الخوف على الأكثريات

تاريخ الإضافة الأحد 18 كانون الأول 2011 - 7:03 ص    عدد الزيارات 485    التعليقات 0

        

 

الخوف على الأكثريات
داليا نعمة
 "اسقاط السلاح".. "سحب السلاح".. مدن خالية من السلاح".. التفاوض من اجل السلاح".. مضمون واحد لصيغ مختلفة يشكل عنوان المرحلة التي يعتبرها كثر بداية براقة وجاذبة لنضال متجدد واستكمال لثورة فيها من الثورات كل مظاهرها لولا أن المصالح اجهضتها باكرا ولم يتبق منها سوى الإسم والذكرى اللتان استمرتا ايضا في بنك المصالح ليصار إلى الإستفادة من فوائدها واسثمارها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
ما غاب عن بال صانعي هذا الشعار ان النضال الحقيقي ليس ضد السلاح او لم يعد ضده فقط فما يحميه هذا السلاح هو القضية وهو الموضوع. ولهذا السبب بالذات يركن حملة السلاح إلى الهدوء والطمأنينة فهم يعرفون اكثر من غيرهم أن السلاح هو الواجهة وهو بات بدوره مجرد شعار لديهم يرفعونه في الخطابات والمناسبات ويلوّحون به عند الحاجة ايضاً ولكن دوره الحقيقي لم يأتِ بعد وهو وإن يكن أحد عناصر المعضلة ولكنه بالتأكيد ليس جوهرها.
القضية أيضاً ليست انخراط هذا السلاح "فقط" في حرب أهلية حذر منها سياسي مخضرم قبل أسابيع وليست في الخشية من هكذا صراع بل من نوع هذا الصراع وحجمه وتعريفه ففي لبنان لم يعد هناك شعب واحد في دولة واحدة ليقتتل ضد بعضه بل هناك دولتان كاملتان ذات حدود حدود متداخلة ومعروفة لكل منها اركانها وساستها ودستورها وقانونها وبنيتها الإجتماعية والعسكرية والامنية.
"حزب الله" لا يخشى على سلاح دولته من احد لأنّه بالنسبة له بات عنواناً في خطاب و "بعبع" يخيف به من ذاق مرارته ومن شاهد مفاعيله ومن لمحه ومن سمع عنه وهو لا ليس بحاجة لأن يستخدمه تحت عنوان "السلاح لحماية السلاح".. لماذا كل هذه الثقة؟ لان دولة حزب الله القائمة ذات السيادة بجيشها وشعبها ومقاومتها هو التي تتصدّى أولاً لكل من تمتد يده لتجريده من حمايته.
لقد بنى "حزب الله" على مدى كل يوم منذ العام 1985 في دولة الجنوب وضواحيها مجتمعاً متكاملاً بمؤسساتها الإجتماعية والصحية والخدماتية والمالية والأمنية وبات له أعياده الخاصة ودين دولة رسمي وعقائد عامة وعلم ونشيد وطني.
لا يعيش الشباب – وهو وقود كل ثورة وكل حرب- في دولة حزب الله القلق من البطالة والشعور بالإحباط الناتج عن ضيق الحال الإجتماعي (وهو المحرك الأساسي لأي تمرد او ثورة او إنقلاب) مهما كان مستواهم العلمي والإجتماعي فلكل دوره ومهمته ويكفي فقط ان ينخرط في حزب الله ويلتزم به وبسولوكياته حتى تحل معظم مشاكلة الإقتصادية وإذا لم تكفل له مؤهلاته مكاناً في مؤسسات دولة الحزب الإقتصادية والمالية المتنامية المختلفة يمكنه دائما أداء الواجب الديني والوطني عليه والتطوع في جيشها حتى يكفل له ولأسرته حياة مريحة. هل تستطيع الدولة اللبنانية أن تنافس "حزب الله" وتقدّم لشعبه ما يقدمه هو له لتتزع اول أصبع من اليد القابضة على السلاح؟
واستطراداً.. هل تستطيع الدولة اللبنانية ان تصرف الرواتب لرعاعها كي يحتلوا الزوايا ويراقبوا باقي أفراد الشعب بينما ينفثون دخان نراجيلهم أو سجائرهم؟
لقد تمكن "حزب الله" شيئا فشيئا ان يقدم الحلول الإقتصادية والمالية لكل طبقة ولكل فئة في دولته وهذا أساس الدولة الناجحة واستغل كل فرد فيها بحسب مقدراته فمن هو اهل لعلم أتاح له ذلك في افضل المدارس- التي بناها هو- وأفضل الجامعات وقدّم لهم وظائف بعد التخرج في مؤسساته داخل لبنان او في مؤسسات مغتربيه في الخارج، كما قدّم لمن هو غير أهل لعلم دوراً في مكان ما من منظومته الامنية والعسكرية لا يعود معه نكرة بل بطلاً يخدم المقاومة ضد اعدائها واعداء الوطن والعقيدة، فهل الدولة اللبنانية قادرة أن تحوّل رعاعها و"زعرانها" إلى أبطال وتزرع فيهم الشعور بالفخر حتى وهم يمارسون "زعرناتهم" لأنهم يقومون بواجبهم في حماية دولتهم، كما فعل "حزب الله"؟
حتى السارقين والفاسدين والعملاء والمستنفعين استفاد منهم "حزب الله" فوزّعهم ضمن شبكته على خصومه واستخدمهم لبناء علاقات واعمال وتجارة وضمن شبكة الفساد المتداخلة فأجبر الآخرين على حماية هذه الشبكات كي لا يؤذوا مصالحهم واستثماراتهم ويُكشف زيفهم والقشرة الرقيقة من المبادئ التي يتحلون بها.
هذه احدى اوجه دولة حزب الله وفيها الكير الكثير من الالاوجه والخيوط والتفاصيل الشيطانية التي تربط افرادها ببعهم بعضا وبدولتهم وتجعل هذه الدولة متماسكة ومتشعبة ومتمددة في كل مكان وبين كل الفئات وعند كل صالح مصلحة وما اكثرهم في بلد يوصف بان شعبه يجد نفعاً في كل مصيبة وصاحب "مبادرات فردية" قلة هي الشعب التي تضاهيه في استغلالها.
على المقلب الآخر، وفي القسم الموازي تماماً لدولة "حزب الله" هناك دولة فتية قضت على براعمها الوصاية وأهلكت أو هجّرت كل عقل أو قلم حاول ايقاظها وبناء دولة قوية مقابلة وآخر وتوّجت هذه المحاولات بالضربة القاصمة عام 2005 مع اغتيال من حاول أن يؤسس بالأسلوب عينه عند الأكثرية الوحيدة القادرة – عددياً على الأقل على المواجهة - دولة موازية في بيئة يوازي حرمانها الحرمان الذي كان سائداً في الجنوب مع بدء تجذر "حزب الله" فيه. اغتيل مؤسس هذه الدولة عندما بدأ برمي أساساتها واقامة بناها التحتية وربطها ببعضها مع محاولة إرضاء أركان الدولة المقابلة بالتنازلات كي يتعاموا عن دولته ولكن في النهاية ما كان لهذا البناء ان يستكمل ويؤتي اولى ثماره في انتخابات عام 2005 فجاء الإتيال ليقضي على العقل المخطط والمدبر والمؤسس للدولة التي كانت ستشكل توازن رعب مع دولة "حزب الله" في مرحلة لاحقة وترك مهمة هدم الأساسات والبنيان لفئران وديدان الفساد وأصحاب المصالح والمنافع الذين- مع شراهتهم- لم يتمكنوا في خلال الفترة الزمنية القصيرة منذ عام 2005 وحتى اليوم من اعدام هذه الدولة والقضاء على ما يربط شعبها بمبادئ زعيمها المؤسس نهائياً لا بل زرعوا في شعبها لعنة الثأر لجرائم واعتداءات كثيرة كثيرة حتى بات يتحيّن الفرصة لرد الإعتداء، وهو إن كان اليوم يتوق لإظهار قوته المكبوتة وحجمه عبر الإستجابة لمهرجانات وتجمعات خاوية فلن يكتفي بهذا الامر طويلاً.
إذا الصراع المقبل على لبنان لا محالة ليس أهلياً بل بين دولتين واكثريتين وهو ليس فتنة بين طائفتين بل يتخطى هذا الامر بكثير. كما أن الخوف ليس على الأقليات التي تسعى إلى مكتسبات ودور لنفسها عبر ابرام تحالفات وتفاهمات مع احدى الدولتين حتى تتبين أياً منهما ستزيل الاخرى او تخضعها، فهذه الأقليات تتبع منذ الحرب الاهلية سياسة النأي بالنفس وهي على كل حال ستكون دائما تحت الحماية لانها واجهة وعنوان يجب الحفاظ عليه لرفعه عند الحاجة.
اليوم تخشى على الاكثريات وعلى شعبي الدولتين اللذين سيصارعان بعضهما حتى يسود احدهما والصراع سيكون دموياً وشرساً بقدر إرادة كل واحد على الحفاظ على مكتسباته وزيادتها عندما تنتصر دولته.
الخشية اليوم على الأكثريات التي تنتمي - إسميا على الأقل- إلى وطن واحد ولكن لا يمكن لأي منها أن تطرد الاخرى إلى خارج الحدود بحجة الإحتلال والعمالة والخيانة والعمل للتوطين بل عليها ان تقهر الاخرى وتمحو إحدى الدولتين نهائيا اسس الدولة الاخرى حتى ترسّخ وجودها. هذا هو عنوان المرحلة المقبلة وللأسف يبدو انّ هذا النموذج لا يقتصر على لبنان فحسب بل على كل دولة وليدة بدات فيها الثورات ولمّا تنتهي بعد.
 
 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,960,490

عدد الزوار: 7,652,225

المتواجدون الآن: 0