«قاعديون» سلفيو العقيدة.. وسلفيون أخطر من «القاعدة»

تاريخ الإضافة الأحد 4 آذار 2012 - 6:51 ص    عدد الزيارات 949    التعليقات 0

        

 

التهميش وضيق الأنظمة والوهابية والتمويل أنتجت «وصفة جهادية سحرية»  .
«قاعديون» سلفيو العقيدة.. وسلفيون أخطر من «القاعدة»
غسان ريفي
يتفق السلفيون عقائدياً لجهة العودة إلى أصول الدين من دون «فلسفات بشرية» على طريقة «شيخ الإسلام» ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكن هذا «الاجتماع» العقيدي يُخضع للنقاش مسائل اجتهادية جوهرية حول عناوين عدة منها ما هو قديم، ومنها ما هو مستجدّ بحكم الواقع السياسي لكل حالة سلفية، ومن أبرزها قضايا التكفير والجهاد والتعاطي مع الحكام، ومؤخراً ممارسة العمل السياسي وهي «الفضيلة» التي ينسبها لأنفسهم جماعة ما يسمى «السلفية المتقدمة».
لكن هذا التوافق «المرجعي» للسلفيين، ينقسم في النظرة إلى أمور عدة بينها موضوع تنظيم «القاعدة» ونشأته وعلاقته بالحالة السلفية، وتبعاً لهذا الانقسام في هذه الرؤية يمكن النظر إلى الحالة السلفية في لبنان وارتباطها وعلاقتها مع «القاعدة» باعتبارها تنظيماً مرجعياً أو حليفاً أو خصماً.
في وجهة النظر الأولى، يجد أكثرية السلفيين أن «القاعدة» هي صنيعة حركة «الأخوان المسلمين» التي اضطهد أعضاؤها في البلدان العربية، لا سيما في مصر وسوريا والأردن وفلسطين، وقد أدى القهر والظلم والكبت والتعذيب الذي تعرّضوا له في السجون الى ولادة هذا الفكر المتطرّف لديهم ضد الأنظمة، فهاجر كثير منهم الى السعودية واحتضنتهم هناك الحركة الوهابية، وحصل نوع من «التلاقح» خرجت بموجبه «خلطة سحرية» أطلق عليها اسم «تنظيم القاعدة»، ثم انتقل هذا الفكر الى أفغانستان، بقرار سياسي فرضته الحاجة آنذاك («مواجهة المحتلين السوفيات»)، حيث ازداد التنظيم حقداً على الأنظمة واجتهاداً في محاربة كل من يخالفه الرأي والمنهج، ووجد البيئة الحاضنة له، فانتشر وانضمت إليه عناصر جهادية من جنسيات مختلفة.
ويستند أصحاب وجهة النظر هذه، الى كلام منسوب الى زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن يقول فيه: «إن شيخه هو المجاهد عبد الله عزام الذي غادر مصر هرباً من التنكيل الذي حلّ بالاخوان المسلمين». ويعتبر هؤلاء أن السلفيين الحقيقيين لا يحملون الفكر التكفيري، وهم على نقيض كامل مع أفكار ونهج ومبادئ «القاعدة» التي وبحسب رأيهم تشوه صورة السلفيين الذين «لا يرضون بالقتل والتدمير إلا إذا كان جهاداً دفاعاً عن الأرض أو العرض».
كما يؤكد هؤلاء على وجود مجموعات سلفية تكفيرية في لبنان تلتقي مع «القاعدة» بالفكر والمنهج، لكنها ليست قادرة على أن تتصل بها ومعها تنظيمياً لأسباب عدة، أبرزها التعقيدات الأمنية لدى «القاعدة» والرقابة الامنية المفروضة على هذه المجموعات، والدليل على ذلك هو أن عدداً من الأشخاص يحاكمون اليوم لدى القضاء اللبناني بتهمة الفكر الجهادي الذي تحمله «القاعدة»، لا بل يحاكم بعضهم بتهمة الانتماء الى «القاعدة» نفسها.
أما وجهة النظر الثانية، فتعتبر أن مدرسة «تنظيم القاعدة» أسسها أحفاد وطلاب أحفاد محمد بن عبد الوهاب الذين خرجوا مضطهدين من جزيرة العرب في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، وتؤكد بالتالي ان هذا التنظيم هو سلفي العقيدة والمنهج، وصاحب دعوة وسلوك سلفي، لا يساوم ولا يهادن ولا يداهن، ولا يبدّد الأحكام لإرضاء الحكام أو لإرضاء العوام، لذلك فإن كل «قاعدي» هو «سلفي العقيدة لكن ليس كل سلفي هو بالضرورة «قاعدي» التنظيم»، لأن هناك تيارات سلفية تعادي تنظيم «القاعدة»، وتحاربه، وهي تابعة لبعض الأنظمة الخليجية، ومنها السعودية، التي تواجه بشراسة السلفية الجهادية.
ويشير أصحاب وجهة النظر هذه، إلى أن السلفية الجهادية لا توالي الأنظمة، وهي تعطي ولاءها لـ«القاعدة» التي أحيت الفكر السلفي على المستوى العملي، وليس على المستوى النظري أو العلمي أو التربوي، وأن كوادرها وعناصرها عندما انتقلوا الى أفغانسـتان تحالفوا مع «طالبان» الذين يحملون العقيدة السلفية الجهادية، وتمّ في حينها تأسيس مجموعة «الأفغان العرب»، ومن ثم تشكيل الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين التي جمعت كل من ينتمي الى هذا الفكر، واستمرت في الجهاد حتى العام 1998، حيث عقد مؤتمر عام بعد استشهاد عبد الله عزام، أعلن في ختامه عن تشكيل «تنظيم القاعدة» تحت إمرة أسامة بن لادن الذي عمل على بنائه عقائدياً وفكرياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وعلى تجهيز رجاله وتوسيع رقعة عملياته، واستمر حتى مقتله في العام 2011 ليتسلم المسؤولية من بعده أيمن الظواهري.
ويؤكد هؤلاء أن «تنظيم القاعدة» غير موجود في لبنان، بوصفه بنية مستقلة قائمة بذاتها، لأنه لا يصلح أن يكون ممراً (ساحة نصرة) أو مقراً (ساحة جهاد)، ويكشف هؤلاء ان مجموعة من خبراء «القاعدة» حضروا الى لبنان غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأجروا دراسة حول الوضع اللبناني من النهر الكبير شمالاً الى الناقورة جنوباً، وخلصوا الى «أن لبنان لا توجد فيه بيئة حاضنة لعناصر «القاعدة»، وأن الخرق ممكن في حالة واحدة، عندما يعود السنة الى دينهم والى السلفية الحقة، خصوصاً أن معظمهم اليوم يسير في ركب تيار علماني (...) يدّعي الدفاع عن السنة ويوالي النظام السعودي»!
وبحسب هؤلاء أيضاً، فإن لـ«تنظيم القاعدة» استراتيجية واضحة، وهي أنه لا يقاتل في بلد أهله لا يقاتلون، وهو بالتالي يفتش دائماً عن البيئة الحاضنة في البلاد التي أصيب أهلها بترويع أو بظلم أو احتلال، فيعمل على توعية المواطنين الى واجبهم الجهادي الشرعي، ويعلن الإمارة الاسلامية وينطلق بجهاده متحصناً بالبيئة الحاضنة، وهذا ما لم يجده في لبنان.
سلفيون يقاربون سلفيتهم
ويقول أحد الباحثين الاسلاميين إن الحالة السلفية «ليست عبارة عن حزب أو تنظيم، بل هي مذاهب ومدارس فقهية، وليس بالضرورة أن يكون الانسان منتمياً الى جمعية أو حركة سلفية لكي يكون سلفياً، بل إن السلفيين غير المنتمين الى مثل هذه الجمعيات هم الأكثرية الساحقة بين السلفيين».
من هنا يمكن القول إن غياب قيادة موحدة للحالة السلفية تجعلها مشتتة وضعيفة الفاعلية، لكنها في الوقت نفسه تنتج وما تزال مجموعات شبابية تلتحق بكثير من الهيئات والحركات الاسلامية لاسباب عدة، سواء مالية أم سياسية أم مذهبية، لا سيما في ظل النفخ الدائم الحاصل اليوم في بوق الفتنة السنية ـ الشيعية التي أنعشت في السنوات الأخيرة الأصوليات على اختلافها، وفي مقدمتها المجموعات التي تتناغم مع الفكر الجهادي القاعدي، وهو الأمر الذي حاولت بعض التيارات السياسية اللبنانية لا سيما تلك العاملة على الساحة السنية الاستفادة منه في صراعها مع خصومها السياسيين واستخدامه ورقة على طاولة المفاوضات على قاعدة: «إما التعامل معنا فلكوننا نمثل الإعتدال السني، أو عليكم التعاطي مع المتطرفين والأصوليين من السلفيين»، الذين في الوقت نفسه كانوا يتلقون الدعم المالي من تلك التيارات ليبقوا على قيد الحياة وينفذوا المهام المطلوبة منهم في هذا المجال.
الشهال
ويرى رئيس «معهد الدعوة والارشاد» الدكتور حسن الشهال «أن السلفية تقدّم الاسلام ببساطته الأولى، لأنه كلما اقترب الناس من الإسلام الفطري قبلوه وتقبلوه لكونه يلائم فطرتهم في كل زمان ومكان، وهذا ما يجعل السلفية تتوسّع في المساجد والمناطق والأحياء الشعبية».
ويجزم الشهال «أن تنظيم «القاعدة» ليس وهابي النشأة، بل هو مصري المصدر، لأنه تأثر بالفكر الذي جاء فيه أيمن الظواهري من مصر وكان نتيجة لحالة الكبت والقهر التي سادت في مصر أيام الحقبة الناصرية»، لافتاً الانتباه الى أنه «إذا كانت «القاعدة» تحمل الفكر التكفيري فالسلفية هي نقيضها، فنحن كسلفيين ضد القتل والتدمير في أي مكان، ونعتبر أن مثل هذه الأعمال الإرهابية تمهد لمشروع فتنة على مستوى العالم ككل».
ويرى الشهال «أن تنظيم «القاعدة» لا يقدم شيئاً للسلفية بل يعمل على تشويه صورتها عندما يخلط بعض الناس بين القاعدة والسلفية البريئة من هذا الفكر جملة وتفصيلاً، وهي التي خاضت تجربة انتخابية في مصر كانت من أفضل التجارب، فأين فكر القاعدة التكفيري مما جرى في مصر من انتخابات ديموقراطية نزيهة فاز فيها التيار السلفي بعدد من المقاعد؟ وأنا أجزم أنه لو كان هؤلاء تكفيريون لما فاز منهم أحد».
الزعبي
ويقول رئيس «جمعية الأخوة والتربية والانماء الاسلامية» الشيخ صفوان الزعبي «إن أصل المنهج السلفي هو الاهتمام بتصفية ما علق في الاسلام من بدع وخرافات وفلسفات بشرية، وبالتالي تربية المجتمع الإسلامي على هذا الفكر المصفّى»، ويعتبر هذا المنهج أن الأجواء السلمية والاستقرار الأمني هما البيئة الحاضنة لهذه الدعوة، على اعتبار أنه في المعارك لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا أحد يسمع لصوت العلم والفكر، ومن يسود هو أشد الناس بأساً سواء أكان مسلماً أم غير مسلم، سلفياً أم غير سلفي».
ويؤكد الزعبي «أن هذا المنهج لا يلتقي مع فكر تنظيم «القاعدة»، وإن كنا نعده أقرب إلينا من تجار الدين والسياسة، ذلك أن «القاعدة» تضحي بنفسها من أجل قضيتها، أما تجار الدين والسياسة فيضحّون بغيرهم من أجل قضاياهم»، وأشار الى «أن تنظيم «القاعدة» موجود في لبنان عبر الفكر التكفيري الجهادي، والسلفية اليوم تمدّ «القاعدة» وغيرها من الحركات الإسلامية بالشباب المسلم لأن الساحة السلفية غير ممسوكة وغير منضبطة ومن دون أي قيادة».
ويرى الزعبي «أن السلفية تنتشر اليوم في لبنان لتعبئة الفراغ الناتج عن جنوح كثير من الحركات الإسلامية من الحالة الدعوية الى التلهّي بأمور السياسة والمناصب».
بكري
ويؤكد الخبير في الحركات الاسلامية والسلفية الشيخ عمر بكري «أن تنظيم «القاعدة» لا يشارك في ثورات الربيع العربي، بل هو يستريح استراحة المحارب، وينتظر جمع الغنائم»، معتبراً أن الحالة الاسلامية عموماً والسلفية الجهادية وحزب التحرير هم المستفيدون من هذه الثورات التي ينتج عنها إطلاق المعتقلين الإسلاميين من السجون سواء في مصر أم في تونس أم في ليبيا وهؤلاء كلهم يحملون الفكر الجهادي، وبالتالي فإن «القاعدة» ستعيد تجنيدهم وهذا سيشكل انتصاراً كبيراً لها»، لافتاً الى «أن الفضل في الربيع العربي يعود للشيخ أسامة بن لادن الذي بدأ هذا الربيع بعملية 11 أيلول، وأجبر أميركا على أن تخلع قناع الديموقراطية وأن تعطي الضوء الأخضر لطواغيت العرب لمحاربة الإسلام السياسي، إسلام الخلافة والجهاد».
ويقول بكري: «إن القاعدة أخذت من السلفية الفكر والمنهج والعقيدة، وأعطتها الخبرة العملية في القتال والدعم والتحريض. والقاعدة ظاهرة تستطيع الجماعات الجهادية أن تستفيد منها لا سيما في الصناعات العسكرية والصراع التكنولوجي، والفقه الأمني والعمليات الاستشهادية، لكونها تقدم نموذجاً في القتال في سبيل الله تحت راية الامارة الاسلامية».
ويرى بكري «أن معظم التيارات السلفية في لبنان توالي السعودية وكلها تختلف مع السلفية الجهادية، مؤكداً أن لا وجود لتنظيم القاعدة في لبنان، وإنما هناك مجموعات تحمل الفكر السلفي الجهادي عن طريق الانترنت، ولا يوجد أي تواصل بينها والقاعدة، خصوصاً أن هذا التنظيم لا مقرّ له، وهو يعرفك ولا تعرفه، يضربك ولا تضربه، وأفراده كالأسود يعيشون في الكهوف والمغاور، ويخرجون ويضربون ثم يعودون سالمين بإذن الله».
ويخلص بكري للقول «إن السلفي الذي يزور السعودية وقطر والكويت ويأتي بالمساعدات، لا يمكن أن يكون على علاقة بالسلفية الجهادية أو القاعدة، ونحن نعلم أن السواد الأعظم من السلفيين في لبنان هم على علاقة جيدة مع هذه الدول».
بارودي
وفي هذا الإطار، يقدم «شيخ القراء» في طرابلس بلال بارودي مقاربة جديدة لموضوع القاعدة والسلفية، فيرى أن لا شيء في هذه الدنيا اسمه «القاعدة» ولا شيء إسمه سلفية علمية أو جامدة أو جهادية، إنما كل ما يعرف بالحراك الاسلامي اليوم هو من أساس فكر الأمة الاسلامية، وكذلك الجهاد الذي هو فريضة على كل مسلم، عملاً بالحديث الشريف: «من لم يغز أو تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة الجاهلية»، لافتاً النظر الى «أنه في التاريخ الاسلامي لم يكن هناك شيء إسمه «القاعدة» أو الجماعات الجهادية، بل كان هناك فكر للأمة قائم على الدعوة والجهاد، وبهذا الفكر إنتشر الاسلام ففتحت مكة وسائر جزيرة العرب، وعادت القسطنطينية وفتحت القدس وبلاد الشام ووصل الإسلام الى الصين».
ويعتبر بارودي «أن الصحوة الإسلامية التي حصلت في الثمانينيات من القرن الماضي بلغت اليوم سن الرشد، وهي تعمل لاستعادة حضورها وقوتها، وقد بدأ ذلك من خلال ثورات الربيع العربي، حيث رأينا كيف أن الشارع العربي إختار الاسلاميين لتمثيله سواء في تونس أو مصر، وهذا أمر يبشر بالخير».

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 161,800,462

عدد الزوار: 7,214,689

المتواجدون الآن: 91