جزءاً من دوافع الزيارة أيضاً. لكن بما أن رئيس الوزراء التركي بدأ حياته العملية في تنظيم الحفلات في الحي، يعي تماماً ما يريده الشارع التركي. وقد أعطاه إياه في الشرق الأوسط على الأقل. سوف يحصد المكاسب السياسية لبعض الوقت، مما يجعل أردوغان "ملك" الشارع العربي، إنما والأهم "ملك" الشارع التركي.
 


( "مجلس العلاقات الخارجية" الاميركي - ترجمة نسرين ناضر)      

 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,930,990

عدد الزوار: 7,651,279

المتواجدون الآن: 0