العلمانيون والانتصار المرحلي للقوى الاسلامية

تاريخ الإضافة الإثنين 12 كانون الأول 2011 - 5:50 ص    عدد الزيارات 450    التعليقات 0

        

العلمانيون والانتصار المرحلي للقوى الاسلامية

- سلام الكواكبي

خسرت الأحزاب العلمانية واليسارية في أكثر من بلد عربي انتخابات غلب عليها طابع النزاهة بنسب متفاوتة. وعلى الرغم من الفارق الكبير بين النظامين الانتخابيين المصري والتونسي، وكذلك الفارق الأكبر بين مجريات العملية الانتخابية بين البلدين، الا ان النتيجة تبقى متشابهة كما في المغرب. ومن المهم التنبيه، الذي لا يضر التذكير به مراراً وتكراراً، الى الاختلافات البنيوية في الحركات السياسية الإسلامية بين البلدان الثلاثة.

يمكن التونسيين أن يعتبروا أن ما جرى هو انتصار لتيار إسلامي وسطي ينأى بنفسه عن التطرف وعن الأحزاب المتطرفة في حديقته الخلفية كالسلفيين وحزب التحرير. وفي هذا الإطار، فإن زعماء حركة النهضة مطالبون من قواعدهم قبل أن تتم مطالبتهم ممن يعادونهم فكراً، بأن يميّزوا أنفسهم بحق عن هذه التيارات ويبعدوا عن أنفسهم شبهة، تتعزز بمقتضى بعض الأحداث، وجود نوع من توزيع الأدوار والاستفادة السياسوية من خطاب متطرف لكي تُرفع عصا الطاعة أمام من يهاجم سياساتها.
أما الأخوان المصريون، فهم ليسوا في موقع الوسطية التونسي ذاته، أو على الأقل، ليست قياداتهم التقليدية في هذا المكان. وهم قادرون، وربما راغبون، في عقد تحالفات على مستويات معينة مع الأحزاب السلفية المصرية. هذه الأحزاب التي ما فتئت تنأى بنفسها عن العمل السياسي، أو هكذا ادعت، والتي تعتبر بأن الانتخاب هو نوع من ممارسة الديموقراطية، وبالتالي، فهو نوع من المنكر حيث أن الديموقراطية بدعة غربية كافرة بعيدة عن مفهوم الشورى الديني، هذه الأحزاب اذن، انخرطت في العملية الانتخابية بهدف التأثير في مسار متحرك لا قدرة لها على وقفه وإنما هي قادرة فقط على ابطائه أو تعديل اتجاهه.  وفي الحالة المغربية، فقد تمكنت رموز العدالة والتنمية أن تتحالف مع قوى يسارية مغربية يغلب عليها الاعتدال الإيديولوجي، وأن تطرح نفسها كقوة سياسية وطنية متصالحة مع الحداثة وقابلة للعب دور جامع بعيداً عن مختلف أنواع الإقصاء الذي عرفته حق المعرفة طوال سنوات. وهنا أيضاً، يبدو أن التيارات الظلامية بعيدة عن الاستقطاب السياسي للحزب الفائز في الانتخابات لكونه بنى وعياً سياسياً قائما على اللحمة الوطنية دون الحاجة إلى الدعم الدوغمائي من قبل من هم على أقصى يمينه.
من الجهة الليبية، لم تعرف البلاد الخارجة من أتون الحرب التحريرية ضد المستبد بعد العملية الانتخابية، ولا يعتقد المراقب من أي اتجاه أتى بأن النتائج ستكون شديدة الاختلاف عن جاراتها.
وبالتالي، يجب التوقف عن رفع الحواجب اندهاشاً في كل مرة نسمع خلالها بأن الإسلام السياسي قد احتل المشهد في صفوفه الأولى. فالغربيون، وعلى الرغم من عبورهم لنفق طويل امتد لسنوات من عدم الرغبة في فهم المصائر التي آلت إليها المجتمعات العربية تحت الديكتاتوريات على مختلف أشكالها، استطاعوا أن يبدأوا في دخول مرحلة فهم الديناميكية الجديدة في المنطقة وأن يقبلوا، ولو على مضض، صعود التيارات الإسلامية غير المتطرفة إلى سدة الحكم في عديد من الدول العربية. أما بعض العلمانيين العرب، فهم يقاومون مجرد الفكرة وينأون بنفسهم عن النظر في الواقع وفي ما جرى حقيقة. ولا يريدون في أي حال من الأحوال أن ينظروا إلى ما "اقترفته" كتاباتهم ومواقفهم (أو لا مواقفهم) طوال عقود في وجه الديكتاتور وزبانيته. ولهذا، أسباب عدة لا يمكن إدراجها في عجالة، ولكنها تستند أساساً على عوامل عدة بعضها:
- الدور السلبي الذي لعبته بعض النخب العلمانية في دعم ديكتاتوريات دموية في محاولة فاشلة لترشيد مسارها من جهة ولمنع الإسلام السياسي من البروز من جهة أخرى.
– الهجوم المستمر على القوى الدينية عن حق أحياناً من خلال ممارسة الدور النقدي للمثقف العضوي والذي يجب أن لا يساوم في أي من مبادئ المنطق والعقلانية والديموقراطية والمواطنة، وعن غير حق من جهة أخرى بالاستناد إلى محاكم نيات ورفض عضوي للفكر السياسي الديني أو الديني السياسي، مما أدى إلى تدعيم لغة الضحية لدى هذه التيارات وحيازتها على شعبية، أو شعبوية، أوسع.
– الذهاب بعيداً في تطوير خطاب العقلانية الواعي والعلماني باللجوء إلى المفاهيم المعقدة والنخبوية والابتعاد تماماً عن المطالب الحقيقية للعامة والتي وجدت نفسها مهمشة في هذا الجو العالي المستوى والذي أقصاها تماماً عن همومه واهتماماته.
– عدم وجود برامج سياسية واضحة لقوى العلمانية، عدا الأحزاب الشمولية التي استغلت مفهوم العلمانية لتمارس ظلامية سياسية وإيديولوجية أشد وطأة من سلفيي التيارات الإسلامية بالاستناد إلى دين جديد مرتبط بالزعيم أو بالحزب القائد.
– الاستمرار في رفض الحوار مع الآخر أو في الابتعاد عن البحث المشترك عن القواسم المشتركة معه. وفي هذا، يتقاسم الطرفان المسؤولية بنسب متفاوتة.
وبعد الانتصار الجزئي والمرحلي للقوى الإسلامية، تخطئ القوى العلمانية في الانخراط في سياسة النعامة أو لوم الآخر. إنها أولاً وأخيراً الملومة على خسارتها السياسية النسبية. وعليها أن تراجع سياساتها وممارساتها، وأن تبدأ بالبحث عن العيوب في ما اقترفته وأن تعزز نقاط قوتها من خلال مختلف الأنشطة المتاحة في ظل الديموقراطيات النسبية الوليدة.
المرحلة المقبلة صعبة على الجميع وتحتاج لجهود الجميع في إخراج مجتمعاتهم، ليس فقط من ظلامية بعض الفكر الديني ولكن من ظلامية كل فكر الاستبداد الذي دام طويلاً. 


(أستاذ جامعي - باريس)      

 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,968,946

عدد الزوار: 7,652,459

المتواجدون الآن: 0